أسئلة بحاجة لأجوبة

 

د. عبدالحكيم بشار

 

لا يُخفى على مَن يُتابِع الوقائع في الشرق الأوسط وخاصةً بعد “عملية غلاف غزة” التي قامت بها “كتائب القسام”، الجناح العسكري لـ:”حركة حماس” يوم 7 تشرين الأول، أن الأحداث الكبيرة والنوعية التي تجري في المنطقة حالياً بوتيرة متسارعة تطرح معها العديد من الأسئلة التي قد يكون لها أكثر من جواب، كما أن تلك التساؤلات تنتهي بدورها إلى مجموعة من الاستنتاجات.
أولاً: حرب إسرائيل مع حركة حماس وتداعياتها على المنطقة عموماً وعلى سوريا على وجه الخصوص، حيث أن مسار الأحداث في غزة قد يُفضي إلى العديد من السيناريوهات، منها إخراج حركة حماس من السلطة بشكل نهائي، إقامة حكومة وحدة فلسطينية بعيداً عن حماس وتكون موالية بكاملها للرئيس محمود عباس، و إقامة دولة فلسطينية وفق الشروط  الإسرائيلية، والاحتمال الأخير كمخرج للأزمة بالنسبة لتل أبيب قد يفتح الأبواب أمام مصالحة عربية إسرائيلية شاملة، وربما كانت هناك سيناريوهات مختلفة تماماً عن مجمل التصورات، ولكن يستوجب علينا نحن الكرد القيام بدراسة كل السيناريوهات وتأثيراتها على الملف السوري.

 

ثانياً: الضربات الدقيقة والموجعة التي تنفذها إسرائيل ضد قيادات عسكرية وأمنية إيرانية بارزة في سوريا والتي توسعت في الأشهر الأخيرة واتسمت أغلب الاستهدافات بالدقة، وباتت تشل حركة  مسؤولي الملف السوري من الإيرانيين، ولا نعتقد أن هذا الاستهداف الدقيق لتلك القيادات البارزة هو عمل استخباراتي إسرئيلي صرف، يتم من خلال شبكة رصد وجواسيس، بل يبدو أن الأمر يتجاوز ذلك، وربما كان هناك تنسيق أمني على أعلى المستويات مع أطراف أُخرى فاعلة على الساحة السورية، وذلك بهدف تحجيم دور إيران في سوريا تمهيداً لإخراجها.
وإذا كان الأمر كذلك فهذا يدفع نحو طرح العديد من الأسئلة منها: كيف تحصل إسرائيل على تلك المعلومات المتعلقة بالأهداف الثمينة، وبالإضافة إلى إسرائيل مَن الذي مِن مصلحته إضعاف النفوذ الإيراني داخل سورية؟ ومن الذي بات يضيق ذرعاً بالتوسع الإيراني في عموم المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري؟ إذ على ضوء التوقعات واحتمالات التنسيق الإسرائيلي مع أطراف أُخرى، وبناءً على معرفة تلك الأطراف قد يُستخلص مسار مختلف  للأحداث في سوريا.
 ثالثاً: حرب أمريكا مع المليشيات الشيعية في سوريا والعراق من جهة، وحربها بالمشاركة مع بريطانيا ضد الحوثيين من جهة أخرى، فالكل يُدرك أن أمريكا تمتلك معلومات دقيقة جداً عن تحركات قادة الميليشيات الشيعية وطريقة تسليحها، وأن طهران ليست مجرد داعم لها، بل هي التي تقرِّر وتعطي الأوامر والتعليمات لهذه المليشيات التي لا يمكن أن تطلق صاروخاً بدون موافقة إيرانية، وقد حمَّلت أمريكا في هذا الإطار دولة الملالي أكثر من مرة مسؤولية زعزعة الاستقرار في المنطقة من خلال هذه المليشيات، ويبقى السؤال المطروح هنا هو لماذا لم تضرب أمريكا طهران بشكل مباشر؟ وإنما ما تزال إلى تاريخ اليوم تكتفي بضرب المليشيات التابعة لها والتي من أحد أهدافها الرئيسية هو مشاغلة أمريكا، وهل هدف أمريكا هو إضعاف هذه المليشيات إلى الحد الذي يزيل خطرها أم أن الدور على إيران قادم بعد هزيمة الميليشيات الطائفية؟
رابعاً: الكثير من مراكز الأبحاث والدراسات والأخبار المتداولة تشير إلى إمكانية إنسحاب أمريكا من سوريا والعراق بعد الاِنتخابات الرئاسية، وذلك أياً كان الفائز في تلك الاِنتخابات سواء من الجمهوريين أم من الديمقراطيين، على اعتبار أن المنطقة ليست مهمة استراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا التصور يطرح العديد من الأسئلة مثل: هل ستعلن أمريكا هزيمتها أمام المليشيات الطائفية وروسيا؟ أم أنها قد تخطّط  لهماجمة إيران بعد سحب جنودها من المناطق الضعيفة التي قد تكون عرضة للهجمات الإيرانية؟ ثم مَن سيملأ الفراغ بعد الاِنسحاب الأمريكي المفترض؟
لذا فبناءً على المعطيات الراهنة وعلى الأسئلة المطروحة ومجمل الاستنتاجات، فإن الحركة الكردية عموماً والمجلس الوطني الكردي على وجه الخصوص بحاجة ماسة وبمشاركة نخبة من السياسيين والمثقفين الكرد إلى إجراء دراسة معمقة حول مجمل هذه القضايا الملحة والمطروحة في الوقت الحالي بقوة، ومحاولة إعطاء أكثر من جواب مقنع لكل سؤال من الأسئلة المطروحة، ورسم أكثر من سيناريو لمسار الأحداث، وبالتالي رسم سياساتها وإعادة تموضعها وفق مجمل هذه السيناريوهات.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…