النظام في المحرَّر

ماجد ع  محمد
من غير أن نُشغل البعيد عن الميدان بآليات الرجوع إلى القواميس اللغوية لمعرفة المحرَّر من المقيَّد، فالقريب من المشهد يعي جيداً بأن الحرية ما تزال بعيدة عن أسنان أبناء سورية من أدناها لأقصاها، وكلمة المحرَّر في سورية تطلق حالياً على المناطق الخارجة عن سيطرة نظام البعث الحاكم، وهي كتسمية متعارف عليها بشكل كبير وتُطلق على مناطق الشمال السوري التي تحظى بالرعاية التركية، علماً أن ثمّة مناطق أخرى في سورية تسيطر عليها قوات أجنبية ومحلية غير قوات النظام وهي محررة بنظر من يسيطر عليها، ولكنها غير ذلك بنظر القوى الموجودة في المنطقة الأخرى، على كل حال بالرغم مِن أن مَن يسيطر على تلا المنطقتين يحاول الإستحواذ على اسم المحرَّر، إلاَّ أن المنطقتين وفق وجهة نظر النظام هي بحكم المناطق المحتلة من قِبل القوات الأجنبية. 
كما أن مَن تابع مجريات الوقائع وامتداد وتقلص رقعة مضارب النفوذ منذ سنوات سيتذكر بأن مناطق شاسعة في الجنوب ووسط سورية كانت أيضاً محررة من قوات النظام، بينما الآن هي خاضعة لسيطرة الأسد، كما أن كلمة المحرَّر أُطلقت بدايةً على كل المناطق التي تقهقرت فيها قطعات الجيش والقوات الأمنية التابعة للنظام والتي وتركوها حينها بعد استهداف مراكزهم ونقاطهم الأمنية والعسكرية من قبل الجيش الحر الذي كان حراً بحق ونهض وخرج من بين الشعب ولأجل الشعب.
أما اليوم فتلفُّظ كلمة المحرَّر بالفم الملآن غدا مربكاً لدى طائفة كبيرة من سكنة نفس تلك المناطق المسماة بالمحررة، وذلك باعتبار أن القوى العسكرية والأمنية هناك، أولاً من جهة الممارسات الميدانية مع المدنيين قد وضعت حافرها على حافر الأجهزة الأمنية لنظام الأسد، ومن جهة ثانيةً غدت رهينة الأطراف التي تمولها وتستثمرها لأهدافها السياسية والأمنية والعسكرية.
وحيث أن مصير عامة الشعب لم يعد له أهمية تذكر لدى أغلبية القادة الميدانيين المشغولين بإرضاء أهداف واستراتيجيات الممول من جهة، واكتناز الأموال وممارسة السطوة الأمنية التي حُرموا من ممارستها إبان خضوعهم للنظام من جهةٍ ثانية.
وحيال تلك التسمية يرى بعض المهتمين بجعل المفردات المتعلقة بخريطة توزيع القوات العسكرية في سورية حيادية نوعاً ما يقولون: إن أفضل توصيف لحال المناطق السورية المستقطعة من قِبل القوى الأجنبية والمحلية التي تتبع الأجنبية هي تسميتها بـ: مناطق النفوذ الروسي ومناطق النفوذ الأمريكي ومناطق النفوذ التركي ومناطق النفوذ الإيراني، إضافةً إلى مناطق سيطرة النظام.
عموماً بعد التوقف برهةً عند كلمة المحرَّر، فقد يتبارد إلى ذهن المتلقي بعد قراءة عنوان المقالة بأن للنظام عيون وجواسيس وعملاء مزروعين في كل مكان من المناطق الخارجة عن سيطرته، ومع أن هذه الحالة ليست بعيدة عن عقلية نظام بوليسي أمني قائم على ركائز الإرهاب والقمع الأمني والعسكري، إضافة إلى ركيزتي التجويع والنفاق المجتمعي؛ إلاَّ أن مقصد القول بوجود النظام خارج مناطق نفوذه الأمني والعسكري هو أعمق وأبعد من مسألة زرع العيون والجواسيس، وذلك باعتبار أن كامل منظومة النظام الأخلاقية موجودة بالمحرّر، ولكن مع بعض الإضافات القميئة إليها، وحيث أن عبارة التلميذ قد يتفوق على معلمه باتت بنظر المدنيين هناك حقيقة معاشة في المحرَّر.
