المثقف الكُردي والأنا

باور ملا أحمد

منذ تسلط الأنظمة الديكتاتورية على مفاصل السلطة في سوريا، دخل المئات من المثقفين الكُرد في معترك السياسة، وسخّروا أفكارهم وأقلامهم وجلّ طاقاتهم في سبيل ترسيخ الديمقراطية والعلمانية والتعددية، كي تسود في سوريا وبين جميع مكوناتها المساواة والعدالة الاجتماعية، ويتحقّق للكُرد ما هو المطلوب و الممكن لشعبٍ يعيش على أرضه التاريخية، فعلى سبيل المثال، وليس الحصر، المناضل والكاتب أوصمان صبري، والشاعر جكر خوين والكاتب رشيد كرد، وغيرهم من الذين تعرّضوا للاعتقال والنفي، حتى أن اندلعت الثورة السورية السلمية، وتحوّلها فيما بعد إلى صراعٍ مسلح، زُهقت على أثرها أرواح الآلاف ، وهٌجر الملايين ، ودُمّرت مدنٌ وبلداتٌ بأكملها.
وبعد  استلام حزب الاتحاد الديمقراطي PYD مفاصل الحياة في المناطق الكُردية في “شمال وشمال شرق سوريا” لم يقم المثقفون الكُرد بدورهم أسوةً بمن ذُكرت أسماؤهم، ولم يشاركوا مآسي وآلام شعبهم من اضطهاد وحرمان.
قبل إعلان حزب PYD  إدارته، كانت هناك شريحة من المتفرجين للمشهد السياسي، متنقّلين بين مكاتب الأحزاب الكُردية، يستمعون لآراء تلك الأحزاب من خلال الندوات الثقافية والسياسية، للتعرف على مواقف تلك الأحزاب دون إبداء موقفٍ واضح أو صريح، وبعد الإعلان عن الإدارة واتضاح معالم سياسة PYD (من ليس معنا فهو ضدنا) تهافت العشرات من تلك الشريحة إلى أحضان الإدارة لمكاسب مادية وامتيازات شخصية، وتسارعوا لإنشاء “اتحادات للمثقفين ومراكز دراسات وأبحاث ” ولأسباب شخصية وأنانية تفرّخت تلك الاتحادات والمراكز ، وكي لا تخسر الإدارة هذه الشريحة التي تجيد التصفيق والمدح، استخدمتها في تشويه الكثير من المصطلحات “كالحرية والديمقراطيةو المساواة”، 
ولم تكلّف تلك الشريحة التي تدّعي الثقافة نفسها بإبداء أيّ موقفٍ أو كتابة أي مقالة أو حتى مشاركة الأهالي  همومهم حيال ما يجري في الشارع الكُردي من قبل سلطة الأمر الواقع ، من خطف الأطفال والقصّر وفرض “قوانين” جائرة كالتجنيد الإجباري وفرض الأتاوات والتعليم، بل طمست رأسها وأقلامها في التراب كالنعامة ، وهربت من واقعها، من خلال عقد مؤتمرات تثقيفية، أو معارض للكتب بعناوين فضفاضة بعيدة عن واقعنا المزري ،مادحة لمن يحكم بقبضة من حديد.
لم تبحث تلك الشريحة التي تجسّد وظيفة “شعراء البلاط” يوماً في معاناة شعبها، إنما كان مبتغاها البحث عن نفسها، أي عن ” الأنا ” ، وذلك تحت أي عنوان أو موضوع ، وتكالبت تلك الشريحة  على المعارض ذات العناوين التي  لم تشكّل هماً للشارع الكُردي،  والدافع الوحيد هو حفر اسم الكاتب على  كتاب أوقصة، لإبراز النفس ليس إلا.
لابدّ التذكير بأنّ هناك شريحة من المثقفين الذين تعايشوا وشاركوا الأهالي همومهم وآلامهم، وبعضهم يعيش في الداخل أو في بلاد المهجر، الذين أبوا قبول تلك المكاسب الشخصية، بالضدّ من أفكارهم ومبادئهم وضمائرهم.
جديرٌ بالذكر أنه يبقى للمثقف الدور الطليعي والهام والريادي في نقل هموم شعبه،  وإبراز الحقائق من خلال الآلية التي يراها مناسبة وقريبة من شخصيته، وخاصةً بعد الحداثة والتكنولوجية التي باتت في متناول الجميع.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…