خليل مصطفى حارس «الانتفاضة» الأَخير؟

إبراهيم اليوسف
قرأت المقال المطول الذي نشره الصديق الفنان الباحث خليل مصطفى في موقع- ولاتي مه- في يوم 12 آذار الجاري، عن الانتفاضة الكردية- انتفاضة قامشلي 2004- السلمية،  التي هزت لأول مرة أركان النظام السوري، سورياً وليس كردياً، فحسب، و كشفت عن عريه- مرة أخرى- أمام العالم، ما جعله يفكر بالتملص من مأزقه، من خلال عمله على أكثر من صعيد: الاعتماد على أبواقه، بمختلف مكوناتهم، الذين  رافعوا عنه، وخونوا الانتفاضة، والمنتفضين، وداعميها، و حاولوا النيل حتى من إعلامييها، من خلال ربطها بالخارج، واعتبارها جزءاً من مؤامرة!؟ عبر تأثيم الضحية ومكافأة المجرم، من جهة، بالإضافة إلى محاولة اعتبار إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين الكرد الذين تم  اعتقالهم على نحو كيفي ولو بعد سنة – مكرمة- من الرئيس الأسد الثاني، بعد حفلات التعذيب الجسدي الإرهابي التي أدت إلى استشهاد أحدهم في أحد الفروع الأمنية في الحسكة، ناهيك عمن ناله العطب والأذى جسدياً ونفسياً.
وحقيقة، أتابع صديقي خليل مصطفى منذ حوالي سنة كاملة، وهو يشتغل على ملف الانتفاضة، من خلال محاولته، بداية، إعداد ملف شامل عما جرى، لينشره في الذكرى العشرين للانتفاضة المجيدة، إلا إنه اكتشف خزاناً هائلاً، بل منابع هائلة، من المعلومات عن الانتفاضة وكلها تحتاج إلى التوثيق، وإن كان سيصطدم بعدم استجابة بعضهم لدعوته للمشاركة، بعد موافقته، لهذا السبب أو ذاك، وهو ما جرى معي في الوقت ذاته ودعاني لتأجيل نشر ملف شهادات- الشهود العيان- ست سنوات، وهو أمر مؤلم، وإن كان عذر بعضهم  يكمن في عدم تمكنه من الكتابة وهو ما أوجد أ. خليل له حلاً بمؤازرة هذا الأنموذج في تفريغ رسائلهم الصوتية ورقياً .  لقد حدثني أ. خليل عن خطوات عمله منذ سنة: خطوة خطوة، وفي الحقيقة، لقد طرق أبواباً لم أتطرق لها، لاسيما على صعيد اللقاء بإدارة نادي الجهاد. أخذ إفادات اللاعبين- وإن كنت أخذت إفادة الصديق د. سيف الدين دازواني- أحد الإداريين آنذاك- ونشرتها كتفاصيل في ثلاثة أجزاء، في الذكرى السنوية الأولى.
ما يسجل للصديق خليل أن ما تناوله تعجز- بصراحة- ورشة كاملة عن القيام به، لاسيما وإنه اعتمد مبدأ التحقيق، وهو أمر جد ضروري، بسبب عامل التقادم الزمني ألا وهو مرور عشرين سنة. عقدين كاملين على الحدث، أي أن الطفل الذي ولد في اليوم الأول للانتفاضة ربما غدا الآن أباً، رب أسرة، رغم إنني وهو تحدثنا عبر تواصلنا الخاص، عن بعض التصريحات من لدن بعضهم عن مشاركاته في الانتفاضة وقد تصدق- في إطارها العادي- كشاهد في الملعب. شاهد على المداهمات. شاهد على إطلاق النار، إلا إن هناك من قد يبالغ، أو من يجعل ذاته- سوبرماناً- في هذا المجال أو ذاك، في الوقت الذي لم يبق كردي واحد، ذو ضمير وكرامة وإنصاف، إلا وكان له موقفه الضمني، أو ساهم في إدانة ما يتم في حدود بيته، في حدود نيته، أو” نيته”، أو هاتفه التركي بشكل خاص، في نقل الأخبار إلى ذويه في الخارج، رغم محاولة آلة النظام قطع التواصل الهاتفي و”تخفيت الإنترنت” مع -قامشلي- والمناطق الكردية، إلى درجة عدم إمكان إرسال رسالة أو مجرد صورة واحدة!
