لا اعتراف بحق الكورد إلا بوحدتهم – الجزء الثالث

 جان كورد 
بناء الأسس لقيام حراك كوردستاني يعمل لنيل حق الكورد في الاستقلال
لا يحتاج الكورد إلى إقامة أو تأسيس حراك كوردستاني يعمل من أجل نيل حقهم في الحرية والاستقلال، إذا كانوا مقتنعين بأنهم سينالون حقوقهم المنشودة في ظلال الحكومات المغتصبة لأرض وطنهم كوردستان، إلاّ أن المغتصِب لا يتنازل في حالٍ من الأحوال عما يراه ملكاً شرعياً له، فالحكومات التركية المتعاقبة على السلطة منذ قيام الجمهورية الطورانية في عام 1923 تعتقد اعتقاداً جازماً بأن كل البلاد التي تسمى منذ ذلك الحين “تركيا” هي حق شرعي وأبدي لها وللشعب “التركي” الذي تحكمه، وهذا لا يزال يعني لدى البعض “الكورد أتراك الجبال”، ولغتهم الهندو-أوروبية ليست إلاّ “لهجة تركية”، ومنحهم  في تلك البلاد في نظر حكامها من مختلف المشارب الديموقراطية والاشتركية – الديموقراطية والإسلامية “خيانة وطنية”،
على الرغم من أن الكورد مواطنون أصليون في المنطقة والترك مهاجرون جاؤوا بعد ظهور الإسلام بقرون إلى المنطقة غزاةً، ناهبين سالبين، مثل سائر غزاة الدنيا، كما أن العرب جاؤوا من الحجاز ونجد واليمن ليعتبروا أنفسهم فيما بعد أصحاب الأرض الشرعيين في سوريا والعراق وفي كوردستان التي كانت قد شهدت من قبل هجرات العرب دولاً مشيدة من قبل أجداد الكورد، كدولة الميتانيين التي كانت عاصمتهم (واشوكاني) في شمال سوريا الحالية وكانت لها علاقة مصاهرة مع فراعنة مصر، وكدولة الميديين التي امتدت رقعتها من الأناضول الحالي إلى أفغانستان. 
واليوم، حيث يرى الترك والعرب أنفسهم أصحاب البلاد ولا يعترفون بوجود أو حقوق من سبقهم في السكنى والعمل فيها وعمرانها والذود عنها في وجه الغزاة من شرق الأرض وغربها، تذكرنا الصورة بالرجل الأبيض الذي استعمر القارة الأمريكية وقضى على أغلب شعوبها الأصلية بالسيف والنار، إلا أنه يعترف على الأقل بأن من يسميهم بالهنود الحمر هم السكان الأصليون في تلك البلاد، ويحاول قدر الإمكان منحهم بعض الحقوق تغطيةً وتمويهاً لجريمته الكبرى في التاريخ، في حين أن معاملة الغزاة الترك والعرب للكورد لا تزال معاملة “استعمارية” و”همجية” و “متخلفة” حقاً حسب القانون الدولي، وإن انتظار “الرحمة” ممن يؤمن فعلاً بأن الكورد مهاجرون قدموا من بلادٍ ما إلى هذه المنطقة وبأنهم الشعوب الأصلية فيها والتي أوت “الضيوف!” و” المهاجرين!” لن يأتي للمنتظرين سوى باليأس والقنوط، فالمغتصب هو “صاحب الحق!” وهو “الذي يعطي ويأخذ!” ما دام بيده القوة، على الرغم من حقائق التاريخ الدامغة، فهو الذي يسطّر ذلك التاريخ ويربي به أجياله وينشره في إعلامه ويحاول اقناع نفسه والعالم به. أما إذا تأكّد الكوردي من أن محتلي أرضه ومغتصبي تاريخه وثرواته لن يتكرموا عليه بحقه في تقرير مصيره بنفسه، فإنه سيفكّر في مشروع تحريره تفكيراً جاداً وحاسماً، لا تردد فيه، بعيداً عن الاستجداء وترقّب الحسنات من الأسياد الطغاة، وهذا المشروع سيكون جواباً كافياً على أهم سؤال يتعلق بمصيره، ألا وهو: “ما العمل من أجل الحصول على حريتي واستقلالي؟”
