رسالة المجد من فخر الأمة الكوردستانية

غزالة خليل وضحي 

عرفناه مناضلاً صلباً وملتزماً بقضية شعبه منذ نعومة أظفاره، وها قد صقلته ساحات المعارك ووعورة الجبال وكواليس السياسة، فولدت الرواية من عصيانه للقدر الذي أحكم بقبضته في معارك الجبال وفي الساحة الدبلوماسية وفن السياسة، مُحكماً بذلك لمسيرة طموح شعب يأبى الهزيمة والانكسار، فمن يستطيع نسيان أنه كان قائداً للبيشمركة الأشاوس الذين أبوا الاستسلام في مسار طواحين المصالح الدولية ووصولاً إلى كونه قائداً فذاً واستثنائياً في تاريخ شعبه، يقود طموح أمة تحلم بحريتها، وتعمل للوصول إلى حقوقها والعيش بكرامة مثل باقي الشعوب والأمم، حيث اكتمن فيه شيم النقاء والصفاء في قيم الكرامة والارتقاء نحو رسم ولادة خريطة جديدة تكون لها مكانتها وجغرافيتها بين خرائط هذا العالم المترامي الأطراف.
سأستوقف لاستذكره جندياً مقاتلاً وسياسياً ناجحاً قاد مسيرة شعبه بكل ثقة وأمان ولم يتركه في يوم من الأيام لتقلبات السياسة العالمية والإقليمية في أقسى الظروف وأصعبها، بل وقف مع شعبه وبين صفوفه في أشرس المعارك وأكثرها ضراوةً على حياته، ووجوده على جبهات القتال بين إخوانه وأخواته البيشمركة في محاربة داعش في الصفوف الأمامية نال إعجاب واحترام الإعلام العالمي بصور حية من ساحات القتال، حيث جعل حياته فداءً لشعبه ولقضيته، لأنه يؤمن بعدالة قضيته وحقوق شعبه في العيش بحرية وكرامة اسوةً بباقي الشعوب والأمم.
 كما أنه لم ييأس يوماً في التصدّي لكل المحاولات لثنيه عن عزمه وإرادته وإيمانه المطلق بأن القضية ستنتصر مهما بلغت حجم المؤامرات داخلياً وخارجياً، ولم ينحنِ لأحد سوى لله، وبقي شامخاً عزيز النفس يعبّر عن عظمة شعبه وتاريخه المجيد، ويدرك تماماً أن شعبه سيقف معه مهما بلغت الصعوبات والتحديات، وإن الذين أصبحوا العوبة بأيدي قوى داخلية وخارجية وخانوا شعبهم في مراحل معينة لابد أن يعودوا إلى رشدهم قبل أن يحاسبهم التاريخ على خيانتهم وتحالفهم مع أعدائهم.
إنه القائد المناضل وسليل العائلة المناضلة ونجل صقر كوردستان البارزاني الخالد المرحوم الملا مصطفى أحد أكبر عظماء الأمة عبر التاريخ القديم والحديث، إنه الزعيم مسعود البارزاني الذي لم يتوانَ يوماً في بذل الغالي والنفيس في خدمة شعبه والعمل على إيصاله إلى بر الأمان والإطمئنان، لذلك جاء خطابه في هذه المرحلة كرسالة إطمئنان لشعبه والحد من الإشاعات التي تحاول إضعاف المعنويات وإيجاد أجواء من الذعر والمخاوف بين صفوف شعبه وخاصة بعد التطورات التي حدثت على الساحة الأفغانية والإنسحاب المفاجئ والسريع للقوات الأمريكية من أفغانستان بعد عقدين من الزمن.
