بهزاد عجمو
يقول البارزاني الخالد : ( لا يوجد للكورد أصدقاء سوى جبالهم ) لنستنتج من هذه المقولة التاريخية بأن لا اليهود و لا غير اليهود لم يكونوا يوماً أصدقاء للكورد و لا يوجد فضل لأحد عليهم سوى جبالهم فهي التي حمتهم من الانصهار خلال الاحتلالات المتعاقبة لوطنهم عبر التاريخ و آخرها الاحتلال العربي الإسلامي لوطنهم ولولا جبالهم لكان مصيرهم مثل مصير البابليين و الأشوريين و الكلدان و الفراعنة و الأمازيغ حيث أصبحوا أثراً بعد عين فلم أكتب هذه المقالة حباً باليهود و إنما حباً لمدينتي قامشلو هذه المدينة التي ولدت فيها و لعبت في ساحاتها و أزقتها و حينما كنت طفلاً ثم تعلمت فيها لذا فكان من واجبي أن أرد الدين لمدينتي من باب الوفاء و ثانياً يجب أن يكون الشاعر والكاتب شاهداً على العصر الذي عاش فيه لذا حاولت أن أكون شاهداً لفترة زمنية معينة كان اليهود أحد مكونات التركيبة السكانية لمدينة قامشلو
فكان لابد من إلقاء الضوء على هذا الكون في تلك الفترة الزمنية وعندما نكتب عن يهود قامشلو لابد أن نعود لمئات السنين أو بالأحرى آلاف السنين إلى الوراء ونكتب عن تاريخ وجود اليهود في ميزوبوتاميا ( بلاد ما بين النهرين ) ، حيث هناك روايتين تتحدثان عن تاريخ اليهود في المنطقة و أن هاتين الروايتين ليستا متناقضتين بل تكملان بعضهما البعض ، الرواية الأولى تقول بأن تاريخ اليهود يعود إلى زمن إبراهيم الخليل ( أبو الأنبياء ) حيث كان إبراهيم الخليل يعيش في بابل و بابل هي الآن أوابد أثرية يحدها شرقاً مدينة الحلة في العراق و غرباً مدينة كربلاء و كل هذه المدن تقع جنوب بغداد فقرر إبراهيم الخليل مع أتباعه أن يهاجر إلى أرض إسرائيل الحالية وتقول الروايات أنه هاجر مع زوجاته هاجر وساره وابنه إسماعيل إلى أرض الحجاز أيضاً وقصة مياه زمزم يعرفها الكل ، فعندما توجه من بابل إلى أرض بني إسرائيل عبر نهري دجله والفرات من هنا أتى اسم العبرانين لأنهم عبروا النهرين وأقام فترة زمنية حلب ولكن ضريحه الآن موجود في مدينة أورفه وبني فوق الضريح جامعاً ويعد هذا الضريح مزاراً مقدساً يقصده أتباع كل الديانات ولكن لنا ملاحظة هنا أن إبراهيم الخليل لا يعد خاصاً باليهود فهو أبو الأنبياء أي أن الكثير من الأقوام تعود أصولهم إلى أبراهيم الخليل كل هذا حدث قبل التاريخ
أما الرواية الثانية وهي الأهم فيقول المؤرخون : إن أبراهيم الخليل قد أقام في أورشليم ثم أتى بعد ذلك النبي موسى ومن بعده داؤود وسليمان حيث كانوا يعتبرون ملوك بني إسرائيل في تلك الحقبة التاريخية وبني يهودا وأصبحت مملكة بني إسرائيل معروفة ، نترك مملكة بني إسرائيل ونعود إلى بلاد ما بين النهرين ( ميزوبوتاميا ) لأن كل الأمور متداخله ولها تأثيرات على بعضها فالأشوريين كانوا يحكمون سهل نينوى عندما