ابراهيم محمود
للكرد الحق في أن يقولوا عن أنهم كانوا ضحايا السياسات الاستعمارية، إنما عليهم، على ساستهم قبل كل شيء، أن يكفُّوا عن الترداد الببغائي في أنهم ضحايا الآخرين على مدار التاريخ. كأنّي بهم يخشون من النظر إلى داخل بيتهم” المتهدم “، ليعثروا على ممهّدي الاستعمار، ومن يستبقيه حتى الآن. ولهم الحق في أن يتحدثوا عن الطبخة المسمومة لسايكس-بيكو ذات الرائحة المنفرّة بأبعادها منذ قرن كامل، وسوف يسابق السياسيون قبل المعتبَرين مثقفيهم، سيوجه المعتبَرون سياسيين من يُعتبَرون مثقفين لعقد ندوات متلفزة وجماهيرية وساحاتية، تعبيراً عن مدى الاهتمام بالقضية الكردية والحرص عليها، إنما عليهم أن يكفُّوا- ولو لمرة واحدة- عن الاستمرار في إحالة الطبخة إلى الاستعمار، والاعتراف إلى أن حاملي الحطب وإشعال نارها وبقاء الطبخة بطعمها المنفّر، هم كرد في نسبة منهم، من داخل بيتهم المتصدع.
نعم، ستكون هناك حلقات وندوات ولقاءات ومناسبات أو أنشطة متعددة المستويات وبتوجيهات وتعليمات، من قبل كرد لهم يد فيما يجري مما تقدم، ولهم يد فيما لا يراد له ذكر، طالما أنهم يسمُّون العدو خارجاً، وينسون العدو البغيض فيهم.
ومن باب المفارقة،أن سايكس- بيكو، كانا شخصيتين عالمتين بمناطق التقسيم المدرجة في الاتفاقية، ولصالح حكومتيهما، بينما على الصعيد الكردي، ينطرح السؤال التالي: متى أجيز للشخصية الكردية العالمة أو ” المثقفة ” في أن تقوم بدورها وهي توجّه السياسي فيما بعد انطلاقاً من معرفة أشمل بالمكان والزمان؟
راهناً، وكما هو جار حشده من برامج وترتيبات بهذا الصدد، سوف تصم آذاننا أصوات المعلقين الكرد وعلى إيقاعات مختلفة، والخطباء الكرد وعلى الهواء مباشرة وهم ينددون بالاستعمار وأذنابهم، ويلحّون على وجوب وحدة الصف الكردي، بينما كل حلقة فلقة لأخرى، كل ندوة في مقام سطوة على سواها، إذ من وراء هذا التنوع اللامحود، سوف يوقّت المستعمرون الجدد ومن في ركابهم ساعاتهم السياسية ماضين في تجديد محتوى سايكس- بيكو مرة أخرى وأخرى.
جل الذين سيتعرضون للاتفاقية ” المشئومة ” هم المنتمون إلى دائرة الثقافة، والمأساة هي في كونهم ضحايا سايكس- بيكو ” الكردية ” إذ يصبحون مجرد أدوات، فهم، حيث ستبح أصواتهم، وكثير منهم، سيستعرضون قواهم البلاغية، وثمة نسبة معلومة ستندس داخل المجموع لإبراز فضائل أو مناقب جهة حزبية إزاء البقية، هم في المحصّلة في مهب رياح التنازعات الكردية- الكردية، ولأنهم في حضورهم العددي الكبير، كما كان لهم حضور عددي كبير عند وضع نص الاتفاقية، لا بد أن ” الأعداء ” راعوا فيهم هذه التنازعات وقدرتها على الاستمرار تأكيداً على ميزة تعني الكرد دون سواهم، أو أولي أمرهم أكثر من الآخرين، وأن الذين خططوا للاتفاقية ودرسوها من النواحي كافة، كانوا على بيّنة من إبقاء الكرد أكراداً، يمثّل ” ضربة معلم ” امبريالية، كونية العلامة، للتدخل في شئون المنطقة أكثر فأكثر، تأكيداً على تأصيل مصالحهم فيها. وأن تكون سايكس- بيكو الرقم المضاعف لجالديران 1514م”،فهي استمرار لها، إنما بمنطق أكثر دهاء وحيلة في عملية التقسيم، والحصيلة عموماً هي ذاتها، إذ بالنسبة للدولتين اللتين تقاسمتا كردستان” آل عثمان وآل فارس الصفوية، هما نفساهما من بقيتا متقاسمتين لها، إنما هذه المرة بظهور البلدين اللذين أخضِع لهما لاحقاً: العراق وسوريا، لتكون الطبخة أكثر إثارة بالمقابل.
لن يدَّخر الكرد جهدهم في إبراز مثالب الاتفاقية المشئومة، والتشديد على وجوب رأب الصدع الكردي العميق والمخزي، ربما لأيام، وحيث سيظهر كل طرف، في أمة ” أكثر من مائة فرقة ” جميعها في ” نار الأعداء دون استثناء “، أنه السباق إلى ذلك، وسيلوّح برموزه التحزبية، وشهدائه وساحات نضاله وكردستانيته وقدوته، تعزيزاً للاكردية ضمناً، وفيما بعد سيمضي كل منهم إلى بيته، وربما سيرفع أفراد منهم كؤوس ” الطلا ” أنخاب بعضهم بعضاً، على بلاغتهم، وقدرتهم في إثارة الآخرين واستفزاز أخوة كرد لهم في الجوار، لم يدخروا هم بدورهم جهداً في أخلاقية الاستفزاز، لبعض الوقت أيضاً، وسيحاول البعض الآخر التأريخ للحدث، وكتابة نوع من المذكرات، والتعليق على وجوه دون أخرى، ومن ثم الاستعداد للانتماء إلى لعبة التنازعات الفِرَقية من جديد والإسهام الفعلي فيها، تأكيداً آخر على أن بقاء الكرد هو في تجلّيهم متفرقين، كما عرِفوا في العالم أجمع هكذا، وهم يتحركوا في ظل سايكس- بيكو التي أمنت عليهم، وإلى قرن آخر، حيث ستمر ” أكشن ” كردي في الجهات الأربع، وفي الساحات الأكثر تبيناً بالمدنية: أوربا وغيرها، حيث تكون عالمية الكرد بامتياز، طالما أنهم منتشين بأكل لحم بعضهم بعضاً حياً وميتاً.
دهوك- في 14 أيار 2016.