د. خوشناف سليمان
شهد العالم خلال تاريخه الطويل تحولات كبيرة أدت في نهاية المطاف الى قيام نهضة علمية شاملة، كانت السبب المباشر في حدوث الثورة الصناعية خلال القرن التاسع عشر، والذي كان من أبرز نتائجها ظهور النظام الرأسمالي. وهو نظام قائم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والعمل المأجور ورأس المال، ويتم فيه إنتاج وتوزيع السلع والخدمات وتَملك الثروة حسب آليات السوق. وقد استطاع النظام الرأسمالي تغيير العالم جوهريا، وساهم في انتشار الرفاه الاقتصادي وقيم الحرية وحقوق الإنسان وترسيخها في بقاع واسعة من المعمورة. ولكن ومع بداية القرن العشرين، تعرض لإنتكاسات متتالية، آخرها كانت في سنة 2008. وتبين أن الرأسمالية لم تعد قادرة على الوفاء بوعودها بالقضاء على الفقر والفوارق الاجتماعية، حيث تحول فيها الإنسان الى مجرد سلعة، مسلوب القداسة – كما يقول ماركس – قابلة للبيع والشراء، يرمز له برقم أو حرف صالح للاستهلاك، مخلوق ينبغي ان يدفع كي يعيش على كوكب الارض.
على هذه الخلفية إزدادت الشكوك حول فعالية الرأسمالية، وخاصة نسختها النيوليبرالية المتطرفة العائدة الى الحقبة الريغانية-التاتشرية. شكوك وتساؤلات، تعد بمثابة إعلان فشلها.
وصفات النيوليبرالية:
في بداية القرن العشرين واجه الاقتصاد الرأسمالي تحديات جدية، تمثلت أولا، في ظهور الأشتراكية، التي دعت الى ملكية الدولة لوسائل الإنتاج وتقليص الحرية الفردية في النشاط الاقتصادي، وثانيا، في وقوع الأزمة الأقتصادية العالمية 1929-1933، والتي أدت الى حدوث كساد اقتصادي كبير وانتشار البطالة في الدول الرأسمالية. لقد هزت الأزمة أركان نظامها الاقتصادي الى درجة الانهيار، وبدرجة أقل للبلدان الخاضعة لسيطرة الدولة. وكان ذلك سببا مباشرا لظهور النظرية الكينزية، لصاحبها الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز، الذي قدم في كتابه الشهير “النظرية العامة” سنة 1936، حلا يدعو الى وجوب تدخل الدولة فى الاقتصاد للتمكن من مكافحة الازمات ومعالجتها من خلال تبني سياسات مالية ونقدية مناسبة. وقد اتسع بالفعل نطاق تطبيق أفكار كينز بعد الحرب العالمية الثانية وتبنتها معظم الدول الغربية في سياساتها الاقتصادية.
في بداية السبعينيات، على إثر تفاقم أزمة ارتفاع سعر النفط، برزت رؤية اقتصادية جديدة ومغايرة للنظرية الكينزية، أكدت أن سبب الأزمة لا يكمن فقط في ارتفاع اسعار النفط، بل في ارتفاع نفقات الدولة على الخدمات العامة. وكان ذلك بمثابة بداية الارتداد عن توصيات كينز وولادة سياسة اقتصادية رأسمالية جديدة، انتهجتها كل من رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر والرئيس الاميركي رونالد ريغان، حيث قاما بتطبيق طروحات عالم الاقتصاد الليبرالى فريدريك فون هايك، ومستشار ريغان الاقتصادي ميلتون فريدمان. وقد تمثلت آرائهم في فكرة بسيطة مفادها: ان الرأسمالية وتدخل الدولة فى الاقتصاد خطان لا يلتقان. وأن علاج الأزمة يكمن في عودة اقتصاد السوق والسماح له بالعمل بحرية، و التخلص من عبء أجهزة الدولة البيروقراطية. ودعوا إلى إطلاق آليات السوق وحرية رأس المال وبناء إقتصاد عالمى، قادر على توزيع الأرباح بوساطة “اليد الخفية”، التى تحدث عنها آدم سميث. ثم جاء إعلان “توافق واشنطن”، الذى كرّس ما يسمى بالنيوليبرالية (الليبرالية الجديدة). وهي في جوهرها ظاهرة رأسمالية تقوم على عدة افتراضات:
1- زيادة حرية القطاع الخاص وتقليص مشاركة الدولة في التخطيط الاقتصادي تؤدي الى زيادة النمو والرفاهية، لأن الشركات الخاصة من خلال عملها في بيئة سوق مناسبة وسعيها الدائم لجني أرباح ثابتة، تقوم بتقديم أفضل الخدمات بالمقارنة مع مؤسسات قطاع العام. وعليه ينبغي أن يقتصر دور الدولة على توفير البيئة القانونية، التي تسهل عمل الشركات، لكي تتمكن من تنفيذ مهامها.
