صلاح بدرالدين
قد لايعلم الكثيرون عن تفاصيل انكشاف امر اخطر مخطط عنصري في تاريخ الكرد السوريين الذي وضع ونفذ قبل اكثر من ستين عاما ، حيث مازالت آثارها المدمرة بادية على الوجود الكردي حتى يومنا هذا ، فمخطط الحزام العربي يعود أولا وأخيرا وبتفاصيله الدقيقة الى تقرير اعده رئيس شعبة الامن السياسي بالقامشلي – الملازم اول محمد طلب هلال ووصل الى رتبة عميد – والذي رفعه الى القيادة السورية بعد تكليفه بذلك في عام ١٩٦١ ، وقد حصل ذلك بعهد حكومة الانفصال ، ولكن قرار صياغة المخطط صدر في عهد نظام القوميين العرب من ناصريين وبعثيين قبل حدوث الانفصال الذي ابقى معظم موظفي الدولة في مواقعهم وكان بينهم بعثيون مثل – طلب هلال – الذي اصبح عضوا للقيادة القطرية ثم ترقى بعد انقلاب البعث الى رتبة وزير ، وكما علمنا فان الفكرة جاءت من أوساط البعثيين بشكل خاص نظرا لايديولوجيتهم العنصرية الماخوذة من النازية ، تجاه غير العرب ، وقد اثبتت ممارساتهم اللاحقة عبر نظاميهم في بغداد ودمشق تلك الحقيقة .
كيف حصلنا على التقرير ؟
كماذكرنا وضع ( طلب هلال ) التقرير عام ١٩٦١ ، ثم تم رفعه للقيادة السورية الحاكمة ، وخضع كما يظهر للدراسة عدة أعوام لتمهيد الأجواء ، ومن اجل البحث عن سبل تنفيذه عمليا ، وقد تم ذلك في غاية السرية باعتباره موضوعا يتعلق بالامن القومي ، وعندما انبثق ( البارتي الديموقراطي الكردي اليساري ) عام ١٩٦٥ في الكونفرانس الخامس ، وفي الخامس من آب ، لم يكن امر المخطط معلوما لنا ولاي طرف اخر .
بعد عام وفي ١٩٦٦ حصل مالم يكن بالحسبان ، فقد اتصل احد المواطنين الكرد من الحسكة وكان يعمل في سلك القضاء ، وطلب اللقاء بي لامر عاجل وتم ذلك في منزل المرحوم – بهجت ملا حامد – بالقامشلي ،بحضور عضو القيادة المرحلية رفيقنا المرحوم محمد نيو – ثم سلمني النص الكامل لتقرير – محمد طلب هلال – وقال : الذي سلمني التقرير – صديق شخصي – وطلب مني ايصاله الى – البارتي اليساري – هو ( فلان الفلاني ) مشترطا عدم ذكر اسمه ابدا ، وهو عربي من أبناء احد شيوخ قبيلة – الطي – وكان بعثيا وعضوا في فرع الحسكة ومعارضا لسياسة حزبه ( علمنا بعد مدة قصيرة انه غادر سوريا نحو العراق ) في ذروة الصراع بين بعثي سوريا والعراق ، اما وسيطنا الكردي فطلب بدوره ان يبقى اسمه في طي الكتمان لاسباب امنية ، وانني وللامانة التاريخية وكما وعدت لن ابوح بالاسمين .
التقرير كان هدية لاتقدر بثمن بالرغم من مضمونه الخطير والمقلق ، فهو يكشف أحد اسرار النظام ، وموامراته المدروسة ضد شعب بأكمله ، والذي سيصبح موضع ادانته ، وافتضاح طبيعته الشوفينية العنصرية امام الشعب السوري والعالم .
إقرار الخطوات اللازمة
على اثر ذلك عقدنا اجتماعا طارئا – للقيادة المرحلية – للبارتي اليساري لبحث ومناقشة مضمون التقرير ، والخطوات اللازمة اتخاذها بشانه ، وبعد نهاية الاجتماع تم الاتفاق على التالي :
١ – على الصعيد الإعلامي : قمنا على عجل باستخراج اكثر من نسخة ، وارسلنا نسخة الى لبنان حتى يقوم رفاقنا هناك بترجمته الى اللغات الإنكليزية ، والفرنسية ، وارسال نسخ الى تنظيمنا باوروبا لترجمته وتوزيعه ، اما منظمة الحزب بدمشق فقامت بمهمة توزيع التقرير باليد او عبر البريد على الأحزاب السورية ، والسفارات الأجنبية العاملة بدمشق ، ومكاتب المنظمات الفلسطينية .
٢ – إقرار عقد اجتماعات للجنة المنطقية للحزب بالجزيرة ، وبحث التقرير ، واتخاذ اللازم للتحضير لكل الاحتمالات بمافي ذلك المواجهة السلمية من جانب الفلاحين في حال قيام السلطات بتطبيق بنود المخطط ، وقد حدثت مواجهات فعلية في عدد من القرى من بينها قريتي ( علي فرو وكري بري ) شارك فيها بشكل فردي الى جانب رفاقنا فلاحون مناصرون للحزب الشيوعي السوري من دون علم قيادات حزبهم .
