الكرد ومفهوم «الامن القومي»

صلاح بدرالدين

بحسب التعريف العلمي، الموضوعي المعمول به بالموسوعات، والدراسات الاكاديمية، منذ القرن السادس عشر، فان تعبير او مصطلح ” الامن القومي ” يقتصر فقط على شعوب، وامم تعيش في رقعة جغرافية موحدة، ومحددة، تخضع لادارة مستقلة واحدة، وقد ترافق بروزه مع ولادة الظاهرة القومية، وتشكل القوميات بعد عصر النهضة، وتوسع الوعي المعرفي من خلال اعمال الفلاسفة، واندلاع الثورات باوروبا خصوصا الثورة الفرنسية، والقضاء على الاقطاع، واقتصار دور الكنيسة على أمور العبادة، وإعادة الاعتبار لحقوق الفرد، واطلاق حريات المجتمع المدني . 
  ومن اجل تذليل كل العقبات امام مهمة الحفاظ على أمن، وسلامة مجموعة بشرية متجانسة، فقد اندفع الاوروبييون نحو إقامة الدول، والكيانات، ورسم حدود البقعة التي يراد الحفاظ على امنها، وهكذا يمكن استخلاص ان هذا المفهوم مرّ بمرحلتين في الأولى اعتبر استراتيجية ضيقة  وهي ” صد هجوم عسكري معادٍ، وحماية الحدود من الغزوات الخارجية، والمحافظة على الاستقلال الوطني. وفي المرحلة الثانية صار على الدولة أن تؤمّن مواطنيها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ضدّ أخطار متعددة فرضتها طبيعة الانفتاح الواسع على العصر الحديث “.
  وهناك ما يشبه الاجماع في عصرنا الراهن على ان مفهوم ” الامن القومي ” يعني ”  حماية الحكومة والبرلمان للدولة والمواطنين عبر سياسات فرض السلطة، سواء كانت سياسية، اقتصادية، دبلوماسية وعسكرية ” ثم تطور المصطلح بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة في الولايات المتحدة الامريكية ليشمل مجموعة واسعة من التحديات التي تؤثر بالإضافة للأمن العسكري الدفاعي، الامن الاقتصادي، وامن الطاقة، والامن البيئي، والامن الغذائي، وامن الحدود، والامن الالكتروني، وبينها أيضا مواجهة المسؤولين الفاسدين، وتجار المخدرات، والشبكات الإرهابية.
الكرد ومفهوم ” الامن القومي “
 هذا المفهوم حديث بالوسط الثقافي الكردي ولكن يجب القول انه في المنظور التاريخي وباعتبار الكرد ينتمون الى قومية واحدة يتشاركون بمصير افتراضي واحد، وما يجمعهم اكثر بكثير ما يفرقهمم، ولكن على ارض الواقع فانهم لا يعيشون في دولة واحدة، وتحت ظل نظام سياسي واحد، وحضارة واحدة،  وفي حماية أمن قومي مشترك واحد، وبما ان مصطلح ” الامن القومي ” يرتبط بشكل مباشر بالدولة القومية، والحدود المرسومة للمجال الحيوي لذلك الامن، والعلاقات الاجتماعية، والاقتصادية المترابطة وهي ليست متاحة الان للكرد، فلا يمكن استخدام هذا المصطلح، والتعويل عليه بشأن الكرد، ولا يمكن اسقاطه على الحالة الكردية السياسية الراهنة في المنطقة، اللهم الا من باب المشاعر، والتمنيات .
  بهذا المجال واذا انتقلنا من العام الشعبي، والروابط التاريخية المتأصلة بين كرد العالم التي تغنى بها الشعراء، وهي بحد ذاتها  تحتاج الى توفير شروط استكمال” الامن القومي الكردي ” وفي المقدمة انتزاع حق تقرير المصير، وإعلان الاستقلال الناجز لكل جزء، او لكردستان التاريخية ، نقول اذا انتقلنا الى مقاربة المصطلح بالحركة السياسية القومية الكردية في الأجزاء الأربعة في الوقت الراهن، والاطلاع على برامجها، وأهدافها المعلنة القريبة والبعيدة، وواقعها التنظيمي المحلي، او القطري، فلن نجد مركزا قوميا جامعا بين تلك الحركات، ولا صيغة تنظيمية تربطها بالبعض الاخر، ولا ميثاق مشترك، ولن نجد أي حزب كبيرا أو صغيرا، تبنى في برنامجه، ونظامه الداخلي، مفهوم ” الامن القومي ” الشامل والالتزامات المطلوبة، تجاه تعزيزه، وتطويره بالتعاون بين الجميع  .
