اشكالية فرز الصديق من العدو لدى الكرد.. قضية للنقاش (252)

صلاح بدرالدين
   ” حلفاؤنا المحليون في سوريا ساروا في أوهام غير واقعية ” 
  باراك أوباما
مدخل
وطن الكرد التاريخي مقسم منذ قرون وعقود، ويتوزعون فيما بينهم الان بالإضافة الى صفتهم القومية الكردية أربعة انتماءات وطنية : تركية – إيرانية – عراقية – سورية، حيث تموضعوا من دون ارادتهم، وإرادة شركائهم الجدد من الشعوب الأخرى في الأوطان الجديدة من الناحية الرسمية الواقعية، الدستورية، والقانونية، واندمجوا في مجتمعات بصور متفاوتة بعد ان تحولوا الى الطرف الأقل عددا، وخضعوا لثقافاتها السائدة، وأنظمتها السياسية التي لايسمح لهم المشاركة في وضعها وإقرارها.
انتقلت حركتهم القومية التحررية التي قامت على مبادئ حق تقرير المصير، والاستقلال منذ بدايات القرن التاسع عشر، وكافحت عقودا كحركة تحرر اسوة بحركات الشعوب الأخرى بالمنطقة والشرق عامة ولم تحقق أهدافها لاسباب ذاتية وموضوعية، داخلية وخارجية، و في مرحلة مابعد التقسيم، تحولت الى حركات وتعبيرات سياسية ثنائية الانتماء (قومية – وطنية) تنطلق من جغرافية، وضمن حدود البلدان الأربعة المستقلة بهوياتها التركية، والفارسية، والعربية.
الكرد من الشعوب النادرة بالمنطقة التي لم تحقق تقرير المصير ابان الحربين العالمتين اللتان خلفتا عشرات الدول المستقلة الجديدة رغم كل التضحيات، والانتفاضات، والثورات، وعجزت حركاتهم القومية التحررية عن  الحيلولة دون تقسيم كردستان التاريخية، ليس هذا فحسب بل ان حركاتهم السياسية والحزبية منها على وجه الخصوص مابعد الحرب العالمية الثانية فشلت في تحقيق نوع من العلاقات الإيجابية فيما بينها، او وضع ميثاق ملزم للتعاون بين الاشقاء، بدلا من الاحتراب، والصراع التناحري، ومصادقة أعداء الآخر، وبالمناسبة هذا المشهد كان سائدا قبل ظهور – ب ك ك – وشكل الحزبان الرئيسييان في كردستان العراق طرفا الصراع، وتفاقم اكثر بعد ذلك.
مايحصل الان للكرد في الأجزاء الأربعة وفي وقت واحد وبغض النظر عن الأسباب، والمسببات  (اعتداءات إيرانية وتركية، على إقليم كردستان العراق – واعتداءات تركية على معظم المناطق الكردية السورية – ومواجهة نظام ايران لشعب كردستان ايران بالحديد والنار الان – وحرمان كرد تركيا من حق تقرير المصير، وكذلك الامر للكرد السوريين) كل ذلك وقد يحصل الأسوأ هو نتيجة طبيعية للاخطاء القاتلة التي سبق ذكرها أعلاه في عجز الحركة القومية الكردية من تحقيق تقرير المصير قبل عقود، وعجز الحركة الحزبية السياسية الراهنة في وضع أسس متينة للعلاقات القومية، وترسيخ مبدأ الحوار الديموقراطي بين المختلفين، وقبول الاخر المقابل.
في إشكالية العدو والصديق 
  في المشهد الراهن فان كلا من نظامي ايران وتركيا اللذان يستحوذان على اكثر من ٨٠٪ من كرد المنطقة ووطنهم التاريخي، والتجسيد الحي لمعركة – جالديران ١٥١٤ – والاصطفاف السني، والشيعي، يقومان بدور رئيسي في الصراع الدائر ليس على الصعيد الكردي فحسب بل على مستوى المنطقة برمتها من بغداد الى بيروت، ومن صنعاء الى دمشق، وصولا الى أوكرانيا، ولهما التاثير المباشر على مسالتي الحرب والسلام، والصراع العربي الإسرائيلي، وعلى مصير القضية السورية، فايران حليف منذ عقود لمركز – ب ك ك – في قنديل، وتوابعه خصوصا سلطة – ب ي د – بسوريا، وعدو بالوقت ذاته لكرد ايران وقيادة إقليم كردستان العراق، وتركيا عدوة ل ب ك ك وتوابعه، وحليف لإقليم كردستان، لذلك فان الحركة السياسية الحزبية الكردية الراهنة في الأجزاء الأربعة لاتتفق على تعريف العدو، والصديق فحسب، بل تنطلق ضمنا واحيانا علنا من مقولة ( عدو عدوي صديقي ) ؟! بمعنى ان تركيا عدو هنا، وصديق هناك، وايران صديق هنا وعدو هناك.
