الجالية الكردية في بلاد المهجر وبشكل خاص في ألمانيا

شادي حاجي 

بداية وقبل الخوض في الموضوع أود أن أوضح بأنني سوف لن أتناول المنظمات والجمعيات والاتحادات والمراكز الكردية السورية في ألمانيا بالأسم ودور كل منها على حدة لسبب بسيط وهو أنني لاأستثني أي منهم مما سأشير إليه أدناه واسمحوا لي أن أبدي برأي الشخصي حول الجالية الكردية المتمثلة بتلك المؤسسات بمختلف تسمياتها وتوجهاتها السياسية ( الحزبية ) والثقافية والحقوقية والصحفية والاعلامية الكردية في سوريا القائمة والعاملة في المهجر وبشكل خاص في ألمانيا أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها منغلقة على نفسها ومنعزلة عن محيطها وتدور حول نفسها فنشاطاتها واجتماعاتها ومحاضراتها وندواتها وإحياء مناسباتها القومية ومناقشاتها التي تدور حول القضية الكردية العادلة ومعاناة الشعب الكردي في سوريا المضطهد والمحروم من أبسط حقوقه القومية المشروعة تعقد وتقام فيما بينهم وبين بعضهم البعض بحيث تقتصر معظم هذه النشاطات على بعض الأشخاص المحددة و في مكان محدد في هذه المقاطعة أو المدينة أو تلك وعلى نطاق ضيق 
ومايحز في القلب أن معظم هذه النشاطات تتم وتقام دون حضور ومشاركة الشخصيات وممثلي الأحزاب والمنظمات والمؤسسات الألمانية السياسية والثقافية والمجتمعية الحكومية والغير حكومية ودون مشاركة ممثلي منظمات وجمعيات الجاليات الأخرى الفاعلة في ألمانيا بسبب عدم دعوتهم وفق الأصول المتعارف عليها في هذه البلدان نظراً لغياب شبكة العلاقات مع الوسط السياسي والثقافي  والمجتمعي الألماني والجاليات الأخرى ولغياب التفكير القيام بمحاولات جدية لإشراك السياسيين والمثقفين والبرلمانيين الألمان وممثلي وشخصيات الجاليات الأخرى بغاية المشاركة وتبادل الخبرات والمعلومات والتفاعل مع قضاياها وتفهمهم لها وكسبهم كأصدقاء ليس هذا فحسب بل دون أن يكون هناك أي تغطية أو اهتمام يذكر من قبل أية جهة اعلامية ألمانية أوربية وعالمية لتلك النشاطات للأسباب التي تم ذكر بعض منها أعلاه إلا ماندر كما أنه ليس هناك أي دور اعلامي كردي حقيقي ملتزم موجه من قبل مؤسسات الجالية الكردية  للرأي العام الألماني والأوربي والعالمي لشرح القضية الكردية في سوريا لذلك هنا وفي هذه البلدان لا يسمعهم أحد ولم يتبنى أية جهة قضيتهم لأن إقامة العلاقات والتواصل والاتصال والمشاركة هي مفتاح العبور الى عقل الآخر ولا شيء غير ذلك وهذا ماتفتقر إليها الجالية الكردية ومنظماتها المختلفة . . وهذا لايعني بأنه ليس لهذه المنظمات أو الجمعيات أو الاتحادات والمراكز الكردية أية فضيلة أو أية نجاحات هنا وهناك من خلال هذا النشاط أو تلك أو أنه ليس هناك جهود ونشاطات فردية ناجحة في هذه المدينة أو المقاطعة أو تلك ولكن تبقى معظم تلك النشاطات دون المستوى المطلوب من الجالية ومؤسساتها التي تدعي تمثليها في هذا المجال أو ذاك لأنها تبقى محصورة بين أبناء وبنات الجالية نفسها يعني كردية كردية وكما يقال المثل بالعامية بين بعضهم البعض أهلية محلية وكأنهم يعيشون في قامشلو وديرك وعامودا وكوباني وعفرين وليس في أوروبا وألمانيا وفي مجتمع مختلف حيث يكررون نفس الأساليب والطرق عند اقامة النشاطات والاجتماعات والمناقشات الطويلة التي لاتؤدي الى أية نتيجة تماماً كالتي كانوا قد تعودوا عليها في الوطن وكأن معظمهم موجودون بأجسادهم هنا في ألمانيا وكل تفكيرهم وعقولهم وأسلوب عملهم وقيامهم وقعودهم في الوطن بالإضافة الى ذلك فهي قوى مشتتة ضعيفة غير مقبولة وغير مثمرة ويفتقرون الى أي نوع من التنسيق ولاتربطهم أية هيئة أو جدول عمل مشترك .
