القسم الثالث يضم مساهمات كل من السيدات والسادة:
– صديق شرنخي
– منى عبدي
– د. عبدالرزاق تمو
– محمد سعيد وادي
– محمد خير بنكو
– زاكروس عثمان «3/5»
الذكرى السابعة عشر لانتفاضة الثاني عشر من آذار 2004
صديق شرنخي
نشكر موقع ولاتي مه و جريدة بينوسا نو لمبادرتهم في تخليد يوم كوردي لا أعتقد انه سيتكرر يوما بهذه العمق والشمولية والشموخ , يوم تفاعلت فيه كل خلية في جسم كل كوردي من اقصى قرية في عفرين الى اقصى قرية في درك وفي دمشق وحلب وكل من عرف نفسه انه كوردي ع ارض كوردستان سوريا , يوم تحقق فيه الحلم القومي الذي تخيلناه على ارض الواقع ليومين فقط عندما اقتلعت الانتفاضة العارمة في عمقها ومساحتها وهياجها كل عروش الظلم ودكتها مثلما فعل (أبراهيم الخليل ) بتحطيم اصنام العبودية ويوم شهد (كاوى الحداد ) علة ارض الواقع تجسيدا لشخصه واسطورته العظيمة.
حالة لا تتكرر في تاريخ الشعوب الا في كل قرنا ربما واحدة، سأموت ولن أجد مثيلا لها في ارض كوردستان.
نحن جيل الخمسينات من القرن الماضي عاصرنا قمة الظلم العربي والشوفينية والعنصرية البغيضة التي أسس لها (عبد الناصر) ليقتلع كل القيم الديموقراطية والحضارية التي كانت قد أسس لها الفرنسيون والأوربيون في المنطقة وشارك في حينها كوردنا الأوائل كرؤساء جمهورية وقادة ووزراء في بناء دولة حديث العهد أسمها (الجمهورية السورية)
رويدا رويدا تحولت بفعل الفاشية او الاشتراكية القومية التي انطلقت من الوحدة الممسوخة حتى تسلم البعث لقيادة (الجمهورية العربية السورية) التي صبغت بعروبة فجة مزرية كل شيء في السياسة والطبيعة والحجر والشجر، كما الأحزاب والجامعات والجيش والشارع والزبالين والعتالين والقوادين والعاهرات.
ولم يبقى للكوردي الا الريح كما قال (محمود درويش)
وهنا دعونا نقف عند التطور البطيء لحال الكورد من ذو الوحدة والبعث حتى عشية الانتفاضة لأن ذلك يحتاج الى ملف خاص
ولكن لنحاول رسم اللوحة السياسية لما قبل فترة الانتفاضة التاريخية والتي لا يكفيها فعلا هذه التسمية البسيطة كونها كانت ثورة شعب بحق وحقيقة.
كانت قد توفيت الطاغية حافظ الأسد ليس بوقت بعيد,اعلن ابنه بشار الذي كنا نعتقد بانه شاب هش بانه سيبدئ عهدا ديموقراطيا تجديدا , وافتحت المنتديات في دمشق وحلب وقامشلو وغيرها أشارة الى ذلك التحول الخادع .
قبلها بفترة كان قد تجرء حزب يكتي الكوردي في سوريا ليقارع السلطة ويوزع منشورات ضد الحزام والاحصاء العنصري في الجزيرة حيث كسر حاجز الخوف رغم اعتقال كوكبة من المناضلين ثم خروجهم من السجن بعد احكام قاسية ولكن صنع باعتقالهم أجواء نضالية جديدة وكسرو ترهل الحركة الكوردية الني تراخت قبلها بعدة سنوات.
الحدث الأبرز كوردسانيا كان ولادة وتطور الإقليم الكوردستاني في العراق والذي شهد نموا كبيرا في فترة قصيرة واحتل الزعيم البرزاني مكانه في قلوب جميع الكورد ودول المنطقة
لم يستطع الابوجيين فيه مقاومة تأثيره واستقطابه القومي فأصبح رمزا لكل أبناء الشعب الكوردي
ولخشية النظام الذي تراجع عن جميع وعوده بالديمقراطية وبناء سوريا جديدة تحت مسمى الحرس القديم والحرس الجديد
بعد ان تمكن بشار الأسد من تصفية وضعه الداخلي تفرغ لتلقين الكورد حسب اعتقاده درسا قاسيا كي لا يفكر يوما بالتجربة الكوردستانية العراقية ولذلك فبرك مسرحية ملعب قامشلو مستثمرا حقد أبناء دير الزور على الكورد في مباراة عادية على ارض ملعب الجهاد ذو الطابع الكوردي ولم يتوقع ابدا ان تلتهب الأوضاع بهذه الحدة ويثور أبناء شعبنا يدا واحدا بدء من قامشلو ومدن الجزيرة وانتشارا في كل ارض وجد فيها كوردي في سوريا .
خرجت الجماهير الى الشوارع قطعت طرقات المدن حطمت اصنام الطاغية في اول حدث تشهده سوريا بعد السبعينات، هتفت الجماهير بأسقاط النظام ,هرب زبانيته او توقعوا في مخافرهم ودوائرهم اكثر من يومين لم يبقى أي مظهر للسطلة في مناطقنا أحرقت دوائرهم ومؤسساتهم وسيطرت عليها الجماهير كأنها لوحة لعشرة أيام هزت العالم ل (جون ريد)
امتدت موجة التأثير حتى اطراف كوردستان الأخرى وتفاعل شعبنا الكوردي في أوروبا والشتات كما لم يتفاعل قبلها مع أي حدث وقاموا بالمظاهرات امام السفارات وفي شوارع مدن أوروبا قدموا المساعدات لأهالي الشهداء والجرحى والسجناء فيما بعد .
حقيقة كان حلم بالخلاص لم يتصوره أي منا من قبل تجسد فيه كيف يتم تحرير الشعوب وكيف هي لحظة الانقلاب في التاريخ.
