ارث الاستبداد والتخلف

دلكش مرعي
لقد قيل الكثير عن سمات هذا الموروث المستبد والمتخلف ونتائجه الكارثية المدمرة على مختلف الصعد وعن تدميره الشبه الشامل لنظم العقل والقيم الإنسانية وإنتاجه المتواصل للقهر والظلم والجهل والفقر والتعصب والتطرف  
ولن نسترسل كثيراً في الحديث عن مآسي هذه الموروث وكوارثه وويلاته 
لأنه مازال ملموس ويفعل فعله المدمر على الأرض فقد كان من نتائجه دمار سوريا وتشريد اثنا عشرة مليوناً إلى الداخل والخارج ويعاني من اضراره معظم شعوب المنطقة وخاصة الشعب الكردي الذي نال تاريخياً النصيب الأكبر من جور وظلم هذه الآفة وقد أدى هذا الموروث إلى تهجير معظم الشعب الكوردي ومن تبقى ما يزال  يعيش تحت وطأته ويعاني من استمرار تعسفه ونتائجه الضارة المأساوية ومن أناس من لحمه ودمه 
وعلى الرغم من التشخيص الواسع النطاق لنتائج هذه الآفة فقد كانت هناك دائماً تهمش في البحث عن مورثوه الفكري ولقيمي الذي ينتج هذه الآفة ويكرسها داخل المجتمعات ربما يعود سبب عدم البحث الى نظام المحظورات الاجتماعية وخطوطها الحمراء التي تمنع 
وتحّرم تحليل  القيم والعقائد والتقاليد السائدة وتعتبر ذلك اساءة الى كيان الامة وعقائدها وخصوصيتها التاريخية أو ربما عن جهل معرفي بماهية 
هذه الآفة والآليات المنتجة لها أو أن المثقف ذاته ينتمي الى ارث الاستبداد والتخلف وينهل ويتراضع من مناهله حيث لا يمكننا بأي حال من الأحوال فصل ثقافة المثقف عن جذورها التاريخية والمجتمعية 
لان كل شعب او شخص يعتقد ويتخيل بان ارثه الفكري والعقائدي ما هي إلا حقائق كونية مطلقة لا غبار عليها لأنهم يعيشون ضمن هذا الموروث ويستقون ثقافتهم العامة من داخله ولن يمارسوا غيره       
اما البحث والتحقق عن جذور هذه الآفة فهي تحتاج الى مقارنة تاريخية للموروث الفكري والعقائدي التي انتجتهما البشرية خلال تطورها التاريخ 
لان الموروث الفكري والعقائدي للشعوب يعطي رؤية واضحة عن مسار حركة الماضي وتطوره ينكشف من خلاله الخلل الفكري ولقيمي الكامن وراء السلوك المستبد الطاغي وبنيته وما يحتوي هذه البنية من افكار وقيم ونظم وعقائد منتجة للسلوك البشري وتوجهاته العامة 
وعبر تحليل جملة هذه الامور يمكننا الوصول الى استنباط وتقرير الاختلاف الحاصل بين تطور الحضارات والتباين الكائن في مستوى ارتقائها أو انحطاطها خلال العصور المختلفة وفي هذا لصدد يقول // ستتانا //     
“إن الذي لا يتمكن من تذكر ماضيه واستيعاب مكوناته قضي عليه بتكرار اخطاء هذه الماضي والسير في مآسيه ” وفي الاطار نفسه يقول 
“هدجر  ”  
 “ان الأصل الذي ننحدر منه يظل على الدوام  المستقبل الذي نتجه إليه ” 
أما سقراط فيقول “إن أي خلل في سلوك الشعوب هناك دائما خلل في تفكيرها – فيمكن القول بأن الخلل السائد في تصرفات الأحزاب الكردية في هذا الظرف المصيري هناك دون ادن شك خلل في تفكيرها ونهجها السياسي  
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو من اين اتينا والى اينا نسير وما هو الإرث الفكري القيمي الذي ننحدر منه .  وما هي الثقافة التي تنتج التخلف والسلوك الطاغي المتطرف المستبد 
….   يتبع

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف توطئة واستعادة: لا تظهر الحقائق كما هي، في الأزمنة والمراحل العصيبةٍ، بل تُدارُ-عادة- وعلى ضوء التجربة، بمنطق المؤامرة والتضليل، إذ أنه بعد زيارتنا لأوروبا عام 2004، أخذ التهديد ضدنا: الشهيد مشعل التمو وأنا طابعًا أكثر خبثًا، وأكثر استهدافًا وإجراماً إرهابياً. لم أكن ممن يعلن عن ذلك سريعاً، بل كنت أتحين التوقيت المناسب، حين يزول الخطر وتنجلي…

خوشناف سليمان ديبو بعد غياب امتدّ ثلاثة وأربعين عاماً، زرتُ أخيراً مسقط رأسي في “روجآفاي كُردستان”. كانت زيارة أشبه بلقاءٍ بين ذاكرة قديمة وواقع بدا كأن الزمن مرّ بجانبه دون أن يلامسه. خلال هذه السنوات الطويلة، تبدّلت الخرائط وتغيّرت الأمكنة والوجوه؛ ومع ذلك، ظلت الشوارع والأزقة والمباني على حالها كما كانت، بل بدت أشد قتامة وكآبة. البيوت هي ذاتها،…

اكرم حسين في المشهد السياسي الكردي السوري، الذي يتسم غالباً بالحذر والتردد في الإقرار بالأخطاء، تأتي رسالة عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي، السيد سليمان أوسو، حيث نشرها على صفحته الشخصية ، بعد انعقاد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي “، كموقف إيجابي ، يستحق التقدير. فقد حملت رسالته اعتذاراً صريحاً لمجموعة واسعة من المثقفين والأكاديميين والشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني،…

د. محمود عباس من أعظم الإيجابيات التي أفرزها المؤتمر الوطني الكوردي السوري، ومن أبلغ ثماره وأكثرها نضجًا، أنه تمكن، وخلال ساعات معدودة، من تعرية حقيقة الحكومة السورية الانتقالية، وكشف الغطاء السميك الذي طالما تلاعبت به تحت شعارات الوطنية والديمقراطية المزوّرة. لقد كان مجرد انعقاد المؤتمر، والاتفاق الكوردي، بمثابة اختبار وجودي، أخرج المكبوت من مكامنه، وأسقط الأقنعة عن وجوهٍ طالما تخفّت…