حيث أن دور الجالية الكردية ومؤسساتها وفق ماذكر أعلاه  يبدوا أنها لاتتناسب أبداً مع دور الجاليات الأخرى الفاعلة في الغرب عموماً وفي ألمانيا خصوصاً من حيث نصرة الجالية الكردية أولاً ونصرة القضية الكردية العادلة  والشعب الكردي في سوريا في مختلف المجالات ثانياً .
حيث أن الجاليات الأخرى الفاعلة في ألمانيا تقوم وعلى سبيل المثال بأعمال ونشاطات جبارة وهي :
1- العمل على إيجاد آليات عملية سهلة لتشويق وتحفيز ومساعدة أبناء وبنات الجالية لإتقان اللغة والأعراف والعادات والتقاليد الخاصة ولفهم طبيعة النظام السياسي والثقافي والقانوني والمجتمعي في الدولة المضيفة ألمانيا للإنتقال الى الإستقرار الكامل والوصول الى المواطنة الكاملة .
2- مأسسة الجالية ومنظماتها وجمعياتها ومؤسساتها و تمثيلها بعيدة عن هيمنة أشخاص وأحزاب بعينها ووضع خطط واستراتيجيات عملية دورية للخروج من الإنغلاق على نفسها والعزلة عن المحيط  لتكون قادرة على عقد شراكة مع المنظمات والمؤسسات الألمانية للإندماج الإيجابي وأداء دور الوسيط بين الجالية والدولة المضيفة ألمانيا بما يضمن حفظ خصوصية الجالية والمساهمة في حل مشاكلها وتقوية روابطها مع أوطانها الأصلية  .
3- إعتماد سياسة اللاعنف في الحوار والتعبير والكتابة والعمل السياسي والحزبي والعمل على إشاعة وترسيخ قيم التفاهم والتضامن والتعايش السلمي والتمسك بقواعد المجتمع المدني والحرص على ترسيخ ثقافة الحوار بين الجالية ومحيطها من الألمان  .
4- تمكين الجالية بمختلف تنظيماتها وجمعياتها من صياغة خطط وبرامج يحترم ويتفاعل إيجابياً مع أنظمة وقوانين الدولة المضيفة ألمانيا والإنفتاح على نظيراتها في الدولة المضيفة ألمانيا وعلى نظيراتها في الجاليات والأقليات الأخرى في ألمانيا لبناء علاقات وصياغة تفاهمات وتبادل الخبرات والتجارب والتعاون على اساس الإحترام المتبادل .
5 – تشجيع أبناء وبنات الجالية ومنظماتها بمختلف تسمياتها نحو المشاركة السياسية الواعية والفاعلة إنتساباً ومشاركة وتفاعلاً وترشيحاً وإقتراعاً وتوظيفاً في الحكومة والمعارضة والبرلمان والوزارات والإدارات والجامعات والأحزاب و .. الخ .
6 – التعرف على آليات صناعة القرار في الدولة المضيفة وسبل التأثير فيه ، ونسج شبكة مكثفة من العلاقات المؤثرة مع صنـّاع القرار في الحكومة والبرلمان والمعارضة والمؤثرين فيه كالأحزاب والمنظمات والجامعات ورجال المال والأعمال والقانون والحقوق و الإعلام و الفكر والبحث واللوبيات ومؤسسات المجتمع المدني . 
7 – التمهيد لإيجاد البنى التحتية والحواضن المطلوبة لتأســـيس مجموعات ضغط ومراكز بحثية وإعلامية في الدولة المضيفة ألمانيا طبقاً لأنظمتها وقوانينها بخطاب إعلامي موجه للجالية وأخر للمجتمع المضيف ( المجتمع الألماني ) .
8 – إستكشاف آليات وطرق ومفاتيح  الصناعة الإعلامية في الدولة المضيفة ألمانيا والتعرف على الصناعة الاعلامية للوصول والحوار و التأثير عليها .
9 – تأسيس موقع الكتروني خاص بالجالية وكذلك صحيفة مطبوعة لتسهيل التواصل والتفاعل وعقد مؤتمرات عامة للجالية وندوات وورش عمل ومعارض ومهرجانات لتبادل الأخبار والأفكار والتجارب والخبرات ومعالجة المشكلات تحقيقاً للأهداف أعلاه .
