إبراهيم محمود
البارحة ( 21-1-2024 )، كان اليوم العالمي للغة الأم، واللغة الكردية ضمناً، لتقام أنشطة مختلفة حولها: محاضرات، ندوات، حوارات، أنشطة على الهامش…إلخ، وكما تابعت ذلك، ومن موقع الاهتمام في دهوك، كنموذج ( ندوة في قاعة المحاضرات بجامعة دهوك ).
من باب البداهة القول” ومن وجهة نظري ” أن ليس هناك أيٌّ كان، يرفض التكلم والحديث عن نفسه شفاهة وكتابة، بلغته، وفي بيته، ويتبنى غيرها. السؤال الأهم يبدأ من هنا: ما الذي يجعل أحدهم يتكلم ويكتب بلغة أخرى، وفي ظروف تتيح له التكلم والكتابة بلغته حصراً؟
عندما يواجهني أحدهم بقوله: اللغة هي هوية الإنسان، ويحاربني بلغتي. فهو يلغيني من خلالها. هنا يكون الموقف قائماً على منطق: إما- أو…هكذا كانت سياسة التركي و” أبو الأتراك” أتاتورك ” قبل قرن في تركيا، لا شعب في تركيا سوى الترك، لا لغة في تركيا سوى التركية، كان رد المير بدرخان بك، حاسماً، وقطعياً، وبالمنطق نفسه” لغتنا هويتنا “، حين رأى، وهو يكتبها في أعلى صفحة صحيفة ” هاوار “قبل قرن تقريباً، عبارته هذه، على طريقة أفلاطون وهو يكتب على باب أكاديميته” لا يدخل علينا من ليس أكاديمياً “،وعبارة المير الكردي الكبير هي” لا يكون كردياً من لا يتكلم ويكتب بالكردية “، تلك كانت حربه الثقافية، والسياسية المضمون جهة ظروفه، وقلتُ قبل قرابة ربع قرن في بيت أحد المعروفين بهذا الموقف” لا أذكره لأسباب تعنيني وحدي): لقد أراد أن يكون ” أبو الكرد: أتاكرد، ولتكون له سياسة أخرى، في متن الثقافة المعتمدة على اللغة الكردية، ” لطَّش هذه العبارة فيما بعد أحد المتباهين بهذا الحصر اللغوي، أحد المعروفين جيداً بالربط بين أن تكون كردياً، هو أن تتكلم، أن تقرأ وتكتب بالكردية، وأمثاله كثر..
حتى الآن، وعلى أكثر من صعيد، ليس هناك ربط بين: متى تكون اللغة بمثل هذه القطعية المذكورة، وتأكيد هوية الكردي….تلك مساحة غير مرئية يصول ويجول فيها من يعجزون عن سِدَاد دَيْن الكردية أو تمثيلها الحقيقي، ليس قراءة وكتابة ,وإنما استحقاقاً عملياً، بالفعل تحديداً، كما نشهد استفحال مثل هذه الظاهرة وبازاراتها هنا وهناك وحتى ممن يقيمون في أوربا وغيرها.
ماذا وراء هذا الربط الميكانيكي بين الحالتين؟ على صعيد إعلامي وثقافي وسياسي وممثليه..
أن ترفَع هذه العبارة إلى مستوى الشعار، مشكلة تترجم واقع الكردي في كثرتهم الغالبة، ومعنى أن يصبح الشعار ” لوغو ” معتبرً، ونشهد بالمقابل، ماذا تشهده الكردية عملياً، وفي العلاقات بين الكردي في نسبته الكبيرة، والكردي في موقع المسئولية، جهة التوتر والتخوف، ونزيف الهروب والهجرة والرحيل كردياً في سباقات المسافات الطويلة، وفي إطار حدودي معلوم نسبياً بخاصيته الكردية: هيمنة وإدارة سلطات معتبَرة، ذلك ما يظهِر أي بؤس في الشعار ذاك..
لأنطلق من أمثلة محسوسة:
هنا وفي أمكنة أخرى” وهنا أكثر في إقليم كردستان، وأنا بهذا العمر : في نطاق الـ 68 سنة ” كثيراً ما أُسأل، عبر نشاط معين، أقدم: محاضرة ” سيمينار هنا” ندوة ” وغيرهما: لماذا لا تكتب بالكردية؟ السؤال من وجهة نظرية يثير نقطتين في غاية السخونة، وربما الخطورة:
الأولى: معرفة خلفية الكتابة بغير الكردية، وهي طبيعية، إن أريدَ من وراء ذلك حقاً، تنوير هذا الجانب، ولكن المعرفة هذه تنطوي على خلل في واعية السائل بالذات، من خلال ذلك الربط الميكانيكي آنف الذكر، وإظهار جهل، أو تجاهل أحياناً كثيرة، تجاهل معين جهة من يكتب بلغة أخرى، وما تعنيه الثقافة هنا ، وهي بعائدها القيمي( قارنوا بين ما أفصح عنه يشار كمال الكاتب الكردي بالتركية، ومعرفة الحضور الكردي في بنية كتاباته باللغة نفسها، بين ما يكتبه سليم بركات بالعربية، وأي كردي يكون من خلال كتابات ذات صلة مباشرة بلغته: الأم” أذكر بالمناسبة،وقبل سنوات ولأسباب إيديولوجية محضة، أن أحد المعتبرين كتاب المرحلة الجديدة في روجآفا كردستان، في محاضرة له؟ اعتبر سليم بركات، في رده على أحدهم: أخطر من الحزام العربي، وقد تلبَّس الجبن كل الذين تواجدوا هنا. يا لفظاعة تقويم كهذا!!”