  لذلك فان مفهوم ” الامن القومي ” ومن حيث الواقع الموضوعي لن يتجاوز حدود الجزء الواحد من كردستان المقسمة، فلكل شعب كردي في الأجزاء الأربعة ” أمنه القومي ” الخاص به، ويدور حول وجوده، وحقوقه القومية، والديموقراطية، وصيانته من الاندثار ومن تغيير تركيبته الديموغرافية ، والحفاظ على ثقافته وتنميتها، وتعزيز دوره على المستوى الوطني .
  ومن الحقائق المؤسفة فان العقود الأخيرة شهدت أنواعا من التعارضات ولااقول (التناقضات) بين متطلبات مصالح ” الامن القومي ” بين هذا الجزء وذاك بسبب تنامي بعض الظواهر الغريبة في الأوساط الحزبية الكردية مثل نزعات : هيمنة القوي على الضعيف، والمغامرة، والتحزب الأيديولوجي، وخدمة الاجندات الخارجية، والانحراف عن خط الكوردايتي.  
    اما الضلع الاخر في مفهوم ” الامن القومي ” لكل جزء  فهو ” أمن الفكر القومي ” ويعني الحفاظ على أمن وسلامة، ووحدة، وشرعية، حركته القومية الديموقراطية، وصيانة تقاليدها النضالية، ورموزها، وجوهرها الديموقراطي، ومنطلقها المستند الى مبدأ حق تقرير المصير،  من عبث التيار المغامر المنحرف الذي يشكل – ب ك ك – وامتداداته، التحدي الأكبر في العصر الراهن، على الأصعدة الفكرية، والسياسية، والثقافية  .
العلاقة العضوية بين مفهومي ” الامن القومي، والامن الوطني “
  ” الامن القومي ” لكل جزء من أجزاء كردستان التاريخية، محكوم بدائرتين، ” للامن الوطني ” الدائرة الأولى تجمع الكرد بالمكونات القومية، والاجتماعية، المتعايشة منذ قرون في مناطقهم بالدرجة الأولى، وكذلك في المناطق المختلطة، والدائرة الثانية تشمل ” الامن الوطني ” على مستوى جغرافية البلاد، وهنا لايجوز للمثقف الكردي الاكتفاء فقط بالدعوة لصيانة ” الامن القومي ” وتجاهل الدائرتين الوطنيتين المحلي، والاوسع، لأهميتهما البالغة خاصة وان القضية القومية الكردية، بدأت منذ بداية القرن الحالي، تندمج أأكثر في الفضاءات الوطنية، واذا اخذنا بالاعتبار التجربة الانضج، والامثل، والأكثر تقدما في الحركة القومية التحررية الكردستانية، واقصد تجربة إقليم كردستان العراق، سنرى كيف تم العودة الى المركز الفيدرالي، بعد استفتاء تقرير المصير سبتمبر  ٢٠١٧، وإعادة التوازن بين القومي، والوطني، وتعزيز الدائرة العراقية من جديد، بل إمكانية القيام بدور كردستاني مؤثر في العملية السياسية الوطنية .
  لقد حان الوقت لأن يعيد المفكرون، والباحثون الكرد النظر في مفهوم “الامن القومي” وان يغادروا (الرومانسية) المتبعة منذ القرن التاسع عشر في تحليلاتهم، ورؤاهم، فلايمكن ونحن ببداية القرن الواحد العشرين، ان نزن الأمور بمقاييس القرنيين الماضيين، نعم سنتمسك بمبدأ حق تقرير المصير، وبجميع حقوق شعبنا، ولكن الى جانب قبول التطورات الحاصلة في المفاهيم، أولا، والالتزام بمتطلبات الداوائر الوطنية ثانيا .
  كما حان الوقت أيضا بأن تحدد الحركات القومية السياسية الكردية فهمها لمقولة ” الامن القومي ” ونظرتها لمستقبل العلاقات القومية، والصيغة الأمثل لادارتها، خاصة وقد بلغ العداء بين أطرافها الى الذروة، واستفحل صراع المحاور، ونجح الأعداء في مخطط تكريد الصراع، لذلك يجب التوافق بين الأطراف السياسية في مختلف أجزاء كردستان على جملة من المبادئ حول تفسير ” الامن القومي ” ومنها : ١ – تحريم الاقتتال، أو التدخل بشؤون البعض الاخر، واحترام الخصوصيات، ٢ – ادانة نهج – ب ك ك – المغامر التدميري، وانسحاب مسلحيه من جزئي الجنوب والغرب  ٣ – التنسيق والعمل المشترك والتعاون بين الأطراف الكردية والكردستانية، ودعم عملية انجاز تجربة كردستان العراق كمكسب قومي استراتيجي .
•-  نشر هذا المقال في أسبوعية – كولان – التي تصدر باربيل عاصمة كردستان العراق باللغتينن الكردية والعربية .
    

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…