مستقبل سوريا في التفاهمات الأمريكية – الروسية

المحامي مصطفى أوسو
  التفاهمات الأمريكية – الروسية المتعلقة بالأزمة السورية، وخاصة تلك التي أعلن عنها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بعد لقائه في الكرملين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ” الاتفاق على جدول زمني لتأسيس إطار عمل للانتقال السياسي وكتابة مسودة دستور جديد للبلاد، في نهاية شهر آب 2016 ” أثارت جدلاً واسعاً بين المعنيين بالوضع السوري، وطرحت العديد من الاستفهامات فيما يخص مستقبل سوريا، في ظل التعثر الملحوظ التي تشهده العملية التفاوضية الجارية في جنيف بين وفدي الحكومة والمعارضة السورية، وعدم إحرازها أي تقدم ملموس، بعد ثلاث جولات من بدايتها.
إذا كانت التفاهمات المذكورة، تعني أن الدولتين الرئيسيتين الراعيتين للمفاوضات السورية – السورية، الجارية في جنيف، بما تملكانه من مصادر القوة والتأثير والنفوذ، قادرتين على فرضها على طرفي الصراع في سوريا، فلماذا يسمح بكلّ هذه المُماطلة في مناقشةمسألة الانتقال السياسي، وحتى العبث بها، وهي التي تشكّل جوهر العملية التفاوضية برمتها؟ خاصة أن هذه التفاهمات، جاءت قبيل بداية الجولة الثالثة من المفاوضات، التي باتت مجهولة المصير، بعد أن قررت الهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل المعارضة السورية، تأجيلها إلى إشعار آخر، بسبب تهرُّب نظام الأسد من استحقاقات عملية الانتقال السياسي، وعدمإحرازتقدُّم على المسار الإنساني، والخروقات المستمرة في اتفاق وقف إطلاق النار، وإلى أن يتم تنفيذ مضمون قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وهل هناك ما يتم الترتيب له لمستقبل سوريا بين هاتين الدولتين بمعزل عن السوريين؟ ثم هل أن كل ما يجري في جنيف من مفاوضات، لا يتعدّى عن كونها مسألة شكلية لا أهمية لها، حتى يتم إنضاج الظروف بإزهاق المزيد من أرواح السوريين وتدمير وطنهم، للانتقال إليها وتنفيذها؟
الاتفاقات الثنائية بين هذين اللاعبين الرئيسيين في الملف السوري، والمتباينين في الرؤية والمصالح، يثير الكثير من مخاوف الشعب السوري وهواجسه، من أن يكون ذلك على حساب تطلعاته المشروعة في الحرية وإنهاء نظام الاستبداد، خاصة بعد أن أصبحت محاربة الإرهاب ومعالجة أزمة الهجرة السورية تحتل الأولوية لدى الولايات المتحدة الامريكية، نتيجة انتشار وتمدد آفة الإرهاب الداعشي في العالم، وكذلك تفاقم مشكلة اللاجئين السوريين التي أصبحت تقض مضاجع الدول الأوربية، ولخدمة مسألة تعويم نظام الأسد وأجهزته القمعية ومنظومته الفكرية والايديولوجية..، بحجة الحفاظ على مؤسسات الدولة، لمنع المزيد من الفوضى. 
  هذا السيناريو السيّئ لن يحقّقَ الأمن والاستقرار في سوريا، وهما لن يتحققا ما لم يتم القضاء على الأسباب الحقيقية التي أوصلتها إلى ما هي عليه الآن من إرهاب وقتل وتهجير وتشريد ودمار…، والعمل على تحقيق انتقالها السياسي، استناداً للقرارات الدولية ذات الصلة، يؤسس لسوريا الجديدة، ببنائها السياسي والقانوني والفكري، يعزّز من قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويمنع ظهور الاستبداد من جديد، وخاصة الدستور الذي يعدُّ بمثابة الأساس الذي تُبنى عليه الدولة بجميع مفاصلها، ولا بد أن يكون متيناً وقوياً، معبراً تماماً عن البيئة السورية وواقع مجتمعها المتنوع، وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه إلا بواسطة السوريين أنفسهم، بعيداً عن كل أشكال الوصاية والتدخلات الخارجية.
من هذه الزاوية، على الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الروسي، باعتبارهما يقودان الجهود الدولية الرامية لإيجاد مخرج سياسي للأزمة السورية، ممارسة الضغوطات من أجل تحقيق الانتقال السياسي في سوريا، وفق القرارات الدولية المتعلقة بذلك، وحثِّ السوريين على الاتفاق على المبادئ الأساسية للدستور المستقبلي لسوريا، يلبّي طموحات وتطلعات وآمال الشعب السوري بكافة انتماءاته القومية والدينية والطائفية والمذهبية، ويؤسس لسوريا دولة المؤسسات والحق والقانون، يمارس مواطنوها حقوقهم وحرياتهم، وفق المرجعيات الدولية لحقوق الإنسان.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…