مات ملكهم آشور بانيبال في سنة 626 قبل الميلاد خلفه ابنه سراقوس ولكنه لم يمتد زمناً طويلاً إذ قامت دولة قوية فجأة بجانب الأشوريين وهي مملكة الميديين ( أجداد الكورد ) ولكن حدثت فتن في مملكة الأشوريين فهاجمها الميديين من الشمال بعد أن عبروا نهر دجلة ( وفي هذا السياق أن اسم دجلة وتعنى في اللغة الميدية القديمة السهم كما أن اسم دجلة قد ورد اسمها في الإنجيل وتعنى النخيل في اللغة العبرية ) فتعني السريع وبعد حرب دامية بين الميديين والآشوريين ، سقطت نينوى في عام 606 قبل الميلاد وانتصر الميديين بقيادة ملكم سياكسار وسيطروا على مملكة الآشوريين ولكن كانت هناك مملكة قوية أخرى في جنوب مملكة الآشوريين وهي مملكة الكلدانيين في بابل ( حيث يحدها شرقاً الحلة وغرباً كربلاء ) فهؤلاء أرادوا توسيع مملكتهم غرباً فاتجهوا بحربهم نحو مملكة بني إسرائيل و أعلنوا الحرب عليها فسقطت أورشليم في عام ٥٨٩ قبل الميلاد فخربوا أورشليم و هدموا الهيكل و قتلوا الكثير من بني إسرائيل و اقتادوا البقية كأسرى و سبايا إلى مملكة الكلدانيين و أصبحوا بمثابة العبيد حيث كان يقود الكلدانيين ” نابوكود نوزور” هذا هو اسمه كما ورد في التوراة و لكن العرب يسمونه ” نبوخذ نصر” أو بختنصر و بعد أن توفي خلفه تابو ناهيد، و لكن الميديين بعد أن سيطروا على مملكة الآشوريين بدأوا يطمحون بالسيطرة على مملكة الكلدانيين أيضاً، و فعلاً زحفوا إليها و سقطت بابل و أسروا تابوناهيد ملك الكلدانيين و لكن بعد الأسر ببضعة أيام توفي فأصبحت بعد ذلك مملكة الآشوريين و الكلدانيين تحت سيطرة الميديين، و يقول بعض المؤرخين : بأنهم وصلوا حتى إلى البحرين و قد أعتقوا الأسرى و السبايا اليهود عند الكلدانيين و أصبحوا أحراراً و تحولوا إلى تجار و مزارعين، و يقول بعض المؤرخين : كان هناك تعاطفاً معهم من ناحية الميديين في تلك الفترة ” كورش” كانت أمه من أصول يهودية و كانت تدعى أستير لذا نقول كان لابد من هذا السرد التاريخي في أسباب وجود اليهود في بلاد ما بين النهرين ” ميزوبوتاميا” سواء في قامشلو أو دهوك أو زاخو أو بغداد مع العلم أن موطنهم إسرائيل و قلنا سابقاً بعد أن أصبحوا أحراراً و سكنوا في عدة مدن و قرى و مناطق و لكن باعتبار أن موضوعنا هو يهود قامشلو، لذا يجب علينا أن نبحث قبل أن يسكنوا قامشلو أين كانوا ، حيث قبل عام ١٩٢٥ لم تكن توجد مدينة اسمها قامشلو ففي البداية استوطن فئة قليلة من اليهود في منطقة الهول حيث في تلك الفترة كانت أراضيها خصبة و يوجد فيها العديد من الينابيع و الأشجار المثمرة و الحقول و المروج حيث كانت العديد من أصحاب الأغنام يقصدونها بأغنامهم في فصل الربيع بقصد الرعي، و عرفنا ذلك من خلال الأغاني الفلكلورية الكوردية، حتى أنني في عام ١٩٧٥ زرت الهول و كان لا يزال