الدكتاتورية في إيران والتصدي لها!

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)
إن محاربة الديكتاتورية وتطوير استراتيجية “الإطاحة” بديكتاتورية ولاية الفقيه الحاكمة في إيران تتطلب “المعرفة” الميدانية والعميقة لهذه الديكتاتورية، وإلا فإن “قوة الإطاحة” ستنحرف في منتصف الطريق بواسطة الديكتاتورية، وبعبارة أكثر دقة، ستصبح “فريسةً” للديكتاتور أو “منسجمةً مع هواه”. لقد تم تجربة هذا المصير مرارًا وتكرارًا عبر التاريخ في بلدان مختلفة. بما في ذلك إيران!
حكمت في إيران التي تعدُّ نقطة استراتيجية في جغرافيا الأرض والجغرافيا السياسية للمنطقة؛ أنظمة دكتاتورية الواحد تلو الآخر، إلى أن انقضَّت دكتاتورية ولاية الفقيه على حكم البلاد. ولذلك فإن الدكتاتورية الحالية هي الوريثة لكل الأنظمة الدكتاتورية التي حكمت هذه الأرض حتى الآن، وهي الدكتاتورية الأسوأ!
لم تسمح الرجعية والاستعمار قط بأن يحكم إيران نظام شعبي! وما يجري في إيران الآن هو صراع تاريخي ومصيري، يتطلب الانتصار فيه معرفة عميقة وميدانية بالديكتاتورية. ولا تزال الرجعية الحاكمة والاستعمار يسعيان إلى إجبار التاريخ على إعادة نفسه. بيد أن هذه السياسة أو الإستراتيجية فشلت فشلاً ذريعاً في العقود الأولى من القرن الجديد، الحادي والعشرين؛ نظراً لأن الإنسان يسعى في هذا القرن إلى إحداث تغييرات كبيرة، وتوسيع نطاق حياته. كما يعتبر هذا القرن في الوقت نفسه “قرن تحرير” البشر من الأنظمة الديكتاتورية، ولا سيما في إيران، التي تُسمع فيها أصوات انهيار الدكتاتورية من كل صوب وجانب!
ومن المستحيل أن تنعم منطقة الشرق الأوسط والعالم بالسلام والأمن والاستقرار في ظل وجود النظام الديني الحاكم في إيران. ولهذا السبب يعتقد الشعب الإيراني بضرورة إسقاط هذا النظام، وبذلك يدخل الشرق الأوسط في مرحلة ازدهاره في جميع المجالات الإنسانية.
لقد ظل النظام الإيراني في السلطة من خلال استغلال المشاعر الدينية للشعب الإيراني والحيل الخاصة التي اكتسبها على مدى 45 عاماً من حكمه. وهي الحيل التي وضع بكل منها عقبة في طريق الشعب ومقاومته وأجَّل إسقاطه لبضعة أيام. ولولا سياسة واستراتيجية “المهادنة مع دكتاتورية ولاية الفقيه” لكان قد تم إسقاط هذا النظام في الوقت الراهن!
 
