حول التفكير السياسي الكردي


 جان كورد
الأمة التي لا تفكّر سياسياً لا مستقبل سياسي لها، وعندما تخطىء التفكير السياسي فإنها تعرّض ذاتها لكوارث ربما تقضي عليها ككيانٍ مستقل وموّحد وقادر على التقدّم في المجالات المختلفة من الحياة، فالأمة التي تضع ثقتها التامة في الزعيم الذي هو إنسانٌ كغيره من البشر، وكل ابن آدم خطّاء… ثم يخطىء الزعيم في فكره وممارساته ومواقفه وتكون له طموحات وأحلامٌ كبيرة، كقيادة شعبه إلى مستوى سيادة البشرية أو بناء الدولة العالمية والأممية، فإن أخطاءه الصغيرة تكبر مع الأيام وتؤدي إلى قصم ظهر الأمة التي رضخت لطغيانه وسكتت عن هفواته واستبداده بالسلطة… 
والتاريخ البشري أمامنا يمكن البحث فيه عن أمثلة عديدة من النماذج الفاشلة والقاتلة التي تسببت في دحر الأمم من المراتب العليا صوب المراتب الدنيا، وهي تلعق جراحها وتندم على توكيلها زعيمها الذي لم يكن يتبع سوى أوهامه الشخصية. 
لذا من الضروري للمثقفين والفلاسفة المفكرين بث روح التفكير السياسي في شعبهم على الدوام، من خلال التأليف والتعليم والندوات الفكرية – السياسية ونشر الدراسات والمساهمة في النقاشات الاعلامية والمساعدة في تسهيل عملية تمكين المواطن من الوصول إلى مزيدٍ من التفكير السياسي والمعرفة بشكلٍ عام حتى لا ينخرط في جوقة المهللين والمكبرين الذين هم على الأغلب غير مهتمين بالتفكير السياسي لشعبهم وإنما بتنمية مصالحهم الشخصية وثرواتهم المالية…
ومن أجل نمو التفكير السياسي لدى المواطن كفرد والأمة كجماعة، لا بدّ من:
-جمع المعلومات العامة في سائر المجالات الجغرافية، التاريخية، الإعلامية، الفكرية والسياسية… فمن دون معارف عامة يصعب فهم ما يجري حولنا من تغيّرات وتطورات وانتكاسات وهزائم.
-تتبّع الوقائع والأحداث العالمية والوطنية باستمرار، وعدم القيام بمتابعة ما يجري يومياً يجعل الإنسان متخلّفاً عن عالمه الذي يزداد تسارعاً في الحركة الشاملة على كافة المستويات المحلية والاقليمية والعالمية.
-لدى جمع الوقائع يجب أن يتم فهم وأدراك ظروفها التي تحدث فيها الوقائع، من دون تجريدٍ وتعميمٍ وقياسٍ شمولي، فالحدث الذي يقع في منطقة معينة وزمنٍ محدد لا يمكن رسمه وكأنه حدث عالمي أو ينطبق وصفه على أحداث كل منطقة فنسرع في التعميم أو تجريده من الإطار الظرفي له… وهذا يعني تمييز الوقائع وتمحيصها والنظر فيما حولها بدقة.
-من جهةٍ أخرى، يجب ربط حدوث الخبر بالأخبار الأخرى التي تحدث في الوقت ذاته في أماكن أخرى، وعلى سبيل المثال الربط بين انهيار عملةٍ وطنيةٍ ما والأزمة الاقتصادية – المالية على مستوى العالم، كما الربط بين نجاح حزبٍ سياسي في الانتخابات في ظهور ردة فعل شديدة من قبل أحزاب ٍ فاشلة فيها في الوقت ذاته… 
فإذا نظرنا الآن في مجمل الأحداث والوقائع الكردية منذ نشوء الحركة القومية لهذه الأمة المستضعفة، نجد أن ليس هناك حتى الآن، رغم الإنجازات العظيمة في مجالات اقتصادية وثقافية وعمرانية، مؤسسات مختصة بالتنوير السياسي في كوردستان، وإن كانت هناك جهة تهتم بهذا المجال وبالظروف التي تحدث فيها الوقائع والأحداث فإنه على الأغلب حديثة العهد وقصيرة العمر، أو ضمن جهود حزبية محددة الآفاق والأطر، فكلّ نشاطٍ يؤدي إلى تثقيف الشعب وتنوير الشارع الكردي، يصطدم بشكل من الأشكال بإحداثيات التوجهات الحزبية العميقة الجذور في المجتمع بشكل عام…
إن ما يجب القيام به هو تنشيط وتفعيل الهيئات والمؤسسات التي لها برامج واضحة وأهداف محددة واستقلالية تعمل من أجل تعميق التفكير السياسي الكردي خدمةً لهذه الأمة ووفاءً لقادتها العظام وشهدائها الذين ضحوا من أجل حرية شعبهم المغدور.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…