يوجد فيها نبع ماء و بعض الأشجار المثمرة مثل التفاح حيث كانت تثمر نوع من التفاح فريد من نوعه أخضر اللون و بحجم تفاح كولدن أو ستاركن و لكنه كان حامض المذاق و لم يكن يوجد هذا النوع من التفاح سوى في الهول و لكن بسبب تغير المناخ قد جفت الينابيع و أصبحت الهول الآن صحراء قاحلة ، فقبل مئات الأعوام استوطن قسم من اليهود فيها و كان لهم حاخاماً و كان لديه ابنة وحيدة تدعى خاتون و خاتون في اللغة الكوردية هي ابنة سيد القوم العزباء و لكن هؤلاء اليهود يتعرضون للكثير من التعديات و السرقات و خاصة سرقة الأغنام من العرب الشوايا و كلمة شاوي كما ورد في القاموس الكوردي العربي لـ علي سيد كوراني حيث يقول : بأن الشاوي تعني اللص و السارق . أمام هذه التعديات على يهود هذه المنطقة قرروا النزوح إلى نصيبين حيث يوجد فيها حامية عثمانية لتحميهم و خاصة بعد موت الحاخام ، ولكن خاتون قالت بأنها لن تترك أراضي و أملاك و أغنام والدها ، بقيت في الهول أما غيرها فقد سكنوا في نصيبين و عملوا في التجارة أما خاتون فقد بقيت وحيدة و لم تكن تستطيع الاهتمام بهذه القطعان الكثيرة من الأغنام التي تركها لها والدها بمفردها و هذه الأراضي الشاسعة الخصبة للزراعة ، لذا فقد استأجرت العديد من الأشخاص العربان كعمال و رعيان و بعضهم لحماية أملاكها و لم تكن تجد صعوبة في ذلك من الناحية المادية لأن والدها قد ترك لها الكثير من الذهب و شيئاً فشيئاً ازداد عدد هؤلاء الرعيان و العمال و تكاثروا و أصبحوا شبه عشيرة صغيرة تدعى عشيرة الخاتونيين نسبة على ابنة الحاخام خاتون و يتزعمهم الآن شيخ عشيرة من عائلة السلطان أما يهود نصيبين و قلنا سابقاً أنهم كانوا يعملون في التجارة و أغلب تجارتهم كانت من ماردين مع العلم أن أهل ماردين لم يكن يقلون عنهم ذكاء و كانت هناك منافسة حامية بينهم و من الطرائف : اشترى يهودي كمية من الستيانات و ذهب بها إلى ماردين ليتاجر بها و يربح فاتفق تجار ماردين على ألا يشتروا منه إلا بثمن رخيص جداً بحيث يخسر فيها فعندما هم بالعودة ببضاعته إلى نصيبين لحق به أحد تجار ماردين و اشترى منه بضاعته بنصف القيمة حيث خسر في تجارته و عاد إلى نصيبين ’ أما التاجر المارديني فقام بقص أشرطة الستيانات و ذهب إلى نصيبين و باعها لليهود المتدينين كقبعات يضعونها فوق رؤوسهم و هناك رواية أخرى ، أراد أحد يهود نصيبين إن يتاجر مع أهل ماردين و لكنه قال بينه و بين نفسه لأختبر ذكاءهم في البداية فإن كانوا أذكياء فمن الصعب التجارة معهم فركب حماره و ذهب إلى أحد معارفه فقال له المضيف المارديني بماذا أستطيع أن أخدمك فقال اليهودي : أريد أن آكل و أتحلى و أتسلى و أطعم حماري ، فقال له المارديني : طلبك موجود و انتظرني لحظات فعاد و بيده بطيخة حمراء و قال لليهودي هذا هو طلبك .