٣ – كما تقرر توزيع المناشير المتضمنة رفض المخطط ، ودعوة الجماهير للتحرك ، وشعارات المطالبة بالديموقراطية لكل سوريا ، واسقاط الاستبداد ، وحل القضية الكردية حسب إرادة الكرد في تقرير مصيرهم ، وقد حدث ذلك وفي توقيت واحد في جميع المدن والبلدات بمحافظة الحسكة ومن دون نجاح أجهزة الامن في اكتشاف امر الذين قاموا بالمهمة ، وكان ذلك انتصارا رائعا لاعضاء حزبنا – آنذاك – في اول اختبار لهم مابعد كونفرانس الخامس من آب .
٤ – ومن جملة ما تمت مناقشته في اجتماع – القيادة المرحلية – مسالة بغاية الأهمية وهي فرضية احراق محاصيل أراضي أملاك الدولة المصادرة من الملاكين ، والفلاحين الكرد ، وبعد مناقشات مطولة استقر الراي على عدم القيام بعملية الاحراق لان ذلك قد يخرج عن السيطرة ويشمل كل شيئ بالمنطقة من قرى ، ومنازل ، ومزارع ، ومواشي المواطنين .
٥ – ارسال وفد الى كردستان العراق حاملا نسخة من التقرير لابلاغ الاشقاء في الحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق عن المخطط وخطورته بالمستقبل ، مع الطلب بالدعم الإعلامي بهذا الخصوص .
٦ – تشكيل وفد من أعضاء – القيادة المرحلية – للتوجه الى دمشق ، واللقاء بالقوى السياسية ، وشرح الموقف المستجد ، وقد حصل اللقاء مع العديد من الأحزاب السورية وفي أوقات مختلفة ، وتم تسليم نسخ من التقرير اليها ، وكانت ردود فعلها متباينة بين الاستغراب ،وعدم اليقين ، والادانة اللفظية ، والتعاطف مع محنة الكرد ، وماالمنا وادهشنا تجاهل البعض ، وإصرار البعض الاخر على انه ( مشروع اخضر او مزارع تعاونية اشتراكية ؟! ) ثم واصل بعض أعضاء الوفد زيارته الى بيروت حيث عقد لقاءات مكثفة مع القوى الوطنية اللبنانية ، ثم الكتابة حول الموضوع في منابرها الإعلامية .
٧ – اما ردود فعل السلطات بعد توزيع المناشير ، والنشاطات المترافقة فكانت على شكل القيام بحملة اعتقالات موجهة لاعضاء – البارتي اليساري – ووطنيين كرد اخرين ، واطلاق التهديدات عبر – مخبريهم – بتحميل – البارتي اليساري – مسؤولية أي تحرك يحصل في المنطقة .
٨ – وفي أعوام لاحقة تم طبع ، وتوثيق ، ونشر النص الكامل لتقرير – محمد طلب هلال – من قبل ( حزبنا سابقا ) في كتاب من منشورات – رابطة كاوا للثقافة الكردية – .
بقي ان أؤكد ان ماقمنا به من واجبات تجاه شعبنا ووطننا ، ونشاطات في هذا المجال بالذات ، من ضمنها إيصال ممارسات نظام البعث التي ترقى الى جرائم ضد الإنسانية الى الراي العام في سوريا ، والمنطقة والعالم ، وتسليم المخطط باليد الى مركزي كل من ( منظمة مراقبة حقوق الانسان بنيويورك ) و ( منظمة العفو الدولية بلندن ) ونشره من جانب المركزين ، ومتابعتهما لتطورات المخطط في السنوات التالية بالتنسيق مع رفاقنا بما في ذلك ارسال مندوبين بهذا الخصوص الى سوريا ، أقول كان كل ذلك جزء من الموقف المعادي الانتقامي للنظام ضد حزبنا سابقا ، ومناضلينا ، وارسال الضابط الأمني – محمد منصورة – من جانب القصر الجمهوري الى القامشلي مع صلاحيات واسعة لاستهدافنا وشق صفوفنا .
مخطط الحزام العربي بايجاز شديد
كما هو معروف فان المخطط شامل يتضمن العمل على خطين متكاملين : افراغ المناطق الكردية بشريا عبر حرمان الكرد من حق الجنسية من خلال إحصاء استثنائي بالجزيرة وتطبيق سياسة التجهيل ، والضغط الأمني ، ثم جلب فلاحين عرب من محافظة الرقة للحلول محل أصحاب الأرض من الفلاحين الكرد ، وبناء مزارع – كيبوتزات – للقادمين الجدد ، وقد هدفت هذه السياسة إلى تعريب مناطق الكرد بتجريدهم من أراضيهم – بعد أن تم تجريدهم من جنسيتهم السورية قبل ذلك في ٥ – ١٠ – ١٩٦٢ بموجب المرسوم التشريعي ذي الرقم – ٩٣ – الصادر بتاريخ – ١٣ – ٨ – ٦٣ – وتعريضهم إلى وضع معيشي خاص بغية إجبارهم على الهجرة من مناطقهم ارض الإباء والاجداد ، كسبيل إلى تغيير التركيبة الديموغرافية ، اما التفاصيل الأخرى حول المخطط ومراحل تطبيقه ، ونتائجه فباتت معروفة للجميع ولا أرى حاجة الى سردها في هذه المقالة .