نظام ولاية الفقيه وبعض حيله وتكتيكاته!
لعل السؤالين التاليين: لماذا استغرقت الإطاحة بديكتاتورية ولاية الفقيه كل هذا الوقت؟ وما هي العوامل التي ساهمت في هذا الأمر؟ قد تبادرا إلى الأذهان. أسئلة تضاعف الضرورة والحاجة لمعرفة المزيد عن هذا النظام!
ولا ريب في أن المشكلة الرئيسية لا تكمن في ضعف القوى المعارضة للديكتاتورية وتشتتها، بل في وجود ديكتاتورية ولاية الفقيه، وخاصة حيلها وتكتيكاتها المعادية للشعب التي تنتهجها، من قبيل الاعتقال والتعذيب والإعدام والقتل، ويُطلقون عليها مسمى “العقوبات الإسلامية”. ويعتدون على الفتيات والنساء الإيرانيات، ويصدرون أوامر لقواتهم القمعية “بحرية إطلاق النار” على المواطنين. إن الحكومة الإيرانية تحرم الشعب الإيراني من حقوقه الأساسية، والحرية والنشاط السياسي، وتُحل “التعيينات” محل “الانتخابات الحرة”، وتستمد شرعيتها من “الغيب”! ويعدمون السجناء، وخاصة السجناء السياسيين بهدف خلق الرعب والهلع والقمع في المجتمع، أو أنهم يستعرضون ذلك لتشويش عقول الجمهور وانصرافها عن التركيز على “القضية الرئيسية” وتهميشها. هذا ويطلق هذا النظام الفاشي مشاريع التضليل، والمحاكمات الصورية، وأبواق نشر الأكاذيب ضد المعارضين، وخصوصًا بديله الديمقراطي بغية التظاهر بأنه نظام مشروع وديمقراطي ويحظى بالشعبية. ويغطي هذا النظام الفاشي بشتى الحيل على جرائمه داخل إيران، ويلجأ أحياناً إلى “الصمت ذو المغزى” حتى تمر الموجة. ويصدر أحياناً أمراً بـ “العفو” العام، حتى أنه يطلق سراح بعض السجناء، والأهم من ذلك، هو أنه “يرسلهم” إلى خارج إيران للتغطية على مسألة “عدم شرعيته” و”ضرورة الإطاحة به”. ويهدف إلى تشتيت الرأي العام والتظاهر بأنه مدافع عن حقوق الإنسان، من خلال بعض التقلبات في الأحكام الصادرة عن السلطة القضائية، ويُظهر نفسه بأنه يُحسن التفاوض وحل القضايا سلمياً، دون أن يكون مؤمنًا بذلك. والهدف من هذا العمل هو تقسيم قوى المعارضة، وتحديداً “البديل الديمقراطي للمجلس الوطني للمقاومة”، وإضعافه والقضاء عليه. ويقوم نظام ولاية الفقيه باعتقال الأفراد وسجنهم وحتى إعدامهم لتشويش الرأي العام، وأحيانًا لإخفاء حقيقة الأحداث، ويستخدم بعض عناصره تحت عنوان “الإصلاحيين” لتضليل مسار الاحتجاج والانتفاضة الشعبية، والتظاهر بأنه بريء مما ارتكبه من جرائم.
ومن الخدع التي يستخدمها هذا النظام خارج الحدود: إشعال الحروب خارج حدود إيران للتغطية على القمع داخل البلاد، من بينها على سبيل المثال، الحرب مع العراق، أو إشعال الحرب الأخير في غزة في الشرق الأوسط، واحتجاز رعايا الدول الأجنبية كرهائن لمبادلتهم عند الضرورة بإرهابييه المعتقلين لدى هذه الدول. أو أنه بخطته الشيطانية يهمِّش انعقاد يوم التجمع العالمي، وبذلك يغري الحكومات ويهددها لكي تلتزم الصمت والتقاعس عن اتخاذ أيّ إجراء ضده. ويقوم بتشويه صورة خصومه الرئيسيين ومعارضيه خارج الحدود. ويهدد الحكومات بعدم دعم الإيرانيين المعارضين لولاية الفقيه. ومن خلال ما يسمى بالعمل الثقافي والاجتماعي، والمساعدات التي يقدمها في هذا الصدد، يحاول هذا النظام الفاشي اختراق دول أخرى. ويشكل قوات بالوكالة، وفي الخطوة التالية يوفر لهم مستلزمات عمليات الاغتيال والحروب ويقدم لهم السلاح، وفي النهاية يتغلغل في قوات الأمن الثلاثية لهذه الدول، مثلما يحدث في العراق. ويُظهر نفسه بأنه يُحسن التفاوض ويميل إلى التعايش السلمي مع المجتمع الدولي، دون أن يكون مؤمنًا بذلك. مثلما يفعل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. والغرض من هذا العمل هو إضاعة الوقت عن عمد من أجل إرهاق الطرف الآخر. ثم يحاول طرد الطرف الآخر عن بُعد، ويُظهر نفسه كفائز في الميدان، مثلما فعل في قضية الأسلحة الذرية للحصول على القنبلة الذرية. ويقوم خارج حدود إيران بعمليات القتل والاغتيالات والتفجيرات لإخضاع الدول والحكومات وإجبارها على الاستجابة لرغباته. وتحولت سفاراته وقنصلياته في كافة دول العالم إلى أوكار للتجسس واغتيال المعارضين وتنفيذ الأعمال الإرهابية. ويقوم على الفور بعد كل عمل إرهابي بإعادة الإرهابيين إلى إيران تحت غطاء “الدبلوماسية”. وباسم الإسلام و”الدفاع المقدس”! يصدر أحكامًا مناهضة للثورة، وينفذها عن طريق إطلاق الصواريخ أو تفعيل قواته العميلة، ويهدد الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم!
 
خلاصة القول!
ما ورد أعلاه هو بعض من التكتيكات المعروفة لنظام ولاية الفقيه داخل إيران وخارجها. وتظهر نتيجة هذه التكتيكات أن النظام الديني الحاكم في إيران لا ينتمي إلى المجتمع الدولي. لأن التجربة أثبتت أن هذا النظام الفاشي لا يمكن الاعتماد عليه في الأساس! ولذلك، فإن الحل الوحيد لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة والعالم، وكذلك تقديم الدعم الأكبر للشعب الإيراني، هو الاعتراف رسمياً بحق الشعب الإيراني المشروع في مقاومة نظام ولاية الفقيه. تمثل قوة المعارضة الشعبية و”البديل الديمقراطي” تحديًا حقيقيًا لهذا النظام، وهي موجودة في ساحة المعركة لمصارعة ديكتاتورية ولاية الفقيه المصنوعة لقمع الشعب. وهذه ثورة حتى النصر!
***
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…