ثقافة الكراهية

حزني كدو

الاطفال اجمل شيء في الحياة واغلى هدية من الخالق لعباده، وعلى الأبوين ايجاد التربية والنشأ الصالح لهم و السهر على حمايتهم ورعايتهم في الملبس والمشرب والمأكل والمسكن والوصول بهم الى بر الأمان، وخير من يرعاهم ويسهر على تربيتهم و راحتهم، الصدر الحنون والمدرسة الأولى في العالم الا وهي الأم . 
وخلال قضاء اجازة عيد الأضحى، والهروب من زحمة المدينة الى سكون البحر، حيث السكينة والراحة النفسية، والمد والجزر، والشواطئ الرملية وأصناف بشرية ذات ثقافات وحضارات واديان  متنوعة، ورائحة انواع مختلفة من الاطعمة المشوية كرائحة ثقافات وحضارات اصحابها، وقد لفت انتباهنا مجموعة من الرجال والشباب وعلى مقربة منهم حريمهم المتشح بالسواد وهم يتحدثون العربية بلكنة غريبة يبدو اننا سمعناها للوهلة الاولى ثم تبين انها غريبة حقا علينا، 
فما كان منا سوى ان نخمن على ضوء الجغرافية التي نحن عليها وعلى سماع أسماءهم من الذكور كعلي والحسن و حسين والعباس أما الاناث فسمعنا أسماء فاطمة والزهراء والعباسة وبما انني كنت مفرطا من التعب والسهر وقيادة السيارة لمدة خمس ساعات متتالية، غلبني النعاس، وكان الهواء مائلا للبرودة.. فغفوت و ما بين الصحو والنوم سمعت ابني يقول لاخيه الأصغر…هل تريد ان تعرف من هم هؤلاء القوم؟ وما مذهبهم  الديني؟ قم وناد على احدهم  باسم عمر… فان كان من السنة سيقول رضي الله عنه و ان كان من الشيعة سيشتمه…. عندها طار النوم من عيني… وقلت  تعالى يا بني من اين لك هذه الثقافة والمعلومة ؟ فقال من المدرسة ومن مدرس التربية الاسلامية…عندها تسمرت في مكاني وفي سكوني و تغير مزاجي واحوالي وتذكرت  قبل ثللاثين عاما عندما كنت مدرسا للمرحلة الثانوية وكيف كان مدرسي الدين يحاربون مادة اللغة الانجليزية لانها لغة الكفار, ولا فائدة منها  ثم قلت في نفسي ويحي الي بصغيري الباقي وابحث له عن مدرسة عالمية لعلى وعسى ان لا يوجد ليهم هذه التربية والثقافة التى من شأنها ان تهدم المجتمعات والاوطان ان اسستغلت كما قال ماركس (الدين أفيون الشعوب، ان استغل) بعدها التفت الى عائلتي وقلت علينا ان نحمد الله عز وجل على ما نحن فيه، فتربيتنا الكوردية كانت تربية نقية صافية، لم تفرق في يوم من الايام بين الناس حسب اديانهم أو مذاهبهم او اعراقهم بالرغم مما تعرضنا له من ويلات وعذابات ونكبات على أيدي أخوتنا في الدين والجغرافيا و التاريخ المشترك، في ضعفنا وفي اوج قوتنا، وخير مثال على ذلك العراق ابان سقوط الطاغية صدام، حيث لم تقع حادثة واحدة تذكر قام بها الكورد انتفاما على ما جرى لهم على يد جلاوزت الطاغية .
حقا نحن كمجتمعات اسلامية وشرق أوسطية كا المجتمع السوري احوج الى التشبع بثقافة الأم الكوردية، هذه الأم التي طالما عانت وتحملت الويلات واعباء الحياة في السلم والحرب وربت اولادها على ثقافة التسامح، وثقافة محبة جميع الناس بغض النظر عن الدين والعرق والمذهب .
ان ماجرى في سوريا خلال العقود الاربعة الماضية من سياسات التمييز العرقي والمذهبي والطبقي حولت سوريا الى غابة القوي يأكل الضعيف، وحل الغش محل الامانة، والكذب محل الصدق، والرذيلة والفجور محل الفضيلة والاخلاق، ولم يعد السوري يشعر بانتمائه الى سوريا كوطن له، لان الوطن نفسه مسلوب وينتظر من يخلصه من عذاب الضمير، وأهات المخلصين وكبت عشرات السنيين.
ان ما يجري في بعض الاجزاء من الثورة السورية  كالطائفية والتطرف تحت أسماء دينية كبيرة هي ثقافة دخيلة على المجتمع السوري الغني والمتعدد الأعراق والمذاهب وعلينا جميعا كسوريين ان نقف صفا واحدا وان نعيد بالثورة الى بعدها وهدفها الحقيقي وهو القضاء على الظلم والاستبداد، والتحول بسورية الى دولة مدنية، ديمقراطية تعددية الكل متساو في الحقوق والواجبات، ولا فرق بين مكوناته على اساس عرقي اوديني أو مذهبي، فسوريا الغد لا تتحمل الا ان تكون دولة اتحادية  لامركزية، يمارس فيها كل فرد حريته و انسانيته عندها فقط سيعتز السوري بانتمائه الوطني، فأهل السويداء لا يمكن ان يكونوا كأهل حماة، وأهل عامودة لا يمكن ان يكونوا كأهل محردة  و أهل قرداحة لا يمكن أن يكونوا كأهل دير الزور وباب توما لا يمكن أن تكون كالميدان وقس ذلك على كل جغرافية سوريا ارضا وشعبا وعادات وتقاليد وثقافات

