مراكز الدراسات الاستراتيجية الكوردية.. لا جديد تحت الشمس ؟

الدكتور محمد مصطفى
 أقام مركز روج أفا للدرسات الأستراتيجية مشكوراً ملتقى لبحث الخلاف الكردي_الحلول  شارك فيه لفيف من المثقفين الكرد والسياسين تم فيه تكرار المكرروالتذكر بالقديم الجديد , إذ ساد الكلام الارتجالي . فالباحث الكوردي يمكن ان ينتقل من قارة الى قارة ويقدم مداخلة ارتجالية مبتّذلة يستشهد فيها بإقتباسات سردية من بعض الدفاتر العتيقة, من العصور الغابرة لإثارة عاطفة الحضور, أو ليثبت بداهة الخصام الكوردي, ويستنتج ان دودة الشجرة, منها وفيها . وقد غاب البحث النقدي والتحليلي للتاريخ الكردي .وتطرق البعض الى مأسي الكورد وخيباتهم ,على مدى تاريخيهم الطويل مستشهدين بتجارب فاشلة مضت ,بدل تقديم دراسات بحثية, نقدية,جادة تأتي بما هو جديد. 
والحق يقال كان هناك مداخلات جادة إذ قالت السيدة أسيا عبدالله كلام في الصميم ,اما السيد طه خليل فقد القى محاضرة تناول فيها الجانب التأمري من التاريخ الكوردي المعاصر, في حين دعت السيدة نارين متيني الى تناول المسائل العالقة بعقل جديد ومسؤۆلية تتناسب مع المستجدات على الساحة السياسية الكوردية وانتقدت طريقة الهروب الى الماضي لتناول الاحداث السياسية. إذ أن البعض له ضرس في كل عرس .في حين انتقد بعض الخطباء صيغة المحاصصة السياسية والاحتكار السياسي والكولسة السياسية وغياب الشفافية. لايكفي المرء أن يتكلم ,بل المهم أن يتكلم جيداً .شكسبير
من الملاحظ ان الملتقى لم يجيب على سؤال ما العمل؟ ولم يقدم وصفة جاهزة او حلولاً للخلافات الكوردية الكوردية, ولم تقدم دراسات بحثية جادة, وهذه شبه عادة ,فما بعد المنتديات والملتقيات الكوردية مثل ما قبلها. وهذا ما يطرح مسألة الجدوى من مثل هذه النشاطات. والفعاليات اذا لم تؤدي إلى أي تغيير في الواقع السياسي الكوردي ولم تأتي برؤية جديدة ولم تحدث تأثيراً في الوعي السياسي الكوردي وتحولاً في العقل السياسي الكوردي .
أن ارتجالية معظم المداخلات ,وعدم كتابتها ينم عن سوء تحضير وضحالة البنية المعرفية السياسية لدى البعض, فالمنديات بحاجة الى ما يسمى بالعصف الذهني وجهود مضنية في البحث السياسي. أن المراكز الاستراتيجية اصبحت مرآة مقعرة لأحزابها وتمارس في المنديات والملتقيات نوع من الانحياز التأكيدي الضمني لإثبات صحة شعارات وسياسات هذا الحزب او ذاك.
أن معظم الناس يعتبرون ان حدود رؤيتهم هي حدود العالم كما يقول ارثرشوبنهاور فالتمايز والاختلاف موجود في كافة القوميات منذ سقوط لويس السادس عشر وإلى يومنا هذا. وحتى ان قائد دموي مثل بول بوت في كمبودجيا عجز عن تطبيق سياسة الصهر القومي على الرغم من كل مجازره ,فهو لم يفلح في صهر كل أطياف المجتمع الكمبودجي, من أغا وات  طواويش ,وسوبر ماركسيين وبروليتاريين مع أقطاعين وبوذين وعلمانيين وليبراليين في بوتقة واحدة .

