جان كورد
بإيجاز: هل الكور في مأزق؟
نعم، نحن في مآزق وليس في مأزقٍ واحد.
ربما يتساءل المرء: كبف تقول هذا ونحن نسجّل الانتصارات ونحقق الإنجازات كل يوم؟
وأنا أجيب:
لننظر إلى خارطة كوردستان التي لا اعتراف دولي بها حتى اليوم، كيف يحاول أعداء الكورد اقتطاع أجزاءٍ أخرى منها، هي أكبر من “كوردستان الحمراء” التي ضاعت في الحروب بين الآذريين والأرمن، بل قبلها في مرحلة النظام الستاليني الذي هجّر الكورد في قطاراتٍ دون تدفئة في الشتاء القارس ووزّع ما بقي من الكورد المهجرين في البرد القارس ومن جراء الحوع والعطش أحياءً على 9 جمهوريات سوفيتية،
فها هم العثمانيون الجدد يسعون لبناء قواعدهم العسكرية في المناطق المحررة من جنوب كوردستان، مثلما يسعى الحشد الشعبي ومن وراءه للقضاء على الوجود الكوردي في مناطق محتلة من كوردستان، أطلق عليها سياسيون كورد وعرب اسم “المناطق المتنازع عليها” وكذلك في منطقة “شنغال” بالتعاون مع وحدات مليشيا تابعة للحزب الأوجلاني الذي يمنح الذريعة تلو الأخرى للتمدد الشيعي مثلما يفتح براياته وصور رئيسه وشعاراته الأممية الفضفاضة شهية الجيش التركي أيضاً، وكأن بينهم (الحزب الأوجلاني، الحشد الشعبي، الجيش التركي) اتفاق سرّي، فنجد كركوك التي ضحى من أجل تحريرها البيشمركة البواسل تصبح في طرفة عين لقمة سائغة في فم الحكومة البغدادية بسبب الأداء الخياني للجاش الكوردي الجديد المتعاون مع الحشد الشيعي. وها هو البرلمان العراقي والحكومة في بغداد في حالة الطرشان لايكاد يسمعان أو يقبلان أي مقترحٍ كوردي مهما كان إيجابياً وواقعياً بصدد المحكمة الاتحادية التي نص عليها الدستور العراقي ولا بصدد حصة الاقليم الكوردستاني في ميزانية الدولة… فهل هناك مأزق أضيق على القلوب الكوردية من هذا الوضع في جنوب كوردستان؟ وهل نحن في هذه الدرجة من الغباء لأن لا نأخذ التهديدات الأردوغانية باحتمال الهجوم المفاجىء على الاقليم محمل الجد؟
لقد وصل الأمر بنا إلى درجة أن هناك من يدعو للقضاء على فيدرالية الاقليم بضم السليمانية إلى إيران أو فصلها عن الاقليم، كما أن صعاليك من زعماء الحشد الشعبي مثل الخزعلي بدؤوا يهددون باحتلال هولير وتقديم القيادة الكوردية للمحاكم بتهمة الخيانة للعراق، وهم ليسوا سوى أقزامٍ تعيش على فتات موائد الملالي في إيران.