ولما كان الحدث زلزالا كما وصفه النظام نفسه استدرك حجم الخطر الذي وقع فيه توافد قادته الامنين من بختيار و محمد منصورة وشقيق الرئيس ماهر الأسد محاولين تدارك الوضع عندما وصلت الموجة الى القمة وبدأت بالانحدار.
وفي هذه اللحظات العصيبة لملمت الحركة الكوردية اشتاتها واتحدت في اطار (مجموع الأحزاب الكوردية ) الذي تكون من احدى عشر حزبا حينها وادار الصراع بأنشاء غرفة عمليات مشتركة بدء من الأيام الأولى وحتى الى فترة طويلة ادارت فيها التضامن والتواصل الكوردي العام , ثم التهدئة ومتابعة وضع الشهداء والجرحى وتجريره في خدمة الحدث ثم استلام المساعدات التي قدمها عموم شعبنا وخاصة من أوروبا التي لعبت دور كبيرا في هذا الميدان بحيث غطت المساعدات مصاريف الجرحى مع العلم ساهمت كل المستشفيات في ذلك وتم مساعدة ذوي الشهداء والسجناء وما تبع ذلك من أعضاء مالية , حتى تعويض أصحاب المحلات التي نهبت فيما بعد في سوق قامشلو من قبل جنجويد حلكو وجماعة محمد الفارس الذي يعملون الان بنفس المهام لصالح النظام .
أما كيف تفاعلت الأحزاب الكوردية المصدومة في عين الحدث فمنهم من أراد لها الاستمرار والديمومة وترك الأمور تتطور بدون ان يكون هناك تصور واضح الى اين وكيف سيتفاعل العالم مع انتفاضتنا خاصة بعد ان عاد النظام الى رشده وبدء يهدد بالعصى الغليظة والتدمير والفتك وخاصة بعدما تركت حركتنا وحيدة في الميدان بدون المعارضة السورية, واستطاع النظام ان يصل مرة أخرى الى مركز القرار الكوردي بواسطة بعض احزابنا الكوردية التي كانت صديقة لها سابقا .
في الطرف العربي من سوريا رغم معانته الطويل من قمع النظام وفتكه وتدمير حركة المعارضة فيه اعتبر الانتفاضة الكوردية حركة قومية او انه تعام عن وجودها والتزم الصمت المطبق ولم يتفاعل وطنيا مع انتفاضتنا رغم اننا تعايشنا سابقا الحراك الوطني مشاركة في المنتديات وانشطة المعارضة جميعها وحينما كنا نقيم مظاهرات في دمشق تضامنا مع معتقلين امام محكمة امن الدولة العلية وفي المناسبات الأخرى بحيث كنا نرى اغلب الشخصيات الموجودة الان على ساحة الصراع السوري تحضر وتشاركنا تلك الأنشطة.
واقتصر حضورها فيما بعد في التضامن مع انتفاضتنا بوفد زار قامشلو واقر بان القضية الكوردية هي قضية وطنية بامتياز .
اذ وجدنا نفسنا وحيدين في هذه المعمعة بدون دعم خارجي او تخطيط مسبق او ترتيبات دولية
في حين حشد النظام الأنظمة الإقليمية والدولية مثل روسيا لصد الطريق امام تفاعلهم مع قضيتنا وفي ذلك اذكر ان النظام التركي قدم دعما لوجستيا ومعلوماتيا خوفا من امتداد اثاره الى تركيا .
الفعل الكوردستاني كان محدودا وليس بمستوى التوقع بسبب وضعه السياسي وارتباطه بشبكة معقدة مع الدولة العراقية رغم انه فعل ما يستطيع فعله لنا حين ذاك
إعلاميا كانت للانتفاضة يومياتها وبياناتها في الجرائد الكوردية. والمواقع الالكترونية فعلت جيدا لتغطية الاحداث , كنا نسجل الاحداث بأرشيف يومي الشهداء والجرحى والممارسات الحكومية المساعدات والتفاعلات مع القوى الوطنية في سوريا المراسلات ثم الوفود القادمة من العاصمة وغيرها من الاوربيين الذين وصلوا سرا وعلنيا , جميع هذه الاحداث كانت ترد في اعلام الأحزاب الكوردية كل على حدا وثم خاصة في مدونات (مجموع الأحزاب الكوردية) التي تشكلت حين ذاك كما قلنا من اجل قيادة المرحلة حيث كنا في غرفة عملياتها في ظل الاحداث
للأسف جميع هذه الوثائق والبيانات والصور هي الان مبعثرة ومشتتة هنا وهناك وهي وحدها التي تستطيع ان تكون سجلا حافلا وحيا لرصد تلك المرحلة
وادعو كل المهتمين والمعاصرين لتلك الانتفاضة المباركة العظيمة ان يستجمعوا ارث تلك الأيام وخاصة في الوطن, اذ لم يكن الإعلام الالكتروني في حينها مثل اليوم يغطي كل شاردة وواردة
المجد لانتفاضة شعبنا في سوريا 12 اذار 2004 وما تلته من احداث متعلقة بهذه الأيام الرائعة التي افتخر بها كل كوردي في سوريا .
=====================
انتفاضة قامشلو بعد ست عشرة سنة
منى عبدي
تبقى انتفاضة قامشلو نقطة تحول محورية في تاريخ الكُرد، في الجزء الكردستاني المحلق بسوريا ، كونها كسرت حاجز الخوف ووحدت خطاب الشارع الكردي بعيدا عن الإملاءات و التوجهات..
عدا ذلك فقد كانت الانتفاضة البوابة لتدويل قضية الكُرد السوريين، وصورة عكست مظلومية الكُرد على أرضهم التاريخية، للغرب، وحتى للدول العربية ..
صحيح أننا خسرنا في الانتفاضة عددا من خيرة أبنائنا، لكن يبقى لها الاثر العميق في ذاتنا و مخيلتنا، لانها كانت الشرارة التي من خلالها تبين مدى رغبة الإنسان الكردي في الحياة الحرة الكريمة.
