حسين جلبي
شعار (وحدة الصف الكُردي) في سوريا المطروح حالياً، هو أحد أهم مظاهر غباء العقل السياسي الكُردي السوري وتخلفه وعجزه وفشله، وعدم قدرته على التفكير الواقعي للبحث عن حلول حقيقية للمأزق الوجودي الذي يعيشه الكُرد، وأهم الدلائل على بعد ذلك العقل عن الواقع، ووجوده داخل نفق مظلم لا يسعى للخروج منه فحسب، بل إلى تحويل غبائه المشهود إلى كارثة موصوفة، من خلال إصرار ذلك العقل المأزوم على تطبيق شعار (وحدة الصف الكُردي) العبثي، وعقد مفاوضات ومؤتمرات وحوارات لأجله، واختراع كلمات نارية حارة للتسويق له، ومحاولة بث التفاؤل عن نتائج إيجابية قريبة تكاد أن تصل، أسرع من وصول غودو في مسرحية بيكيت الشهرية (في انتظار غودو)، والذي لن يصل أبداً، ولم تتغير بالتالي الحياة المعدمة المهمشة المنعزلة التي يعيشها شخصياتها.
إذ كيف يمكن تحقيق وحدة الصف الكُردي مع تنظيم يقول سراً وعلناً، ليلاً نهاراً، كل ساعة ودقيقة وثانية بأنه ليس كُردي، وبأنه يعادي القومية الكُردية، وبأنه سيحارب أي محاولة لتقسيم بلدان الكُرد لإقامة كيان مستقل لهم، تنظيم غريب وصل إلى البلاد من وراء الحدود في ظروف مشبوهة، واستقبلته سلطاتها المعادية للكُرد في الأحضان ودعمته مادياً ومعنوياً، في الوقت الذي تقمع فيه كُرد بلادها وتتعامل معهم بعدوانية وعنصري، وتعمل على تطهير البلاد منهم عرقياً، ولا تسمح لهم بالتحدث بلغتهم؟
كيف يمكن تحقيق الوحدة الكُردية مع تنظيم ذي طبيعة مافيوية، لا يعرف سوى الرصاص وسيلة للتعامل مع الكُرد، إحدى يديه التي يتم مصافحتها خلال جلسات الحوار المزعوم؛ ملوثة بدماء ضحاياه من الكُرد، ويده السوداء الأُخرى تحمل آثار حرائق بيوتهم، ورائحة حريق العلم الكُردي ومكاتب الأحزاب الكُردية؟
كيف يمكن تحقيق وحدة الصف الكُردي مع حزب لا يشبه الأحزاب، مسؤوليه الذين تتم مفاوضاتهم مرتبطون بأجهزة مخابرات أكثر من دولة، من تركيا إلى سوريا إلى العراق إلى إيران وأبعد من ذلك، ويعمل كل منهم على تنفيذ أجندة الجهاز الذي يدين له بالولاء؟
كيف يمكن تحقيق وحدة الصف الكُردي مع عصابة متخصصة في خطف الأطفال، وحرمانهم من طفولتهم ورعاية والديهم، وحرمانهم من دراستهم والقضاء على مستقبلهم وقتل أحلامهم وتجنيدهم لأغراض دنيئة، على رأسها خدمة أعداء الكُرد، وتكديس الأموال وتدمير أي أمل يلوح في الأُفق لخلاص الكُرد؟
كيف يمكن تحقيق وحدة الصف الكُردي، مع مجموعة من العملاء الشتامين الحاقدين المرضى، الذين لا عمل لها سوى تخوين الكُرد واتهامهم بالعمالة، وشتم أبنائهم في بيشمركة لشكري روج الكُردية، واتهامهم بالعمالة لتركيا؟ كيف يمكن تحقيق وحدة الصف الكُردي مع من أدار ظهره لأعدائه المفترضين، بعد أن حصل على مقاولة محاربة الكُرد في سوريا والعراق، للعمل على تطهير المنطقة من الكُرد في سوريا، وإيذاء إقليم كُردستان وتخريبه.
هذه ليست دعوة (للقتال الأخوي)، بل للكف عن المحاولات العبثية لدمج حزب العمال الكُردستاني في نسيج المنطقة وتطبيع وضعه فيها، وللعمل على عزله وأخذ مسافة أمان منه، أكبر من تلك التي يأخذها المرء بسبب الكورونا، فقد فشلت كل المحاولات الغبية التي جرت منذ عشر سنوات لاحتوائه، ولم تنجح سوى في مساعدته على ابتلاع المنطقة وتشريد كُردها.