المجلس الوطني الكردي.. ما له وما عليه!!

د. عبدالحكيم بشار
   في الأوَّل من شهر تموز الجاري قاد المجلس الوطني الكردي مظاهرة احتجاجية في مدينة قامشلو ضد ممارسات حزب العمال (الكردستاني) الترهيبية، وخاصةً أذرعه الأمنية «جوانين شورشكر» التي لا وظيفة لديها غير الخطف والضرب، وحرق مكاتب الأحزاب، وترهيب الناس، وبثّ الرعب في الشارع الكردي، وإسكات أيّ صوتٍ منتقد أو معارض لسلطة الأمر الواقع.
  وفي الثالث عشر من الشهر الجاري كذلك الأمر قادت ممثلية المجلس الوطني الكردي في أوروبا مظاهرة ضد حزب العمال (الكردستاني) وأفرعه وأذرعه العسكرية والأمنية للسبب نفسه الذي دعاه للتظاهُر في الداخل السوري، ورغم أن المشاركة في المظاهرتين لم تكن بالمستوى المطلوب، لكن بعيداً عن الصخب الإعلامي فالخطوتان اتسمتا بالحكمة والجرأة، حيث انقسم إزاءها الشارع وموقف المجتمع الكردي إلى ثلاثة أقسام أو فئات:
الفئة الأولى، ويُمثلها أنصار حزب العمال (الكردستاني) وممثلو النظام من الكرد، إضافةً إلى الذباب الإلكتروني، حيث اتّسمت مواقف تلك الفئة بالتشهير والتشكيك بأي عمل أو نشاط ينتقد سلطة الأمر الواقع، وباتت جزءاً من وظيفتها محاربة كلّ موقف وطني، ومناهضة كل إطار أو حزب أو شخص وطني فعَّال أينما كان في الداخل أو الخارج، ويبدو أن ذلك بات جزءاً من مهامها، ويتفاعل معها بصورةٍ شبه دائمة من يشبهونها على صفحات التواصل الاجتماعي، وهؤلاء لم يقدّموا يوماً من الأيام أيّ شيء للقضية الكردية في سوريا، وعملياً هم أصلاً غير مستعدين لتقديمه.
   الفئة الثانية، تتكوّن من مجموعة من المناضلين الذين لهم تاريخ نضالي مشرّف، ولكن لظروفٍ معينة باتوا خارج الموقع الذي يستحقونه أو الذي كان من المفروض أن يكونوا فيه، أو يشغلوه في مواقع النضال حسب وجهة نظرهم والتي قد تكون صحيحة في أغلبها أو غير دقيقة في أحيان أخرى ، ولكن هذه الفئة بدلاً من التّضامن ودعم خطوة المجلس ولو كلامياً كتبت منشورات وصوراً فيها نوعٌ من التشفّي بالمجلس، في محاولةٍ منهم إظهار المجلس بموقف الضعيف، علماً أن ضعف المجلس لن يؤدي إلى تقوية دورهم قط، إنما العكس هو الصحيح، أي كلما كان المجلس قوياً زادت فعاليتهم، وَوُجِد من يستعين بهم، أو يأخذ برأيهم، بينما كلما زاد المجلس ضعفاً خمد صوتهم، وطواهم النسيان، هذا في الوقت الذي لا ننكر فيه بأن المجلس يمر بمرحلة حرجة وفعاليته غير قوية.
   أما الفئة الثالثة، فهي الفئة الصامتة، وهي تشكّل بحقّ مركز الثقل ومحور الكتلة الوطنية الكردية وعمودها الفقري، وإزاء هذه المواقف لا بُدَّ من عرض المشاريع التي تتصارع في كوردستان سوريا، وأين نجد أنفسنا في خضم هذا الصراع؟
المشروع الأول: هو مشروع حزب العمال (الكردستاني) الاستحواذي، هذا الحزب الذي بات يُشكل رأس الحربة في محاربة القضية الكردية في كلّ مكان، وتشويه سمعة الكردي وتاريخه النضالي أينما وطِئ هذا التنظيم الذي يفرض نفسه بالغصب والإكراه، والذي يسعى بكل طاقته إلى تسخير كرد سوريا لأجنداته الخاصة بعيداً عن المصالح الوطنية والقومية للشعب الكردي في سوريا، وممارساته اليومية شاهدة على ذلك، وخاصةً استمراره بتجنيد القاصرين والقاصرات وإفقار المناطق الكردية رغم غناها، ومحاربة الكرد في لقمة عيشهم وغيرها من الممارسات التي لا تعد ولا تحصى.
  المشروع الثاني: هو مشروع النظام السوري وهو المشروع الذي يريد إعادة كل شيء إلى ما قبل عام 2011 والعودة إلى القبضة الأمنية للسلطة المركزية، والاستمرار في اضطهاد الكرد والسعي لصهرهم بشتى السُّبُل، كما كان يفعل طوال السنين التي سبقت الثورة السورية في 2011.
  المشروع الثالث: هو المشروع الوطني الذي يعمل من أجل سوريا ديمقراطية تقرُّ بالتعدُّد القومي والديني والثقافي والمساواة أمام القانون، وضمان حقوق جميع المكوّنات السورية من العرب والكرد والتركمان والسريان آشوريين وغيرهم في سوريا كدولة لامركزية، سوريا جديدة تتحقق فيها العدالة الاجتماعية والمساواة بين الرجل والمرأة دستورياً، والسعي إلى فصل الدين عن مؤسسات الدولة إضافةً إلى فصل السلطات الثلاث، واستقلال القضاء.