لكن بكل اسف يغيظنا اليوم، ويؤلمنا ما وصلت إليه الحالة الكردية، وتشرذم الكرد، لأننا لو قارننا الوضع العام إبان الانتفاضة واليوم، سوف نلاحظ جلياً الهوة الموجودة حالياً والتي تسببت في ضياع الكردي وحقه، بين هذا وذاك، دون رقيب ، فضلاً عن غياب دور كردي مميز يليق بمكانته ووجوده في سوريا، وكل هذا يعيد للذاكرة كيف كنا؟ وإلى أين وصلنا.؟
الحلول المتأخرة أفضل من الاستمرار على وتيرة الخطأ، ويعلم القاصي والداني أن الكُرد السوريين لديهم كل الحق والشرعية ليكونوا على أرضهم، متمتعين بجميع الحقوق، ولكن كل هذا لا يمكن تحقيقه وسط غياب دور فعال لرجالات السياسية الكردية، و تخاذلهم المشين مع القضية.
اليوم يختلف الوضع جذرياً عمّا كان عليه عام 2004، وسوريا مقسمة فعلياً بين الدول ذات الشأن، والكردي وحده محروم من” الكعكة” بالرغم من أحقيته، فلو اجتمع الفرقاء الكُرد على كلمة واحدة وعملوا معاً بإخلاص ووفاء، وسوف يظهر لهم وللشعب المغلوب على أمره آفاق الحلول وبشكل سلس لان الحقّ الذي لا يمكن طمسه، لو كان وراءه حكمة وحنكة.
=====================
الحقائق تقول نحن من خرب إنجازات انتفاضة قامشلو
الدكتور عبدالرزاق تمو.
يتحدث ابن خلدون حول العبر التي يستخرجها الإنسان من التاريخ و لكن هل فعلا لنا هذه القدرة على الاعتبار. كل ما عاشته الأجيال الكوردية في سوريا من أحداث قاسية منذ قرن حتى انتفاضة قامشلو ٢٠٠٤ حتى قيام الثورة السورية هل استطاعت النخب أن تهتدي به؟ انهيار بعض الدول و تقسيم فلسطين و سقوط صدام حسين و سنوات الجمر التي عاشتها الحركة الكوردية و الديمقراطية في السجون و المهجر و كل الحركات الاجتماعية و الحالة السورية بكل فصولها و المصير التراجيدي لرؤساء مثل القذافي و مبارك و بن علي…كلها صفحات مفتوحة لمن بريد و يعرف كيف يقرأ. السياسة لعبة خطرة و أول الضحايا من يتوهمون العصمة المزيفة التي يمنحها بروتوكول القيادة السياسية .
للاسف عند الحديث عن انتفاضة قامشلو بعد سبع عشرة عاما نجد أخطاء قاتلة بحق الشعب الكوردية بكل أطيافه وهي ليست خطأ واحدا، بل أخطاء مهلكة هي التي قادتنا إلى هذا المصير المؤلم المطروح في أسئلتكم وهي التي حشرت اليوم الشعب الكوردية في الجزء الكوردستاني الملحق بسوريا بين البربرية والاحتلال.
ما هي هذه الأخطاء القاتلة التي قادت إلى هذا المصير المهلك؟
أولا: التساهل المروّع والإفراط الشنيع بمعايير السلوك السياسي وأخلاقياته والتعامل الساذج مع جيل من الشباب كسر حاجز الخوف ويملك مؤهلات متنوعة تمكنه من بناء مجتمع كوردستاني حر في سوريا
ثانيا: إن كل حركات المعارضة والمقاومة في العالم تعمل على استقطاب عناصر من الجيل القديم ولكن ضمن معايير وحدود وتخصص لهم مسؤوليات محددة، فليس من المعقول أن يتحول مسؤول حزبي عفا عليه الزمن في حزب ما إلى ممثل جديد في هيئة ثقافية أو حقوقية أو مدون يتحدث عن ارث الانتفاضة اومسؤول في مؤسسات المجتمع المدني و العناية بضحايا الانتفاضة .
في الحالة الكوردية السورية تحول كل مسؤولي الأحزاب السياسية إلى عناصر قيادية في كل الأطر العليا التي تهتم بما بعد الانتفاضة مما سهل على اهمل كل منجزات انتفاضة قامشلو بحكم تكوينهم السياسي والحزبي والنفسي والمهني والقبلي للتعاون مع أي طرف يؤمن بقاءهم في أماكنهم الحزبية من جديد تحت أي شعار ملفق.
ومن مبدأ المصارحة والمكاشفة في هذه اللحظات الحرجة أن نشير إلى الدور الخطير الذي قامت به الأحزاب الكوردية في سوريا والكوردستانية في إعادة تأهيل ودمج عناصر النظام الأسدي بعد انتفاضة قامشلو ٢٠٠٤،حيث أصبح هؤلاء جزءا من التشكيلة القائمة اليوم الداعمة لجهود الحرب على الشعب الكوردي وكان هذا أحد مبررات دمجهم وتسويقهم في مواقع حساسة. وهذه هزيمة علنية أخرى لقوى قومية تسمي نفسها في أدبياتها قوى كوردستانية.
ثالثا: الخطأ القاتل الثالث هو أيضا متعلق بهذا التساهل الخطير الذي وصل إلى مرتبة الجريمة السياسية بناء على نتائجه المدمرة هو: فقدان أو غياب المرجعيات السياسية والأخلاقية والثقافية في الإعلام الحزبي بحيث مكن هذا التساهل كل من خرج من الأحزاب الكوردية بدون كفاءة أو قدرة أو موهبة أو ضمير سياسي أو أخلاقي من أن يشارك في الشأن العام بدون علم وبسلوك سوقي، الأمر الذي سهل على هذه العناصر التي كان النظام يرعاها، من نقل تقاليد السلطة إلى قمة قيادة أحزابنا الكوردية في سوريا وتمزيق صفوف الأخيرة في الفتن والمحن وإثارة الغبار والمشاكل التافهة لغرض زج القوى السياسية الكوردية والطاقات الفكرية في معارك ثانوية وهامشية.