اين الكرد السورييون من كل ذلك ؟
انعكست المعادلة المتحكمة بالمنطقة، والصراع الإقليمي، والهجمات التركية، والقضية السورية ، سلبا على الشعب السوري برمته والكرد منهم خصوصا، فاضافة الى اخلاء مناطقهم بسب الهجرة، والتهجير،وتعرضهم للظروف المعيشية والأمنية الصعبة، فان النتيجة كانت وبالا على حركتهم القومية والوطنية السياسية، التي تعرضت الى التفكك، والانقسام، وتحريف الفكر القومي الديموقراطي، والعبث بميراثها النضالي، لقد كان الهدف الأساسي للعقلية الحزبوية في طرفي الاستقطاب، تأزيم الوضع الى حدود الانهيار، وقطع الطريق على إرادة الخلاص، من جانب المجموعات المستقلة، والوطنيين، والنخب الناشطة الداعية الى حل الازمة، وتحقيق الخلاص، وكذلك ومساعي إعادة بناء الحركة بالطرق المدنية الديموقراطية، وذلك حفاظا على سلطاتها، ومصالح المسؤولين المتنفذين.
فضيحة (أمريكا باعتنا) 
نحن نعلم بحكم الاطلاع على تاريخ الحركة الكردية وتجاربها المريرة، ومعرفة الجوهر الفعلي لاحزاب طرفي الاستقطاب وخصوصا الحزب الحاكم الفعلي لسلطة الامر الواقع، ووقائع علاقاته الموزعة على اكثر من طرف إقليمي ودولي والمبنية على أسس هشة، ان الطرف الأمريكي – وليس دفاعا عنه – لم يلتزم يوما لاسياسيا ولا عسكريا بوجود وحقوق الكرد السوريين، وقد اعلنها السيد – دونالد ترامب – بكل وضوح  وعندما كان رئيسا للولايات المتحدة الامريكية ” بانهم قد ينسحبون من سوريا باية لحظة، وان هناك مقاتلون من – قسد – معنا، مقابل مساعدتهم ماديا “، كما صرح اكثر من مسؤول امريكي في عهدي – ترامب – و – بايدن – ان تركيا دولة حليفة، وعضو بالناتو، ونقدر هواجسها الأمنية.
هناك عامل آخر يدفع باتجاه استسهال – بيع قسد – في أي وقت وهو تغيير الموقف الأوروبي نحو التشدد مع ايران، وكذلك الأمريكي، والإسرائيلي المتشدد أصلا، وكلما تعمق هذا الموقف كلما ازداد الضغط على – الحليف الفعلي – لإيران، وهو الخط المتنفذ المرتبط بمركز قنديل.
لقد اوهم المسؤولون المتنفذون في أحزاب طرفي الاستقطاب، ان أمريكا ليست صديقة فحسب بل طرف ضامن من اجل الاتفاق الكردي الكردي ؟!، اليس من الواجب محاسبة هؤلاء على تضليلهم المتعمد للشعب الكردي ؟ الم يظهر ان كل علاقاتها المحلية، والوطنية، والإقليمية، والدولية مجرد أوهام، ووسيلة إعلامية لتحقيق المكاسب الحزبية، والتهرب من المسؤوليات، فكل صلات سلطة الامر الواقع ماهي الا تحقيق حاجات الاخرين من القوى الكبرى خصوصا أجهزتها العسكرية والمخابراتية، التي تتنافس على النفوذ في سوريا وحولها، وجميع صلات – الانكسي – تقوم بفضل وساطات الاشقاء في إقليم كردستان العراق، فحتى لو سلمت القوى الدولية باحقية ومشروعية القضية السورية فانها لن تتعامل مع – ب ي د – كممثل للمعارضة الوطنية السورية ولا حتى كجزء منها، وحتى لو اعترفت تلك القوى بالكرد السوريين وجودا وحقوقا فانها لن تعتبر أحزاب طرفي الاستقطاب – ممثلا شرعيا للكرد، لان الحركة الكردية مفككة، وليس هناك اجماع كردي تجاه تمثيل الأحزاب للقضية الكردية.
القرار الكردي السوري مغيب
اذا كان الشعب السوري برمته غائب، وعاجز عن تقرير مصيره، فان غياب الكرد تحصيل حاصل، ومايجري بمناطقهم، ومايحصل بين الحين والأخر يتم بإرادة خارجية، وقد انكشفت جوانب اللعبة منذ حين واهمها ان كل الأطراف المحتلة بمافيها تركيا بشروطها الأخيرة الخمسة، وامريكا، وروسيا بمواقفهما الواضحة من الاحداث، وايران، وحتى إسرائيل، وخصوصا سلطة – ب ي د – تسعى جميعها الى عودة إدارة، وأجهزة النظام، حتى وصل الامر الى درجة اقنعت اوساطا من الناس بارجحية سلطة النظام ليس حبا فيه بل تخلصا بماهو قائم، وجاسم على الصدور، وهذه حقيقة يتداولها الكثيرون، وهي مرة بطبيعة الحال، وغير مقبولة لان عودة النظام المجرم الذي لم يحاسب هو أسوأ الخيارات على الاطلاق، واكثرها إهانة لدماء مئات الالاف، وسيبقى العدو الأول الرئيسي لكل السوريين وفي المقدمة الكرد، مهما حاول البعض العبث بالمسلمات، وتوجيه الأنظار الى غير مواقعها.
وقد تحتاج القضية الى نقاش

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…