الأيادي الملطخة بالدماء للنظام القمعي المتسلط على إيران

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*

لقد رأينا أو سمعنا لمرات عديدة بأن النظام المتسلط على إيران عادة ما يدفع ثمن تطوير مشاريعه مقدما من جيوب الشعب الإيراني، ويتذكر من هم في الخمسين من العمر جيدا كيف استخدم حرس النظام أهالي القرى الكردية دروعا يحتمون بها عشية وصول خميني للحكم حتى لا تتمكن القوات الشعبية من الهجوم وإطلاق النار على الحرس، وتم إتباع هذه الثقافة وهذا التكتيك اللا إنساني بأشكال مختلفة في إيران تحت سلطة “ولي الفقيه” ولا زال يجري إتباعها باستمرار حتى يومنا هذا.
ولقد رأينا على سبيل المثال في السنوات الأخيرة كيف انتقل “فيروس كورونا” على يد الحرس من الصين إلى إيران وكيف انتشر على يد الأجهزة الحكومية، وكيف بمجيء ولي الفقيه والإعلان من جانبه عن حظراستيراد مصل اللقاح إلى إيران وما كان لذلك من أبعاد واسعة فقد على إثرها نصف مليون إيراني حياتهم.
وفي جولة أخرى من هذه المخططات العدائية للشعب نشهد الآن كيف وضع علي خامنئي على أرواح الناس وحشا يسمى “الغلاء” حتى يتمكن نظامه من متابعة أهدافه العدائية ضد الشعب من أجل الدفع بالمشروع النووي للأمام، ويجعل مصير المجتمع البشري المعاصر رهينة بيد نظامه!
خطف الخبز من موائد الشعب الإيراني!
يُقتل في إيران الحالية الحمالون الأكراد أو مهربو الوقود البلوش على يد الحرس بذنب السعي للحصول على “لقمة عيش”، ويُقضى على الانتفاضات الشعبية ومن بينها (انتفاضة نوفمبر 2019) فتراق دمائهم وتُسحل أجسادهم على الأرض على يد حرس النظام، والآن يستهدف الرصاص الحكومي “جياع الشعب” على أرصفة شوارع المدن، ولم يأتي من فراغ أن يُقال بأن “الروح رخيصة في إيران لكن الخبز أغلى ثمناً”وهذا هو أقصر وصف مختصر لوصف الوضع الحالي في إيران منذ 43 سنة من سلطة حكم أكثر أنواع الدكتاتوريات رعبا ألا وهي سلطة حكم الديكتاتورية الدينية حيث فرضت أقلية صغيرة جدا نفسها إدعاءا تحت إسم “الإسلام” على سكان هذه الدولة البالغ عددهم 85 مليون نسمة.
بلد تُقمع فيه الحريات، ويُسجن ويُعذب أو يُعدمون فيها أحراره بحدود مئات آلاف الأشخاص (!)… ، ويُلقى بأكثر من 500 ألف شخص من سكانها البالغ عددهم 85 مليونا في أتون “فيروس كورونا” على يد نفس النظام، والدخول الآن في حلقة أخرى من جرائم الوحش المُهلك المُحرق للبيوت الذي أُلقي على أرواح الناس المسمى بـ “الفقر والغلاء” ومن خلاله تم خطف حتى الخبز والأرز والبيض والجبن وما إلى ذلك أيضا من موائد الناس.
لن يُغفر لـ إبراهيم رئيسي 
نتذكر جميعا أن إبراهيم رئيسي قد قال في إستعراض تنصيبه بيوم  3 أغسطس 2021 أن رسالته مجيئه هي “تغيير الوضع القائم” ، أصبحت وها هي الآن الظروف المعيشية للشعب قد أصبحت مؤلمة للغاية بعد 9 أشهر فقط من وصوله إلى السلطة حتى أنه لم يعد لديهم خبزا على موائدهم.
وبحسب الأخبار الرسمية المنشورة فقد ارتفعت قيمة خبز الساندويتش 13 ضعفا، وارتفع سعر الأرز بنسبة 130٪، وارتفع سعر الدواء 10 أضعاف، ووصل سعر الكيلوجرام الواحد من الدجاج إلى 80 ألف تومان، وعندما لجأ الناس إلى المعكرونة بسبب غلاء الأرز رفع النظام سعر المعكرونة عدة أضعاف بشكل مفاجىء!
