لماذا لا يكون لنا «جاشنا» أيضاً لكي نعرف رابطي جأشنا بالمقابل؟ «تحت مظلة آذار»

إبراهيم محمود
يعلَم كل ذي معرفة ولو عادية كانت، بالنسبة للكردي، أن تسمية ” الجاش ” عبارة عن لقب أطلقه الرمز القومي الكردستاني الراحل ملا مصطفى البارزاني على المتعامل مع العدو ضد شعبه، أي بمعنى” الخائن ” وإن أُرجِعت التسمية إلى أصلها اللغوي، تكون عربية، من ” جحش ” ولعله سليل كل من الحمار والأتان، أي حيث يكون ” ملعوباً به .
لا شك أن التوقف عند هذه التسمية من الزاوية الاجتماعية، يظهر أن الشعب ليس مفهوماً متناغماً كما يشار إليه قومياً، فهناك تباينات اجتماعية، ثقافية، سياسية وإيديولوجية، والكرد كغيرهم من الشعوب الأخرى، وأكثر من ذلك تميّزاً بالتمزق السياسي” تذكروا ما قال فيهم أحمد خاني، قبل أكثر من ثلاثة قرون وربع قرن إضافي “، عن عدم اتفاقهم، أي عن شقاقهم.
من هذا المدخل الاجتماعي يمكن مكاشفة الكثير من أوجه الخلل في مفهوم الشعب وكيف يدار. البارزاني لم يكن عالم اجتماع، لنتحرى حقيقة كلامه، ولا منظّراً سياسياً، إنما كان مأهولاً بالحياة، ربيبها في تناول أحوالها وأوضاعها، منحته ثقافته العملية الكثير من نباهة التمييز.
ماذا لو أننا استدعينا هذه التسمية، أو اعتمدناها فيما بيننا، في ” روجآفا كردستان ” وفي أي جهة جغرافية كردية أخرى؟ وفي هذا الشهر الآذاري المفصلي؟ ثمة إثراء للمعنى.
لنحصر التسمية في روجآفا كردستان، ومساءلة من يرددون من ” سياسيينا أو من يعتبرون أنفسهم ممثلي أحزاب سياسية، أو من يتحركون في ركابهم قليلاً أو كثيراً، وفي ضوء معطيات الواقع، ولحدث ” 12 آذار 2004 ” المأثرة الكردية القومية روعته في انعطافه التاريخي المعاصر: الشعب الكردي، دون أي تمييز. كالحديث الذي يجري عن كيفية التفاعل مع انتفاضة آذار تلك، وماالذي يمكن أن يُسمى بمثل هذه الطريقة، بمنحاها السياسي الصارخ .
الحديث عن أن الشعب الكردي كله انتفض، أو واجه آلة قمع النظام، وازدادت لحمته داخلاً وخارجاً، حقيقة يكذّبها التاريخ والجغرافيا معاً، وانطلاقاً من الملموس أرضياً.
نعم، كان هناك من شارك، وبعفوية، ومن شارك بوعي، واستعد لكل أشكال المواجهة والتضحيات، كما هو الممكن قوله، والحدث وإن كان بيننا وبينه تأريخاً” عشرون عاماً ” يظل حياً في نفوس من تمثّلوه قلباً وقالباً، ومن حاولوا اللعب على أكثر من حبل، ومن تجنبوا الخوض فيه، وهناك تكون اللعبة بوجوهها المختلفة، وتحديداً من جهة الذين يخشون مواجهة أنفسهم. أي الذين لم يكن لهم أي إسهام في ذلك الحدث الجليل، بالعكس، هم لم يدخروا جهداً، وإلى الآن من خلال طرق وأشكال علاقات مختلفة، الإساءة إلى من كان لهم بصمة سياسية وثقافية فيه، ولا أكثر من هؤلاء لحظة التدقيق في سريان فعل الحدث، وكيف ينظَر فيه.
لا بد من استحضار ” الجاش ” تسمية حية، وفي محلها وإطلاقها عليهم، لسداد ديْن الضحايا والذين لا زالوا يعانون مما حدث.
تلك هي المشكلة التي لا نريد توسيعها، أو زعم اللعب بالعواطف من ورائها، وإنما لأنها لا تسمى ولا يشار إليها، وتبعات هذا التجاهل، وتحديداً من قبل الذين يسمون أنفسهم ممثلي: الحركة الكردية، كما لو أن هذه ممثلة في السياسي الحزبي حصراً. كل كردي معني بها .
للتاريخ تبقى الكتابة، وليس لتصفية حسابات. بالعكس، إذا كنتُ أحد أولئك الذين لم يعيشوا الحدث الآذاري المهيب ومستجداته، إلا في بوتقته، كما هو الواجب المقدَّر، فإن فضيلة أضعف الإيمان تتطلب من الذين لم يكتفوا بعدم المشاركة، فحسب، كما قلتُ، وإنما حاولوا الإساءة إلى الذين انخرطوا في الحدث أيضاً، ليس لنجاحهم في مسابقة أو منافسة، وإنما بدافع قومي وإنساني طبعاً، وبناءً على مبدأ فكري، ثقافي، ومعتقدي وقومي في الصميم بعيداً عن رفْع اليافطات المعهودة هنا وهناك.
ليس من تاريخ كتِب عما جرى، ومن قبل من يدفعون بأسمائهم إلى واجهة المجتمع، والتعريف بأنفسهم سياسيين، أو محللين سياسيين مباشرة ، أو من خلال كتبتهم، ومن تنمطوا بتعابيرهم، ويستغلون مناسبة الحدث أحياناً، دون أدنى شعور بالخجل، في موقع ليس لهم.
أشرت أكثر من مرة، أن الأغلبية الساحقة، وممن يرفعون يافطة” لغتنا الكردية هويتنا ” كتّاباً بالدرجة الأولى، والذين التزموا الصمت أو انزووا بعيداً عن مجرى الحدث، كانوا، ولا زالوا أبعد هؤلاء المعتبرين كرداً ” أقحاحاً ” عن محتوى الحدث المأثرة، وتكتماً عليه، وأنا أدرك ضمنياً أي شعور بالخذلان يعيشونه، وأي ضعف نفسي فيهم يمنعهم من شجاعة الاعتراف.
نعم، ليست تسمية ” الجاش ” بغريبة، إن شملتهم، بما أنهم يظهرون أكثر وضعية خصومة للذين ضحوا بدمائهم، والذين عانوا جراء إصابات واعتقالات وترهيب، من أعدائهم أنفسهم، لأننا وإياهم نعيش معاً، وما يتردد على الألسنة، ويدار هنا وهنا، في منابر مختلفة، يعرّي كل ذلك.
إنها مسئولية الجهات الإعلامية الكردية ” الكردستانية، عموماً “، وفي الصدارة، مسئولية من لديهم سلطات مخولة، ومن باب الحرص على ما هو قومي، وحباً بالضحايا الشهداء وخلافهم، ونشداناً لغد أفضل، وتحديداً لحظة التذكير بهذا الحدث، ومن يتم الاتصال به، وكيف، وأين.
أنا لم أسمّ أحداً. نحن نعرف بعضنا بعضاً جيداً، وكل ساكت على الخطأ أو التقصير، أي تقصير من هذا النوع، في محكمة التاريخ، وبراءة ذمته، يكون مسئولاً، ويتموقع في هذا السياق، ولكي يستطيع الكردي، الكردي منا وفينا التمييز بين مكانة ” الجاش ” القميئة، و” رابطي الجأش ” المضيئة أو المشرفة كردياً: كردستانياً، ليس من خيار ثالث هنا ..!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…