2- تحرير رأس المال وإلغاء رقابة الدولة في الحياة الاقتصادية وتحرير التجارة العالمية، هي عوامل تجلب الفوائد للجميع. وعليه يجب التخلي عن السياسات الحمائية القديمة، وإفساح المجال أمام الدول لكي تتمكن من إظهار ميزاتها التنافسية في الاسواق العالمية سواء من خلال تقديم يد عاملة رخيصة او قوة عاملة ماهرة او موارد طبيعية.
3- السياسات الهادفة الى دعم الفئات الاجتماعية المحدودة الدخل، عبر دعم أسعار المواد الغذائية الأساسية او توفير الخدمات الطبية المجانية او ضمان نظم الرعاية الاجتماعية، هي سياسات غير منتجة. لذا يتوجب تقليصها او حتى إزالتها بسبب دورها المعرقل في عمل الاسواق. وعليه يجب الحد من الإنفاق العام للحفاظ على توازن الميزانية وضمان استقرار العملة، وهو أمر سيساعد في خلق بيئة صالحة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
تطبيق النيوليبرالية:
لقد تم تطبيق النموذج المذكور آنفا، في عهد إدارة الرئيس رونالد ريغن ورئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر، حيث قامت هذه الاخيرة بإدخال مسار إقتصادي جديد في أوروبا، بُني على أربعة أركان اساسية: تخفيض الإنفاق الحكومي، تقليص البرامج الاجتماعية، خصخصة المؤسسات وتحرير الإنتاج.
عموما لا يمكن التقليل من شأن الأثر الايجابي الذي تركته سياسة “المرأة الحديدية” الاقتصادية وإنعكاسها على استقرار الاقتصاد البريطاني، بعد تعرضه لسلسلة من الأزمات الحادة. غير أن السياسة التاتشرية أثارت موجة عنيفة من الصدمات، كانت من نتائجها في السنوات الثلاث الأولى من حكمها، تضاعف البطالة وإزدياد عدد الإضرابات في البلاد. وقد استطاعت تاتشر بفضل إندلاع الحرب مع الأرجنتين حول جزر فوكلاند، إحراز فوز آخر في الانتخابات اللاحقة، الامر الذي أدى الى تعزيز مواقعها وإعادة الاعتبار لها. فقامت في هذه الاثناء، فى عام ١٩٨٤، بالتصدي لأكبر وأطول إضراب عمالي فى اوروبا وقمعته بقسوة شديدة. ومن ثم أقدمت على أوسع عملية خصخصة، أعادت إلى القطاع الخاص صناعات الصلب والسيارات والطائرات والنفط والغاز والاتصالات وسكك الحديد وكذلك مساكن الدولة. وقامت الحكومة بتخفيض الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية، وقلّصت تقديمات الضمان الاجتماعي والصحي. كل ذلك تمشيا مع توصيات النهج الليبرالي الجديد.