رابعا : النخبة السياسي التي تتسم بالانتهازية والبراغماتية والغوغائية والسطحية السياسية، وهذه البنية هي التي تمد الجسور اليوم مع قوى الداعية للحرب والاحتلال، وهي التي تقف طوال تاريخها على الطرف النقيض بل العدو للمشروع القومي الكوردستاني في التغيير وشكلت كابحا مخففا لكل الاندفاعات الشعبية رغم كل تبجحات هذه القوى في تبني مشروع التغيير. وفكرة التغيير عندها تعني البقاء في مواقعهم الحزبية.
خامسا: كانت هناك منذ عشر سنوات رؤية ومطالبة ومنذ وقت مبكر نسبيا بإعادة نظر في السلوك السياسي الكوردي وفي ميراثه وفي اللغة وفي الثقافة وفي الفكر والعقلية …الخ…الخ.، لكن هذه الدعوة جوبهت بقوة وقسوة ووحشية سواء من الأحزاب التقليدية، أو من قبل الأحزاب التي جاءت بعد قيام الثورة السورية ٢٠١١.
سادسا: إن الذين قاموا بعملية قمع فكرة المراجعة وإعادة النظر وتغيير المفاهيم وخلق مرجعيات جديدة هم فعلوا ذلك لأسباب مختلفة وهم ليسوا جماعة واحدة. ولكن اهمهم عناصر النظام السوري (الأسدي) التي قاومت فكرة تغيير قواعد وقيم السياسة الكوردية في سوريا لأنها تعرف أن أية مرجعيات جديدة وحقيقية ستبعد رجالها عن حقل المشاركة السياسية كزمر قائدة وليس كقوة محتلة لجزء من كوردستان وهي تريد أن تقود مرة أخرى. لذلك فهي في رفضها لفكرة المراجعة الشاملة الفكرية والسياسية والثقافية إنما تعلن أنها تقاومها حفاظا على (المصلحة الوطنية) وصيانة للتقاليد وهذا كذب وهراء ونفاق مفضوح.
فهذه العناصر هي أبعد ما تكون عن المشروع الكوردستاني وهي كما أثبتت الأيام ورغم فوات الأوان إنها عناصر مرتزقة قلبت الطاولة على القوى السياسية الكوردي التقليدية التي تدفع اليوم ثمن تساهلها المروع والخطير والذي لا يقل خطورة عن خطأ وهي جريمة توحي الى تحالفها مع النظام الأسدي.
سابعا: وهذا الخطأ هو الآخر من الأخطاء الفادحة.
خطأ فقدان الذاكرة السياسية.
أي أننا في كل مرة وفي كل حقبة نجد أنفسنا أمام نفس المشاكل بدون حل وهي مشاكل صارت دورية ومزمنة وعصية وفي نفس الوقت حلتها البشرية عبر طرق عديدة مثل قضية الحرية والسلطة والقانون والدولة والأقليات والحقوق..الخ.
وهذا، وأيضا، نتيجة إجهاض فكرة إعادة النظر والمراجعة لأن القادة السياسيين لدينا كما ثبت بالتجربة غير قادرين على قيادة مشروع تغيير وطني جوهري لذلك ظلت المشاكل التي كان يجب أن تحل منذ عقود تركض أمامنا في كل حقبة.
ثامنا : وهو من الأخطاء المهلكة التي قادت إلى استبعاد الشباب والمثقفين وأصحاب المؤهلات من العمل السياسي بل الكفر بهم هو: ثقافة الوصم والتخوين وقد برعت في هذه الثقافة أحزابنا السياسية (على مر تاريخها!) حتى وصل عدد من شملهم هذا المنهج السلطوي نصف سكان كوردستان سوريا بل أكثر.
وهذا الخطأ البنيوي الشنيع، وقد قدم بهذا الشكل خدمة مجانية للسلطة الأسدية، هو خطأ منهجي مزمن في تقاليد هذه القوى، قاد إلى شيوع عدمية سياسية وعبثية أخلاقية ولامبالاة ونزعة الهرب من العمل السياسي لأن كثيرين وجدوا أنفسهم على غير توقع أمام سلطة أخرى ثانية تحاكم وتوصم وتحذف وتعاقب وتصدر قرارات..الخ.
وكان يمكن لمراجعة شاملة لما جرى في انتفاضة قامشلو أن تقود نحو تجديد الهوية ونحو خلق ذات أخرى بعيدا عن التبجح والازدواجية ومراجل ثقافة ذكورية لم تنتج إلا الجبن، ولم تجلب إلا الاحتلال.
للاسف شعارنا الدائم هو نحن، أولا، نحن أخيرا…..لكن الحقائق تقول نحن من خرب إنجازات انتفاضة قامشلو مرة أخرى، ولن نعيد النظر، حتى بعد المحرقة الحالية و القادمة، لا في المشروع الوطني الكوردستاني ولا حتى في مشروع دواجن.
الرحمة لأرواح شهداء انتفاضة قامشلو٢٠٠٤.
المستشار السياسي
الدكتور عبدالرزاق تمو.
=====================
اثبتت الانتفاضة بان الشعب الكوردي والحركة السياسية في كوردستان الغربية يفتقد الى قائد ومرجع سياسي
محمد سعيد وادي
في الذكرى السابعة عشرة لانتفاضة شعبنا الكوردي على جرائم النظام البعثي الشوفيني، ردا على المجزرة التي حصلت في الملعب البلدي في قامشلو، على اثر المباراة بين الفريقين الرياضيين، فتوة من دير الزور والجهاد من قامشلو، يبدو كانت الخطة مدبرة ومحبوكة من قبل السلطات الامنية حيث شحنت الاجهزة الامنية جماهير ديرالزور المعروفين بولائهم للنظام الدكتاتوري في العراق صدام حسين وشوفينيتهم وحقدهم على الكورد، خاصة بعد سقوط احد الرموز الشوفينية العربية صدام حسين، حيث حصلنا على المعلومات الهامة متاخراً .
