عيّنة ٌ من حال الإنسان في سوريا، نرسل نسخاً عنها الى كل فردٍ وجماعة منظّمة، لايزال أو تزال تؤمن بأنّ صوت الحق والإنصاف سيعلو يوماً ويُسمع ويُطاع.
ونخصّ بالمخاطبة، كلاً من منظمة العفو الدولية/أمنستي والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان.
أيتها السيدات.. أيها السادة المحترمون..
بتاريخ ٢٧-٣٠/ ٧/٢٠٢٢ صدرت عن ما تسمى بمحكمة الجنايات في عفرين/سوريا، التابعة لتنظيم ما يسمى بالإئتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، المرتبط بتركيا والتابع لها، صدرت أحكام جزائية، تضمنت عقوبات بحق مجموعة من الأشخاص، اليكم خلاصتها:
– حسين مصطفى يوسف حسين، ( العمر٢٠ عام)، تاريخ الاعتقال ٢٨/٤/٢٠٢١، عقوبته الإعدام.
– يوسف مصطفى حسين، تاريخ الإعتقال ١/٥/٢٠٢١, عقوبته الحبس ثلاث سنوات.
– زينب محمد اولاشلي (العمر٢٧), زوجة يوسف(. المحكوم المذكور اعلاه)،تاريخ الإعتقال ١٢/٦/٢٠٢١ ،عقوبتها الحبس اثنا عشر عاما.
– مصطفى محمد مصطفى حسين(٢٨ العمر عام)، جرى اختطافه قسرا في (آذار ٢٠٢١),ظهر بعد ذلك في المحكمة المشار اليها أعلاه، و عوقب من قِبلها بالحبس ثلاثة عشر عاما.
– عز الدين مصطفى يوسف حسبن ( العمر ١٧), تاريخ الإعتقال ٥/٥/٢٠٢١, عقوبته الحبس ثلاثة عشر عاما.
– جيهان محمد اولاشلي، شقيقة زينب (المشار اليها اعلاه), حوكم ببراءتها من التهم المنسوبة اليها.
الجدير ذكره أولا وقبل الخوض في أي تفصيل آخر،هو أن المشار اليهم اعلاه، وحسب مصادرنا الخاصة داخل عفرين، قد حُرموا كما غالبية من يجر اعتقالهم وتجري محاكمتهم في عفرين وعموم سوريا، من أبسط حقوقهم في ضمان محاكمة عادلة لهم تنصفهم وتحفظ لهم كرامتهم.
حيث جرى اعتقالهم بطريقة عصاباتية بحتة، وباسلوب الاختطاف القسري ودون أن يعلم أحد، الجهة التي اقتادتهم ولا الوجهة التي اقتيدوا اليها ولا الأسباب ولا سوى ذلك.
الأمر الآخر هو أنهم تعرضوا خلال فترة الاعتقال وحجز الحرية، الى شتى صنوف التعذيب والإكراه والإهانة، حيث باتت طريقة ما تسمى ب(الفروجة المشوية في التعذيب، وتعليق المعتقل من كلتا يديه وقدميه والدوران به في الهواء وضربه وتعذيبه) اسلوبا يتفاخرون به من بين أساليب وفنون العنف التي يمارسونها.
ويجري ذلك تحت الإشراف المباشر للاستخبارات التركية وبإيعاز منهم ومن قبلهم مباشرة أحياناً.( هذا ما أشار اليه ايضا، تقرير للجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا( الفقرة ٥٤ من التقرير الحادي والعشرون للجنة،و المقدم الى مجلس حقوق الانسان في دورته الخامسة والاربعون/٢٠٢٠).
حيث وتحت التعذيب، يجري انتزاع الأقوال من المعتقلين انتزاعا وبالاكراه، بالصورة التي يريدونها، ويتم نسب التهم والجرائم اليهم ومحاكمتهم نتيجةً، على ضوء تلك الأقوال أو الافادات.
هذا كله..مع العلم بأن تهمة التعامل أو العمل مع الادارة الذاتية السابقة ومع المرتبطين بها، والتي كانت تفرض سيطرتها على عفرين، قبل السيطرة التركية وسيطرة الفصائل المسلحة التابعة لها وللائتلاف، باتت تلك التهمة قالباً جاهزا، من الممكن أن تطال وتنسب الى أي شخص وفي أي لحظة وفق مشيئة من يحكمون عفرين.