في غضون ذلك وبالتزامن مع سقوط جدار برلين وإنهيار كتلة الدول الاشتراكية في نهاية العقد التاسع من القرن الماضي، انتعشت مجددا الأفكار النيوليبرالية. فبدأت تلك الدول بالتوجه نحو إقامة نظم ديمقراطية وفق النمط الغربي. وقام صندوق النقد والبنك الدوليين وممثلو الشركات الاحتكارية المتعددة الجنسية بالسعي الى تطبيق وتكريس مسار جديد للنيوليبرالية، سمي بالرأسمالية النقية “Kapitalismus pur”. كانت من نتائجها، تفكيك صناعة تلك البلدان وتدمير قطاعها الزراعي وإفلاس مؤسسات الدولة فيها. تلى ذلك إجراء عملية الخصخصة وتحويل المؤسسات المالية والتجارية الكبرى الى شركات مساهمة استولى الرأسماليون الجدد على أسهمها بأبخس الأثمان. وقد اقترنت تلك الأنشطة بعملية نهب واسعة للثروات من جانب حفنة صغيرة من المسؤولين الحكوميين والحزبيين السابقين، الذين تمكنوا من جمع ثروات طائلة خلال مدة زمنية قصيرة. في المحصلة، ولدت شريحة أوليغارشية جشعة، استغلت مناصبها وصلاتها بمراكز القوى للإثراء غير المشروع. وقد اتسمت العملية، التي سميت رسميا بالإصلاح الاقتصادي، بتفشي وإزدهار الجريمة وتشابكها مع النشاط الاقتصادي، مما أدى الى ظهور جماعات المافيا، التي بدأت بالتغلغل تدريجيا وبشكل مباشر في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. فتشابكت وتلاقت مصالح الأوليغارشيا المالية مع نشاطات الجماعات المافيوية.
وفي نفس السياق، فُرض في اماكن عديدة من العالم صيغة متطرفة للرأسمالية النيوليبرالية، سميت “العلاج بالصدمة”. وهي سياسة لا تعرف الرحمة وتدعو الى إلغاء دعم الدولة الاقتصادي للبرامج الاجتماعية والتأمين الصحي واساسيات الغذاء والادوية، وإخضاع ذلك لقانون العرض والطلب، وتنادي كذلك بتحرير السوق وزيادة العبء الضريبي وتحييد دور النقابات وإلغاء القيود على أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى.
تعثر سياسات النيوليبرالية:
في ظل هذه الوضعية وعلى وقعها شهد الاقتصاد العالمي اختلالات بنيوية خطيرة، تمثلت في تراجع نسبة الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المنتجة للسلع وفي ضمور وانكماش الاقتصاد الحقيقي، والذي افضى بدوره الى تضخم الاقتصاد المالي وإنتشار ظاهرة المضاربات المالية في الاسواق من خلال خلق اقتصادات افتراضية في البورصات العالمية، منعزلة عن النشاط الحقيقي. وقد حققت فئة ضيقة من المضاربين أرباح عابرة للقارات وثروات رقمية هائلة، لا تمت بصلة الى الاقتصاد الاستثماري. فقد بلغ حجم التبادلات المالية ألفا تريليون دولار فيما بلغ إجمالي الناتج الوطني على الصعيد العالمي 44 تريليون دولار فقط.
في هذه الظروف بالذات، برزت أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الامريكية، حينما قامت البنوك بمنح قروض عقارية ذات أسعار فائدة مرتفعة، تجاوزت قيمتها بمقدار ثلاثة اضعاف قيمة العقارات الحقيقية. ومع انخفاض القدرة الشرائية للمَدِيونين، أصبحوا عاجزين عن الوفاء بإلتزاماتهم بتسديد أقساط القروض. في المحصلة إنهارت أسواق المال، وأعلن أكبر البنوك الأمريكية، بنك ليمان براذرز الاستثماري، إفلاسه في سبتمبر عام 2008، والذي خلّف دماراً هائلاً وجرّ الاقتصاد العالمي برمته الى حافة الهاوية، حيث لا تزال تداعياته جارية حتى الآن. لقد أظهرت هذه الأزمة مكامن الضعف في النموذج النيوليبرالي للرأسمالية في صيغته المذكورة أعلاه. نقاط ضعفه لا تتجلى في التناقض بين تقليص دور الدولة في الاقتصاد وتضخيمه في الحرب والسياسة وحسب، بل ايضاً في إفتقاره الى مرجعية أخلاقية تهدئ من توتر “اليد الخفيّة”، التي تميل دون هوادة نحو الغلو والتطرف.