في هذه الفترة أصبحت سورية تحت الانتداب الفرنسي فكانت توجد لهم حامية في قرية بياندور حيث تقع بالقرب من تربه سبيه و لكن عشيرة حاجو آغا الهفيركي هاجموا الحامية و قتلوا ضابطاً فرنسياً مما جعلت هذه الحامية تعيد انتشارها و أتوا على قامشلو و بنوا ثكنة فيها و كان يوجد مع القوات الفرنسية ضابط مهندس يدعى خرليمبوس و هو الذي خطط مركز المدينة بحيث تكون شوارعها على شكل مربعات الشطرنج و بنى دير للراهبات الكاثوليك في عام 1934 و بعض الأبنية الأخرى و كان هذا الضابط المهندس يهودياً و من اسمه يبدو أنه من أصول يونانية حيث في القرن الثامن عشر كانت فرنسا مزدهرة اقتصادياً فقد هاجر إليها الكثير من اليونانيين و الإيطاليين و الألمان حتى أن مدينة مرسيليا الفرنسية كان عدد المهاجرين فيها يفوق عدد السكان الأصليين الفرنسيين و أعتقد بأن أصل خرلمبوس يعود إلى مدينة سالونيك اليونانية لأن فيها جالية كبيرة من اليهود فعندما عرف يهود نصيبين أنه يوجد ضابط يهودي في الجيش الفرنسي جاؤوا إليه و توطدت العلاقة بينهم فأقنعهم خرلمبوس بأن يسكنوا قامشلوا و يكونون تحت حمايته و فعلاً نزحوا من نصيبين إلى قامشلو بعد إعطائهم أراضٍ في المدينة ليعمورا محلات و بيوت لهم و حتى أنه أعطاهم مجاناً أراضٍ زراعية في بعض القرى بالقرب من قامشلو و استطاعوا أن يبنوا حياً في مركز مدينة قامشلو كان يسمى ( حارة اليهود ) و الآن يسمى بسوق العرب لأن معظم العرب من القرى التي تقع في جنوب الرد يرتادون على هذا السوق لشراء حاجياتهم و عمل اليهود في مهن تجارية شتى ، فعزرا افتتح محلاً في سوق العطارين حيث كان يبيع التوابل و يشتري السمن و العسل و يبيع معظمها إلى حلب و أيضاً كان هناك شخص آخر يهودي يدعى خلف غمو ، كان تاجراً للحبوب أما ألبير فكان تاجر بناء و كان يعد من أكبر متعهدي البناء في قامشلو و لكن ما يهمنا هو عزرا الذي سمي سوق التوابل باسمه حيث محله كان يقع في منتصف السوق و سمي هذا السوق باسمه حيث كانت هذه الشخصية متزنة و هادئة و صادقاً في معاملته كان يلبس بنطالاً عريضاً و جاكيتاً فضفاضاً و يضع غطاء رأس أبيض على رأسه و يقلب طرفيها إلى الأعلى فوق بعضها البعض كان دائري الوجه حنطي اللون متوسط يتحدث بهدوء ورزانه وكان مصدر ثقه من أهالي قامشلو وكان يجلس متربعاً فوق دكه صغيرة في مدخل المحل ليس خلف الطاولة وانما بجانب الطاولة المستطيلة الشكل وبجانبها الأيسر في داخل المحل كان يوجد ثلاثة من أبنائه وربما أحفاده فعندما يأتي الزبون كان يطلب طلب من عزرا وهو بدوره كان يأمر أبنائه بإحضار طلب الزبون ويحاسب عزرا الزبون دون أن يفاصله بالسعر وقلنا سابقاً أنه كان يشتري من السمن العربي والعسل وفي هذا السياق في المرحلة الإعدادية كان لنا أستاذ لمادة الديانة الإسلامية يدعى خليل الطيبي من قرية تل معروف ومن اتباع الشيخ علاء الدين الخزنوي والشيخ عزالدين الخزنوي فمرض هذا الأستاذ بمرض خطير فأوصاه البعض بأكل العسل فقال لنا في الصف عندما أذهب وأشتري العسل هناك شخصين يبيعون العسل في قامشلو الأول عزرا و الثاني حاج حمو زهرة فأشتري العسل من عزرا لأنني على ثقة بأنه لا يغش أما حاج حمو زهرة فأنا غير مطمئن منه فأعتقد بأنه سيغشني رغم أنه ( حجي ) ، و بعد ذلك عندما انتعشت و ازدهرت تجارتهم في قامشلو فتحوا خطاً تجارياً مع حلب و هم أول من فتح