د. محمود عباس
نقْدُ بعض الأفاضل نموذج حي على معاتبتنا، كشريحة مثقفة، من أجل التوعية، لكنه غير كاف، كأمثال أفاضلنا قلة بين جماهيرنا. منذ الستينات القرن الماضي وإلى الآن نفس الرتابة نمضي بها وقتنا؛ بما يناسب المرحلة. ويتوضح من نقدهم الصريح أن الشريحة المثقفة، لا تقدم ما يفيد جماهيرنا وطنيا. إذا أسقطنا ما تفضلوا به على نتاجنا لوجدنا أنها الحقيقة المحضة.
نتساءل لماذا ما نقدمه لجماهيرنا يذهب هباء منثورا بخصوص التوعية الوطنية؟ لعل معظمنا يرى أن ما يكتبه جدير أن يعود عليه بالفائدة أولا، وليس لمنفعة شعبنا؛ بل لترقى إلى وضع الأمور في أماكنها، أو على الأقل التخلص من هذه الرتابة القاتلة؛ التي نحن فيها.
هذا لا يعني أن بعض منا لم يحاول التخلص من الماضي وإرثه السلبي، إلا أن تجاوب القراء الكرام لم يكن مشجعا. وعلى غير المتوقع كانت الانتقادات محبطة للعزيمة، في هذه الحالة: ماذا بوسع الراغب منا أن يفعل؛ كي ينتقل بالمتابعين إلى واقع أفضل يتيح لهم رؤيته بمنظار سليم!
كما هو جار في أمثال هذه الأحوال، يبدأ مفعول التوعية من الشريحة المثقفة، دون سواها. في حالتنا الكردية كما ترون تأتينا انتقادات من هنا وهناك، في هذا الشأن، رغم قلتها، بالمقابل الإفحام انتقاديا يأتي لتصفية أمور بينية، وإن تغلفت تلك بغلاف الوطنية، وما أكثرها. فهي في المقام الأول آتية لتصفية الحسابات. ومن جهة أخرى جل ما نعتبرها وطنية تنال من منظماتنا السياسية، دون أن يجرؤ أحدنا على توجيهها لذاتنا، بذلك تكون التعمية نجمة الساحة، وقليل من المتابعين يدركونها.
من طرف ثان يرتاح بالنا عندما نخص تلك التنظيمات؛ حيث نجد أن المسؤولية هي مسؤوليتها أولا! غير أننا لو أردنا الوطنية الحقة، لاستوجبت علينا المسؤولية كتابيا قبل أي آخر لأجل فرز أناس قادرين على تحمل المسؤولية الحقة.
لست بصدد سرد محاولاتي في هذا المجال، أي العمل للحض من أجل الفرز. فما قمت بها كانت مخرجاتها أنني موالٍ لطرف ضد آخر. كم من مرة قذفني المتابعون من جهة إلى مقابلها. في بعضها كنت مدافعا عن الإدارة الذاتية وفي بعضها الثاني حسبت نموذجا حيا للمجلس الوطني الكوردي، هكذا تقاذف بي المتابعون بين هذين القطبين، إن دل هذا على شيء؛ إنما يدل على أن كتاباتنا لا تعرف سوى الحديث عن طرفين؛ لذا لم يدرك المتابعون إن بعض مقالاتي لم تكن تخص أي جهة؛ إنما كانت تحاول حث الجماهير على وعي ذاتها وواقعها.
وجدير أن نقول لو أن المتابعين والمهتمين على جميع مشاربهم كانوا قادرين على توجيه الانتقادات البناءة لتصويبي وأمثالي؛ لكنا منذ أمد بعيد في واقع غير الواقع الحالي. لا أعني التبرير لي ولأمثالي، بل أرى أننا مرتاحون بهذه الوتيرة المستدامة، والمتابعون ومعهم الجماهير مرتاحون لما نحن عليه.
أود أن أتساءل: هل أعطينا الجماهير بما يحثها لتتحمل هي المسؤولية لفرز الجدراء من بينها؟ لا يمكنني النفي المطلق؛ إلا إنه بوسعي القول إن من أرادوا ذلك يكاد أن يكونوا في حكم العدم.
حقيقة، كفانا لوم ومعاتبة، ونقد منظماتنا، التي يقارب عمرها النضالي من ثلاثة أرباع قرن، ولم تجدِ شيئا يذكر. وليكن ما انتقدنا به الفضلاء حافزا لنا من أجل حض وحث جماهيرنا لتفرز هي من يكون قابلا في إفادتها. وما يؤسف له، كلما ذكرنا أننا بحاجة إلى فرز جدير بالمسؤولية، ليحاكي العصر، واجهتنا: “كفانا من تكثير العديد القائم”! رغم أن هذا العديد لم يتوقف عن التكاثر. وهذا دليل على حاجتنا لجديرين يمحون عنا هذه السلبيات الآتية من الماضي، ويفرزوا من بين جماهيرنا القابلين على تحمل المسؤولية، وليس أولئك ممن أعادت الولادات تدويرهم من جديد.
الولايات المتحدة الأمريكية
1/11/2022م