في هذا الصدد، يمكن الاستشهاد بتقارير مؤتمرات منتدى دافوس الاقتصادي، التي تحمل في طياتها اعتراف واضح بفشل النيوليبرالية، وتشير الى ان أكبر المخاطر التي تهدد الاقتصاد العالمي في المستقبل هو ليس مجرد الركود والانكماش فحسب، وانما اتساع فجوة الدخل وتفاقم اللامساواة بين الأغنياء والفقراء وبين المنتجين واصحاب رؤوس الأموال في الملكية والثروة. وقد نشرت منظمة اوكسفام الدولية المعنية بمكافحة الفقر تقريراً شارك فيه أكثر من 700 خبير، جاء فيه أن الثروة العالمية بلغت خلال عام 2014، 241 تريليون دولار، منها 110 تريليون كانت في حوزة 1% فقط من اغنياء العالم، وأن 85 شخصا فقط يملكون نصف تلك الثروة. وفي هذا الإطار أثار الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي، في كتابه “رأس المال في القرن الحادي والعشرين”، نقاشا حادا حول هذه القضية بالذات. وتوصل في دراسته حول علاقة السلطة بالمال، في مراحل تاريخية مختلفة، الى استنتاج مفاده، أن تراكم الرأسمال كان أسرع من النمو الاقتصادي، والذي ادى الى خلق بنية منتجة للتفاوت الاجتماعي، ويشير في هذا الصدد الى حصول عشر السكان الذين يمثلون أصحاب رؤوس الأموال على عوائد تفوق كل ما يحصل عليه العاملون بمختلف فئاتهم في صورة أجور. ويستخلص بيكيتي، أن اللاتكافؤ في توزيع الثروة ادى الى ظهور فوارق اقتصادية واجتماعية وتوترات سياسية عديدة، وأن ظاهرة اللامساواة المتصاعدة في الدول الرأسمالية ستقضي على الديموقراطية كنظام سياسي وستفتح الباب أمام تحالف الثروة والسلطة ليصبح النظام معبراً عن حكم القلة من أصحاب رؤوس الأموال الكبرى. وتأتي هذه الاستنتاجات تأكيدا على ما ذكره ماركس في عصره، وكان محقا، عندما قال “أن تراكم الثروة في قطب واحد من المجتمع هو في الوقت ذاته تراكم الفقر والبؤس في القطب الآخر”.
رغم كل المساوئ والإخفاقات المذكورة اعلاه، التي صاحبت مسيرة النيوليبرالية، مازلت الدول الرأسمالية الكبرى تسعى جاهدة الى فرضها على بلدان العالم، من خلال لعبتها القديمة، المتمثلة بتحويل تلك البلدان الى مجرد توابع وأسواق لتصريف بضائعها، والإستمرار في نهب وسلب ثروات الشعوب. وتقوم بتنفيذ هذه المهمة، منظومة متكاملة تتحكم بالاقتصاد العالمي، لها ثلاثة أذرع، يمكن تسميتها بثالوث الهيمنة الرأسمالية:
الاول، وهو صندوق النقد الدولي (IMF) الذي انحرف عن هدفه المتمثل في ضمان استقرار أسعار صرف عملات الدول الأعضاء وحمايتها من التقلبات المالية، وسعيه عوضا عن ذلك الى إلغاء كل القيود على تحركات رأس المال لتحقيق اكبر نسبة من الارباح.
