هوس الديجيتاليزم ؟

الدكتور محمد مصطفى 
كتب الأستاذ إبراهيم اليوسف مشكوراً رباعيته الشهيرة, في موقع ولاتى مه, عن الأعلام الانترنيتي الرقمي, وسوء استخدامه من قبل ما أسماهم بالمرضى, والمغرضين, الذين يستهدفون كبرياء الأمة وينالون من هيبتها ومن قاماتها, من موقع الحريص والغيور على مصائر الامة من تأثير الإعلام الرقمي الهابط, الما بعد الحداثوي, من قبل بعض الأعداء الوهميين المفترضين في بعض وسائل التواصل الاجتماعي.
 إذ دعى الكاتب الى توقيع على ميثاق إنترنتي كوردي, على غرار, ميثاق الشرف للشيوعيين السوريين, كمن اخترع الشبكة العنكبوتية للنشطاء الكورد, وأصبح يُمن عليهم بمكرمته, على طريقة معلم القرية والتلاميذ.
من الملاحظ إن الكاتب يقول الشيء ونقيضه, وينهي عن أمر ويأتي بمثله ففي وقت الذي يدعو الى عدم استخدام العبارات البذيئة في وسائل التواصل الاجتماعي, نرى نص مقاله يفيض بسيل من العبارات والتعابير القذرة الموجودة في قاموس اللغة العربية.
وهنا نورد بعض من ما كتبه من أوصاف مقززة في وصف الأخر المختلف معه (العدو الوهمي, الافتراضي في الشبكة العنكبوتية) الذي يدخل في خانة الانتقاد:
((لظاهرة خفافيش الانترنت, الذباب الالكتروني, الذباب الازرق,… واذا كان بعضهم قد دأب على إخراج قيئه وقيحه وعفنه وشتم الناس عبر برنامج يمنح الجبان إمكان العملقة عش دبابير…. قناع سخامي., فلول الهكر, جيوش البواقين, والمطبلين, ومهيلي التراب على رؤوسهم كسرت, وتضاعفت, بل ومول بعض منها, وظهر فجأة اعلاميون جهلة مجرد حكواتيين, أو مهرجين ضمن هذه الكتيبة او الفصيلة المأجورين او غيرهما, اداة موظفة مدفوع لها أو طوعية او متطعة, الضغينة, مدفوعة تحت شحنات, مدفوعة تحت وطأة شحنات الضغينة او لقاء مقابل انتمائي, رتبة او مرتبة او راتباً ومن البديهي ان يستخدم الاعلامي المفلس هنا لممارسة شغله, بالاستعانة بمخيلته او ما يملى عليه من دون امتلاك اي مقدرة على التحليل وقراءة الواقع والوقائع…. ولا عذر قط لمن يتهاون الآن, تحديد لا سيما من بين صفوف الرماديين؟ فأما انهم مع وليمة الدجال او هم ليسوا في منأ عنهم, والى جانبه مسخ قزم طحلبي, متطفل سلطاني ونحن هنا في مواجهة تسمية الشذاذ, في هذا الزمن بات فيسبوكياً يعرض قيئه وقيحه وفضلاته, آلاف المتابعات تحت مجاهر مخيلاتهم الموبوءة المريض المستعرة غلاً وغيظاً وحقداً وثأرية من المجتمع…. )) 
والبقية الباقية من نص الاستاذ إبراهيم على هذه الشاكلة في الحلقات الاربعة المتسلسلة, عبارة عن النقد اللاذع في حق الآخر المختلف معه.
من الملاحظ ان الاستاذ إبراهيم اليوسف يضع نفسه في عداد “القوم النجيب” المتعالي على كل ما هو رمادي؟ 
في حين طاف هو أيضاً بالولائم مثل غيره, وهذا ليس عيباً, أن تتغير معتقدات الشخص ومواقفه تباعاً, هذا أمر طبيعي, الناس يتغيرون في سياق الأحداث والمنعطفات التاريخية, ومواكبة التغييرات والتطورات الدراماتيكية في عصرنا, وخاصة في ظل الثورة الرقمية والمعلوماتية والعولمة, والربيع العربي. 
بدأ الاستاذ إبراهيم اليوسف حياته السياسية في حلقات الدروشة على طريقة خالد بگداش. وكان يوصف خالد بگداش بالطود في جريدة المواسم, ووصال فرحة بروزا لوكسمبورغ, إلا أنه أدار ظهره للطود, متوجها صوب قاسيون, ثم أصبح أحد الأباء المؤسسين للقومية الكردية, حضر المؤتمر الوطني السوري, ثم غادره أيضا إلى عالم الحرية اليبرالية.
إن الإعلام الكتروني الحر منبر مفتوح يعطي فرص متساوية للجميع ولا يحق لأحد فرض أي وصاية أو أحتكار عليه.
 وقد خرج الأعلام الكتروني من عقاله ولن يدخل إلى حظيرة الطاعة بأي مواثيق أو غيرها على غرار الرقابة الإعلامية ولوائحها, في الدولة القومجية, دولة ثالوث: الاستبداد والفساد والتوريث.
والعودة بالناس إلى أنساق معرفية محددة وتقييد حرية الرأي وفق مواثيق جديدة, لن يتحقق خاصة في الفضاء الأوربي.
 يجب الأبتعاد عن الاحتكام إلى العواطف في النظر للآخر المختلف والترفع عن الأهواء الشخصية والاستناد إلى قوة المنطق, دون أفتراض أو تحييز مسبق, أو تسرع في الحكم, أو التدخل فيما هو ليس اختصاصه والنظرة الكلية والشاملة في ترابط الاشياء,. فليست هناك أفكار وثوابت مطلقة تصمد أمام امتحان الزمن, والحقيقة من الصعب احتكارها في أيامنا, أصبحت في متناول الجميع وهي ليست ملكاً لأحد. 
