د. محمود عباس
اقتنعت القوى المتربصة بالحراك الكوردي، أنه لا بد من إضافة وباء جديد إلى منهجية التخوين المبثوث بين مجتمعنا الكوردي، من ضمن محاولات تشويه صورته لدى القوى والدول التي تتعامل مع الإدارتين الكورديتين، فكان جديدهم قضايا التشهير بالفساد. وهي تعتبر طفرة ثقافية – سياسية، وتحويرات في الخلافات، مقارنة بالتخوين، فيما لو كان منبعها حراكنا الكوردستاني، لأن المنهجية تعكس نوع من المواجهة الديمقراطية، حتى ولو كانت من زواياها الملوثة، رغم إنها تحمل في ثناياها جدلية التآكل الداخلي ذاته، لكن الواقع غير ما يظن، لأنها تدعم بالمفاهيم الإلغائية، كالتخوين وغيرها والتي تقف وراءها القوى الإقليمية.
انتقال محركي الخلافات، من حلبة وباء إلى أخرى، والتي بينهما مسافات فكرية، غاياتهم السياسية ذاتها، تستهدف تشويه الثقافة الكوردية، والطعن في مكتسباتهم، وعلى الأرجح أنها تخطط وتنشر بإملاءات محتلي كوردستان، الذين لهم باع طويل في هذا المجال، وهي عمليات الفساد الطاغي الذي يربط وبقوة ما بين أكثر القطاعات الاقتصادية ربحا (القطاع النفطي) ومعظم إدارات أنظمة الشرق الأوسط.
التضارب بين التصريحات الرسمية لقيادات الأنظمة، كالنظام السوري، والبحوث الدولية، وبين الرسمية التي يتم تفعيلها من خلال شخصيات تم طرحهم على الساحة للتغطية، والتي ولدت العديد من تجار الحروب، يدل على مدى تعقد ملفات الفساد، وخاصة المتعلق بقطاع النفط، المعارضة والسلطات في سوريا والعراق اليوم خير مثال، ونهبهم لهذا القطاع الأكثر دخلا والأسهل مجالا للعبث، في ظل الظروف التي كانت عليها هاتين الدولتين وحيث الاستبداد والفساد المستشري، إلى الآن وتبعات الحرب.
فبغياب وجود لجان رقابية معتبرة، لتبيان مسارات النفط، وأسعار البيع الداخلي والخارجي، والتكتم على الشخصيات المتحكمة بها، ومدى شفافيتهم، توسع مستنقع الفساد، وتحول القطاع من داعم للدخل الوطني إلى حلبة سهلة للنهب. كما كانت في عهد الأسد الأب المقبور، والتي كانت تشمل تحت مقولته الخبيثة، نصف دخل القطاع: (النفط في أيادي أمينة فلا تسأل عنه)، وهم اليوم يبثون هذا الوباء ضمن الإدارتين الكورديتين، آملين أن يبتلي به حراكنا ومجتمعنا الكوردي، كما ابتلي بآفة التخوين، مستندين على خبراتهم الواسعة، والمعرفة العميقة بأساليب الفساد ونشره.
مختصر عن قطاع النفط في سوريا:
1- النظام وأساليب نهبه:
بدراسة تقارير النظام السابق، لمعدلات إنتاج النفط ومداخيله، يتبين مدى النهب الذي حصل والمؤدي إلى تدمير الدخل القومي لسوريا عامة، والمنطقة الكوردية بشكل خاص، طوال العقود الماضية، فرغم البحث الواسع بين السجلات السنوية الرسمية للنظام والدولية خاصة التابعة للأمم المتحدة، لم نصل إلى إحصائية تتبين فيها نسبة الأموال التي كانت تفرز وتصرف على المنطقة الكوردية من الدخل الوطني، ولا من نسبة مدخول النفط، والذي كان يقدم قرابة ثلثي الإنتاج، فحتى على مستوى المحافظات التي قسمت بينها الجغرافية الكوردستانية، لم تكن شفافة، وجميع الدوريات السنوية للإحصاء كانت متضاربة ما بين حصص المناطق الكوردية من الدخل الوطني، وبين ما تقدمه إداراتها كتقارير عن خططها السنوية ومشاريعها الإنمائية، أي أنه فيما لو كان الفساد يدمر كل سوريا، كانت المناطق الكوردية تعني من الفساد والإهمال الممنهج.