الثانية: الرفض المباشر لكل قيمة مضمرة في الكتابة، حتى لو كانت تدور في كاملها حول الكرد من ناحية معينة، أو أكثر.
هذه النقطة أيضاً حصاد مخيف، وميكانيكي قائم على أدلجة اللغة دون معرفة بنية اللغة، وماالذي يجعل اللغة حية في واقع الحال.وما يجري واقعاً، باسم الكردية وضدها هنا وهناك.
في مثال الربط الحي والفعال، يقف شخص المير الكردي الكبير جلادت في الواجهة، لقد كان المأهول بالكردية قولاً وفعلاً، وكانت نهايته المأساوية تعبيراً عن ذلك.
ماذا فعل ويفعل أكثر هؤلاء الذين يظهرون على المنابر، ويصدرون كتباً، ويرددون تلك العبارة بعيداً بعيداً عن علاقة ديناميكية بين حقيقة اللغة وحياتها الفعلية اجتماعية.
في مثال حي وصارخ، وأرى أنه سيصدم ممن يتمنطقون بالعبارة السالفة، وكما تابعت في شهادة البعض منهم على شاشة قناة ” روداو ” الكردية في أربيل، أشير، كما أشرت إلى ذلك لأكثر من مرة عند اللزوم، أنه بدءاً من التاريخ الانعطافي والعظيم لانتفاضة قامشلو” 12 آذار 2004″، كان أكثر الذين يُعرَفون بمثل هذه العبارة أبعد ما يكونون عن التعبير عما يجري بالقول وبالفعل، وحتى الآن، في مواقف تاريخية مؤلمة( يحضر الغزو التركي الدموي والمدمر لروجآفا كردستان، شاهداً بليغاً ومريعاً حول ذلك) لا حضور لمثل هذا الانخراط اللغوي اعتباراً، إنما كان هناك الحضور بلغة أخرى” العربية، وإلى الآن” وما جرى في إثر ذلك من إساءات، من قبل متفقهي الكردية الذين يعرفون أنفسهم جيداً، وكمثال لغوي محدد”، لتغطية عوراتهم، وهي إساءات يسعى فيها هؤلاء ومن يطبطبون على أكتافهم سياسياً وحزبياً؟ تعبيراً عما هو اصطفافي، وهذا التباين يتعمق أكثر فأكثر فأكثر ، كما هو الحال اليوم، ودون متابعة لحقيقة تراجع الكردية كشعور قومي فعلي، ودون مكاشفة حقيقة ذلك، على مستوى المسئولية، وذلك يدغدغ مشاعر من أشرت إليهم، وكما ينبري ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي، أو الصفحات الفيسبوكية، والأسماء المزيفة وما أكثرها، وغير المزيفة، وهي تعلن عن كرديتها دون تمثّل المسئولية الأخلاقية واقعاً، في تعليقاتهم البائسة، وفي ظن كل منهم، أنه يقوم بواجبه الكردي، ويتمثل عبارة: لغتننا هويتنا، كما لو أنه يريد إثبات نفسه بالطريقة الخلبية تلك، للفت النظر، وربما انتظاراً لرد معين، لتأكيد قيمة له ” وهي صورة أخرى تتشكل على خلفية من مواقف كهذه، وتتطلب دراسة معمقة بتاريخيتها “
ما يمكننا قوله في ختام هذا المقال: لن أتحدث عن نفسي، وما حاولت القيام به في مضمار الكردية واقعاً وعبر ترجمات مختلفة” في مركزي البحثي بجامعة دهوك قبل كل شيء، وخارجها، وفي مواقع الكترونية وغيرها، أو عمن يكتب بلغة أخرى غير لغته الأم، تعبيراً عن دفاع ما، وأمام من؟ أمام من لا يمتلكون الحد الأدنى من ذلك الرصيد القيمي لتلك الكردية التي تستحق أن يُسمّون بها، كما الحال في نموذج البدرخاني الكبير، ولا أشير عما يدري من تمثيل للكردية الفعلية هنا وهناك. سأدع لذلك لمن لديهم ذلك المسمى بـ” الضمير ” ويا لمقامه البائس، جرّاء قلة المعنيين به” مثال آخر على هذه الكردية في خمسين مليونها “وللتاريخ.
نعم، أنا كردي، ولكن على طريقتي. ولنر، مع من تقف العبارة تلك بحقيقتها…