د. محمود عباس
سؤال دراماتيكي، مضحك ومبكي، فيه من الألم والحسرة ما لا يمكن وصفه، مثل العملية الانتخابية بحد ذاتها، ومجريات أحداثها التي تحتاج إلى مجلدات، فهي كانت وعلى مدى ستة عقود ماضية، مسرحية كاريكاتورية عرضت على الشعوب السورية برضاهم أو غصبا عنهم، والأبشع فيه أنه كان عليهم التصفيق بعد ظهور النتائج الكونية، وبقدرة قادر كانت دون المئة %، وكما نعلم، كان المنافس هو ذاته، الأسد المقبور والأبن، الذي كانت صناديقه، مثلما هي صناديق أبنه المجرم الأن، مليئة بدماء السوريين منذ السنة الأولى من اغتصابه للسلطة، قبل أن تمتلئ بأصوات الأمة الميتة.
على مدى العقود المظلمة؛ لم يتجرأ السوريون على فتح حوارات عن الأخلاق، ولا عن القيم الديمقراطية، لكنهم استمعوا إلى نقاشات طويلة مملة حول مصداقية المسيرة الديمقراطية التي جرت فيها الانتخابات، وفي الواقع كانت الحاشية مثل الشعب والعالم أجمع، يدركون تماما الأفكار السائدة في الشارع السوري، لكنهم وعلى رأسهم المجرمين، كانوا ولا زالوا يؤمنون بمنطق الحجاج بن يوسف الثقفي، يوم قال: أريد ألسنتهم وليس قلوبهم، وهذا هو بالضبط منطق الطغاة في العالم، إلى أن يبلغوا حد القناعة على أنها حقيقة، مثلما كان يظنها معمر القذافي، قائلا لحظة إخراجه من المجرى تحت الطريق، أنه والدهم، معتقداً أن جميع الشعب الليبي كانوا يقدرونه كأب، هكذا كانت الحاشية المنافقة حوله تنقل له الأخبار وتحرف أراء المجتمع، وهي ذاتها ما كان يقال لحافظ الأسد، وصدام حسين والطغاة الأخرين، وخلف هذه الدعاية المنافقة تلذذت الحاشية بالاستبداد والسيادة، ونهب الشعب والوطن.
في الواقع العملي الانتخابات تسند بالدستور، مثلما يتم تكرار بشار الأسد رئيسا، لكن في الواقع المخفي، هناك من يريدون التغطية على الوجه الدموي للنظام، والتلويح ببنود الدستور على أن الديمقراطية تسود، بينهم روسيا، وبعض المنظمات المتعاملة مع السلطة، وهو ما يطيب لبشار الأسد، الذي لو بقي لديه ذرة من القيم الإنسانية والأخلاق والإحساس بالوطن، ولو كان يشعر بنتفة من آلام آلاف عائلات الشهداء، وببعض التقدير للألاف الذين قتلهم وتم تسميمهم بالمواد الكيميائية، وأحس بمآسي الملايين من المشردين والمهاجرين والذين يعانون الويلات في المخيمات، لما أقدم على إجراء الانتخابات.
أو على الأقل لحصرها ضمن البرلمان، وصرف الأموال التي ستهدر على المهزلة لمساعدة مئات الأطفال والعائلات المعانية جوعا حد الموت، على الأقل في هذا الشهر الفضيل.
لكنه لعنة ابتليت بها سوريا، والألعن منه ذلك الذي سيدعم الانتخابات، أو يؤيدها. وكل من سيذهب إلى الصناديق الطافية فوق دم الإنسان السوري، يشاركه في الجريمة.
روسيا تتصدر تأييد إخراج المسرحية الساخرة، وعلى أثرها قام بالعديد من العمليات العسكرية في بادية الشام في هذه الفترة تحديداً، ونشر الأعلام السوري على أنه تم قتل المئات من الإرهابيين، وهم من المجموعات التي كانت تدفع روسيا بالسلطة لتدعمهم، وسلمت لهم في السنوات الماضية مدينة تدمر والقواعد العسكرية المحيطة بها واستلمتها منهم بعد شهور قليلة، بعدما تم إفراغها من الأسلحة التي قدمت لهم، مقابل النفط الذي كان داعش يرسلها لهم بنفس الكميات التي كانت ترسلها إلى تركيا، مقابل مرور المتطوعين التكفيريين القادمين من العالم الخارجي، والسلاح المشتراة من الأسواق السوداء.