بعد مجيء جمهور فريق الفتوة الى القامشلي بدأوا برفع الشعارات الاستفزازية ضد الكورد و رموزهم القومية كالبارزاني والطالباني، وعند دخول جمهور الجهاد الى الملعب قامت السلطات بتفتيشهم بشكل دقيق وعدم السماح لهم بادخال حتى جريدة اما جمهور الفتوة فقد دخل الى الملعب بدون تفتيش وكانوا مصحبين معهم الاحجار ومهيئين انفسهم والشر بادي في تصرفاتهم من خلال ترديد الشعارات الاستفزازية ضد جمهور الجهاد، فحصلت اشتباكات بين الطرفين وتدخلت السلطات لصالح جماعة دير الزور وبأوامر من محافظ الحسكة المجرم سليم كبول، جرى اطلاق الرصاص الحي وبدم بارد على الجمهور الكوردي مما ادى الى استشهاد مجموعة من الشباب الكورد على يد السلطات الفاشية للنظام البعث الشوفيني، متجاهلا بان هؤلاء مواطنين سوريين قانونيا وانسانيا، ومطلوب منه حمايتهم ومساواتهم مع المواطنين العرب، مما دفع الكورد بشيبهم وشبابهم الى الانتفاضة ضد الظلم والقهر والقتل والحرمان من ابسط القيم الانسانية، حيث ثار الشعب الكوردي من عين ديوار في اقصى الشمال الشرقي ومرورا بكافة المدن الكوردية في الجزيرة وكوباني وعفرين الحبيبة وحلب والاحياء الكوردية في دمشق زور افا وركن الدين دون ان يكون بقرار من الحركة الكوردية او اية جهة اخرى متجاوزا كافة الاطر التنظيمية مما حدا بتعطيل كافة المؤسسات ودوائر الدولة في كوردستان الغربية واستطاع شبابنا في عامودا من كسر تمثال الرئيس السابق ووالد الرئيس الحالي وازالته متجاوزا جدار الخوف الذي نسجه هذا النظام الفاسد وارعب الشعب السوري بكافة طوائفه ومكوناته
• استطاعت الانتفاضة ان توحد شعبنا وتعيد الثقة الى ابنائها وتثبت للاعداء بان ارادة الشعب الكوردي لا تقهر و اقوى من اسلحة العدو ومخططاته، لكن النظام لم يقف مكتوف الايدي بعدما شاهد بام اعينه وحدة الشعب الكوردي من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب. اعترف رأس النظام من خلال خطاب متلفز بان الشعب الكوردي نسيج اساسي من الشعب السوري محاولا بذلك امتصاص غضب الشعب الكوردي لحين ترتيب وضعه للانقضاض على الانتفاضة والحصول على معلومات التي سيستخدمها
• ومن جهة اخرى قامت الاجهزة الامنية باعتقال الالاف من ابناء شعبنا وزجهم في السجون وتعذيبهم في المعتقلات واستشهد بعضهم تحت التعذيب كالشهيد فرهاد محمد صبري محاولا بذلك كسر شوكة الانتفاضة واعادة هيبة الدولة وعملت الماكينة الاعلامية للنظام من خلال عملائها في الداخل بالترويج بان الكورد اذا لم يعتذروا للنظام سيجعل من الجزيرة حماه ثانية
ماهي العبرة من الانتفاضة:
اولا: استطاعت هذه الانتفاضة المباركة كسر حاجز الخوف من النظام البوليسي الامني الدكتاتوري
ثانيا: وحدت ارادة الشعب الكوردي متجاوزا الخلافات بين الحركة السياسية التقليدية
ثالثا: استطاعت هذه الانتفاضة ان تمهد الطريق امام الشعب السوري بعد سبع سنوات القيام بانتفاضة اخرى ضد النظام الدكتاتوري في كافة المدن والبلدات السورية عام ٢٠١١
رابعا: هذه الانتفاضة مهدت الطريق امام كافة المكونات من الشعب السوري التعرف على القضية الكوردية وعدالتها
وعلى الرغم من ذلك كان هناك تقصير كبير جدا من قبل الحركة السياسية بحق الانتفاضة وذلك في بعض الامور التالية:
– عدم الاستفادة من مكتسبات الانتفاضة ودراسة النقاط الايجابية و توظيفها لصالح عدالة
القضية الكوردية.
– عدم تشجيع استمرارية الانتفاضة والضغط على النظام حتى يتم تحقيق بعض المكاسب للشعب الكوردي.
– ساهمت الحركة الكوردية في اجهاض الانتفاضة لارضاء النظام وتحميل المسؤولية الى جهات خارجية واعتبار ذلك فتنة من جهه ما.
– كشفت الانتفاضة عجز الحركة السياسية الكوردية القيام بمسؤوليتها التاريخية لعدم استطاعتها اتخاذ قرار مناسب في الوقت المناسب.
عند انتهاء مهام المجرم سليم ونقله من المحافظة شارك احد رموز الحركة الكوردية في مراسيم توديعه بان نقلك من محافظتنا خسارة كبيرة لنا وكنت ملح هذه المحافظة وستترك فراغا مهما وبهذا الاسلوب الانبطاحي شجع هذا النظام الفاسد و الدكتاتوري في قمع الكورد والحركة السياسية.
لابد لنا الاعتراف بان الشعب الكوردي والحركة السياسية في كوردستان الغربية يفتقد الى قائد ومرجع سياسي للقيام بما يملي عليه الواجب القومي وتسخير ذاته والتضحية بحاضره ليحقق المكاسب لمستقبل شعبه
نحن بحاجة الى قائد سياسي محنك يضع مصلحة شعبه وقضيته فوق كل الاعتبارات الاخرى ليتخذ القرارات في الوقت المناسب لصالح القضية الكوردية العادلة
وهكذا تم طي هذا الملف المهم دون الاستفادة من العبر والدروس التي رافقها وكشف الاسباب الحقيقية وراء ذلك.
