المؤسس المنسي(حمزة نويران)

علي شمدين

من بين الحقائق الثابتة في تاريخ الحركة الكردية في سوريا، والتي لايختلف حولها حتى الجاحد والحاقد والأناني، وهي أن حمزة نويران كان أحد الثلاثة الأوائل الذين تباحثوا في عام (1956)، حول أهمية تأسيس أول حزب سياسي كردي في سوريا، ومن ثم بادروا إلى كتابة نظامه الداخلي وبرنامجه السياسي وطبعوهما باللغة الكردية في نفس العام بمطبعة كرم بدمشق، وكان له شرف تشكيل أول خلية تنظيمية لهذا الحزب الوليد في مدينة الدرباسية، ليصبح فيما بعد أحد السبعة الذين إلتم شملهم في (14/6/1957)، ليتفقوا معاً وبعد حوارات مصيرية حول إعلان هذا الحزب رسمياً تحت اسم (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا)، وكان واحداً من بين العشرة الأوائل الذين تشكلت منهم أول قيادة للحزب برئاسة (نور الدين زازا).
وما أن تنامى حجم الحزب وتنظيماته، وتوسعت نشاطاته السياسية والجماهيرية، حتى أثار الحزب غضب سلطات الوحدة وحقدها الأعمى، فكان حمزة نويران أول ضحية سياسية من ضحايا حملاتها الهستيرية، حيث تم اعتقاله في الجزيرة أوائل عام (1959)، ليكون بذلك أول معتقل سياسي كردي في تاريخ الحركة الكردية في سوريا، فسارعت السلطات في نقله إلى سجن المزة بدمشق بتاريخ ( 13/2/ 1959)، فكان عنيداً في مواجهة جلاديه، ثابتاً في مواقفه، مؤمناً بمبادئ حزبه ، ملتزماً بسياسته التي توازن بموضوعية بين بعديها الوطني والقومي، لم يخضع لتهديدات تلك السلطات أو يخضع لترهيب زبانيتها التي مارست أقسى وأشد أساليب القمع والقهر والتعذيب بحقه، مثلما لم تنل منه ظروف الفقر والعوز والفاقة التي ظل يعانيها طوال نضاله الدؤوب بين صفوف الحركة الكردية في سوريا، ولم تنجح حملات التضليل القاسية والاتهامات المسمومة التي كانت تنهال عليه من دون رحمة، في وهن عزيمته أو إضعاف ثقته بنفسه، كان كادراً نشيطاً في نضاله التنظيمي، ومرناً في علاقاته الاجتماعية والسياسية، متواضعاً في تعامله مع وسطه السياسي والحزبي، خبيراً في عمله التنظيمي، نشأ في عائلة مسحوقة فكون نفسه بنفسه، حتى بات بذلك أحد الرموز اللامعة بين صفوف الحركة الكردية في سوريا.
لقد ولد حمزة نويران في قرية القرمانية التابعة لناحية الدرباسية عام (1927)، ولكن سرعان ما غدر به القدر فأصبح يتيماً وهو لم يكمل بعد سنواته الثلاث الأولى من عمره، ليواجه الحياة بكل مرارتها وقهرها، وحيداً أعزل من كل سلاح سوى سلاح الإرادة في العيش بحرية وكرامة، وإرادة الصمود في وجه الظلم والاستعباد بكل أشكاله، وبالتالي إرادة الإصرار على الانخراط في النضال بين صفوف الحزب الشيوعي السوري، كإنسان يطمح إلى العيش في مجتمع تسوده العدالة والحرية والمساواة، ولكنه سرعان ما اكتشف بأنه ليس مجرد إنسان فقط وإنما هو كردي أيضاً، فاصطدم بالعقلية الشوفينية داخل تنظيمه الحزبي في الجزيرة، على إثر مطالبته وعدد من رفاقه الكرد بإصدار نشرة باللغة الكردية على غرار ما كان يصدره الحزب آنذاك باللغة الأرمنية، فاضطر مع رفاقه الى الإستقالة من الحزب الشيوعي السوري عام (1954)، عندما تم رفض طلبهم وإتهامهم بالكوسموبوليتية، ولكنه لم يستسلم لتلك العقلية الشوفينية، وظلت إرادة النضال من أجل الخصوصية الثقافية الكردية متقدة في داخله، وكان للمتنورين الكرد الفارين من بطش الأتاتوركية التي قمعت ثورة الشيخ سعيد بيران بوحشية، الذين كانت الجزيرة ملاذاً آمناً لهم، دورهم الفاعل في تأجيج هذه الإرادة وصقلها أكثر لدى حمزة نويران الشاب المفعم بالحيوية والنشاط، والذي آمن خلال فترة انضمامه إلى الحزب الشيوعي السوري بأن الكادحين لا يخسرون في تمردهم على الظلم سوى الأغلال التي تكبلهم، فظل على تواصله المستمر مع (أوصمان صبري، وحميد درويش)، إلى أن تبلورت لديهم عام (1955)، فكرة تأسيس جميعة باسم (جمعية إحياء الثقافة الكردية)، التي قامت بالعديد من النشاطات الثقافية وطباعة الكتب، الأمر الذي شجعهم لتجاوز الحدود الثقافية التي تأسست الجمعية من أجلها، والبحث عن إطار أوسع للنضال القومي ليشمل النضال من أجل الحقوق القومية (السياسية والثقافية والاجتماعية)، فتولدت على يدهم المباركة فكرة تأسيس أول حزب سياسي كردي في سوريا.
ورغم تجميده لنشاطه الحزبي في فترات متفرقة، ولأسبابه الخاصة ولاختلافه مع رفاقه حول بعض القضايا التنظيمية، إلا أنه ظل عضواً فعالاً في حزبه (الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا)، لغاية عام (1974)، حيث اعتزل العمل التنظيمي نهائيا، وظل ملتزماً كما كان بخط الحزب القومي وبنهجه السياسي ومبادئه، إلى أن وافته المنية في يوم الأحد المصادف (23/6/1996)، ليوارى الثرى في مدينة سري كانية التي ترزح اليوم تحت نير الاحتلال التركي والميليشات المتطرفة التابعة له، لتمر ذكرى هذا المناضل الرمز من دون ضجيج، ومن دون أن يتمكن رفاقه وذووه حتى من وضع إكليل من الورد على ضريحه تكريماً لنضاله وإجلالاً لذكراه.
السليمانية 28/6/2022