والغاية باتت معروفة وواضحة من كل تلك الممارسات والتهم الكيدية والباطلة وسواها من مختلف الممارسات والفظائع الاخرى التي ترتكب في عفرين وتطال سكانها الاصليين، ألا وهي وبإختصار شديد، نشر واقع من الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار واعدام سبل العيش،بغية بث الهلع والذعر في النفوس وحثّ وإرغام من تجري عليهم وبحقهم تلك الممارسات على ترك المنطقة وهجرها، وذلك هو مراد تركيا ومبتغاها نتيجةً، والمتمثل في نزع الهوية والصبغة الكردية عن المنطقة وتغيير ديموغرافيتها وافراغها قدر المستطاع من سكانها الاصليين الكرد.
السيدات والسادة ..
اسمحوا لنا الآن وفي السياق ذاته، بأن نأتي على تفاصيل أخرى في غاية الاعتبار والأهمية.
إن سوريا بمجملها باتت للبسطاء وللعامة فيها، بمثابة سجنٍ كبير إن جاز التعبير، إذ ونتيجة الحرب والصراع في سوريا وتعدد وكثرة مناطق النزاع أو السيطرة والنفوذ، بات كل طرف من اطراف الصراع يرغم سكان المنطقة أو المناطق الخاضعة لسيطرته على الامتثال لأوامره وأجنداته وعلى التعامل معه رغما عنهم والانصياع لما يفرض عليهم.
الغاية من بيان ذلك في الصدد الذي نحن فيه، هو أن الاساس الذي استند اليه المسيطرين على عفرين (أتباع تركيا والائتلاف السوري) في الأحكام والادانات بحق الاشخاص المشار اليهم أعلاه، كان التعامل مع الادارة الذاتية التي كانت تسيطر قبلهم على عفرين. و كانت العقوبة الأشد والمتمثلة في الاعدام بحق المدعو( حسين), مبنية على اساس اتهامه بحمل السلاح في صفوف ما يُعرف بوحدات حماية الشعب، التابعة للادارة الذاتية.
وهنا.. وبفرض صحة التهمة المنسوبة الى حسين المحكوم بالاعدام، (حيث ولحرصنا الشديد على المهنية و أمانة نقل المعلومة الصحيحة وبصدق، لم يتسنى لنا التأكد مما اذا كان قد سبق لحسين، أن حمل السلاح في صفوف تلك الوحدات ام لا).
سنفترض جدلاً، بأنه فعلا حمل السلاح في صفوف تلك الوحدات. فما وجه الحق والعدل في أن تعدم إنسانا روحه. وقد أرغم على أداء فعل أو الاتيان به، دون ان تكون له إرادة أو مشيئة في ذلك. وجميعنا يعلم بأن الادارة الذاتية كانت قد فرضت الخدمة العسكرية الالزامية إبان سيطرتها على عفرين، فهل يعني ذلك بأنه يتوجب إعدام جميع الشباب الذين انخرطوا في صفوف تلك الوحدات؟
فإن كان الأمر كذلك، فلتحاكم هيئة المحكمة التي اصدرت الأحكام، ذاتها أولا وقبل اي أحد آخر، إذ…ألم يحمل افراد تلك الهيئة السلاح في صفوف جيش النظام الذي يعتبرونه لا شرعيا ومعاديا لهم، حينما خدموا الخدمة الالزامية، وألا يعني ذلك بدوره أن ملايين السوريين يجب أن يعدموا على ضوء ذاك المعيار؟
الأهم من ذلك كله ..وجب العلم بأن الوقائع والمعلومات تؤكد بأن المدعو حسين( المحكوم بالإعدام) كان قاصرا ودون الثامنة عشرة من عمره، في فترة حمله للسلاح ضمن وحدات حماية الشعب ( فيما لو صحّ الاتهام), وهذه مصيبة أكبر في قرار الاتهام والإدانة، وينتهك ويهدد بشكل مباشر المعايير الدولية الخاصة بتطبيق عقوبة الاعدام .
وهنا بدوره وجبت الاشارة الى أن الكثيرين باتوا يعلمون، بأن الادارة الذاتية والتشكيلات التابعة لها، مثل وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية، ما زالت تقوم وبصورة مؤكدة بتجنيد القاصرين في صفوفها، رغم الاتفاقية التي وقعتها تحت اسم خطة عمل مع الامم المتحدة بتاريخ ١/٧/٢٠١٩ وتعهدت من خلاله بالتزامها بمنع تجنيد القاصرين، الا انها وللأسف لم تفي بشيء من ذلك، وهذه مناسبة لنؤكد ولندعوكم من خلالها، الى سماع استغاثاتنا في هذا الشأن ايضا، واستغاثات الناشطة الحقوقية همرين حبش التي كان شقيقها القاصر المدعو محمد زكريا حبش أحد ضحايا التجنيد القسري للقاصرين من قبل تلك الجهة مؤخرا.