=====================
الطريق الى صيدنايا
محمد خير بنكو
لم يكن حمو موجوداً في الملعب يوم ١١|٣|٢٠٠٤ لكنه سمع مثل غيره القصة التي بدأت بتمجيد الفريق القادم من دير الزور الى مدينة قامشلو، للطاغية صدام حسين و هم يجوبون شوارع قامشلو. لم يجرؤ سكان قامشلو على مواجهة الفريق و مشجعيه، كما لم تحرك أجهزة النظام البعثي الأمنية ساكناً ، رغم حالة العدم توافق و عدم الانسجام بينه و بين نظام الطاغية العراقي.
فوجئت جماهير الجهاد بأن الجمهور الضيف يدخلون حرم الملعب مدججين بالأحجار و كأنهم قد تجهزوا لمباراةٍ بالحجارة بدلاً من مباراة كرة القدم.
كان حمو بين جموع الشباب المتجمعين الراغبين بالوصول الى قامشلو للمشاركة في تشييع جنائز الشهداء الذين استشهدوا برصاص أجهزة النظام بعد ان أعطاهم المجرم سليم كبول، محافظ الحسكة آنذاك، الحق في استخدام الرصاص الحي لقمع المتظاهرين العزل الذين ثاروا دفاعاً عن أنفسهم في مواجهة أحجار الفريق الآخر. منعت الشرطة و الأجهزة الأمنية وسائط النقل من التوجه من عامودا الى قامشلو، و إزداد عدد المنتفضين الشباب في مركز المدينة، و بين الإستسلام لعدم الذهاب و الرغبة الجامحة في دواخلهم، علت أصوات تطالب بالذهاب سيراً على الأقدام . دون تفكيرٍ بالمسافة و الوقت و الطريق بدأت الأقدام تخطو بإتجاه الشمس الصباحية التي بدت و كأنها تبكي الشهداء و ترتجف خوفاً من القادم. وصلت طلائعهم الى مدخل المدينة دون أن يلتفت أحد الى تمثال الاسد الأب المنتصب وسط دوار بسيط في أول مدخلها و كأن بهم يقولون لأنفسهم (لدينا مشوارٌ آخر)، ما إن إقترب الجمع من مفرزة الأمن السياسي على طريقهم حتى بدأ عناصر المفرزة بإطلاق الرصاص في الهواء خشيةً من غضب هذه الجموع الغاضبة و تخويفاً لهم . تراجع الجمع تحت صرخات البعض حرصاً على سلامة الشباب الغاضب و عكس الجمع إتجاهه عائداً نحو المدينة بينما جمرات من البراكين تشتعل في دواخلهم و هم يستذكرون معاناتهم مع قمع المخابرات منذ الولادة، ابتداءاً من أسمائهم المفروضة عليهم من شُعَب النفوس الى الوظائف مروراً بأغانيهم الفلكلورية و لغتهم الممنوعة عليهم .
إمتطى حمو تمثال الدكتاتور و جعل رجليه تدليان حول رقبة التمثال كمن يركب ظهر دابة ، بدأ بتحريك رجليه ضارباً التمثال من جنبيه متذكراً أيام كان يرعى بضع غنماتٍ له خلف بيادر القرية المنتصبة على تلة قرب المدينة، وقد أمسك برأس التمثال و هو يحاول تحطيمه بمهدٍ وصلت الى يده من حيث لا يدري .
تعالت الضحكات فمنهم من كان يشتم حمو ، كعادة أهل عامودا، و يصرخ:
إمسك بإذنيه كما كان يمسك بإُذنيك إستاذ القومية.
و منهم من كان يقترح حرقه كما إحترقت الأجساد الغضة لأكثر من مئتين و خمس و ثمانين تلميذاً في سينما شهرزاد في عامودا في عام ١٩٦٠ . كان حمو منهمكاً بالطرق على الرأس و الرقبة و هو يضحك : رأسه قاسي ، إنه أقسى من رأس أمك حنيفة .
لم تفكر الجموع الغاضبة لحظة فيما سيؤول إليه الوضع، ربما ظنوا بانه نهاية حقبة من القهر و الحرمان و كان يتراءى أمام ناظرهم سقوط تمثال توأمه البعثي في العراق، و اكملت الجموع تحطيم رمزاً لديكتاتورية حكمتهم لسنين بل أغلبهم ولد في ظل حكمه و اكملوا مسيرة الانتقام فحرقوا المفارز و المخافر و سياراتهم و لم تأبى البراكين في دواخلهم ان تهدأ حتى وصلوا الى مقر المحكمة و المركز الثقافي و المصرف الرزاعي، يتذكر حمو بعض الاصوات التي حاولت منهم من حرق المركز الثقافي قائلين بانها ملك للمدينة فرد البعض من الشباب الغاضب متسائلاً: و هل لنا كتبٌ فيها ؟ و لم ينتظر جواباً من أحد بل اكمل كلامه مترافقاً بشتائم : أنها ثقافتهم .
لم يكن التعذيب في المفارز مختلفاً كثيراً، لكنه كان يختلف من جلادٍ الى جلاد و من ضحية الى أخرى حسب التقرير المكتوب عنه. كانت حصة حمو من ذلك كبيرة، كيف لا يكون كذلك وقد حفل التقرير بتفاصيل عن كيفية ركوبه التمثال، فكان له حصة الاسد من التعذيب ، جُرِب فيه كل أصناف التعذيب، من دولاب و كابلٍ رباعي و كهرباء، لكل صنف لسعته فتعذيب الكبل يجعلك تمارس العَّد و ستستمر بالعد حسب قوة تحمل جسمك ، تكون الضربات الأولى موجعة ولا شك بأنك ستفقد الإحساس بجسمك رويداً رويداً حتى تفقد الوعي و يوقظوك بالمياه، التعذيب بالدولاب لا يختلف عن الكبل لأنه في هذه الطريقة أيضاً الكبل او الكرباج كما يسميه البعض هو أداة التعذيب و يبقى وظيفة الدولاب هي فقط حجزك و منعك من أن تتفادى الضربات.
