أحمد مرعان
هل ستستخدم تركيا حق النقض الفيتو ضد انضمام كل من فنلندا والسويد إلى حلف الناتو ، تركيا لا ترى نفسها ملزمة بتنفيذ ما يجب عليها إلا ضمن الرؤى التي تخدم مصالحها في الناتو ، وبالتالي لا تملك الشعور المطلق بالانتماء ، فهي تعتبر حلف الناتو عدوتها وكذلك تعتبر روسيا عدوتها أيضا، فهي بين كتلتين لا تفكران بنفس الاتجاه ، ومن يقع بينهما يتعرض للضغط والانحباس ، وبالتالي فهي تحاول إبعادهما عن مراكز الضغط عليها ، والتلاعب على الأوتار بالأنغام والمقامات المناسبة لمصالحها .
لذا نرى الرئيس التركي أردوغان ، أحيانا يهدد وأحيانا يقول : لا نتعاطى بإيجابية حيال هذا الأمر ( انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف ) كونهما يقومان بإيواء إرهابيي حزب العمال الكردستاني pkk الذي تعده تركيا والاتحاد الأوربي إرهابيا ، وتعتبر تركيا نفسها قدوقعت في الخطأ التاريخي لقبولها بانضمام اليونان إلى الحلف ، وهي في نفس الوقت لا ترضى بانضمام أوكرانيا أيضا، ونتيجة الخلاف القائم بين كل من جورجيا وأرمينيا مع روسيا ، تحاول الولايات المتحدة الأمريكية الامتداد إليهما وضمهما إلى الناتو ايضا ، ومن المعلوم وجود قوات أمريكية في كل من كردستان العراق وسوريا ، هذا يعني أنها محاطة من جميع الاتجاهات ، إضافة إلى وجود القوات البريطانية من جهة قبرص ..
هذه القراءات وفق المعطيات الدولية وليست بردود فعل اتجاه تركيا على المستوى القومي وما قامت به من احتلالات لبعض المناطق الكردية في” الشمال السوري” ، إنما هي وقائع السياسة الدولية التي لا تعتمد على ثوابت ، فصديق اليوم عدو الأمس ، وعدو الأمس صديق اليوم ، ففي حال انسحاب القوات الروسية نتيجة الحرب مع أوكرانيا من مناطق الإدارة الذاتية وما حولها لربما تتشجع تركيا ببناء صفقات محورية مع أمريكا ودول التحالف بالهجوم العسكري إلى بعض المناطق الحدودية بحجة بناء مناطق آمنة للمهجرين السوريين على أراضيها ، وبذلك تكون لعبة السياسة والأقدار الكونية لصالح المحتل المتجدد تحت ذرائع ومسميات ، وسيكون مصيرها بالتالي كمصير لواء إسكندرونة على مدى التاريخ ..
فاللعب على الحبال من مبادئ السيرك المتنقل وكسب الرهان بمقتنيات مادية ، واللعب على التناقضات الدولية سياسة اعتبارية لتحقيق مكاسب ولو في الحد الأدنى في تبديل وتغير دفة الموازين نحو أهداف قريبة أو بعيدة لا يهم ، المهم تحقيق أهداف استراتيجية تلغي أدوار من يتحاملون عليها وفق معطيات الواقع التمثيلي للحركات السياسية الجانحة بالمفهوم الدبلوماسي ، وبغية ترتيب الأوراق لصفقات ربما تكون قادمة بحكم التناحرات الدولية ، وتلك هي الحنكة في التعامل بوتائر متفاوتة يمكن أغتنامها لمكتسبات عامة أو خاصة ..
ولنكن نحن المتضررين من جميع أوجه الخلاف أو التوافق ندفع ضريبة مضاعفة كلما خطا الأعداء خطوة إلى الأمام ، أما حان لنا أن نفكر بأبجديات السياسة ونحقق ذواتنا ولو على المدى القريب ، علنا نتشجع في البدء بخطوة تالية كطفل كان يحبو ثم استقوى على الوقوف ..
إلى متى نبقى رهينة بل دفة بيد الأعداء على قوارب النجاة لهم ويرموننا جانبا حينما يصلون وجهتهم ..
أما آن الأوان يا من تدّعون القيادة وما أكثركم في زمن التشرذم والخنوع والخضوع أن تفكروا في مللكم وشعوبكم وقضاياكم المصيرية وتفرملوا عن التبعية .. / ..