الصراع الكوردي.. والأنا المدمرة

عزالدين ملا

الحياة منذ نشأتها تحتاج إلى الاستواء والنضج، فالفاكهة حتى تصبح قابلة للأكل تحتاج إلى أن تستوي وتنضج، وهذا ينطبق على الإنسان، بحاجة إلى بلوغه سن النضج حتى يستطيع مصارعة الحياة، وفي المقابل هناك خير وشر، والإنسان مخير بالسير في أي طريق منهما، ومع بداية ظهور الإنسان على وجه الأرض أمامه هذان الخياران، فهو يعلم علم اليقين أن طريق الخير يحقق الحب والوفاء والإخلاص والعيش في خير ووئام، ولكن هناك خصلة ظهرت معه وهي الأنانية وحب الذات، ومن هنا بدأ الصراع نحو الشر. ومن المعلوم أن الأنانية ترتبط بها المصلحة بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكن في النهاية تحقق ذات النتيجة.
وما يحدث الآن في سوريا هي تلك الخصلة التي ظهرت مع الإنسان منذ نشأته، الصراع على المصالح بكافة أنواعه، التجارية والاقتصادية، الخاسر الوحيد هم الشعب السوري بكل أطيافه، ولكن كل شيء له نهاية، وحتى المعاناة لها نهاية.
هنا نستطيع الحديث بأن الشعب السوري ونتيجة خصلة الأنانية وحب الذات هي التي أوصلت بهم إلى الهاوية، وهذا ينطبق على كافة شعوب المنطقة والعالم. والذي أدخل كل تلك الفوضى والدمار هم من في الغرف المظلمة أو الحكومات العميقة التي تقتات على فوضى الشعوب ومعاناتها، واستفادت من تلك الطباع والسلوكيات الأنا المدمرة لتحقيق مآربهم في السيطرة والإمتلاك وجمع الثروات.
هذا الخفي خطط له بدهاء لغرس ما يحقق مبتغاهم في سلوكيات تلك الشعوب من أفكار مقيتة بعد دراسة عميقة لطبيعة سلوكهم، ثم يصبحون هم الجمهور، يتابعون ويشاهدون ما يحدث بين هذه الشعوب من صراع على هذه الأفكار، فيبدأ مواطنو تلك الشعوب بإتهامات بعضهم البعض من خلال تلك الأفكار العفنة التي غرستها هذه الغرف، تتكرر هذه الإتهامات حتى تصبح ثقافة تتداولها ويتم تصديقها، وحتى يأتوا بأمثلة من خيالهم التي أوهمهم الأعداء في عقولهم ضد الآخر المخالف له.
 ففي سوريا هذه الاتهامات تتم بين المكوّنات التمأصلة بجوار بعضهم البعض لمئات السنين، وأيضاً بين أبناء المكون الواحد في المنطقة، كما يحدث بين أبناء الشعب الكوردي من اتهامات باطلة وتخوين، أفكار تم غرسها من قبل أعداء الكورد من الأنظمة الغاصبة والشمولية ومن يقف خلفهم، ذلك بعد دفع فئة مخزية بتبني تلك الأفكار الخبيثة والعفنة وبعيدة كل البعد عن ثقافة الكوردية الأصيلة والمرتكزة على الوفاء والإخلاص وحب الآخر.
منذ غابر التاريخ وهذه الأفكار يتم تمريرها إلى عقول هذه الفئة، لذلك لا نجد في أي فترة تاريخية كانت أو بعدها حدثٌ جاء في مجرياته عن تكاتف الكورد مع بعضهم البعض لبناء دولتهم والوقوف صفاً واحداً أمام العدو الخارجي سوى مرحلة القائد صلاح الدين الأيوبي، لكنه وحَّد الكلمة على أساس الدين الإسلامي، أما على أساس القومية الكوردية فلا يوجد حدث يحكى عن وحدة الكلمة والصف، وما يحدث الآن بين الكورد في سوريا لا يخرج من عنق تلك الزجاجة، أساليب وممارسات التخوين والعمالة وتوتير وتشنيج الوضع بين أبناء الشعب الكوردي الواحد، من خلال شحن عقول فئة معين ضد آخر من أصله ودمه، هذه الأفكار والأساليب المتناقلة عبر التاريخ غرسها أعداء الكورد لإلهائهم عن خيراتهم وموقعهم ومكانتهم الاستراتيجية على المستوى الإقليمي والدولي. 
تلك العقلية غرست الانشقاق والتشرذم في المجتمع الكوردي، إلى جانب أنانية البعض في تفضيل المصلحة الشخصية على المصلحة الكوردية. هذا كله دفع بالشعب الكوردي إلى فقدان الثقة بنفسه في عدم القدرة على إدارة حياته وحاله ضمن كيان كوردي مستقل. 
وهنا يتطلب من كل كوردي شريف العمل على غرس أفكار عن الحب والإخلاص والمحبة والإيثار والتعاون بين أبناء الشعب الكوردي ومحاربة تلك الأفكار العفنة والمقيتة، وأن يبدأ العمل من الأسرة ثم القرية والحي والمدرسة حتى ينضج المجتمع على تلك الأفكار، وهكذا يتحقق مُراد الكورد في الحرية والتحرر والحياة الكريمة.   

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف توطئة واستعادة: لا تظهر الحقائق كما هي، في الأزمنة والمراحل العصيبةٍ، بل تُدارُ-عادة- وعلى ضوء التجربة، بمنطق المؤامرة والتضليل، إذ أنه بعد زيارتنا لأوروبا عام 2004، أخذ التهديد ضدنا: الشهيد مشعل التمو وأنا طابعًا أكثر خبثًا، وأكثر استهدافًا وإجراماً إرهابياً. لم أكن ممن يعلن عن ذلك سريعاً، بل كنت أتحين التوقيت المناسب، حين يزول الخطر وتنجلي…

خوشناف سليمان ديبو بعد غياب امتدّ ثلاثة وأربعين عاماً، زرتُ أخيراً مسقط رأسي في “روجآفاي كُردستان”. كانت زيارة أشبه بلقاءٍ بين ذاكرة قديمة وواقع بدا كأن الزمن مرّ بجانبه دون أن يلامسه. خلال هذه السنوات الطويلة، تبدّلت الخرائط وتغيّرت الأمكنة والوجوه؛ ومع ذلك، ظلت الشوارع والأزقة والمباني على حالها كما كانت، بل بدت أشد قتامة وكآبة. البيوت هي ذاتها،…

اكرم حسين في المشهد السياسي الكردي السوري، الذي يتسم غالباً بالحذر والتردد في الإقرار بالأخطاء، تأتي رسالة عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي، السيد سليمان أوسو، حيث نشرها على صفحته الشخصية ، بعد انعقاد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي “، كموقف إيجابي ، يستحق التقدير. فقد حملت رسالته اعتذاراً صريحاً لمجموعة واسعة من المثقفين والأكاديميين والشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني،…

د. محمود عباس من أعظم الإيجابيات التي أفرزها المؤتمر الوطني الكوردي السوري، ومن أبلغ ثماره وأكثرها نضجًا، أنه تمكن، وخلال ساعات معدودة، من تعرية حقيقة الحكومة السورية الانتقالية، وكشف الغطاء السميك الذي طالما تلاعبت به تحت شعارات الوطنية والديمقراطية المزوّرة. لقد كان مجرد انعقاد المؤتمر، والاتفاق الكوردي، بمثابة اختبار وجودي، أخرج المكبوت من مكامنه، وأسقط الأقنعة عن وجوهٍ طالما تخفّت…