للتعذيب بالكهرباء قصص و حكايات، الأداة المستخدمة هو عبارة عن جهاز صغير شبيه بجهاز الهاتف القديم اليدوي و قوته حسب سرعة تدوير المقبض الشبيه بمقبض محرك الليستر الذي كان يستخدمه والد حمو على بئر الماء لزراعة الخضرة الصيفية من بندورة و خيار و كوسا كمصدر للعيش الى جانب عمله كسائقٍ موسمي على الحصادات. يختلف أيضاً مكان التكهرب حسب الجلاد، المسمى المحقق، فقد يربط السلك بأصابع يديك أو قدميك و ربما يربطه بعضوك التناسلي لسهولة إنتزاع الإعتراف. بداية تحريك المقبض ستشعر بلسعة خفيفة في جلدك ثم يتطور حتى تشعر و كأن شرايينك ستنفجر و خاصة في جانبي الرأس و تحديداً فوق الأذنين .
أغميَّ على حمو أكثر من مرة، و في نهاية كل جولة تعذيب كان يرمى به في المهجع المكتظ بأجساد رسمت عليها خرائط العالم بشكل فوضوي . العائد من جولة التعذيب كان الأحق في التمدد قليلاً ريثما يسترد أنفاسه، فالمكان لا يتسع للكل فكان لزاماً عليهم التناوب في التمدد لأخذ قسط من الإغفاء أو الجلوس. الرسومات المتشابهة على الثلاثين جسداً في الغرفة خلقت لديهم شعور العائلة التي ورثت نفس الوشم ، فكانوا يشجعون بعضهم البعض و هم بدواخلهم يحتاجون الى من التشجيع ، كلما كان يسترد حمو أنفاسه كان يخاطب من حوله مشجعاً رغم رجفان الكلمات بين شفتيه لدرجة كانت الكلمات تتقطع في جملها فتبدو كحروفٍ متناثرة على آثار السياط المنتشرة على جسده :
لا تخافوا يا شباب ، إذا تحملت الضربات الاولى فسوف تنقذ نفسك من الاعتراف ، صدقوني انها بسيطة ، لتكن عزيمتكم قوية ، إصمدوا و تحملوا قليلاً لتخرجوا من هنا. في لحظات الهدوء بين جلسات التعذيب كانوا يتناقشون فيما بينهم الاحتمالات المقبلة ، و أحياناً اخرى يتذكرون النهفات التي مرت معهم خلال المسيرات و الإعتقالات ، كان حمو يعيد لجاره عبد الإله القادم من سري كانيه شريط سقوط التمثال دون المرور بالجزء الخاص به، و يحكي له عبد الإله عن بعض التفصيل عن سري كانيه، بينما حسنو كان يحكي عن كيفية جلوس جكرو على كرسي مدير ناحية الدرباسية و كيفية إنتزاع الأسلحة من الشرطة، و يسهب آخر ليقول بل أنه طلب منهم إلقاء السلاح و أمرهم بالزحف.
ثمانية و عشرون يوماً تعرض فيها حمو لأكثر من ضعفها من فصول التعذيب و ما يقاربها من حالات الإغماء مصراً على روايته : كنت في القرية أسقي الزرع و لم أنزل الى البلدة البتة إلا حوالي الظهر و ذلك لجلب الخبز الآلي .
الطريق الى سجن صيدنايا كان طويلاً جداً، أطول من أية مرة سافر فيها من قبل . كثيراً ما سافر حمو الى دمشق فالطريق من قامشلو الى دمشق لم يكن متعباً ، كان البولمان يقف في إحدى الاستراحات في تدمر و عادة ما كانت ليلاً ، فينزل الركاب متكاسلين ليتمموا أحاديثهم على طاولات الإستراحة أو يتدرجون حول المكان و يستغلون الوقت في إشعال أكبر عدد ممكن من السكائر إستعداداً لساعات أخرى من السفر للوصول الى دمشق ، لكن هذه المرة كانت الرحلة مختلفة. سرد حمو الحكاية و كأنه يعيشها ،كانوا ثلاثة هو و ابراهيم و قهرمان ، أياديهم مربوطة خلف ظهورهم و عيونهم مطمشة، و كلمة مطمشة للدلالة على تغطية العيون بقماش أو أية مادة لحجب الرؤية، تحركت السيارة التي كانت عبارة عن جيب عسكري دون أن يعرفوا وجهتهم . لم يستطع الثلاثة ان يتبادلوا أطراف الحديث لصغر السيارة، فكان كل واحد منهم يعيش ذكرياته و خوفه من ما سيحدث له. يتذكر حمو سروره و هو راكب على كتفي التمثال مدلياً رجليه فيرتسم إبتسامة إعتزاز على محياه المتعبة من شدة التعذيب ، يرن صوت والده حين طلب منه عدم الذهاب الى المدينة في ذلك اليوم، فقد كان ذلك اليوم دورهم في إستخدام البئر و سقاية الزرع . كانت المسافة تبدو و كأنها تتمدد، لا أحد يعرف الوقت، في الطريق و بعد ساعات طويلة توقفت السيارة إنقطع أصوات السائق و العسكر، يبدو أنهم توقفوا في استراحة ما لكنهم لم يطلبوا من الثلاثة النزول لقضاء الحاجة أو لشرب بعض الماء. بينما كان الثلاثة مشغولين بآلامهم متناسين لذة الإستراحة و اكل البلح و الدخان، عاد صوت السائق طالباً من من معه الإستعجال : خلصونا يا شباب .
