الحنين إلى الوطن: مسؤولية الانتماء وحقيقة التمسك بالأرض

 

امل حسن 

 

في هذا الصباح، اجتاحتني موجة من الحنين إلى تراب الوطن. عندما فتحت نافذتي، تمنيت أن أستنشق نسمات الهواء من ربوعه، ومع رائحة ندى الصباح، تذكرت رائحة خبز أمي حين كانت تستيقظ بعد صلاة الفجر لتخبز لنا. تلك الذكريات حملتني إلى يوميات لجوئي إلى كردستان الحبيبة في العشرين من أغسطس عام 2013، حيث تم استقبالنا في المدارس الحكومية التي كانت تؤسس المخيمات للاجئين.
في تلك المدرسة، كنت شاهداً على مشهد أثر في نفسي عميقاً. كان هناك مجموعة من الشباب يحاولون الخروج من المدرسة، متجادلين بأسلوب غير لائق مع حراس الأسايش الذين كانوا يحرسون الباب لضمان سلامة اللاجئين. رفض الحراس السماح لهم بالخروج، وكان ذلك حقهم الطبيعي. أتذكر بوضوح كلمات أحد الحراس حين قال للشباب: “أجدها من العيب أنكم تركتم وطنكم بسبب بعض إطلاقات النار. كان ينبغي عليكم أن تحموا وتدافعوا عن وطنكم. نحن لسنا ضد هجرة النساء والأطفال والشيوخ، ولكن لماذا تركتم أنتم وطنكم؟ نحن كشعب إقليم كردستان كنا نواجه النيران والدبابات والقذائف، ولكننا لم نترك وطننا.”
تلك الكلمات لا تزال تتردد في ذهني حتى هذه اللحظة كلما تذكرت أيام اللجوء. ومعها، أتذكر كلمات اللواء أبو باسل حين قال لي في جبل الرز: “أختي أم عارف، أنتم الكرد بحياتكم لن تكونوا دولة لأنكم دائماً تفكرون في الهروب ولا تتمسكون بأرضكم. على الإنسان والشعوب المظلومة أن تتمسك وتدافع عن أرضها مهما كان الثمن.”
إنني أعتقد أن كلا من الحارس من البيشمركة واللواء أبو باسل كانا على حق. وهنا يبرز التساؤل: من يتحمل مسؤولية هذا الوضع؟ من هم المسؤولون عن ضعف انتمائنا الوطني لوطننا الأم؟ هل نحن السبب لأننا لم نتمكن من غرس حب الوطن في نفوسنا ونفوس أبنائنا؟ أم أن القيادات التي تترأس زمام الأمور هي التي تسعى لإبعادنا عن هذا الانتماء؟
هذه الأسئلة تدفعنا للتأمل في أعمق معاني الانتماء والوطنية، وتجعلنا نتساءل عن دورنا ودور قادتنا في بناء هوية وطنية قوية وصامدة. علينا أن نتحمل جميعاً مسؤولية بناء هذا الانتماء وتعزيزه، وأن ندرك أن الدفاع عن الوطن والتمسك به هو واجبنا مهما كانت التحديات.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…