هنا يجب القول بيقين تام أن قادة النظام الإيراني قد استمروا في ارتكاب الجرائم والنهب بلا هوادة وبشكل غير مستغرب، ويمضون بخطهم في الوقت ذاته بالأكاذيب والتهديدات وبث الرعب والخوف في المجتمع، فعلى سبيل المثال في إطار سعيهم لإحتواء الوضع المتفجر بالمجتمع خاطبوا الناس زاعمين أن المعكرونة تحتوي على مادة مسرطنة (!).، كما قاموا بإغلاق الطريق أمام أي وسيلة تؤدي إلى الوعي العام والإحتجاج من خلال فرض رقابة على وسائل الإعلام الحكومية وتقييد شبكات التواصل الاجتماعي.
إعلان الخطر من داخل النظام الحاكم!
بلغت أوضاع المجتمع الإيراني حدا مؤلما ومتفجرا لدرجة أن تُدق أجراس الإنذار بالخطر من داخل النظام كمن يقول منهم مثلا “سيد رئيسي! قد تؤدي مضاعفة سعر الطحين عدة مرات إلى اضطرابات اجتماعية لا سيما وأن وسائل الإعلام المناهضة للثورة (المعارضة للنظام) تتربص من أجل زعزعة استقرار البلاد “(رسالة جهاز تعبئة الطلاب 5 مايو 2022) أو  إذا لم يتم احتواء الغلاء فعلينا أن ننتظر إنتفاضةً للجياع، إنتفاضةً تكون أخطر من الثورة!”(الملا ميبدي أحد مدرسي المدرسة الدينية في قم 5 مايو2022).  
استخدام أدوات الكذب والخداع!
يحاول قادة النظام يحاولون كذبا عرض وتعريف موضوع العقوبات الدولية والحرب في أوكرانيا! على أنها تقع في إطار المحتكرين أو  المضاربين! لكن الناس على دراية جيدة بكيفية توفير النظام لمتطلبات حياة عملائه ومرتزقته داخل الحدود  وخارجها، إنهم يعرفون جيدا أن السبب الرئيسي “للغلاء” في المجتمع هو النظام نفسه وأن خطة “الإعانة النقدية” أو “بطاقة السلع بقيمة 400 ألف تومان” ليست أكثر خديعة.
الأوضاع الملتهبة في المدن الإيرانية!
تفيد الأخبار الواردة من المدن الإيرانية بأن الأوضاع في العديد من المحافظات الإيرانية ملتهبة ومستعرة، وأن الشباب الإيراني قد أضرموا النار في المراكز القمعية الحكومية، مرددين هتافات “الموت لخامنئي!” ، “الموت لرئيسي!” أو “مدافعكم ودباباتكم فقاعات وخامنئي يجب أن يمت!”
سخط الشعب الإيراني على النظام الحاكم!
في الأسابيع الأخيرة وفي العديد من مدن إيران تدفق الشعب إلى الشوارع ليواجه بأرواحه جرائم ونهب هذا النظام مسجلين تصعيدا آخرا في الانتفاضات الشعبية، وسرعان ما ترسخت كل مطالبه المعيشية متخذة مضامين وأبعاد سياسية في هذه الانتفاضة الواسعة التي دعى الشعب الإيراني فيها إلى إسقاط هذا النظام، وفي بعض الأماكن تواردت إلى الأسماع همسات بأن الناس يبحثون عن أسلحة لإحقاق حقوقهم بقوة السلاح إذا دفعهم النظام إلى ذلك، وهناك رؤيةٌ مُقَدرة و”تحولات كبيرة” قد توُضع أمام الرأي العام.
الأمر الأكثر وضوحا للعيان الآن أكثر من أي شيء هو أن الناس لم يعد لديهم ما يخسرونه، وهذا يعني نهاية خطٍ، وبدء فصل  جديد خط تجاوز مرحلة “السلمية وتحمل الأضاع” وقد أخذ “وجود هذا النظام” على محمل الجد أكثر من أي وقت مضى الأمر الذي يختلف كثيرا عن الانتفاضات السابقة للشعب، وتتطابق مثل هذه الأوضاع تماما مع أهداف المقاومة الإيرانية التي سعت إلى تحقيقها على مدى العقود الأربعة الماضية وكلفها ذلك تضحيات وثمنا باهظا على العكس من القوى المنافقة المدعية بالمعارضة والتي كانت تنادي دائما بالسقوط السقوط لكنها لم تأخذ موقفا على الإطلاق من (عملية إسقاط هذا النظام برمته”.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…