لم يعرف حمو وقت الإنطلاق أو الوصول و كان طول الطريق مشغولاً بالتحقيق مع نفسه، كان بعض الأحيان يفكر بالإعتراف ليتخلص من تأليف القصص دفاعاً عن برائته و هو يعلم بأن المخبر الملعون قد أعطاهم الكثير من التفاصيل عن كيفية تحطيم التمثال و بأن الجموع الغاضبة بعد إن فشلت في تحطيمه بكل ما كانت تملك من أدوات، لجأوا الى حيلة أخرى، فقد تجمع العديد منهم و حملوا عاموداً من أعمدة مؤسسة الكهرباء الذي كان مرمياً بالقرب من الدوار و بحركة منسقة كانوا يعودون لمسافة و يضربون بكل قوة بمؤخرة التمثال.
في فرع الفيحاء بدأت جولة من خمسة عشرة يوماً من فصول التعذيب و بنفس الطرق القديمة و بحقد جديد، حيث كان يرمى به في دورة مياه تسمى بالمنفردة، تعرض خلالها جسم حمو للإنهيار فأصبح كبناء تعرض لعدة هزات أرضية قوية و بات آيلاً للسقوط ، بينما في خارج جدران المعتقل و قريباً من قطع التمثال المحطم ، كانت المباحثات تجري حول ترميم التمثال.
رُميَّ ب حمو في سجن صيدنايا بعد فشل الجلاد في إنتزاع اعترافه بالمشاركة في الركوب على كتفي التمثال و تحطيمه، بينما اعترف البعض خارج أسوار السجون بدلاً عنهم بخطيئة تحطيم التمثال و وعدوا بتدارك الأمر. بعد أكثر من عام تم الإفراج عن حمو و الكثيرين من السجن بموجب عفو و مكرمة، حسب تعبيرهم، من الأسد الإبن. كان إستقبالهم من قبل الجماهير عرساً جماهيرياً حتى أحست الأجهزة الأمنية بخطأ قرار الأسد بينهم و بين أنفسهم .
كانت المفاجأة كبيرة عندما وجد حمو تمثالاً إنتصب في مكان التمثال الذي شارك في تحطيمه و كأنه رُمِمَ بأيادٍ محلية لأن التمثال الجديد كان أصغر حجماً من السابق و كأن به فقد أجزاءاً أثناء ترميمه أو أنه انكمش خجلاً بعد ما تم إهانته على يد الشباب الغاضب، بينما جسد حمو ما زال لم يُرَمَم بعد.
=====================
الأسباب المباشرة لانتفاضة 12آذار «3/5»
زاكروس عثمان
ساءت حالة طفلي فرجعت إلى عامودا قبيل المغيب، تركت المدينة وهي أشبه بساحة حرب وبقيت في حالة من الفوران والغليان حتى ساعات متأخرة من الليل، انتشر خبر الأحداث والمجزرة في المنطقة و داخل البلاد وخارجها بفضل وسائل الاتصال والإعلام الحديثة والفضائيات، وأصبحت ملايين القلوب معلقة بقامشلو عروسة كوردستان المذبوحة، الجميع يتابعون الأخبار لحظة بلحظة لم يعرف كوردي واحد النوم أو الراحة تلك الليلة الرهيبة، أجهزة الهاتف لم تتوقف عن الرنين، الاتصالات لم تنقطع بين الكورد في المهاجر وفي أجزاء كوردستان الأخرى، الكل يستفسرون عن مجريات الأحداث وتطورات الأمور وهم متلهفين على سماع أي نبأ جديد عن عروستهم المغدورة.
كانت المخاوف أن يقدم النظام تحت جنح الليل على أعمال قمع وحشية بحق قامشلو وأبنائها من قتل وتصفية واعتقالات وتدمير، فالذاكرة الكوردية تختزن صور قاتمة من هذه المآسي، عمليات إبادة مقابر وجماعية ارتكبتها حكومات دول السيطرة بحق القومية الكوردية، فما يمنع السلطة السورية عن الإقدام على عمل مماثل، وهو الوحيد من بين حكومات دول السيطرة الذي لم يرتكب إبادة جماعية بحق الكورد، في ليلة 12 على 13 آذار تذكر الكورد مأساة حلبجة وخافوا أن تتكرر في قامشلو، ماذا بوسعهم أن يفعلوا فيما لو أقدم النظام السوري على حماقة كهذه، في تلك الليلة لن تهدأ القومية الكوردية في الشرق الأوسط ولا في العالم ولم يتركوا جهة دولية أو حكومة في عواصم القرار الدولي إلا واتصلوا بها وحذروها من مغبة إقدام حكام دمشق على عمل غير مسؤول تجاه قامشلو، مضت تلك الليلة ونحن كلنا ساهرون وجاء صباح 13آذار ولا احد منا يعرف كيف انتهت الليلة الماضية، ونتيجة التوتر الشديد الذي ساد الشارع الكوردي برزت الاحتقانات والتراكمات السابقة لتشتعل دفعة واحدة .
يمكن القول أن الانتفاضة في يومها الأول الجمعة الدامية كانت ردة فعل طبيعية على المجزرة ولكن في الأيام التالية السبت وما تلاه فأنها تحولت إلى فعل سياسي منظم، فقد تدخلت أحزاب الحركة الكوردية في الانتفاضة العفوية وكانت هذه أول تجربة لها في قيادة فعل شعبي ميداني بهذه الضخامة وهذا الاتساع، ولم تنجح في إدارة الانتفاضة بالشكل الأمثل، ربما لضعف قادتها وترددهم واختلاف مواقفهم من الانتفاضة بين داع لإيقافها فورا واعتبارها تحرك صبياني، وبين من اعتبرها انتفاضة ولكنه لم يعرف كيف يقودها، لقلة الخبرة ولافتقار الشعب إلى ثقافة التظاهرات و الاحتجاجات.
يتبع
=====================
القسم الرابع يضم مساهمات كل من السيدات والسادة:
– د. محمود عباس
– مصطفى أوسو
– عبدالرحمن محمد
– نارين عمر
– هيفي قجو
– منال حسكو
=====================