10 – عقد المؤتمرات والندوات وورش العمل التخصصية بغاية تطوير وتحديث العمل ووضع جداول العمل اليومية والأسبوعية والشهرية والفصلية والسنوية .
ونظراً لما سبق ذكره أعلاه من أسباب وتداعيات ومعوقات لابد أن تراجع الجالية الكردية السورية المتمثلة بمؤسساتها بمختلف عناوينها وتسمياتها وتوجهاتها في ألمانيا نفسها  وتراجع طريقة واسلوب عرضها للقضية الكردية العادلة في سوريا ومصير الشعب الكردي ومستقبل أجياله وحقه في الحياة والبدء باتباع الوسائل الديمقراطية السلمية الحديثة طبقاً للقوانين واللوائح التنظيمية وقواعد المجتمع المدني الألماني على الرأي العام الألماني ومن خلالها الأوربي والعالمي ولكي لا تدور الجالية الكردية ومؤسساتها المختلفة حول نفسها وتبقى منغلقة ومنعزلة عن المحيط لابد من المنظمات الحزبية والأطر السياسية والجمعيات الثقافية والحقوقية والمجتمعية والاتحادات الصحفية والاعلامية  والمراكز الكردية في ألمانيا أن تقوم بهندرة كاملة وشاملة و تغيير الذهنية والاسلوب لأنهم وبكل صراحة لا يمكن أن يصنعوا ويحققوا أي هدف من الأهداف التي وضعوها أمامهم وصاغوها بإرادتهم إذا ظلوا يعملون بنفس الأساليب والمناهج والذهنية الحالية وإذا بقيت آلية العمل وصنع القرار هي هي  .
لذلك لابد من منهج جديد معروف بالعالم وفي علوم الادارة اسمه الهندرة – او الهندسة الإدارية وهي اعادة هندسة نظم العمل والاجراءات والتدريب واعادة هندسة كل شيء في الوسط السياسي والثقافي والحقوقي والصحفي والاعلامي والمجتمعي الكردي في سوريا المتواجدة والمقيمة في ألمانيا بمختلف عناوينها وتسمياتها وتوجهاتها والبدء من نقطة الصفر وليس إصلاح الوضع القائم أو إجراء تغييرات ترقيعية تجميلية بسيطة هنا وهناك وتترك البنى الأساسية التنظيمية والمنهجية والهيكلية كما كانت عليه لكي تعمل بصورة أفضل وإنما تعني التخلي التام عن كل إجراءات وسلوكيات ومنهجيات وطرق العمل القديمة الراسخة وفق الحالة التي هي عليها الآن وإنما التفكير بصورة جديدة ومختلفة لمسايرة المجتمع الألماني وإحترام المعايير والقواعد السائدة في المجتمع الألماني لمواجهة المتغيرات السياسية الدولية .
وهذا يتطلب من الجالية الكردية ومؤسساتها المختلفة القيام بالإجراءات والتدابير التالية : 
1 – تغيير الأنظمة الداخلية وأساليب إدارة العمل وآلية اتخاذ القرار لا تطويرها وتعديلها في كل المؤسسات الكردية المذكورة أعلاه أي بناء نظم جديدة او اقلمة وتكييف نظم عالمية وأخذ كل ماذكر أعلاه في خطط استراتيجيات التي تتبعا الجاليات الأخرى الفاعلة في ألمانيا .
2 –  التركيز على بناء شبكة من العلاقات والشراكات مع السياسيين والمثقفين وجماعات المجتمع المدني الألماني والجاليات والأقليات الأخرى ونتائجها وعدم الاهتمام ببعض المناهج الإدارية والأساليب السائدة .
3 –  إعادة بناء الجالية ومؤسساتها المختلفة ككل وبشكل جذري وفق منهج الهندرة وليس الاصلاح فقط .
4 –  عدم تجاهل القيم والمفاهيم السائدة في بيئة المؤسسات الكردية والعمل على تغيير السلوكيات بما يتناسب مع قيم العمل الجديدة لان اساليب العمل السابق لم تكن مجدية وكانت النتائج مخيبة للأمال في ألمانيا .
5 –  مواصلة مشروع الهندرة وعدم التراجع عنه عند وجود بعض المشاكل أو التوقف عند الإحساس بالنجاح الجزئي .
6 – عدم تحديد المشكلات التي تواجه المنظمة بشكل مسبق .
7 – عدم إتاحة الفرصة للمفاهيم التقليدية بالمنظمات الحالية للعمل على إعاقة المشروع لا سيما أراء الفاسدين المعرقلين للمشروع التغييري الرئيسي .
