حسين جلبي
تصاعدت خلال الأيام الأخيرة الأعمال العدائية من قبل حزب العمال الكُردستاني التركي ضد إقليم كُردستان، عبر الاستهداف المباشر بالنيران وزرع الألغام ونصب الكمائن لقوات البيشمركة، تسببت بقتلى وجرحى ومخطوفين، من القوة التي تعتبر السبب الرئيسي لوجود الكيان الكُردي الوحيد في العالم وصمام الأمان في الدفاع عنه، والذي تأسس بعد مخاض طويل لسلسلة من الثورات الكُردية المعمدة بدماء البيشمركة، وبرائحة البارود والكيماوي الذي استهدف شعبه.
تعرضت بيشمركة كُردستان لهجمات عدائية من الحزب التركي على أراضي إقليم كُردستان وتلقت طعنات منه في الظهر، في وقتٍ لم تكن فيه في وضع هجومي أو بصدد التعرض للمعتدين أو مهاجمتهم، بل تقوم بأعمال روتينية لحفظ الأمن على أراضيها، وتضاف هذه الهجمات من قبل الـPKK، إلى سلسلة من الاستهدافات بحق المدنيين الكُرد من مواطني إقليم كُردستان وقراهم وممتلكاتهم، كل ذنبهم أنهم يقيمون على أرضهم التي زاحمهم الحزب عليها، متنكراً للخبز والملح والمأوى الممنوح له في كُردستان، بعد هزائمه أمام الجيش التركي وانسحابه مما أُصطلح على إطلاقه عليه ساحته الرئيسية في تركيا.
يأتي تصاعد استهداف حزب العمال التركي لإقليم كُردستان، بعد أن قويت شوكته وتلقت عروقه دماءً كُردية سورية غزيرة وأموالاً طائلة لم يكن يحلم بها، بعد استدعائه من قبل نظام الأسد إبّان الثورة عليه قبل عشر سنوات، وبعد أن أنجز مهمته الرئيسية في سوريا على حساب كُردها، بحيث بات يشكو مع امكاناته الكبيرة من العطالة، لذلك يبدو حسب السياسات المرسومة له وسيرته، بأن وجهة بندقيته المقبلة ستكون إقليم كُردستان، التي يتخذ من مواقع حساسة على أراضيه معاقلاً له، إذ يتواجد في السليمانية وكركوك وشنكال ومخمور والمناطق الحدودية مع تركيا على شكل قنابل موقوتة، هذا بالإضافة إلى خلاياه النائمة، التي تكاد لا تخلو منها منطقة كُردية، سيؤدي تفجيرها إلى إغراق كُردستان.
تعتبر كُردستان بسبب وضعها الحالي، سواء الداخلي أو داخل العراق، والإقليمي مع إيران وتركيا، في وضع خطير للغاية، وتجد نفسها محاصرة داخلياً وخارجياً، خاصةً بعد أن حيّد حزب العمال التركي الكُرد في تركيا وأخرجهم من معادلة القومية الكُردية، بحيث لم يعودوا عمقاً قومياً كُردياً، وبعد أن هشّم الساحة الكُردية السورية التي لم تعد نافعة لنفسها، بعد أن تسبب الحزب بتغييرات ديمغرافية كبيرة نتيجة سياساته التي هجّرت مئات الآلاف من الكُرد واستجلبت آخرين إلى مناطقهم، وبعد أن تسبب بتقطيع أوصال المناطق الكُردية السورية وفقدانها أكثر من ثلثها.
لا يخفي حزب الـPKK عدائه لإقليم كُردستان والقومية الكُردية، ويعلن صراحةً بأنه سيقف مع أعداء الكُرد لعمل كل ما من شأنه عدم تحقيق الكُرد لهويتهم، وقد كسر شوكة القومية الكُردية في سوريا ومنع رموزها، ونشط مؤخراً في إقليم كُردستان وأخذ يتدخل في سياسات الإقليم ويمنعه من بسط نفوذه على أراضيه، وهي الأعمال التي تهاونت سلطات كُردستان في معالجتها، بداعي عدم التسبب في “الاقتتال الأخوي”، وهو الأمر الذي لا يقيم له الحزب وزناً، ويبدو غير مهتماً بالأخوة الكُردية وحقن دماء الكُرد، وهو ما يظهر جلياً من خلال استهداف البيشمركة، التي تعني استهداف روح كُردستان، وزعزعة الثقة بهذه القوة التي ينظر إليها الكُرد بعين القداسة، هذه الصورة التي ستنهار مع تواصل الأعمال العدائية ضدها.
بات حزب العمال الكُردستاني التركي يشكل خطراً وجودياً على إقليم كُردستان، وأصبح يضيّق الخناق عليه مع مرور الوقت، وإن لم تحاول حكومة الإقليم الدفاع عن نفسها على قدر الاعتداءات التي تتعرض لها وتعمل على تدارك الأخطار وإزالتها، وهو حق منصوص عليه في الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، حتى إذا كان المعتدي شقيقاً وليست جهة تصرح بعدائها، واستمرت في مواجهة الرصاص الذي يتعرض له أبنائها بالبيانات التي لا يفهمها الحزب التركي الذي يعي جيداً ما يفعل، والذي أصبح يضع إقليم كُردستان في المرتبة الأولى من العداء، فتنتظرها عواقب وخيمة، تبدأ بفقدان ثقة مواطني الإقليم بمؤسساتهم، وهي ثقة بنتها تلك المؤسسات بثمن غالي، وقد يفوت الأوان عندما تحاول استعادتها ثانيةً.