روسيا لا تهمها بقاء بشار الأسد، أو عدمه، شريطة أن يكون القادم هو الموقع أو الموافق على عقود الاتفاقيات الطويلة الأجل، وبالتالي لا يستبعد أن تكون هي وراء الأسماء الخلبية التي ظهرت، بشكل مفاجئ لتنافس بشار الأسد في الانتخابات، بينهم من لم يسمع به، وظهر فجأة على سوية رئيس جلس وحاور العديد من رؤساء العالم، كظهور الغول من المصباح السحري، والمهزلة أكثر من واضحة، ليبنوا فيها للعالم على أن سوريا تحت حكم السلطة الحالية، بدأت تميل إلى الديمقراطية، مقابل المعارضة التكفيرية والمتهمة بعضها بالإرهاب والتي أدرجتها تركيا في خانة الارتزاق، وخير مثال المنافسة الجارية على صناديق الانتخابات، ولا نستبعد أن يذهب المتنافسون إلى دمشق، لإخراج المسرحية على الإعلام بشكل كامل النفاق.
وبالمقابل، وكرد فعل نشرت الإدارة الأمريكية معلومات على أنها قادمة على نوع جديد من الحصار الاقتصادي السياسي على النظام، فحتى لو كانت مجرد دعاية إلا أنها تعني أنهم لا يعترفون بالانتخابات، ويرفضون بشار الأسد مع أو بدون المسرحية.
الأبشع من عملية روسيا، كان ولا يزال موقف المعارضة، وبينهم الائتلاف، المتداخل ما بين عدم الاعتراف، والمطالبة بأن يشارك المهاجرون وأبناء المخيمات في الخارج بالعملية، ولربما يجب أن يتم الحديث عن مواقف كل الأطراف السورية التي بدأت تنظر إليها وكأنها الحدث الأهم، متناسية مسيرة كتابة الدستور والتي غطت فترة زمنية من المهزلة الدولية بحق المجتمع السوري، إلى جانب أخر، تحوم بعض الشكوك حول تصريحات شريحة قيادية في المعارضة، تعكس وكأنها لا تتمنى أن يبارح أو يعزل بشار الأسد عن السلطة ويحل مكانه بديل دولي، تحت حجج ضحلة، يقال أنهم يريدونه للحفاظ على المكتسبات الفردية التي يحصلون عليها كمعارضة لنظامه.
أي كانت النتائج، ومهما كانت درجات مصداقية تأييد نسبة السوريين لبشار الأسد والذي وبالتأكيد له مؤيدوه، بينهم ليس فقط من طائفته، بل من الطائفة السنية، وقسم واسع من المسيحيين ليس حبا به بقدر ما هو كره بالمعارضة التكفيرية، ستظل القيم الإنسانية هي الحكم، ودماء السوريين هو الذي يجب تغمس فيه أوراق الانتخابات قبل أن توضع في الصناديق.
وجل هؤلاء تنطبق عليهم علامات النفاق، أنهم يظهرون الإيمان، ويبطنون الكفر، فإما الحجج التي ترسخت في ذهنيتهم تعدم الحقائق، أو أن مواقفهم تدرج ضمن جدلية ما ذكره بشار الأسد، يوم سأله الصحفي، قائلا إن العالم يقول: أن يداك ملطختان بدماء الألاف من السوريين، وكان جوابه: أنه يشبه ذاته بالجراح الذي يخرج من العملية ويداه ملطختان بالدماء، وأعتبر ذاته منقذ المجتمع السوري! والجواب يخلف الألاف من الأسئلة التي تبين مدى الانحطاط الخلقي والفكري للطاغية، والأمراض النفسية التي تلتهمه، وهي التي أوصلته إلى درجة القناعة على أنه يقتل الأطفال لإنقاذه المجتمع السوري من المعاناة، متناسيا أنه وحاشيته عراب الدمار والخراب، والمعاناة، والجوع، والكوارث.
المسرحية الانتخابية ستتم، وبدون ضجة إعلامية عالمية، لأن المناطق الساخنة: أوكرانيا، المباحثات الإيرانية الأمريكية، وقضية تفجير مفاعل نطنز الإيرانية النووية، وتهديدات إيران لإسرائيل، والقمة الأمريكية الروسية القادمة، والخلافات المتصاعدة بينهما، ومثلها ما بين الناتو وروسيا، وغيرها، تغطي حالياً على القضية السورية، وبالتالي ستستمر مسيرة الانتخابات بدون تبيان مواقف دولية ذات أهمية حول شرعيتها أو عدمها. ويبقى السؤال:
من سيربح الانتخابات السورية؟ بوتين أم الخامنئي؟ أم بشار الأسد؟
الولايات المتحدة الأمريكية
20/4/2021م