صحيح أن ما حدث في أفغانستان كان حدثاً مفاجئاً وغير متوقع وخاصة عندما تأتي من دولة عظمى بحجم أمريكا وقائدة للعالم الحر وحامية للديمقراطيات في العالم، ولها مصالح استراتيجية هناك علاوةً على أنها جاءت بهدف محاربة الإرهاب، ولاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر واستهداف أبراج أعظم وأقوى دولة في العالم في عقر دارها، وما نتج عنه من دمار وحصول كارثة إنسانية بحق المئات من الضحايا الآمنين، وقد استطاعت أمريكا بتدخلها هذا في حينه من القضاء على نظام حكم طالبان في عهد جورج بوش الابن ومن ثم القيام بأكبر وأدق عملية استخباراتية في قتل زعيم القاعدة اسامة بن لادن في عهد أوباما، وتولّي مهمة دعم الحكومة الفتية والحفاظ على الأمن والأشراف على إدارة مدنية ورئيس منتخب. 
 الإدارات المتعاقبة في أفغانستان لم تستطع القيام بالمهام المطلوبة منها في بناء دولة قوية وإيجاد مؤسسات متينة وجهاز أمن محترف وجيش قوي يدافع عن أمن وسلامة البلاد إضافة إلى الفساد الذي استشرى في مؤسسات الدولة وإدارتها مهترئة أصلًا، وقد كلف ذلك الإدارة الأمريكية المليارات من الدولارات، وربما كانت بحاجة لعقود من الزمن لتتمكن من بناء دولة حديثة وتدريب جيشها وموظفيها على القيام بمهامهم في خدمة شعبهم، فحتماً دولة بحجم أفغانستان مساحة بكل تعقيداتها الإثنية والطائفية تحتاج للمزيد من الدعم المعنوي والمادي، لذلك كان قرار انسحاب القوات الأمريكية المسلحة الأخير لها بمثابة طلقة الرحمة لرجل ميؤوس من حالته الصحية.
المشاهد التراجيدية للعديد من الأفغان الذين وصل بهم الهلع والخوف، وصل بهم الأمر للتعلق بجناح طائرة أو عجلاتها التي شهدها العالم على الشاشات الزرقاء وبصور حية، تقشعر لها الأبدان من أجل النجاة من حكم طالبان، كانت رسائل موجعة للرأي العام العالمي ولحلفاء أمريكا في كل مكان، ولم تستطع التصريحات المرتبكة من الإدارة الأمريكية التخفيف من حجم الكارثة أو طمأنة حلفاء أمريكا، ففي المشهد الدرامي لإنسحاب القوات الأمريكية المسلحة من أفغانستان وتسليمها على طبق من الفضة لحركة طالبان، خلق من دون شك ارتباكاً لتلك المناطق التي تتمتع بنفوذ أمريكي ومنهم الشعب الكوردي في كوردستان العراق وهاجس الخوف الذي انتابهم من حيثيات الانسحاب الأمريكي.
جاءت رسالة فخامة الرئيس مسعود البارزاني إلى الشعب الكوردي بتاريخ 22 / 8 / 2021، لتؤكد مجددا كقائد لن يترك واجباته المقدسة، فأظهر من خلالها على تلك الثوابت للأمة الكوردية التي أفدت بالغالي والنفيس من أجل بقائها، وأن الشعب الكوردي يختلف كليًا عن الشعب الأفغاني لأنه بإختصار يملك قوة عسكرية تتمثل ببيشمركتها الذين سطروا في المعارك أروع الملاحم البطولية في الدفاع عن وطنهم عندما كانوا يفتقرون إلى الأصدقاء.
ومن هنا يؤكد القائد البارزاني من خلال رسالته التاريخية هذه الطموح والتفاني الذي يتمتع به الشعب الكوردي في مواصلة نضاله المستمر للذود عن حقوقه القومية المشروعة سواء بوجود قوات حليفة كالقوات الأمريكية أو دونها.
ويمكنني أن استخلص من رسالة سيادة الرئيس مسعود البارزاني جملة واحدة فقط: لا يموت حق وراءه مطالب.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…