صلاح بدرالدين
تعريف:
ظهر اليسار كفكر ونهج، وتنظيم مستقل، ومؤسسات حزبية، في الحركة الكردية السورية للمرة الأولى بالخامس من آب عام ١٩٦٥، وتحديدا من الكونفرانس الخامس للحزب الديموقراطي الكردي في سوريا، وحمل اسم ( البارتي الديموقراطي الكردي اليساري )، وانبثق من الحركة القومية الكردية كتحول تاريخي، وبصورة شرعية عبر آليات تنظيمية شفافة، وضرورة فرضتها الظروف الموضوعية المحيطة المتوافقة مع نضوج العوامل الذاتية.
لايجوز اعتبار افراد من الكرد كانوا أعضاء بالحزب الشيوعي السوري، وملتزمون ببرنامجه، ومواقفه، من ضمن حركة اليسار الكردي.
اليسار الكردي السوري له خصوصيته، وميزاته، ومنها:
١ – انه انطلق من الواقع الكردي الخاص، ونما في احشاء الحركة القومية الكردية .
٢ – لم يكن فصيلا شيوعيا، ولم يفرز من الحزب الشيوعي السوري، ولا بقرار من الخارج، قد نجد افرادا لاتتعدى أصابع اليدين غادروا الحزب الشيوعي، وانضموا للحركة الكردية وبشكل خاص في منطقة عفرين.
٣ – توجهاته اليسارية ظهرت قبيل انعقاد الكونفرانس الخامس، وبعد نحو تسعة أعوام من الممارسة العملية، والتطور الفكري والثقافي، والاطلاع على تجارب حركات الشعوب الأخرى بمنطقتنا خصوصا، التزم بالمبادئ الأساسية للماركسية، خصوصا في مجالات مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، والاشتراكية كحل للقضايا الاجتماعية والقومية، والنضال الثوري ضد الدكتاتورية والاستبداد، وتجارب التحالفات الجبهوية في التوافق حول المشتركات، وإزالة استغلال الانسان لاخيه الانسان، والمساواة بين المراة والرجل،والتضامن الاممي بين الشعوب .
٣ – لم يكن الجانب الفلسفي عائقا امام نضال الحزب فحرية العقيدة متوفرة على قاعدة (الدين لله والوطن للجميع) .
٤ – صدر كراس اعددته بنفسي بعد الكونفرانس الخامس مباشرة تحت عنوان : ماذا يعني لنا اليسار ؟ وتضمن جوابا مقنعا وهو المزيد من الالتزام بالقضية القومية وبمقولة الشعب الكردي، والتمسك بمبدأ حق تقرير المصير، والتوازن بين الانتمائين القومي والوطني .
٥ – كما جاء في برنامجه (دمج النضالين القومي والطبقي) وكان يعني : الرد على الحزب الشيوعي السوري الذي حرف الكثير من المبادئ الماركسية، والكوسموبوليتية التي انتهجها بعض الكرد المنتمين لذلك الحزب، الى جانب اليمين الكردي، والذين انكروا جميعا وجود شعب كردي، وقضية قومية كردية في سوريا، وحقوق قومية مشروعة، وكذلك كان ردا على التيار الانعزالي القومي الذي يقف ضد النضال الوطني الديموقراطي المشترك بين كل المكونات السورية، ويرفض القضايا الاجتماعية، والمطلبية التي تهم غالبية الكرد السوريين المنتمين الى الطبقات، والفئات الفقيرة، وأخيرا كان ردا على بعض ملاك الأراضي، ومعظم مخاتير القرى التي كانت مصالحهم تتشابك مع مصالح السلطات الحاكمة، والبعض كان متورطا في إيذاء الفلاحين الفقراء، ومحاربة الحركة الكردية .
٦ – لم يخلق، ولم يخترع اليسار الكردي الطبقات الاجتماعية بل كانت موجودة في المجتمع السوري قبله بمئات السنين، ولم يكن من دعاة تسعير الخلافات الاجتماعية بالمناطق الكردية، بل كان يسعى الى التفاهم، والاتفاق، والحلول الوسط خلال مرحلة صعود موجة الصراعات بين الفلاحين، والملاكين خاصة وان قواعد اليسار بغالبيتها من الفلاحين، والطلاب، وعمال المدن الكبرى، وكان يحظى الى جانب ذلك بصداقات مجموعات من الوجهاء، والاغنياء الكرد الوطنيين.