إن دور ما يسمى بالنقابات الكردية, الاتحادات الصحافية, والكتاب, على كثرة عددها وعديدها, وهي أكثر مما هي في الصين, لا يتلخص في الدعوة إلى كم الأفواه, والتضييق على حرية التعبير خصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي, نزولاً عند رغبة بعض القوى السياسية التي تتحكم بها, بل تتلخص مهامها, في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير, والانتقاد وحتى تأسيس مدرسة نقدية, تشجع التفكير النقدي, وتعزيز روح النقدية, بالمرونة والقدرة على الإنفتاح على الأخر المختلف, والنقد البناء, وليس الانتقاد والطعن بالملفات الشخصية. أو تصيد الأخطاء بل بالتعاطي مع الأفكار, والنقد بثقافة, وإستقامة, وهدف. وليس قياس ظواهر جديدة, بمقاييس قديمة.
من الخطأ التعميم والحكم على وسائل التواصل من خلال سلوك بعض المراهقين, اللذين يطلقون عبارات نابية, بحق الأخرين,هم بذلك يعبرون عن قيمهم وأخلاقهم وادابهم وغياب اللياقة. يمكن الرد عليهم بقول الفصل والإنصاف, أو الترفع عن ذلك.
 وهم في الأغلب اناس غير متخصصين, أو من رعاع القوم, لايستطيع أحد سلب حقهم الطبيعي في حرية التعبير, وأخطائهم التواصلية في معظمها تنم عن جهل مبين, وليست إساءة متعمدة, لربما يعود ذلك إلى ضعف الخبرة, أوسوء معرفة, أو قلة إطلاع, وبالنهاية يحق لأي شخص, أن ينظر للأمور من منظوره, دون تدوير الزوايا.
عرف القرن الثامن عشر في أوربا بعصر النقد, فكانت ألمانيا تشتهر بالفلاسفة, ونمسا بالموسيقيين, كانت تنتشر كل المدارس الفكرية والفلسفية المختلفة تتحاور, وكان هناك صراعات فكرية حادة ومناظرات فكرية بين كبار المفكرين, فما أن يصدر أحدهم كتاب أو مقال, حتى يصدر كتاباً أو مقالاً ينتقده.
وقد أدى الصراع الفكري, إلى تطور وارتقاء الفكر وظهر وعي جديد, وإبداع, حقق نهضة علمية وتقنية, أدت إلى ثورة عارمة, تغييرت معالم أوربا وتغيير معها العالم و الفكر الاوربي والنهضة الاوربية الحالية هي نتاج للتطور الفكري والمعرفي أنذاك, النقد قاطرة التطور يقول الشاعر الماني هاينريش هاينه: وحدهم الذين يتقبلون النقد, يستحقون المديح والثناء.
الانسان الواعي يدرك أهمية النقد ويحرص عليه ويطلبه كوسيلة لتحقيق التقدم والنمو والإزدهار.
رواية (كوخ العم توم) النقدية, للكاتبة هاري بيتشر, أدت إلى نشوب الحرب الأهلية الأمريكية, ثم إلى إلغاء نظام الرق في أمريكا وتحرير العبيد قال في حينه إبراهام لنكولن قوله الشهير: هذه السيدة الصغيرة أشعلت حرب كبيرة.
وكما قال أرسطوا: النقد يمكن أن تتجنبه, بألا تقول شيئاً وألا تفعل شيئاً وألا تكون شيئاً.
النشر ليس حكراً على النخبة, بل من حق متاح للجميع ان ينشر, يخطأ ويتعلم, الناشط مثقل بهمومه, ترك وطنه وأحلامه ورائه, ومن حقه أن يعبر عن هواجسه وآرائه, ويتنفس الصعداء, من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
وما على النقابات الثقافية إلا إرشادهم إلى الأسلوب الصحيح للكتابة, وتحسين أدائهم وليس فقط نقدهم على عدم الكتابة الاحترافية, بل تشجيع ثقافة النقد.
 وليس اعتبارهم أشرار وإساءة الظن بهم, ربما يكون أدائهم ناتج عن جهل والناشط بحاجة الى تنوير ونصح ومشورة من الخبير وكما يقول الإمام الشافعي “أضرب بعض الرأي ببعض فينتج عنه الصواب” 
 إن إشعال شمعة أفضل من لعن الظلام, يمكن إعطاء الإرشاد والمشورة بسهولة في إيامنا, بإقامة دورات أون لاين لشرح طرائق الكتابة أو غيرها, أو فن الإلقاء الصحيح, و آداب الحديث في وسائل التواصل الاجتماعي, أو أصول الخطابة, أو المناظرات, وفن الحوار مع الاخر المختلف. 
 في هذ الخصوص لا أحد تعلم الكتابة أو يجيد المناظرات بالفطرة سوى الشعراء, فمن لم يتقدم  يتقادم تصبح أفكاره و مفاهيمه لا تواكب العصر.
فلتتفتح مائة زهرة وكما قال بابلو نيرودا: يمكنكم أن تقطفوا كل الزهور, ولكنكم لن تصبحوا سادة الربيع.
ولننظر بعين النحلة إلى الزهور وليس بعين الذباب الإلكتروني إلى الأمور.
 إن الناقد ليس بعدو لنا, ولا يهدف الإساءة إلى أحد يجب أن لا نكون سريعي العطب ومفرطي الحساسية, علينا أن نواجه النقد بصدر رحب, وروح رياضية, فيه فائدة للجميع.
 وكما قال أرسطو إذا أردت ألا تُنقد, فوطن ألا تكون شيئاً.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…