الوعي السياسي الكوردي
قام جوناثان هايد بنقل دراسات فرويد عن العقل الباطن اللا وعي عند الفرد , الى المجال السياسي وكون هو وعلماء ومفكرين أخرين ما يسمى بعلم النفس السياسي ,إستناداً الى دراسات الدماغ الحديثة. في حين قام كوستاف لوبون مؤسس علم الاجتماع الحديث, الذي أعتبر نفسه ميكافيلي القرن التاسع عشر,بدراسة اللاوعي عند الجماهير وقد أدت أبحاثه الى تتقليص دور الميكافليلية  السياسية, القائمة على سياسة الغاية تبرر الوسيلة , ثعلب يواجه الفخاخ ,وأسد يخيف الذئاب ,الحب أقل من الخوف , والمكر والخديعة  . أن معرفة  التأثير في مخيلة الجماهيىر, تعني فن حكمها . واشار الى علاقة المنطق اي (التفكير العقلاني) وارتباطها بالسياسي, وكان فرويد في حينه قد شبه الوعي البشري بالجبل الجليدي ,القابع  في قاع المحيط .وأطلق على القمة الظاهرة الصغيرة اسم الوعي وعلى الجبل الهائل في قاع المحيط اللاوعي .وشبه جوناثان هيد العقل السياسي, بعقل صغير يقبع على فيل ضخم ,يتأثرالفيل بتجاربه ,على مبدأ التجربة والخطأ . ويتأثر بأقرانه من الفيلة ويتفاعل مع ارائهم من خلال قرون أستشعار.  العقل الصغير: تحليلي بطيء عقلاني ومنطقي   يخضع للمحاكمة العقلية يمثل المنطق المعتمد على الحسابات والقياس والتحليل ولكن قدرته بالتأثير على الفيل محدودة, في حين يمثل الفيل الكبير كتلة من اللاوعي.تحرك الجماهيرنظام بديهي ,عاطفي وتلقائي سريع, وهو خزان الذكريات والتقاليد والاعراف والغرائز والترسبات الاجتماعية ,المشاعر والاحاسيس وانطباعات والعواطف الجامحة والمفاهيم الدينية والتراث الثقافي..يخَضع للانفعالات وسهل الإستجابة للتحريض, والاثارة ,والعدوى الذهنية  وسرعة الانتقال من نقيض الى نقيض وفق صيغة القائد و الاتباع  تذوب شخصيه‌الفرد في الجماعة. يتم تحريك الجماهير, وتجيشها على مستوى اللاوعي فالشعوب وتلجأ الى التفسير البسيط للأحداث, عاطفية لا عقلانية ,التحيز العاطفي يجب مخاطبة مشاعرهم, وهي تخضع للخدع العقلية مثل تأثير الهالة والتثبيت والتأسيس والاطاروالتعميم وغيرها. وهذه صيغة معدلة لأنشتاين وضعها احد المفكرين عن توزع ألوان الطيف الاجتماعي, في الدول اذ ان هناك تشابه وتماثل  للشعوب في الوعي والادراك الحسي وخاصة عندما تخضع للتحديات الكبرى حسب ارلوند تونبي ( 1% يحكمون العالم, 4% يتم تحريكهم كالدمى, 90% غافلون اتباع, 5% يعرفون الحقيقة, الاحداث كلها تدور في محاولة ال4% منع ال5% من ايقاظ 90% ).قد شبه( ولتر ليبمان ) الجماهير بالقطيع الضال وعلى النخبة أخذ القرارات ثم محاولت إقناع الجماهير فيما بعد, مع أن الليبرالية الجديدة تقربمبدأ المساواة في الفرص وقيم الديمقراطية وعلى مدى سنوات من هيمنة الفرقاء السياسين الكرد على القرار السياسي الكردي لم يقوموا بتقديم جرد حساب للشعب, وكل ما يجري هو بعيد عن أعين الجماهير. التنافر المعرفي لإادراكي ( ليون فستنغر) ان الناس إذا كان إيمانهم عميقا فانهم سيبحثون عن أي تفسير ولو كان سخيفاً  حتى يبقوا على إيمانهم واوضاعهم, السائدة الناتجة بين معرفة‌الجمهور وإدراكه. ودحض كل ما يخالف معتقداتهم السابقة ‌وتقاوم بشراسة كل جديد. وهذا ما يفسر بقاء الاستقطاب والتخندق المجتمعي الكردي على حالها على الرغم من كل ما جرى من التطورات الدراماتيكية على الساحه‌السوري, وحسب لوبون