في غرب كوردستان مأزق أيضاً، فالحوار الكوردي – الكوردي لم يحقق آمال شعبنا، والاحتلال التركي جاثم على صدور أهلنا، والمرتزقة الإرهابيون لا يتوانون عن كل الانتهاكات المحرمة حسب القوانين الدولية، وبخاصة في منطقة عفرين التي يتناقص فيها الوجود الكوردي السكاني كل يوم لدرجة أن الكورد قد أصبحوا “أقلية” في موطنهم الذي كانت نسبتهم فيها 98% من السكان قبل الغزو التركي العسكري في عام 2018. وقد لا يتقدّم الحوار الكوردي رغم الوساطة الأمريكية، بل سيهزل الدفاع الكوردي في مواجهة العديد من الطامحين في دفن الوجود القومي لشعبنا بقوة السلاح، فالنظام الأسدي المدعوم من قبل الروس والفرس، والنظام الأردوغاني المدعوم من قبل المعارضة السورية الإخوانية وجهاتٍ هامة في حلف النيتو وفي الاتحاد الأوربي، وكذلك السياسيون الخونة من قومنا الذين يلتحفون بلفاح الدولة التركية العميقة، كلهم يتعاونون سراً أو علانيةً على إضعاف الكورد وتشتيت قواهم وضربهم بعضهم ببعض، في غفلةٍ من أصحاب القرار الكوردي الذي لم يتحد في يوم من الأيام مع االأسف. إن التغيير الديموغرافي الذي بدأ في عهد الرئيس حافظ الأسد بتأسيس أكثر من 40 مستعمرة “كيوبتز” عربية في منطقة شمال الجزيرة على طول الحدود التركية – السورية مستمرٌ في المناطق التي تخضع الآن للاحتلال العسكري التركي. وزعماء غرب كوردستان في نقاشاتهم التي لن تنتهي حتى انتزاع المنطقة كلها من بين أيدي شعبهم…
أفليس الكورد في غرب كوردستان في مأزق بين كل القوى الدموية المحدقة بهم وببترولهم وبأرضهم وبوجودهم؟
وماذا عن شمال كوردستان؟ هناك تبدو السياسة هي الغالبة على الأجواء، ولكن ثمة مأزقٍ كبير، فجميع من يعمل بالسياسة “إرهابيون” من وجهة نظر رئيس الجمهورية طالما يتطرقون في كلامهم وخطبهم ومطالبهم لحقوق الشعب الكوردي، ونواب البرلمان كرؤساء البلديات المنتخبين من الكورد ديموقراطياً يتم طردهم أو عزلهم أو زجهم في السجون، فالكورد لم يتمكنوا خلال عقودٍ من الزمن من دحر الطورانية العدوانية بالقتال الدموي ولن يتمكنوا من فعل أي شيءٍ لصالحهم عبر ما يسمى مجازاً بالبرلمان الديموقراطي، وفي الشارع تتقلّص دائرة استخدام اللغة القومية الكوردية ولا زالت أغلبية واضحة من كوردنا تصوّت للحزب الحاكم الذي يجهد للقضاء على الوجود القومي الكوردي واستئصاله تماماً باتباع أساليب ملتوية ومتناقضة أحيانا… وكأن الحزب الأوجلاني لم يتمكّن خلال أرلعين عاماً من إزالة عثرةٍ واحدة من طريق الشعب الكوردي.
وماذا إذا سقطت حكومة اللاعدالة واللاتنمية وفاز أولئك العنصريون من أبناء وبنات البورجوازية والعسكريتاريا الطورانية؟
هناك أيضاً نحن في مأزق…
أمّا في شرق كوردستان، فالبلاء أعظم، ففي عهد الشاه كان هو شخصياً ضد الطموحات القومية الكوردية، إلاّ أن مركز عقيدته كان عرشه الذي حاول دائماً الحفاظ عليه بكل ما أوتي من قوة، أمّا في عهد ملالي الشيعة، فالحرب على الشعب الكوردي فارسية – مذهبية، وكل يوم تضيق مساحة التعبير عن الذات بالنسبة للكورد، فالتعليم والجيش والدستور وكل ما في أيدي الملالي من قوى بطش وقمع ضد الشعوب الإيرانية من كورد وعربٍ وآذريين وبلوج، وإن فلسفة الأجداد العظماء تتداخل مع الآيديولوجية الدينية الطائفية لتنتج مجتمعاً يكره الكورد (الذين غالبيتهم من المسلمين السنة) ويسعى للقضاء بمسلسل الإعدامات التي تأخذ طابعاً احتفالياً على الروح الوطنية الوثابة لدى الناشطين منهم.
فالفكر الشيعي في ظل الخمينية أخطر على الوجود الكوردي من دكتاتورية الشاه ومن الفكر البعثي – الصدامي، بل من الأتاتوركية الطورانية، ورغم ذلك يظهر من زعماء الكورد السنة مثل علي بابير من بعتبر الهجوم على جمهورى ئيسلامي ئيران هجوماً على الدين الإسلامي… وعليه فالمأزق الكوردي هناك يظهر بمظهر ديني برّاق…
ناهيك عن مآزق ثقافية واجتماعية ومالية للكورد في الجمهوريات التي نجمت عن سقوط النظام الشيوعي والكورد الذين تشرّدوا في بلدان العالم الحر الديموقراطي الذين قد ينصهر أولادهم وأحفادهم في بوتقة ثقافاتٍ ولغاتٍ قوية وعميقةٍ كالبحار…
فكيف نتخلّص من مآزقنا العديدة من دون اتحادٍ ووضوح في الهدف القومي وفي النهج والسلوك الواقعي المستند إلى العلم والمعرفة والإطلاع الواسع على السياسات الاقليمية والدولية؟
kurdaxi@live.com