مصطفى أوسو
الإزيديون، مجموعة عرقية دينية تتركز تاريخياً بشل رئيسي في المنطقة الجغرافية الكردية الواقعة بين كل من العراق وسوريا وتركيا، يصفهم الزعيم الكردي مسعود بارزاني، بأنهم “أعرق الكرد”. وهم بحسب المؤرخ والشاعر الكردي شرف خان البدليس في كتابه “شرف نامه”، الذي ألفه في الفترة من 1597 – 1599، ينتشرون تحديداً في الموصل ودهوك وديار بكر وحلب وجزيرة ابن عمر، وصلواتهم وأدعيتهم وجميع طقوس الدينهم باللغة الكردية – الكرمانجية.
تعرض الإزيديون عبر التاريخ إلى 72 حملة إبادة جماعية شنت ضدهم، أحدثها تلك التي ارتكبها بحقهم تنظيم “داعش” الإرهابي في مناطق “شنكال/سنجار” بإقليم كردستان العراق في أب/أغسطس 2014، والتي تسببت باستشهاد ثلاثة آلاف منهم واختطاف خمسة آلاف آخرين وتشريد حوالي 400 ألف في مناطق دهوك و”هولير/أربيل” وزاخو، فضلاً عن تعرض 1500 امرأة وطفل للاغتصاب الجماعي، وبيع منهم حوالي 1000 كسبايا.
انطلاقاً من هذه المقدمة والعرض الموجز عن الإيزيديين/الإزيديين، نودّ تسليط بعض الأضواء على طبيعة وكيفية تعامل السلطات الرسمية السورية المتعاقبة على حكم سوريا، تجاههم، حيث من المعلوم أنه بعد تشكل الدولة السورية الحديثة أُلحِق جزءٌ من أراضي كردستان بها، يعيش عليها بطبيعة الحال جزء من الكرد بما فيهم من يعتنقون الديانة الإيزيدية، وتعرّض معتنقو هذه الديانة الأصيلة لمظالم قانونية مجحفة، من قبل الأنظمة السورية المتعاقبة على حكمها.
نستطيع أن نقول، بأسف شديد، أن السمة البارزة لهذا التعامل، غلب عليها الظلم والاضهاد والمزيد من تعميق الجراح، من خلال إنكار الوجود والتجاهل التام للخصوصية الدينية..، بإخضاع القضايا المتعلقة بحالتهم الشخصة للمحاكم الشرعية الخاصة بالمسلمين، بموجب المادة 306 من قانون الأحوال الشخصية السوري رقم 59 لعام 1953، خلافاً لما جرى مع معتنقي الديانات الأخرى في البلاد، كالدرزية والمسيحية واليهودية، التي خصها المشرع السوري في القانون المذكور، بأحكام تشريعية دينية خاصة بها، في المواد 307 و308 فيما يتعلق بحالتها الشخصية، مثل: الخطبة وشروط الزواج وعقده، والمتابعة والنفقة الزوجية ونفقة الصغير وبطلان الزواج وحله وانفكاك رباطه..إلخ.
ورغم المطالبات الكثيرة والمتكررة، منها تلك التي تقدمنا بها كمحامين في مؤتمرات فرع نقابة المحامين بالحسكة، بضرورة إجراء تعديلات على بعض مواد قانون الأحوال الشخصية السوري، تضمن خصوصية لأحد المكونات السورية الأصلية وديانته التي تعتبر إحدى أقدم ديانات المنطقة، إلا أنها مثلها مثل غيرها من المطالبات في مثل هذه الدول التوتاليتارية، لم تلق التجاوب معها، وبقي الإيزيديون خاضعين في القضايا التي ذكرناها لولاية واختصاص المحاكم الشرعية، مثلهم مثل المسلمين تماماً كما ذكرنا أنفاً، في انتهاك صارخ حتى للدستور السوري المعمول به، حيث تنص الفقرة الرابعة من المادة الثالثة منه، على أن “الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية”.
إضافة لذلك فإن الظروف الاستثنائية الناجمة عن الأزمة المستمرة في سوريا منذ عام 2011، التي كانت من المفروض أن تكون أيضاً من العوامل المحفزة للنظام السوري للعمل بسياسات جديدة والبحث عن أساليب ووسائل مختلفة وقادرة على استيعاب وحل القضايا العالقة في البلاد – منها احترام خصوصية الدين الإيزيدي وإصدار التشريعات الخاصة به – والتجاوب معها، لم تؤدِّ هي الأخرى إلى أي تغيير ملموس فيها، بل يبدو أنها زادتها تفاقماً وتعقيداً، فقد أكد تعميم جديد صادر عن وزارة العدل التابعة للنظام السوري، تحت رقم 7 تاريخ 14 شباط/فبراير 2021، على ما هو منصوص عليه سابقاً في نص المادة 306 من قانون الأحوال الشخصية السوري، أي استمرار إخضاع القضايا المتعلقة بالحالة الشخصية للمكون الديني الإيزيدي في سوريا لولاية المحاكم الشرعية والأحكام والقوانين التي تطبقها، إضافة إلى تقسيمه للإيزيديين لفئتين/قسمين، من لديه الجنسية السورية (المواطن السوري)، تخضع القضايا المتعلقة بأحواله الشخصية لولاية واختصاص المحكمة الشرعية وأحكامها، أما المجرد من من الجنسية السورية منهم بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 (الأجنبي) فأن قضاياه المذكورة تخضع لولاية واختصاص محكمة البداية المدنية وأحكامها، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى حرمانه من تسجيل زواجه وتثبيت نسب أولاده إليه..، أي أنه “بدل ما يكحلها عماها”، كما يقول المثل الشعبي الدارج.
من جهة أخرى كان موقف “المعارضة السورية” بمختلف تياراتها أكثر سوءاً من مواقف النظام، ناهيك عن الجرائم التي قامت بها الفصائل الإرهابية التابعة لها والموالية للدولة التركية، فقد تمّ تهجير المئات عنوة من قراهم في ريف منطقة عفرين، بالتعامل نفسه الذي سلكه داعش قبلها. وهذا يدلّ أنّ الذهنية الإقصائية لم تتغيّر تجاه هذه الديانة، بل أخذت تميل إلى العنف بشكل أكثر حدة ووضوحاً.
الاعتراف الدستوري بالديانة الإيزيدية والخصوصية الدينية للمكون الإيزيدي في سوريا، كما جميع الديانات الأخرى في المجتمع السوري، من القضايا الهامة التي يجب العمل عليها وعدم إهمالها في سياق الحراك الدولي الهادف لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2254 لحل الأزمة السورية، وصياغة دستور جديد لسوريا، فهي ديانة قديمة وراسخة فيه، ويدين بها مكون أصيل من مكوناته، وذلك يتوافق أيضاً مع ما نصت عليه المادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بإن “الناس جميعاً سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حقِ التمتع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حقِ التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز”، الذي يجب أن يكون هو وجميع القوانين والمواثيق والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، جزء لا يتجزأ من دستور سوريا الجديد.