أن العقائد المتناقضة لاتبقى متقابلة من غير ان تتصادم وذلك عندما تشعر إحداها بقدرتها على قهر الاخر وهذا ما حدث في التاريخ الكردي المعاصر ,بين الفصائل الكردية المتناحرة في أكثر من مناسبة.. ان وضع خارطة طريق قصيرة الأجل وليكن لمدة سنتين من قبل مثقفين خبراء, وتفعيل دور المۆساسات السياسية‌والاجتماعية‌,بما يضمن تفعيل الاليات الديمقراطية والشفافية وتوفير بيئة ومناخ يعزز الديمقراطية والمشاركة في أخذ القرارات وإدخال مناهج التعليم الحديثة و تشجيع وتعزيز الحوار البيني والتفكير النقدي في المراكز التعليمية  والبحثية ‌ودراسة فلسفة التاريخ وتجارب الشعوب كل هذا يعزز تطوير الوعي السياسي في المجتمع وتفعل دور المجتمع المدني وربط التعليم بالجامعات الاجنبية وإقامة كلية‌علوم سياسية وحرية الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. هكذا يمكن يحقيق نهضة توعوية سياسية, قائمة على اسس علمية ومنهجية وليس على جليد العواطف والغرائز, كما في المجتمعات الناهضة وحسب مفهوم التشابه والتماثل لدى الشعوب فالمجتمع الكردي يخضع لمفاعيل القوانين الاجتماعية العامة, إذ لم تجر دراسات خاصة للوعي الساسي الكردي على الرغم من ضحالته الواضحة.

الاحتكار السياسي والاقتصادي
نشر الاستاذ بروسك حسن في خبر 24 نت شروط المجلس الوطني الكوردي للعودة الى الحوار الوطني الكوردي .وهذه الشروط عبارة عن عشرة بنود لا بدى من الإشارة الى بعض منها.
البند الاول هو تقسيم واردات روج أفا (فيفتي فيفتي) بالتساوي بينهم وبين أحزاب الوحدة الوطنية االكوردية .اما البند السادس هو المشاركة في جميع المؤسسات (فيفتي فيفتي).
من الملاحظ ان هذين البندين الهدف منهما هو تكريس الاحتكارالسياسي, والاستغلال الاقتصادي لطرفين كوردين على حساب الشعب الكوردي وضد إرادته والهدف منها هو توطيد هيمنة الطبقة السياسية الكوردية وبطانتها, على القرار السياسي الكردي و واردات الاقليم .واذا لم يكن الأمر كذلك لماذا لم يطرح السادة في المجلس الكوردي صيغة التوزيع العادل :حصة كل فرد من أفراد الشعب وهذه الصيغة معتمدة في كل الميزانيات في دول العالم وهي صيغة نصيب الفرد من الدخل القومي وفي الميزانية العامة , إذ أن عتبة الشعور بالعدالة عالية في في المجتمع الكردي عالية. وهذه هي سياسة الغاية تبرر الوسيلة.وتثبت الاحزاب الكردية مرة أخرى صحة مقولة انجلس إن السياسة تعبيير مكثف للاقتصاد. ويطيحون بأحلام اليقظة للكرد في العدالة الاجتماعية.
البند الثاني : انشاء عقد اجتماعي جديد لمناطق روج أفا. أن الذي يُرسم في الكواليس هو إجراء عقد بين حزبين لتقاسم الحصص وتثبيت المحاصصة السياسية   دون أخذ رأي الشعب ,أن جاك جان روسو عندما وضع عقده الاجتماعي ,تحدث عن ما يسمى بتوزيع السلطات بين الحاكم والمحكوم وفصل السلطات ولم يشر في عقده الاجتماعي ان كل حزب وحزيب كوردي يجب ان يكون له أسهم في السلطة ولم يحدد من يمارس التهريب وبالتالي ما يدعى إليه هو ليس عقد اجتماعي انما اتفاق سياسي بين طرفين سياسين لتقاسم السلطة وترسيخ سطوة الاحزاب على الثروة والسلطة وشرعنة الاحتكار والاستغلال في المجتمع الكوردي على حساب الجماهير الشعبية .الاكراد ضحوا بأبنائهم من أجل تحقيق العدل والمساواة وليس من أجل تبديل  أحتكار بإحتكار أخر وأستغلال بإستغلال من نوع أخر.