السيدات والسادة المحترمون..
على ضوء كل ما سبق، واستنادا اليه، و الى كل القوانين والعهود والمواثيق والقرارات الدولية ذات الشأن، والتي نخص بالذكر منها، كلا من اتفاقية حقوق الطفل الموقعة في ٢٠ نوفمبر/١٩٨٩ وبروتوكوليها الاختياريين ولا سيما البروتوكول الخاص باشراك الاطفال في النزاعات المسلحة ٢٥ مايو/٢٠٠٠.وكذلك، اتفاقية الامم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية/٢٦ يونيو ١٩٨٧ وملحلقاته، وايضا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية/١٩٧٦، واتفاقيات جنيف الاربع/ ١٩٤٩ وبروتوكوليها.
على ضوء ذلك وسواه جئنا نناشدكم ونضعكم أمام كامل مسؤولياتكم الوظيفية والاخلاقية إزاء ما يحدث، كما ونضع من خلالكم، غيركم من اصحاب الشأن والقرار في العالم ولا سيما اجهزة الامم المتحدة وآلياتها. ونحملهم كامل تبعات ونتائج ما يجر في عفرين وعموم سوريا.
ونتقدم اليكم من حيث النتيجة بالحقائق والتوصيات التالية ونرجو العمل في إطارها:
– العمل بصورة عاجلة وملحة وفورية على الالغاء الفوري للاحكام المشار اليها في ندائنا هذا وعن مثيلاتها من الاحكام الكيدية والجائرة، وابطال مفاعيلها وآثارها كاملة واعادة الاعتبار لاصحابها ومنحهم كامل حقوقهم في تأمين قضاء عادل ونزيه ينصفهم .
– تحميل تركيا كامل تبعات ونتائج ومسؤولية ما يحدث ويرتكب في عفرين من جرائم وانتهاكات وفظائع، ولاسيما تلك الممارسات التي تمارس من قبلها وتابعيها بستار وقناع القانون من اعمال خطف وتهم كيدية ومحاكمات جائرة. و ذلك كله استنادا الى أن تركيا هي سلطة احتلال، ومن واجبها ومسؤولياتها إرساء النظام والاستقار و القانون وتأمين المرافق والخدمات وسبل العيش الكريم لسكان الاقليم المحتل. والثابت والمؤكد أن الجهة او الجهات العسكرية والسياسية والمدنية التي تحكم عفرين، تتبع جميعها لتركيا وتتلقى كامل الدعم والتمويل منها او عن طريقها.
– حث تركيا فورا وبجميع السبل والوسائل المتاحة على القيام بالتزاماتها الدولية كسلطة احتلال وإزالة آثار ممارساتها المخلة بتلك الالتزامات والتعويض عنها، ريثما ينتهي الاحتلال وتتم المحاسبة عنه.
– ممارسة كافة سبل الضغط المتاحة على تركيا، لإرساء اسس ومتطلبات ادارة السكان الاصليين نفسهم بأنفسهم. ونقل وتسليم دور السجون والاصلاح والقضاء اليهم، وابعاد كافة المظاهر العسكرية والامنية الاستخباراتية وتأثيراتها التي تعيق مهنية ونزاهة عملها عنها.
– حث تركيا وتابعيها على إخلاء السجون والمعتقلات والافراج الفوري عن كافة المعتقلين الذين جرى اعتقالهم بصورة تعسفية ومخالفة للقانون ولاجراءاته السليمة وآلياته وادواته ، وحثها كذلك على الكشف عن مصير المختطفين والمختفين قسرا وضمان سلامتهم والتعويض عما لحق بهم من أذى جسدي ونفسي ومعنوي، وأن يجري ذلك كله تحت اشراف ورقابة جهات ومنظمات مختصة ومحايدة دولية حكومية وغير حكومية.
ونختم بالقول .
انتم من سوف تقررون ما إذا كان حسين سيعيش أو يُعدم. وما اذا كنتم احرارا وضمائركم حية أم لا.
المانيا- ٥/٧/٢٠٢٢
مركز ليكولين للدراسات والأبحاث القانونية- المانيا