بالتأكيد، هناك مشاريع عديدة في هذا المجال من مفكرين وسياسيين، من منظمات وهيئات وجمعيات، ولكن ليس هناك مشروع مشترك وموحد، كمشروع (خويبون) الذي يعتبر فريداً في تاريخ الحركة التحررية الكوردية، ولذا يجدر العودة إلى ذلك المشروع  (الاستقلال بالذات) الذي نجم عن مؤتمرٍ حضره سياسيون وشخصيات وطنية هامة من مختلف أنحاء كوردستان قبل اندلاع ثورة آغري بقيادة الجنرال إحسان باشا في عام 1927، وجعله أحد الأسس الهامة لبناء حراك سياسي كوردستاني موحد، ومن ثم عقد مؤتمر وطني كوردستاني على أساس التوافق الوطني، يحضره ممثلو مختلف الأحزاب والقوى والمنظمات بشكلٍ يحقق تمثيلاً حقيقياً ومناسباً لسائر فئات الشعب الكوردي والأقليات التي تعيش بينه ونعتبرها على الدوام مكوناتٍ لا استغناء عنها في كل الأحوال، والاستفادة من الخطوات السابقة لتأسيس مؤتمرات وطنية كوردستانية، حيث توالت المحاولات الجادة لتحقيق هذا الهدف، إلاّ أنها كانت ناقصة، أو من خارج صفوف الحراك السياسي المنظّم أو تابعة لأحزاب لها هدف السيطرة التامة على مفاتيح البيت الكوردستاني عامةً، مما أثار العديد من المشاكل المعرقلة لعقد مؤتمر جاد ومنصف وواقعي يخدم فكرة بناء أسس حراك قومي قادرٍ على الاقتراب من الأهداف الكبرى للأمة الكوردية، ومنها هدف الحرية والاستقلال، وهدف الاستقلالية الاقتصادية الشاملة والقدرة على تسخير طاقات هذه الأمة المنتجة من أجل تقدمها، وهدف حماية الإنسان الكوردي من المجازر والحروب والفتن الهوجاء، بإيجاد قوة قتالية دفاعية عظيمة، من تفاعل القوى الموجودة حالياً وتوحيدها وتطويرها. 
وأخيراً، إن بناء الأسس اللازمة لحراك كوردستاني قوي لن يتحقق في ظل الأنانية والحسد والتحارب والبغضاء والسهر على تشويه الآخرين سياسياً واجتماعياً، وإنما من خلال إبداء الصبر والتمتّع بروح ديموقراطية ورياضية والكف عن الهجمات التي لا تليق بكفاح المقاتلين والأحرار الكورد، والتوقّف عن محاولة الهيمنة الحزبية أو العسكرية من قبل فصيل على فصيل، والإصرار المستمر على أن كفاح هذه الأمة من أجل حريتها واستقلالها، وبخاصة بعد مرور مائة عام على اتفاقية سايكس – بيكو، كفاح طبيعي وعادل، والمساهمة فيه شرف للكورد جميعاً، إن كان بشكل شخصي فردي أم من خلال كيانات سياسية أو ثقافية أو فنية أو اجتماعية. وفي المؤتمر توضع ملامح المرحلة التالية لمشروع التحرير والاستقلال الكوردستاني.
الكورد لا يريدون شيئاً من أملاك أو أوطان الآخرين، وإنما يسعون لنيل حريتهم واستقلالهم، حتى لا يتعرضوا للمجازر كما هو حالهم حتى الآن، وعلى الشرفاء في هذا العالم دعم كفاح الكورد العادل، لا الوقوف في وجهه ومحالة تشويهه وتحريفه أو القتال ضده، وأملنا في وحدة شباب الكورد واتحاد تنظيماتهم وتقارب قادتهم.
يتبع… بناء ما يلزم من أسباب القوة التي تمهد لإقامة الكيان الكوردي السياسي الذي يصون هذا الحق ويحميه.
‏16‏ أيار‏، 2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…