الثاني، وهو البنك الدولي (WB) صاحب سياسات التكييف الهيكلي والإقراض، الذي تحول الى أداة للصندوق، فهو يمنح القروض مكافأة للدول التي تفتح أبوابها للشركات العابرة للقارات ويمنعها عن تلك التي ترفض فتحها.
الثالث، وهي منظمة التجارة العالمية (WTO) لتحرير التجارة، التي وضعت التنمية في خدمة التجارة الدولية. وهي منظمة غير ديموقراطية تملك صلاحيات وسلطات هائلة، وتعمل لصالح الشركات المتعددة الجنسية من خلال خلق فضاء اقتصادي متحرر من القيود.
جميع هذه المراكز، تقوم في الواقع بخدمة مصالح حفنة من الرأسماليين اصحاب الشركات المتعددة الجنسيات، الذين تحدث عنهم توماس بيكيتي.
لقد منيت “مُعجزة” النيوليبراليزم بفشل ذريع. وهو في الحقيقة لا يعني نهاية النظام الاقتصادي الرأسمالي، ولكنه دليل على اقترابه من دائرة الخطر. الأزمة المالية الأخيرة وما حصل خلالها من ضخ لآلاف المليارات الحكومية في الاسواق الرأسمالية ما هي إلا إنعكاس لأسطورة السوق الحر. ومن اجل منع حدوث إنهيار شامل، بدأت حكومات الدول الرأسمالية باللجوء الى سياسات تتناقض مع الفكر النيوليبرالي، الرافض لفكرة تدخل الدولة في الاسواق. المفارقة هنا هي ان الدول، التي تتبنى هذه النظرية، تقوم بممارسة سياسات حمائية عبر إتباع عدة وسائل، تتمثل في وضع عراقيل امام دخول السلع الأجنبية الى أسواقها او من خلال تقديم الدعم المالي للمنتجين المحليين. وباشرت بضخّ آلاف المليارات في القطاع المصرفي من اجل شراء وتسديد ديون البنوك والشركات الكبرى، وكذلك تطبيق برامج لدعمها وإنقاذها من الإنهيار، عبر تخصيص أموال دافعي الضرائب او إجبارهم على دفع ثمن فشل أفعالها الأثيمة. وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن هنا الاشارة الى القرارات التي اتخذتها الولايات المتحدة سابقا في الدعم المباشر لشركة جنرال موتورز، عملاق الشركات المنتجة للسيارات.
في الواقع، تجري كل هذه العمليات على اساس فكرة التدخل! وان الترويج للنموذج الآنف الذكر هو مجرد أداة لبسط الهيمنة وفتح الأسواق الخارجية (أسواق العالم الثالث)، لأنها أقل حماية وأكثر قابلية للإبتزاز وأكثر تملكا للموارد والثروات. فيما تستخدم المراكز الرأسمالية الكبرى كل ما لديها من خيارات من أجل حماية أسواقها وضمان فعالية ومرونة رؤوس أموالها. رغم ذلك يتحدث رواد الفكر النيوليبرالي، وبصفاقة، عن عدم وجوب تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية؟
نحن أمام معضلة جدلية بالغة الأهمية: كيف ننتج وكيف سيتم التوزيع؟ لقد تبين ان النيوليبرالية الرأسمالية لا تقدم حلولا ناجعة لهذه المسألة. لذا ينبغي إيجاد خيارات تنموية بديلة، مبنية على تجربة إقتصاد السوق الاجتماعي، التي تضمن دور الدولة الحيوي في ترشيد السلوك الاقتصادي وتنظيم النشاط الاجتماعي. هي وحدها قادرة على تبني واتخاذ تدابير تخفف من حدة الصراع بين العمل ورأس المال، وقادرة على فرض ضرائب تصاعدية على الأثرياء لتقليص الفجوة بينهم وبين الفقراء.