الصديق خليل كان ولايزال من المقربين الذين زارونا، بشكل يومي، خلال أصعب محطات الانتفاضة، ورغم الحصار الرهيب، وكان ممن يوصل إلينا الأخبار التي تصله، على نحو مباشر، بل كتب بأكثر من- اسم مستعار- مقالاته، في المواقع المتاحة آنذاك، من دون أن يعلم أحد من الذي يكتبها، وقد بقي أمرها سراً عندي وأفراد أسرتي، كمئات الأسرار التي عرفناها، كما وظل أمرها طي الكتمان، إلى أن باح بها ذووها، وهذا ما نعتز ونتباهى به، باعتبارنا كنا- مستودع أسرار جد مهمة- في خدمة أهلنا.
لقد كانت مقالات أبي حسين نارية- بحق- يعتمد على المنطق. المحاكمة، ويحتكم إلى النص الديني ليواجه هؤلاء الذين خذلوا أخوتهم الكرد، والرابط الذي يجمعهم بهم، وصار السؤال:
من” كوني سبي”؟
كما صار قبل  الانتفاضة بسنوات السؤال:
من فلان؟
وكنا مجموعة قد لا يزيد عددها عن أصابع اليد الواحدة نعلم أن كاتبها هو: خليل مصطفى، وبقي الأمر أمانة في أعناقنا، إلا إن أبا حسين استطاع وبحق- أن يكون منصفاً- غير متجن، وغير مساوم، في آن، في مجمل ما كتبه، وهو تراث مهم، افتقد كثيره، قبل زمن الإنترنت وثورة المعلوماتيه وبعدها، أيضاً.
بيني وخليل تاريخ مديد من الأخوة التي تجمعنا، وتتغلب على كل ما قد يفرق بيننا من وجهات نظر، في كل مرحلة، إذ إنه ممن وقفوا معي. مع أسرتي. كما كل أصدقائه المقربين أنى تطلبت الحاجة، فهو الصديق الذي لا يبارح مجالس عزاء ذوي أصدقائه وهو الصديق الذي لايفارق أصدقاءه كلهم في أفراحهم كما أتراحهم.
وعندما أتحدث، في مأثرة توثيق الانتفاضة، وهناك قائمة من الأصدقاء الذين قاموا بتغطيتها: لحظة لحظة، لا أريد أن أسميهم هنا، خشية أن أنسى بعضهم، وهم جد كثيرين، إلا إن الأكثر”انهماماً” بالانتفاضة، في الداخل والخارج معروفون من قبل أوساطنا، إذ ثمة من أطلقوا موقعاً جامعاً تابعوا فيه يوميات الانتفاضة، كما إن هناك من عمل بصمت، هاجسه مواجهة آلة النظام، فهم يستحقون التحية، ولقد أشرت في أول مقابلة لي في أستوديو- روج- عندما تمت مقابلتنا أنا وصديقي الشهيد مشعل التمو قائلاً:
علينا ألا ننسى جهود من ضغطوا على النظام وتظاهروا أمام سفاراته  وعرضوا أنفسهم للخطر فقد كان لنشاطهم فعل الانتفاضة في الخارج، وأذكر أن هناك من قطعوا الطريق سيراً على الأقدام للوصول إلى برلين، محتجين أمام مقر- السفارة- بالإضافة إلى عشرات المسيرات التي دعتني للإجابة في لقاء” بالتوكي” حين سئلت في الأيام الأولى للانتفاضة:
أين تكمن قوة أهلنا في الداخل الآن بعد كل ما فعله النظام؟ قائلاً: قوة شبابنا في الخارج واعتصاماته وإيصاله لصوت الانتفاضة للخارج أعظم دعم للانتفاضة بعد محاولة النظام وأدها؟
وقد أرسل متظاهرو برلين بعد مرور ما يقل عن أربعة أيام أول مبلغاً مالياً كتعزية سريعة لذوي الشهداء في الداخل تبرع بها كثيرون من هؤلاء المتظاهرين وأرسلت إلى  الوطن، هذا بالإضافة إلى عدد من حملات التبرع المماثلة من أوربا وغيرها. إننا الآن، أحوج إلى مثل تلك الروح التضامنية بين أبناء شعبنا بعد أن تم الإجهاز عليها، لأسباب معروفة!؟