ففي إحصائية على مستوى سوريا، يتبين أن إنتاج النفط (أرتفع من حدود 53 ألف برميل يومياً في عام 1990 إلى 230 ألف برميل يومياً في عام 2005، والمُقدّر أن تصل إلى 365 ألف برميل في عام 2015، لولا اندلاع الثورة وتغيّر جميع المعطيات المتعلقة بها) علما أن إحصائيات تابعة لهيئة الأمم، ومن بي بي سي، تبين أن الإنتاج تجاوز 400,000 برميل في عام 2009م، أي ضعف ما كان يصرح به النظام، والصادرات بلغت 150 ألف برميل يومياً، في الوقت الذي كان يدرج في الإحصائيات الرسمية على أن سوريا تستورد كمية من موارد الطاقة، ورغم صحتها حسبت سجلات النظام، والتي لا تأتي على ذكر الكميات المصدرة، للتغطية على عملية التلاعب الممنهج بالموارد النفطية ودخلها، والغاية كانت التغطية على السرقة ونهب الإنتاج الوطني.
كما وكان يدرج على أن منتوج النفط يمثل حوالي 25% من الدخل السوري، والذي قدر في 2010 بمبلغ 3.2 مليار دولار. أي أن الدخل الوطني العام كان بحدود 25 مليار دولار في عام 2010م علما أن تقارير هيئة الأمم تبين على أن الدخل القومي دون الوطني تجاوز 40 مليار دولار. إحصائية النظام مقابل إحصائية مناقضة، صدرت في عام 2008م، يذكر أن إنتاج النفط لعام 2007 تجاوز 5 مليار دولار، وهو رقم يقترب من إحصائيات منظمات هيئة الأمم، لا شك هنا لا ننسى دور سعر النفط في تغيير الأرقام، إلى جانب كمية الإنتاج، لكنها لاتصل إلى سوية التغطية على ملياري دولار المفقود من السجلات الرسمية.
كما وفي إحصائيات دولية تتبين أنه كانت هناك أرباح أكثر مما تم ذكره سابقا، ما بين تصدير النفط الثقيل واستيراد الخفيف لتأمين مستلزمات مصفاة بانياس. فما بين التصاريح الرسمية لمسؤولي النظام، والتقارير الدولية، نجد أن صادرات سوريا من النفط بين الخفيف والثقيل لم يكن 150ألف برميل، بل بلغ قرابة 346 ألف برميل يوميا عام 2008م.
فحتى لو سهونا عن محاولات التلاعب بنسب الإنتاج، نجد أن النظام لم يتمكن من التغطية على فائض الإنتاج الحقيقي، مقارنة بالاستهلاك المحلي، والمتجاوز 300 ألف برميل يوميا، كما يتبين ما بين الإحصائيات الحكومية، والتقارير الدولية المعتمدة على ما تقدمه عادة إدارات الدولة، بل على ما تقدمه تقارير منظمات النفط العالمية.
وقد كانت التصريحات المتضاربة مفروضة على المسؤولين عن قطاع النفط والمالية، للتغطية على ما كان يجري ضمن القطاع، والتضارب كان ممنهج، وللعلم فحسب التقارير الدولية، الصادرة قبل عام 2011م، بلغ الإنتاج السوري من النفط أكثر من 600 ألف برميل يومياً، ليس قبل الثورة، بل في نهايات التسعينات من القرن الماضي، وقدر بعض الخبراء إنتاج النفط السوري قبل الثورة بـ “مليون برميل” يومياً، إلا أن النظام لم يصرح في أحسن الأحوال سوى عن 406 ألف برميل عام 2008م، ولا توجد أية وثيقة رسمية تظهر المجالات التي تمت فيها صرف عائدات النفط هذه.
تراجع الإنتاج في نهاية عام 2011 إلى 353 ألف برميل يوميا، واستمر ليتدنى إلى قرابة 24 ألف برميل يوميا بحلول عام 2018، من مناطق النظام، ولم يكن معروفا نسبة ما كانت تنتجه منظمة داعش، والتي هيمنت عليها الإدارة الذاتية بعد دحرها.
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
23/1/2022م