  هذا المشروع الوطني والقومي الأخير يجسّده المجلس الوطني الكردي بكل تفاصيله، لذا فقبل أن يحكم المرءُ على الأجسام السياسية، عليه أن يحدِّد موقفه، أين ومع من يقف؟ وأين يضع قدميه؟ وأي مشروع ينتمي إليه؟ وعندما يحدِّد ذلك عليه أن يعمل على تقوية ممثلي المجلس الوطني بدلاً من أن يكون سلبياً فيأخذ دور المتفرّج، أو أن يتمنّى في دخيلة نفسه المزيد من الضعف له.
خلاصة القول:
 نقرُّ أن المجلس الوطني في الوقت الراهن ليس على ما يرام، وندرك أن دوره ليس بالمستوى المطلوب، ولكن لا يتحمّل مسؤولية هذه الحالة التي يرونها انتكاسية قيادة المجلس وأمانته العامة وحدهم، بل نحن جميعاً نتحمّل المسؤولية، وكلّ مَن ينتمي للمشروع الوطني والقومي يتحمّل مسؤولية عدم قدرة المجلس القيام بدوره المطلوب.
    علينا جميعاً أن نسأل أنفسنا:
 ما هي عناصر القوة لدى المجلس؟ وكيف يمكن أن نعزّزها؟ وما هي الآلية المطلوبة لتفعيل المجلس؟ وكيف يمكننا تذليل العقبات أمامه لكي يقوم بدوره الفعال؟ لا شك بأن المجلس لا يملك عصا سحرية، وقوته تتكون من عنصرين أساسيين: الأوَّل مدى تجسيد المجلس لطموحات وأهداف شعبنا الكردي في سوريا، وأعتقد جازماً أن المجلس خير من يُجسّد تلك الأهداف من خلال رؤيته وبرامجه وأنشطته ولقاءاته الوطنية والدولية وكلّ عمل يقوم به، والثاني هو مدى تفاعل الحاضنة الوطنية الذي تشكل الأغلبية العظمى من أبناء شعبنا.
  ندرك جيداً أن الظروف الصعبة والقاسية التي يمرُّ بها كلُّ فرد، وكل أسرة من أبناء شعبنا ربما تدفع واحدهم نحو قوقعته الخاصة، والالتفات فقط إلى ما يضمن معيشة أسرته وحمايتها في الظروف الاقتصادية القاهرة، وبالتالي يعطي ذلك الجانب جلّ وقته، ولكن هذا لا يلغي مسؤولية الفرد، أي فردٍ من الأفراد طالما كان معنياً بالشأن العام في إصلاح الخلل بين المجلس وحاضنته، وفي أن يساهم في عملية الإصلاح التي تتم عبر عدة خطوات:
١- الإقرار أن لا بديل عن المجلس الوطني الكردي ومشروعه القومي والوطني.
٢- الإقرار أن أهدافنا وطموحاتنا كأفراد وكمجتمع كردي تتطابق مع أهدف المجلس الوطني الكردي.
٣- على المجلس وضع برامج لتكثيف الاتصال مع الحاضنة الوطنية الكردية والمزيد من التنسيق مع مختلف الفعاليات والنخب المجتمعية.
٤- إن أحد أهم عناصر قوة المجلس هو في مدى تفاعل الحاضنة الوطنية معه.
بناءً عليه، واستناداً إلى تماثل الأهداف والطموحات بين المجلس وبين الحاضنة الوطنية، وبغضّ النظر عن موقف تلك الحاضنة أو البعض منها من أشخاص أو أحزاب المجلس، فإن الواجب الوطني يدعو الحاضنة الوطنية  إلى أن تعمل على تعزيز دور الكيان السياسي الذي يُمثّله المجلس كعنوان لطموحاته، من خلال الدفاع عن خط المجلس باستمرار عبر المقالات والمنشورات التي تنشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وإعطاء صورة إيجابية عن المجلس في كلّ مجالسه ولقاءاته والتفاعل الإيجابي مع أنشطة المجلس المختلفة، وتشجيع الناس على نفس الخطوات، واعتبار ذلك جزءاً مهما من واجبه في تعزيز المشروع الذي ينتمي إليه، مع الاحتفاظ بحقّ النقد من خلال رسائل داخلية لرئاسة المجلس أو عبر مقالات النقد البناء وألا يكتفي بعرض الشوائب في المقالة، إنما أن تتضمن مقترحاتٍ عملية لحلولٍ جذرية.
 في الأخير نحن جميعاً كحزبيين وقوميين وكلّ المنتمين إلى المشروع الوطني نتحمّل مسؤوليةَ عدم قدرة المجلس على القيام بدوره بالشكل المطلوب، وبجهودنا جميعاً يتعزَّز دور المجلس، ويترسخ المشروع الوطني الكردي في سوريا.
   من المهم أن نعلم أن ضعف المجلس الوطني الكردي، أو السّعي لإضعافه هو إضعافٌ للمشروع الوطني والقومي الكردي، وتعزيزٌ وتقويةٌ للمشاريع المعادية لطموحات الشعب الكردي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…