٧ – حمل اليسار الكردي السوري مشروع حل القضية الكردية بالطرق السلمية وعبر الحوار، وتحقيق الديموقراطية، والتعايش الكردي العربي، ولذلك شكل الخطر الأكبر على الأوساط الشوفينية الحاكمة، والجماعات الكردية المتعاونة مع السلطات الحاكمة، وحورب من جميع هؤلاء، وكان الضحية الأولى عبر الانشقاقات، والاختراقات الأمنية التي قادها الضابط الأمني – محمد منصورة – بد اية التسعينات بالقامشلي اعتمادا على نفر شرير من ضعاف النفوس الباحثين عن مصالح خاصة، والذين تحولوا ايتاما منبوذين بعد ذلك .
٨ – لاشك ان اليسار الكردي السوري بكل إنجازاته، وافضاله، قد أصاب واخطأ أيضا، ولاباس من مراجعة تلك المرحلة الذهبية المعطاءة الغنية بالفكر والثقافة، والنشاط السياسي، ووالتضحيات، التي امتدت نحو نصف قرن، بامانة وموضوعية، وليس بدوافع ذاتية انتقامية، او من اجل – شرعنة – انحراف البعض، وانشقاق البعض الاخر في مراحل سابقة فهذا لن يمر بسهولة، بل على هؤلاء تقديم الاعتذار لشعبهم ورفاقهم، والاعتراف بما اقترفوه.
٩ – اليسار الكردي السوري، او اليسار القومي الديموقراطي الذي كان يمثله ( البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي ) وفي غضون اكثر من ستين عاما لم يكن قابلا لبدعة تسمية النظام السوري بالنظام الوطني التقدمي، او نظام التطور الوطني، بل اصطدم مرارا بالحزب الشيوعي السوري، وكتب الكثير حول ذلك في ادبياته الفكرية، والسياسية، بل كان يدعو الى تغيير النظام، وإيجاد البديل الديموقراطي .
١٠ – في مراحل معينة فاتحنا طرفي الحزب الشيوعي السوري (بكداش والمكتب السياسي) باحتمالية العمل التنظيمي المشترك، ومدى قبولهما بترتيب معين للحالة الكردية الخاصة، فكان الجواب دوما سلبيا، والتهرب من الموضوع .
١١ – منذ دخول الحزب الشيوعي السوري جبهة النظام تحول طرفا الى جانب السلطة في محاربتنا الى درجة ان عضو مكتبه السياسي، ومسؤول العلاقات الخارجية فيه قدم كتابا رسميا للحزب الشيوعي السوفييتي لقطع وإيقاف المنح الدراسية التي تقدم لحزبنا بحجة ان حزبنا حزب برجوازي قومي، وكان جواب المكتب السياسي السوفييتي صادما له ورافضا، (الرسالة مع الرد منشورة في مذكراتي).
١٢ – شهدت الحركات الكردية في العراق، وتركيا، وايران انبثاق فصائل، واجنحة، وتيارات يسارية قومية وكان لكل جزء خصوصياته المختلفة، وكان لنا علاقات تعاون وتنسيق مع بعض تلك المجموعات الكردية اليسارية في تركيا، وايران لم تبلغ درجة انشاء مركز يساري قومي كردستاني لاسباب عديدة .
١٣ – كان اليسار القومي الكردي في سوريا، وتركيا، وايران سباقا في دعم ثورة أيلول، والوقوف الى جانب الزعيم الراحل مصطفى بارزاني، بعكس التيارات اليمينية.
١٤ – بعد النكسة التي المت بالحركة الكردية، وثورة أيلول بكردستان العراق، تصدى اليسار الكردي السوري لتلك الكارثة بالدعوة للقاء ستة أحزاب من الأجزاء الأخرى لدراسة الوضع الخطير، واتخاذ مايلزم للتخفيف من الصدمة، وصياغة مشروع كردستاني، حيث استمرت المحاولة لاعوام، وكان لها التاثير المباشر على سير الاحداث .
١٥ – كما كان الوحيد الذي نسج علاقات صداقة وتعاون مثمرة مع القوى الديموقراطية، واليسارية في الحركة التحررية العربية، ومع الدول الاشتراكية – سابقا – .
لم ولن تتوقف محاولات تشويه وجه الحركة الكردية السورية وبشكل اخص الصفحات الناصعة لتاريخ اليسار القومي الديموقراطي (البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي) من جانب الدوائر الحاكمة بشكل أساسي، وبعض أحزاب طرفي الاستقطاب ( ب ي د و ب د ك – س ) التي تفتقر الى الشرعية، والمصداقية، وتحاول – يائسة – نفي الاخر، ومن ثم السطو على تاريخه، فقد كان ومازال البعض من هؤلاء يقوم بدور الطابور الخامس، والخادم المطاع لسلطة الاستبداد في نظام الاب والابن.
وللحديث صلة …………