ثمة مسألتين أريد اختتام هذا المقال به، أولاهما استغرابي من عزوف الكثيرين من كتابنا  وساستنا عن تناول الانتفاضة، وتوثيقها، وتهميشها، إذ إنها بعد عشرين سنة لا تحتاج إلى توثيق الشهادات، وإعادة نشر ما نشر عنها من مقالات، فحسب، بل إلى دراسة الانتفاضة، على نحو علمي، فالانتفاضة- في رأيي- أهم حدث يتعلق ب” كردستان سوريا” وتحتاج وحدها إلى مركز دراسات باسمها، من دون أن أهون أو أقلل من قيمة أحداث عظمى، ومنها تأسيس النويات الأولى في نجال السياسة، منذ المشاركة في” خويبون   1927 والتي لا بد من الاستعداد من الآن لإحياء مئويتها  التي ستكون بعد ثلاث سنوات ” وليس  انتهاء بتأسيس الحزب الكردي الأول 1957، ومن ثم المشاركة في الثورة السورية، ومراجعة الذات، لأن الانتفاضة هي خط مهم في بصمة وهوية كرد- روج آفايي كردستان- ولقد أطلقت نداءات كثيرة بهذا الصدد، لاسيما بعد كارثة ضياع: تراث الانتفاضة الإلكتروني، ووجود جزء منه لدى- فضائية روج- التي رصدت مشكورة- آنذاك- لمتابعة يومياتها، ولابد من رفع اليد عنه، وجعله متاحاً للقراءة والتوثيق والتقويم!
وثانيتهما،  هي عودة على بدء، عودة إلى عنوان المقال، وتوصيفي للصديق- خليل مصطفى كحارس أخير للانتفاضة- فإنني لا أنكر دور كل من كتب ويكتب وسيكتب مجرد منشور في هذه الذكرى، بل في الانتفاضة، بعكس من يريد الإجهاز على ذاكرة الانتفاضة، من خلال النيل من موثقي يومياتها، كما أراد وفعل النظام، إذ إنه- وإلى جانب المعلم إبراهيم محمود- في هذا الجانب، وكل ما يتعلق بشعبه وهو خارج المهاد- يعد أ. خليل أحد أكثر من رصدوا الانتفاضة- بعد وقوفه إلى جانبها منذ بدايتها موقفاً وكتابة- عبر سنة كاملة شاقة مضنية من البحث، والمتابعة، ومراسلة الآخرين، بشكل فردي، بعد أن رفدناه بقائمة أسماء إلى جانب ما في ذاكرته من أسماء مقربين واكبوا الانتفاضة، لم يتوقف عندها بل يظل يستنتج وجود اسم آخر، فآخر، في كل مرة، على هامش حديثه مع من يكلمهم حتى استطاع أن يساهم بدوره ليكون أحد رافدي” مدونة الانتفاضة” التي نشر في إطارها عدد جد قليل من الكتاب والباحثين، مشكورين، ولم تنل حقها، في مجال الأدب، لاسيما الرواية والقصة، وها أنا ذا أطلق النداء، مرة أخرى، عسى أن نتدارك ما لم نقم به، فقد كتب تولستوي رائعته- الحرب والسلام- بعد سنوات طويلة من الحرب الكونية.
مناشدات:
*
لا توجد حتى الآن مؤسسة كردية داعمة لطباعة” مدونة الانتفاضة” بشكل لائق!
**
كما لابد من إيجاد مركز توثيقي فيه مجموعة من خبراء النشرالإلكتروني لاستعادة أرشيف الانتفاضة؟!
***
نأمل أن يتم وضع أرشيف” روج تي في ” كما ” كي تي في” وغيرهما بين أيادي جميعنا لتكون متاحة في الذاكرة الافتراضية وضمن مكتبة أو مركز خاصين بعيداً عن أية وصاية. إذ إنني أحاول على سبيل المثال الحصول على اللقاءات التي أجريت معنا داخل استوديو روج ومن خارج الأستوديو كما كي تي في إلا إن ذلك غيرمتوافر؟!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…