الشباب، وما العمل

 

مصطفى كبار

 

بداية، سأَعترِف بأنني، كأحد أبناء الجيل الجديد الذي بلغ سن النضج في هذا العصر المتسارع بكل شيء، سواء في المعرفة أو التطور المذهل والمتاح للجميع، أرى أن للشباب دورًا حيويا وهامًا في التعلم والتعليم والبُنى المعرفية والمجتمعية ككل. في واقع شعبٍ ووطنٍ مثل كردستان، الذي قُسِّمَتْ جغرافيته الطبيعية والبشرية إلى أربعة أقسام، وخضع طويلًا لاستبداد الحكومات التي احتلته، ساهَمَ هذا الوضع كثيرًا في تقليص، بل وشطب الحقوق، من خلال قوانين وممارسات عنصرية مشابهة لتلك التي مارسها المستعمرون. لكن لا يمكن إلقاء اللوم فقط على الأنظمة والحكومات، فقد كانت ولا تزال هناك مسؤوليات أخرى.
لاحظنا أنه منذ تأسيس الأحزاب السياسية، ورغم التجارب الطويلة داخل أحزاب الحركة وبالأخص في البناء التنظيمي، ظلَّت الهيمنة العمرية تتأرجح وتميل دائمًا لصالح الأجيال الأكبر على حساب الشباب. وهذا يظهر في جميع البُنى التنظيمية الحزبية وفي الهَرَمِيَّات التنظيمية التي تعتمد على العمر كمقياس.
في المقابل، نجد أن الأغلبية العظمى من بُنى وهيكليات الأحزاب التي تحترم قواعدها، وتستهدف في تكوينها وتطورها ومستقبلها تفعيل دور التجديد، تسعى إلى إشراك الأجيال الشابة في البناء الحزبي. غالبية الدول تُقيم قوة أحزابها بمدى قوة وسعة قواعدها الحزبية ونسبة الشباب فيها، وليس فقط من حيث العدد، بل البرامج والأنشطة الهادفة التي تستقطب الشباب وتُنَمِّي وعيهم وتفتح مداركهم تجاه دورهم المجتمعي.
بالنسبة للشبيبة الكردية، وأمام المخاطر والتهديدات الوجودية التي تواجه الأكراد وكردستان، يجب أن يكون لهم دور مركزي ومهم في خدمة القضية الكردستانية وتنمية الفكر القومي الحضاري. يجب أن يكون دور الشباب ليس كأداة للضغط والقمع، بل لتعزيز المجتمع. كشاب في بداية مشواري في مجال العمل النضالي، أرى أن الهدف الرئيسي يجب أن يكون تربية الشبيبة على روح السلم والتعايش بأفق ديمقراطي، وإلغاء العنف والاستبداد وقمع المختلفين.
التنظيمات التي ترى في الشبيبة مجرد أدوات لممارسة التعسف والتنكيل تُنمِّي الظلم وتقوننه، مما يؤدي إلى تدمير القوى الخيرة والمعارضة. وعلى المدى الطويل، تُنشئ هذه التنظيمات كتائب متمرسة في تدمير كل ما هو جميل في مدننا وقرانا. يجب على الأحزاب المناضلة التركيز على البناء الحزبي السليم، والثبات على المبادئ والأهداف، وتطوير ثقافة التقدم. إن قوة أية ثورة أو حزب تتجلى في مدى نسبة الشباب فيها وقوتها المتجددة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…