إذ إضافة إلى الفساد العسكري والأمني الكبير الذي بانت علاماته من خلال دخول المفخخات باختلاف أنواعها عبر الحواجز العسكرية والأمنية، والتي لدى الكثير من عناصرها الاستعداد الدائم لتمرير المتفجرات لقاء 500 $ فقط، مع إدراكهم بأن تلك التسهيلات الخطيرة قد تودي بحياة العشرات وتدمر البيوت والمحال فوقي ساكنيها، إذ حسب شهادات العشرات من أهل الثقة والاعتدال الذين يعيشون في المناطق المسماة بالمحررة أن الأجهزة الأمنية والعسكرية هناك تفوقت على النظام في ميكانيزمات ابتزاز الأهالي، فصار أي مواطن غير مدعوم من جهة أمنية أو فصيل عسكري مهيأ أن يغدو ضحية ذلك الابتزاز من دون وجود أي شبهةٍ حتى على ارتكابه لأي فعل أو تصرف غير قانوني.
وإذا كان النظام يعتبر كل من يعارضه هو مشروع اعتقال أو استجواب ففي المحرر المعارض والموالي مشروع الاستجواب والاعتقالات المزاجية لأسابيع وشهو وربما سنين من دون أي دليل على أن المتهم قام بأي شيء يثبت بأنه موالي أو معارض، إلاّ اللهم رغبة القائد الأمني أو العسكري في إهانته أو ابتزازه مادياً، وهذه الممارسات حسب الأهالي تقام بشكل عام وجماعي وليس بشكل فردي أو في نطاق محدود.
وإذا كان في زمن حافظ الأسد حاول رئيس فرع المخابرات في محافظة حلب “مصطفى التاجر” أن يفرض سلطته وهيمنته على مدينة حلب مع وجود كل الأفرع الأمنية فيها وعدم تعطيل أي مؤسسة أو دائرة من دوائر الدولة في المدينة حينها، ففي الشمال السوري حالياً ثمة قادة كتائب جعلوا من النواحي مجالاً حيوياً لهم، ومواردها خاصة بهم، وأهلها خاضعون فقط لسلطتهم، ولا تجرؤ الحكومة السورية المؤقتة على تفعيل مؤسساتها في مناطق نفوذهم، ولا حتى الجيش الوطني قادر على أن يبسط سيطرته على مناطق نفوذ تلك الكركوزات! 
أما بخصوص الفساد في المدارس والجامعات فإذا كان المواطن السوري قد سمع من قبل مراراً بأن شبيحة فواز الأسد وعترته كانوا يدخلون قاعة الامتحانات عنوةً لمساعدة بعض الطلبة أو كانوا يعملون على إدخال الأسئلة المحلولة إليهم حتى ينجحوا في المواد أو المرحلة الدراسية التي هم فيها، وإذا كانوا قد سمعوا بالعلامات النضالية لدى نظام الأسد فيما مضى عمن كانوا قد أنهوا دورة القفز المظلي بنجاح ونالوا العلامات النضالية بموجبها، فإن الفساد المماثل في المحرر هو ربما أردأ مما كان يفعله شبيحة آل الأسد، إذ أن شهادة العديد من النشطاء المحليين وكذلك ما قاله الضباط السابق العميد أحمد رحال في حلقة الاتجاه المعاكس تشير إلى أن بعض قادة الفصائل العسكرية الذين لم يتجاوزوا في مستواهم التعليمي المرحلة الابتدائية قد انتقلوا دفعةً واحدة وبقدرة قادر من مرحلة ما قبل الابتدائي إلى البكلوريا ومن ثم الجامعة بشكل مباشر مع علاماتٍ عالية جداً تناسب الصعود الصاروخي لهم، وحيث أنه من غير المعقول أن يكون الذي لديه قدرة هائلة على القفز من ما قبل الشهادة الابتدائية إلى منصة البكلوريا ليدخل بعدها رحاب الجامعة التي يريدها أن تكون علاماته متدنية، وذلك لأنه بناءً على قوة القفز والوثب فمن المؤكد أن أعلى العلامات الدراسية قلية على مقام هكذا شمشون ثوري.  
عموماً لما كان لوقفتنا على المثالب في ختام هذه المقالة أيّ مبرر، إذا لم نذكّر الرأي العام مجدداً بمخاطر سيطرة الأوباش الفاسدين على مقاليد الحكم لدى النظام، وكذلك الأمر سيطرة سفلة المجتمع على مراكز القوة والقرار في المناطق الخارجة عن سيطرته، والتي لا يسعنا حيالها إلاّ تذكير القارئ السوري بما حذّر منه ابن خلدون: “لا تولوا أبناء السفلة والسفهاء قيادة الجنود ومناصب القضاء وشؤون العامة، لأنهم إذا أصبحوا من ذوي المناصب اجتهدوا في ظلم الأبرياء وأبناء الشرفاء وإذلالهم بشكلِ متعمد، نظراً لشعورهم المستمر بعقدة النقص والدونية التي تلازمهم وترفض مغادرة نفوسهم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى سقوط العروش ونهاية الدول”.  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…