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   منذ 2011، فتحت تركيا أبوابها للسوريين، ليس دعماً لهم، بل لاستغلال نزوحهم، على أكثر من صعيد، متوهمةً أن سقوط النظام لن يطول. استقبلت الأيدي العاملة، بأجور جد زهيدة، و استغلتهم عبر أساليب مشينة، واستفادت من ضخّ المساعدات الدولية الممنوحة للسوريين، بينما اضطر رجال الأعمال إلى نقل مصانعهم إلى هناك، لاستمرار معيشتهم وديمومة حياتهم، ما عزّز الاقتصاد…

في إطار الاهتمام العالمي بالقضية الكردية عامّةً، وفي سوريا على وجه الخصوص، بعد الأحداث الدامية في 12 آذار 2004م، ازداد اهتمام العواصم الأوروبية بقضيتنا الكردية؛ فأوفدتْ مندوبين عنها إلى الجزيرة من قبل الاتحاد الأوروبي والقارة الأمريكية (كندا)، وذلك للوقوف على الحقائق كما هي في أرض الواقع؛ بغية الوصول إلى رسم تصوّرٍ واضحٍ ومباشرٍ لوضع الشعب الكردي في سوريا ومعاناته الاجتماعية…

ماهين شيخاني كان يكبرنا سناً ومحل احترام وتقدير لدينا جميعاً وفي المؤتمر (……) كان بيني وبينه وسادة، لمحته ينظر لوجوه المؤتمرين، هامسته : هل أكملت جدول الانتخاب ..؟. أجاب: مازال قائمتي بحاجة الى بعض المرشحين ..؟!. وضعت ورقتي المليئة بالأسماء التي انتخبتهم حسب قناعتي بهم على الوسادة أمامه، تفضل ..؟. نظر أليَّ باستغراب، رغم ثقته بي ووضع…

صلاح بدرالدين   منذ عدة أعوام ولم تنفك وسائل اعلام أحزاب طرفي ( الاستعصاء ) – ب ي د و انكسي – تنشر تباعا عن تدخل وسطاء دوليين لتقريب الطرفين عن بعضهما البعض ، والاشراف على ابرام اتفاقية كردية – كردية ، وانهاء عقود من حالة الانقسام في الصف الكردي السوري !!، من دون توضيح أسس ، وبنود ذلك الاتفاق…