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف توطئة واستعادة: لا تظهر الحقائق كما هي، في الأزمنة والمراحل العصيبةٍ، بل تُدارُ-عادة- وعلى ضوء التجربة، بمنطق المؤامرة والتضليل، إذ أنه بعد زيارتنا لأوروبا عام 2004، أخذ التهديد ضدنا: الشهيد مشعل التمو وأنا طابعًا أكثر خبثًا، وأكثر استهدافًا وإجراماً إرهابياً. لم أكن ممن يعلن عن ذلك سريعاً، بل كنت أتحين التوقيت المناسب، حين يزول الخطر وتنجلي…

خوشناف سليمان ديبو بعد غياب امتدّ ثلاثة وأربعين عاماً، زرتُ أخيراً مسقط رأسي في “روجآفاي كُردستان”. كانت زيارة أشبه بلقاءٍ بين ذاكرة قديمة وواقع بدا كأن الزمن مرّ بجانبه دون أن يلامسه. خلال هذه السنوات الطويلة، تبدّلت الخرائط وتغيّرت الأمكنة والوجوه؛ ومع ذلك، ظلت الشوارع والأزقة والمباني على حالها كما كانت، بل بدت أشد قتامة وكآبة. البيوت هي ذاتها،…

اكرم حسين في المشهد السياسي الكردي السوري، الذي يتسم غالباً بالحذر والتردد في الإقرار بالأخطاء، تأتي رسالة عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي، السيد سليمان أوسو، حيث نشرها على صفحته الشخصية ، بعد انعقاد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي “، كموقف إيجابي ، يستحق التقدير. فقد حملت رسالته اعتذاراً صريحاً لمجموعة واسعة من المثقفين والأكاديميين والشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني،…

د. محمود عباس من أعظم الإيجابيات التي أفرزها المؤتمر الوطني الكوردي السوري، ومن أبلغ ثماره وأكثرها نضجًا، أنه تمكن، وخلال ساعات معدودة، من تعرية حقيقة الحكومة السورية الانتقالية، وكشف الغطاء السميك الذي طالما تلاعبت به تحت شعارات الوطنية والديمقراطية المزوّرة. لقد كان مجرد انعقاد المؤتمر، والاتفاق الكوردي، بمثابة اختبار وجودي، أخرج المكبوت من مكامنه، وأسقط الأقنعة عن وجوهٍ طالما تخفّت…