البند الثالث: توقيف التعليم باللغة الكوردية والعودة الى مناهج النظام المتداولة والمعترف بيها دولياً. من الملاحظ  ان معظم الاحزاب الكوردية  لم تتجاوز مطالبها خلال معاركها النضالية الحقوق الثقافية, مثل تنظيم بعض الدبكات في أعياد نوروز والاعتراف باللغة الكوردية وعندما أصبح التعليم باللغة الكوردية أصبحوا يحاربونها في أعلامهم ,بدل المطالبة بتعديل المناهج وتحسينها وتطويرها .بالاستفاده‌من المنهاج الحكومي أوحتى إجراء نوع من الدمج بين المنهاجين مع ان التعليم الحكومي لم يخرج سياسي عبقري واحد من بين المتنفذين في الاحزاب الكردية على مدى اكپر من خمسين سنة الماضية. التعليم بلغة الأم حق طبيعي لكل شعب مهما كان صغيراً .هل كان مستوى التعليم في جامعات  كردستان العراق بعد عام 1991 كما هو في جامعة هارفرد.؟

ما العمل ؟
أن معظم قيادات الشعوب عند أزماتها السياسية تلجأ الى شعوبها عبر آليات صناديق الاقتراع واجراء الانتخابات او الاستفتاء هذا اذا اعتبرنا إدارة روج أفا أو شرق الفرات كياناً قائماً بذاتها ,فعلى مدى عشر سنوات من الخلاف الكوردي المذمن , هناك من يريد العودة الى الوراء .. فهل يمكن المضي عشر سنوات اخرى في اللا إتفاق في ظل تحكم مراكز القرار نفسها  الخاضعة للأجندات الأقليمية ,؟ لا بُد من مشاركة القوى والمكونات المجتمعية والاُطر الاخرى  والخروج  على المألوف من الإطار المرسوم , وتحريك الزوايا وكسر الجليد .
أن المسألة ليست بحاجة الى إعادة اختراع العجلة فقط يجب تكرار ما فعله الاخرون في مثل هكذا حالة والامثلة ماثلة للعيان ,.يمكن تشكيل  مفوضية مستقلة للانتخابات من مستقلين تكنوقراط ومثقفين خبراء يضعون صيغة مبسطة خارطة طريق تقوم بالإعداد لإجراء انتخابات لمجلسس تأسيسي في فترة زمنية مدتها ستة أشهر, يقوم المجلس التأسيسي التشريعي بانتخاب مجلس تنفيذي للحكم المحلي للإدارة الذاتية لأقليم الدجلة والفرات وينتج عن هذا موالاة ومعارضة, حسب الكتلة الفائزة في هذه الانتخابات ويقوم المجلس التشريعي التأسيسي بوضع دستور للحكم المحلي من قبل لجنة متخصصة بعد مناقشة موادها في الأوساط الشعبية ويتم فيها إقرار مبدأ تداول السلطة وألغاء الخلود السياسي الكردي الذي أصبح حجرة  عثرة أمام التطور السياسي في المجتمع الكردي وذلك بفصل السلطات وعدم ترشح أي شخص لأي منصب لأكثر من دورتين تشريعيتين . ما هو أهم هو تحويل الاقوال الى أفعال ,بعد الإنطلاق في المسار الصيحيح .لقد أصبح الفساد أفة المجتمعات الشرق الأوسطية وعلى من يرفع راية الميثالية .عليه التصدي لها واستأصالها من جذورها وتأمين سبل العيش الكريم للمواطنين في شرق الفرات حتى لاتجرف عاصفة الهجرات ,البقية ‌الباقية‌من القوم…إذا فتحنا خصاماً بين الماضي والحاضر فسوف تفقد المستقبل ..ونستون تشرتشل.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…