8 – تبني الهندرة والبدء بها من القمة , لامن القاعدة وذلك وفق الكفاءة ومبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب .
9 – تخصيص موارد كافية لمشروع الهندرة (الوقت ، المال ، الجهد ، الاهتمام – كوادر متخصصة ) .
10 – وضع المشاريع في قمة الأولويات والتعامل معها بجدية من قبل القائمين على العمل في تلك المؤسسات الكردية ودراسة وتحليل التجارب الناجحة والفاشلة للجاليات المختلفة في العالم لإستخلاص الدروس والعبر بعيداً عن القياس والتعميم والإستنساخ وعقد المؤتمرات والندوات وورش العمل التخصصية بمشاركة السياسيين والمثقفين والقانونيين والإعلاميين للتشاور ووضع الخطط وبرامج العمل الواقعية الكفيلة بتحقيقها خطوة خطوة فقضايا وحياة ونهضة الشعوب لاتقاس طبقاً لورزنامة الأيام والشهور والأعوام  .
ملاحظة وتوضيح :
ماهي الهندرة ؟
قد تبدو كلمة الهندرة غريبة على أسماع الكثير منا ولا غرابة في ذلك فهي كلمة عربية جديدة مركبة من كلمتي هندسة وإدارة وتعني اعادة هندسة العمليات الإدارية وهي تمثل الترجمة العربية لكلمتي  Business Reengineering
وقد ظهرت الهندرة في بداية التسعينات وبالتحديد في عام 1992م ، عندما أطلق الكاتبان الأمريكيان مايكل هامر وجيمس شامبي الهندرة كعنوان لكتابهما الشهير (هندرة المنظمات )
ومنذ ذلك الحين أحدثت الهندرة ثورة حقيقية في عالم الإدارة الحديث بما تحمله من أفكار غير تقليدية ودعوة صريحة إلى إعادة النظر وبشكل جذري في كافة الأنشطة والإجراءات والاستراتيجيات التي قامت عليها الكثير من المنظمات والشركات العاملة في عالمنا اليوم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صدرت للكاتب والباحث د. محمود عباس مؤخراً ثلاثة كتب جديدة، وبطباعة فاخرة، ضمن سلسلة مخطوطاته التي تتجاوز الأربعين كتابًا، متناولةً القضايا الكوردية من مختلف جوانبها: النضال السياسي، والمواجهة مع الإرهاب، والتمسك بالهوية الثقافية. تُعدّ هذه الإصدارات شهادة حيّة على مسيرة د. عباس، الذي يكتب منذ أكثر من ربع قرن بشكل شبه يومي، بثلاث لغات: العربية، الكردية، والإنجليزية. إصدارات الدكتور محمود…

اكرم حسين تستند الشعبوية في خطابها على المشاعر والعواطف الجماهيرية، بدلًا من العقلانية والتخطيط، حيث أصبحت ظاهرة منتشرة في الحالة الكردية السورية، وتتجلى في الخطاب السياسي الذي يفضل دغدغة المشاعر الجماهيرية واستخدام شعارات براقة، ووعود كاذبة بتحقيق طموحات غير واقعية، بدلاً من تقديم برامج عملية لحل المشكلات المستعصية التي تعاني منها المناطق الكردية. إن تفاقم الاوضاع الاقتصادية وانتشار الفقروالبطالة، يدفع…

خالد حسو عفرين وريفها، تلك البقعة التي كانت دائمًا قلب كوردستان النابض، هي اليوم جرحٌ عميق ينزف، لكنها ستبقى شاهدة على تاريخٍ لا يُنسى. لا نقول “عفرين أولاً” عبثًا اليوم، بل لأن ما حدث لها، وما يزال يحدث، يضعها في مقدمة الذاكرة الكوردية. لماذا عفرين الآن؟ لأن عفرين ليست مجرد مدينة؛ هي الرئة التي تتنفس بها كوردستان، والعروس التي تتوج…

خليل مصطفى ما تُظهرهُ حالياً جماعة المُعارضة السورية (وأعني جماعات ائتلاف المُعارضة المُتحالفين مع النظام التركي) من أقوال وأفعال مُعادية ضد أخوتهم السوريين في شمال شرق سوريا، لهي دليل على غباوتهم وجهالتهم ونتانة بعدهم عن تعاليم وتوجيهات دين الله تعالى (الإسلام).؟! فلو أنهُم كانوا يُؤمنون بالله الذي خالقهُم وخالق شعوب شمال شرق سوريا، لالتزموا بأقواله تعالى: 1 ــ (تعاونوا على…