إبراهيم محمود
للجمع فضيلة كبرى، تتمثل ليس في وضع ما يجري جمعه في خانة، أو سلة واحدة، وإنما في إمكان النظر في الجاري جمعه، جهة النوعية، أو التقابل بين الواحد والآخر، وليس مجرد إضافة( نقول “ثلاث تفاحات” أحياناً، دون السؤال عما إذا كانت التفاحات هذه متساوية في الوزن، الشكل، الحجم والطمع.. إلخ). هنا تكمن ميزة إحدى العمليات الحسابية الأربع: الجمع، والدفع بالجامع إلى التدقيق، ومراعاة التباين في الجاري جمعه.
هل الكرد قادرون على الجمع، في الأمور ذات الاعتبار الاجتماعي، السياسي، الوظيفي، أو القيمي…إلخ.؟ أم تراهم يثبتون براعتهم في : القسمة، الطرح، والضرب، بسويات شتى؟
بعيداً عن التعميم، قريباً من الذين يَظهرون في “واجهة” مجتمعهم: عائلاتهم، معتقداتهم، تجمعاتهم، تنظيماتهم، فرَقهم، نقاباتهم، مجالسهم، تكتلاتهم، اتحاداتهم، وأحزابهم، ثمة حضور قاعدي، لا يخفى لهذا الخلل في الجمع مفهوماً ومعنى.
ربما هوذا القول الفصل في مثال جحا وصلاته بحميره، يضيء بنية هذه العلاقة ( كان لدى جحا مجموعة حمير. استغرب مراراً وهو يحصي حميره، فيرى فيها عدداً معلوماً، ولكنه، كان يجد نقصاً في حمار، حين يركب حماره. لم يكن يشير إلى حماره المركوب، أو يضمه إلى البقية). إنها مفارقة يمكن أن تشكل درساً بأكثر من اعتبار.
في المجتمعات المتميزة بشفافيتها، مجتمع الاعتراف الذاتي، مجتمع النقد الذاتي، مجتمع المؤسسات ذات الخلفية المدنية، مجتمع المواطنة الفعلية. باختصار: مجتمع القانون الذي ينضوي تحته الجميع، يأخذ العد مجراه دون استثناء. لا يكون هناك مستثنى، أو تجاهل عدد ما، تجاهل ” واحد ” ما، مهما كان محدود الأثر.
ما أكثر ما نجد، وإلى الآن، في أوساطنا، بمختلف تسمياتها، من لا يكف عن الجمع، بين أتباعه، وآخرين، وحتى في نفسه، إنما يُبقي الرقعة التي تعنيه، ولها سلطتها، وأهميتها، أو وزنها، ومن هذا الجانب يصدر أحكاماً، بأريحية لافتة، أي ما يرى في الجاري خللاً، وهو بعيد عن التسمية أو شمولية الحكم.
مسئول تنظيم معين، يسهل عليه إدانة الآخرين، من الأكبر إلى الأصغر في انتماءاتهم الاجتماعية، السياسية، والثقافية، والمعتقدية، غير مشير إلى موقعه، فهو نفسه داخل في الدائرة الجمعية تلك .
طبعاً، هناك من يمكنه التذكير بالخلل الذي يظهر، لكنه يصر على الاستثناء، واعتبار الخطأ في الآخر، وهو أبعد ما يكون الآخر، هذا التصور، التقويم الأحادي المسار، الاتجاه، يكاد يوضح الخطاطة الكبرى للتاريخ الكردي مذ كان وإلى، حيث يبرز في الواجهة ” جحا وحماره” (طبعاً مثال جحا دال على فطنته، وفيه لسعة ممن يتصرفون على الطريقة المركَّبة باسمه، ويبرئون أنفسهم من كل ما يخضعهم للاستجواب).
متى نعرف ما يكونه الاخر لنا قبل سوانا، لنعطي الآخر حقه في القيمة، لنرى أنفسنا بدقة أكثر؟
في الحزب الذي يُزعم أنه تشكل بناء على مطلب جماهيري، وبأسماء ” مؤسسيه ” بالكاد تمر سنوات عدة على تأسيسه، حتى يتصدع في الداخل، وتصدعه فيه منذ بدايته، لأن الحماس في البدء، يترجم سرعة التأسيس وخاصية الارتجال القائمة، وفي هذا الإجراء يكون ذلك الاختلاف أو التباين والتفاوت بين ” مؤسسيه ” في انتظار الفرصة” القشة التي تقصم ظهر البعير “. ثمة ” الرأس ” وثم الأطراف، ثم اللسان، وثمة “المعدة” في تمثيل الواقع واختلاف المقامات.
الحقيقة ممثلة في ” الرأس ” في ” راكب الحمار ” البقية مأخوذون بالعد حصراً. وهو ما يؤدي إلى التململ، إلى الكراهية المضمرة وتناميها، هو الذي أدى انشقاق الحزب، وإلى انشقاقات وانشقاقات، فتكون أجيال” سلالات ” بائسة” عنينة”، لا تقوى على النظر أبعد من أرنبة أنفسها، كما الحال في ” روجآفا كردستان “. ما أن يسمّي أحدهم الخطأ الجحوي، ليجد ذريعة للخروج، أو الانشقاق، وتكوين ” حزب أو تنظيم، أو تيار باسمه أساساً، حتى ينسى ” طبعاً يتناسى ” ما كان عليه وضعه قبل ” الانشقاق ” ، ليأتي آخر، وهكذا (كم عدد الأحزاب والتيارات والتنظيمات والحركات ذات التسميات السياسية، المثيرة للسخرية في روجآفا كردستان، وكلها تتحدث باسم الجماهير الكردية، باسم الكردايتي، وفي كل منها ذلك المشهد الجحوي وحماره) ؟؟
هذا ينطبق على المنخرطين في اللعبة القالبية السياسية؟ في الشأن الثقافي، بتحركات، أو جمعيات، أو اتحادات، صحفية أو أدبية، أو ثقافية، وبرصيد أقل، رصيد ظلي في المجمل، وبالطريقة الجانبية هذه، يأتي التاريخ الكردي أعور، أو كسيحاً، أو أعرج، أو فالجياً…إل.
الأحداث، الوقائع، المستجدات ذات البصمة الانعطافية جهة التحديات المصيرية هي التي تشكل امتحاناً قاعدياً في الجوهر لأغلب هذه التجمعات، بطابعها المزعوم تنظيمياً، أو وفق نظام داخلي يعرَف بها.
شعب يجري تفتيته من الداخل قبل الخارج، جماهير يتم تذريرها في مهب الهتافات والشعارات والرهانات الخطَبية الجوفاء، وهي مع الزمن تقل قاعدياً، وتتغرب، وتنسكن بالمزيد من الصدمات وحالات القهر، والذنب في الحالة هذه إجمالاً ينعطف على “جحا وحماره”!
لو أن مسئولاً في شأن من الشئون المذكورة، أمعن النظر في حقيقة ” الخريطة السكانية الكردية ” وكيف آل إليه أمرها، كيف يجري تشقق هذه الخريطة ويجري النزيف خارجاً بأكثر من معنى، وأي حضور للكردية يبقى، ويزداد هزالاً، وضعف أثر، وإثارة لشماتة بعض الكرد المأهولين بجمرة الكرد أنفسهم، والأعداء، لصالح بأعلى صوته: لقد أخطأت ، لقد أخطأت، لقد أخطأت، وليس ” للحمار ” ذنب.. قبل قيامة الطوفان..