حسن خالد
“حارس دجلة” للكاتب والأديب أستاذنا : ابراهيم اليوسف في رثاء المرحوم
((جامعي مهتم بالثقافة في تجلياتها المختلفة)) وهكذا عرّف الراحل نفسه
ومما كتبه مؤخراً ، ويعتبر نموذجا لما كان يطرحه :
” المتوتر ( المنفعل ) لأي سبب ، يصعب عليه أن يكون محللا متوازنا – مهما كانت درجة ثقافته – وأن ينقل الاخبار بموضوعية
والمُنحاز ، لا يمكنه ان يكون محللا نزيها و ناجحا و لا يمكنه اعطاء نتائج موضوعية”.( 7 ogst 2021)
هناك نماذج من الشخصيات ، حتى وهم يرحلون أو يخطفهم منا الموت ، تشعر بسطوة وجودهم وألم فراقهم ، فحضورهم طاغٍ وبفعالية حتى وإن فُرض عليهم الراحة الأبدية فيزيائيا؟
أمضى – رحمه الله – ردحا طويلا من الزمن في السلك التربوي مربّيا ، قبل أن يكون معلما / أستاذا متنقلا عبر مراحل التعليم المختلفة ، فتخرج على يديه ومجايليه أجيالا وأجيال وفي مختلف المراحل المتعارف عليها .
ويصعب أن تجد في ديرك والأماكن التي علّم فيها ممن إلتحقوا بالعملية التعليمية ولم يدرسه المرحوم
تربطني به علاقة قربى – هذا صحيح – ولن أدخل في تفاصيل هذه العلاقة ، لكن ما يربط التلميذ بالأستاذ المربي أوثق بكثير من علاقة القربى.
لأني تأثرت به تنويريا وتثقيفيا أكثر من ممارسة دوره في واجب العلاقة التي تربطه بنا
عندما كنت صغيرا وارتاد منزله ، عندما انتقلنا من القرية إلى المدينة “ديرك”
وأرى أناس “شخصيات” يزورونه لم أكن أعرفهم تحاصرني الأسئلة ؟
– من هم هؤلاء “المحترمون” الذي يأتون لزيارته ، لأن الكثير منهم كان يرتدي اللباس الرسمي ، ولم يكن مألوفا لدي هذه الرسمية في اللباس وأنا القروي؟
عندما كبرت وتفتحت مداركي عرفت لاحقا أنهم كانوا عصارة “النخبة السياسية والثقافية ووجهاء اجتماعيين” من مناطق الجزيرة كلها ، وليست من ديرك وحدها.
وآثر أن يكتب وينشر ، في بدايات تشكّل المواقع بإسم “إبن الجزيرة ” قبل أن يلج ويقتحم عوالم القارة الزرقاء بإسمه الصريح…
وتم استدعائه من “فرع فلسطين الأمني” السيئ السيط في بدايات الحراك في سوريا ، لمضمون كتاباته العلنية والأفكار التي كان يطرحها علنا وبمسؤولية؟ وكتب عن تفاصيل التحقيق معه في صفحته الزرقاء .
أصّر دوما على أن الكلمة تحمل في ثناياها مسؤولية وكبيرة لمن يعي معانيها ، ونُصحهُ إن طلب أحدهم نصيحة ، مقتضب ومؤثر ، ويحمل حلولا
* وبعيدا عن كونه من عائلة ذو خلفية دينية ومتشرب من ثقافتها ، وله صولات ومواقف “صِدامية” من سلطة الدين التي حاول ويحاول البعض استغلالها ؟
اختلط في الحراك السياسي في بداياته ودون “غلو” وسعى جاهدا في احتكاكه لتقلبات السياسة ودهاليزها و ضمنا الممارسة الحزبية إلى تطويعها في قوالب “ثقافية – اخلاقية” واتخذ موقفا من انزلاقاتها وحاول جاهدة تصحيح المسار في لقاءاته وخطاباته وكتاباته ، واختار الحياد مبكرا ؟
لكن استطاع أن يبقي حبل الود مع مخالفيه في البيئة الدينية والحزبية وحتى الفكرية.
مكتبته الشخصية التي “ستبكيه” كانت بمثابة مكتبة عامة للمهتمين بالقراءة شبابا ومهتمين ولأهل ديرك قول الفصل
مدينة ديرك التي “تبكيه ” كما قال لي “شخصيا” وأظنه جاهر بذلك كتابة ونشرا ، بقيت المدينة الهادئة المؤتلفة بساكنيها المتنوع “عرقا ودينا” التي فضّلها على غالبية المدن التي زارها على امتداد الجغرافيا السورية ، لطبيعة عمله في تصحيح أوراق طلبة الشهادات “تاسع – بكلوريا” في كلِ صيف وفترة تصحيح أوراق الإمتحان؟
علاقاته كانت مع المختلف العرقي جيدة
وله أصدقاء مميزين من غير بني جلدته.
لامتلاكه مهارات وخبرة تربوية طويلة لم يبخل في الاستئثار لنفسه بها ، إنما سعى وبكل رغبة في رفد الجيل الجديد بما امتلكه من خبرة وإمكانات ، لم يجامل في طرح المواضيع وانتقاد أفكار ومواضيع تطرح للتداول ويتجنب التجريح والشتم والابتعاد عن المناكفات وخاصة “الحزبية” الطاغية
خسره كل من عرفه وخالطه ، أهلا و أقرباء ، معارف وأصدقاء ، خاصة وأنه كان فاعلا متفاعلا في قارته الزرقاء مع كل ما يثير فيه ضرورة المقاربة النقدية و له كتاب مطبوع بعنوان “مسار ومسيرة”
أحب حديقته وياسمينته التي تغنى بها كثيرا في كتاباته وبعضٌ من شعره ” القليل ” وكانت له الملاذ إن داهمه الإرهاق أم حاصره الملل خاصة وأن احوالا صحيا وبعد الشباب عن الأسرة – وهي ظاهرة عامة – خلقت أجواء وأنماط من الحياة لم نكن لنختارها لولا مفرزات نتاج “مجتمع الحرب “
رغم قسوته وألمه “الموت حق” وهو الوجه الآخر لإمتداد الحياة في ترك الأثر الطيب والنسل الطيب في زمن “السقوط الانفعالي” الكردي بامتياز ؟
للراحل إرث وأرشيف ذاخر في الكتابة والطروحات ، يمكن الإستفادة منها في حسابيه على القارة الزرقاء بهذا الاسم”محمد قاسم حسين”
وإمتثالا لرغبته لم تكن هناك خيمة عزاء، لأنه كان يدعو إلى وجوب الإلتزام “بالتباعد الاجتماعي” والسعي لتطبيق تعليمات الجهات الصحية المختصة
لترقد روحك بسلام في “ديرك” التي أحببت وعشقت وتمنيت؟!!