د. محمود عباس
محاولات تقزيم دور الإقليم الفيدرالي الكوردستاني ضمن خارطة العراق السياسية والإدارية، وإضعافها اقتصاديا، حلقة من السلسلة الطويلة لتاريخ الأنظمة العراقية المتعاقبة، الغارقة في نكوص العهود والمواثيق، عن طريق النفاق والخدع. وقرار المحكمة الٍإتحادية العراقية حول نفط كوردستان وغازه، تتمة للمخططات المتتالية، التي بدأت تنفذها القوى العراقية المدعومة من الأنظمة المتربصة بقادم أمتنا، وعلى رأسهم إيران، منذ بدأ تنامي قدراتهم، التي ساهم الحراك الكوردستاني ليس فقط في حمايتهم، بل ووضعهم على الساحة العراقية.
صدر القرار؛ ليس لأن قانون النفط غير دستوري في الإقليم، والذي هو أصلا غير مثبت في الدستور العراقي، لعدم التوافق عليه، وهو ما فتح لكل تجار الحروب وقيادات الشيعة نهبه موارده في مناطقهم من كل الجوانب، بل لأن تنامي كوردستان سيزيد من انتباه الدول الكبرى إلى تطورها وإمكانياتها الاقتصادية، وسيتم مقارنتها بمناطق الشيعة المدمرة اقتصاديا واجتماعيا والغارقة في الفساد الإداري، وقد يؤدي هذا إلى إعادة النظر في إشكاليات الاستفتاء الماضي، واحتمالية تكرارها بدعم دولي، خاصة وأن العراق الشيعية أصبحت تغرق يوما بعد أخر في مستنقع التبعية لإيران وحلفها.
فحتى ولو ثبت القانون النفطي ضمن الدستور العراقي، سيجد المتربصون مخارج لمحاربة الإقليم، مثلما يجري ومنذ سنوات مع القانون رقم 140 المرفقة بالأسباب والحجج المتنوعة، والتي تباهت النائبة الفاجرة حنان الفتلاوي على أنها سخرت كل إمكانياتها السياسية واللاأخلاقية، وعلى مدى أربع سنوات، لعرقلته رغم دستوريته.
نحن هنا لسنا بطلب رد الجميل من شرائح أدعت النبالة يوما ما، بل بما آلت إليه أخلاق التعامل الوطني الذي تباهى بها قيادات العراق الحالية أيام كانت تحتمي بحضن كوردستان وقيادتها، وتناسي الذين يقفون وراء القرار، مصير الأنظمة المتعاقبة التي حاربت الكورد، وكيف يتنامى فيهم الطمع، إلى درجة تفضيل المصالح الذاتية، والنعرة العنصرية، القومية والمذهبية، على العلاقات الوطنية. وواقع العراق الجاري خير إثبات، وخاصة توجهات المكون الشيعي الأكثر عداوة للكورد حالياً، بعدما كانوا أقربهم في زمن الدمار البعثي.
لا شك القرار سياسي، ومذهبي، وقومي، مثل قرار اقتطاع كركوك والمناطق المسماة المتنازعة عليها، وموقف السلطة من الاستفتاء، والبث في نزاهة السيد هوشيار زيباري الأن وليس في الفترة التي تحدثت فيها الإعلام عنه وعن العديد من قيادات العراق الحاليين، وعلى رأسهم قادة المكون الشيعي بكليتهم.
ومن الجهالة التركيز على هذه النقطة، وهدر الوقت في إقناع الداخل والخارج على أن القرار سياسي، وموجه ضد الشعب الكوردي وحكومة كوردستان، في الوقت الذي يدركه الجميع، بل من السذاجة التركيز على السجالات مع بغداد، بقدر ما يتوجب على قيادة الإقليم تقوية العامل الداخلي، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، وهي ليست بأصعب من إقناع القوى الشيعية بالتراجع عن القرار، بل لا نستبعد فيما لو مر الزمن على هذه وظل الإقليم الكوردستاني على خلافاته الداخلية، وأستمر تراجع قوته، سيبحثون عن جوانب أخرى لتقزيمه، على سبيل المثال، الطعن بعدم دستورية البيشمركة كقوة عسكرية مستقلة بذاتها، وقد يطالبون بدمجها بالجيش العراقي بعدما يتم حل الحشد الشعبي ويضم إلى الجيش الذي سيصبح قريبا جيشا شيعيا تابع بأغلبيته للمكون الشيعي التابع بدوره لولاية الفقيه.
للقضية الكبرى هذه وجهين، من حيث المفارقة، أو القدرة، بنت عليها المحكمة الإتحادية العراقية قرارها، كمحاولة لتحجيم إدارة الإقليم الكوردستاني في استخدام نفطها وغازها:
الأول، محاولة من الحلف الشيعي توسيع رقعة التحكم بالمنطقة، يقودها أئمة ولاية الفقيه، على حساب دماء المكون الشيعي في العراق، إلى جانب استخدامها كغطاء للتعتيم على التخلف المتفشي في مناطقهم على خلفية الفساد الكارثي، والادعاء على أن التطور الحاصل في كوردستان هي نتاج تحكمهم بالقطاع النفطي-الغازي، علما أن ما تنتجه محافظات الجنوب وعلى رأسها البصرة لا تقل عن إنتاج كوردستان، لكن الخلاف هي نسبة النهب والفساد.
والثاني، أخطاء قيادة الإقليم الكوردستاني، والتي سهلت للقوى الأخرى الدروب للسيطرة على العراق، بعدما كانت بإمكانها ترسيخ مركزها إقليميا ودوليا، وفرض ذاتها كمنطقة كونفدرالية، نحن هنا لسنا فقط في واقع التحدث عن الخلافات الداخلية، والتي أصبحت وكأنها جزء من ثقافة حراكنا وعلى مر التاريخ، رغم اختلاف الحجج، كالخطأ الذي دفع بقيادة الديمقراطي الكوردستاني، عرض السيد هشيار زيباري أو غيره، للمنافسة على الرئاسة، وكان بإمكانهم حلها قبل بلوغ مرحلة فتح المحكمة الاتحادية ملف الفساد والتباهي بنزاهة قيادات الحكومات العراقية، علما أن ملف السيد برهم صالح وقيادات الشيعة والسنة الحاليين أبشع بكثير من ملف السيد هشيار زيباري، بل نتحدث عن هدر الطاقات، وعدم تقوية الجبهة الداخلية مقارنة بالإمكانيات الاقتصادية والسياسية المتوفرة على مدى العقدين الماضيين، بغض النظر عن طفرات التطور فيها، والاكتفاء بالمقارنة بينها وبين مناطق العراق الأخرى.
ولأهمية القطاع، بالنسبة لقادم كوردستان، ركزت عليه معظم الحكومات العراقية، وأصبح مدار خلافات حامية في بغداد، وصراع بينها وبين حكومة كوردستان إلى أن حدا بعدم قدرة اللجان الدستورية الفصل فيه، وبالمحكمة الإتحادية البث فيه تحت ضغوطات خارجية قبل أن تكون داخلية، لأنهم يدركون أنه هناك توجه صحيح بدأ يظهر في عملية تسخير موارد القطاع لنقل الإقليم إلى أبعاد سياسية دبلوماسية حديثة، ورفع المنطقة اقتصاديا إلى مصاف الأكثر تطورا في منطقة الشرق الأوسط، ويتخوفون من أن تتحول الطفرة إلى عامل للفصل بينها وبين كلية العراق العربي، الشيعي-السني، خاصة مع انعدام قدراتهم اللحاق بتطورها.
الولايات المتحدة الأمريكية
15/2/2022م