خط التجارة بين قامشلو و حلب و لكن قبل أن نشد الرحال مع عزرا إلى حلب أود أن أذكر بأنهم عندما كانوا في نصيبين كانت لهم مقبرة تقع غربها و لكن بعد اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 و هي الآن تقع غرب قرية الهلالية التي تعد الآن من ضواحي قامشلو وفي منتصف هذه المقبرة يوجد قبر بني عليه قبة بيضاء حيث كانوا يعتقدون بأنه ضريح أحد أبناء أو ربما أحد أحفاد النبي إبراهيم الخليل كما بنوا في حارة اليهود معبداً لهم يسمونه ( كنيست ) بالتاء المفتوحة لخلاف المسيحين الذي يكون معبدهم بالتاء المربوطة ( كنيسة ) ومن ثم في قرية هيمو التي تبعد خمس كيلومترات أشهر أرض زراعية مسيحية وزرعوها بالأشجار في مناسباتهم الدينية يحتفلون فيها وكانوا يسمونها ( شرتك ) وهناك نقطة لابد أن أذكرها ، صحيح أن عزرا كان له خبرة بالطب الشعبي وكان زبائنه يستشيرونه في ذلك ويصف لهم الأعشاب ولكن بعض الناس كانوا يعتقدون بأنه كان ينحل بالسحر وكان بارعاً في علمه حيث كان معظم زبائنه من النساء وكانت طلباتهن واحدة وهي أن يمنع أزواجهن ألا يتزوجوا عليهن ، والآن نشد الرحال إلى حلب لأنه كما يقول المثل الألماني كل الأشياء مرتبطة ببعضها البعض فإذا كان تاريخ تواجد اليهود في قامشلو هو قرابة مائة عام فإن تاريخ تواجد اليهود يمتد إلى الاف السنين حيث يعتقدون بأن إبراهيم الخليل عندما هاجر من بابل وعبر نهري دجلة والفرات مع العبرانين أقام لفترة غير قصيرة في حلب ويقول ياقوت الحموي في كتاب ( معجم البلدان ) بأن إبراهيم الخليل كان له قطيع من الأغنام فعندما كانت النساء تحلبن هذه الأغنام كان يوزع الحليب على الفقراء وكان الفقراء يقولون لقد ( حلب ) فيقصدون القطيع لأخذ حقهم من الحليب ولكن لي رأي أخر فأعتقد بأن إبراهيم الخليل كان له بقرة شهباء والشهباء هي البقرة التي تكون في جبنها بقعة بيضاء فعندما كانت تحلب هذه البقرة كان الفقراء يقولون : لقد ( حلب الشهباء ) ومن هنا سحبت حلب الشهباء ويعتقد اليهود بأن تاريخ تواجدهم في حلب يعود لتلك الفترة وحيث كانوا يقيمون في حي من أحياء حلب القديمة وباعتبار أن حلب القديمة كانت محاطة بسور لتحميها من غزوات الأعداء وكان لهذا السور عدة أبواب منها باب الحديد وباب النصر وباب انطاكية وباب جنان ويسميها أهالي حلب باب جنين كان هناك أيضاً باباً يسمى باب اليهود كما يقول ياقوت الحموي ولكن الأنظمة السورية المتعاقبة ينكرون وجود باب بهذا الاسم وفي فترة دراستي الجامعية في جامعة حلب زرت مع صديقي العزيز ( محمد بكي ) وهو من بلدة عامودا زرنا قلعة حلب وأثناء تجولنا في ساحة القلعة حيث كان يوجد في منتصف الساحة عموداً فوقف محمد أمام العمود وقال لي انظر إلى هذا العمود ألا تلاحظ شيئاً فقلت له لو أنه مجرد عمود فقال لي انظر إلى أعلى العمود فكيف غاب عن بال النظام بأن يمسحوا هذه النجمة فقلت له مازحاً وهل النظام أذكياء مثلك ، وبما أن حلب كانت تقع على طريق الحرير وأن اليهود بارعون في التجارة بالفطرة لذا فقد فتحوا في القرون الوسطى خطاً تجارياً مع أوربا عن طريق ميناء إسكندرون وميناء مرسيليا الفرنسية حيث كانوا يصدرون البضائع إلى أوربا ويستوردون من أوربا ومن الهند ( التوابل ) ومن الصين ( الحرير ) لذا فإن خبرتهم التجارية كانت كبيرة وعريقة لذا فإن يهود قامشلو قد استفادوا كثيراً من خبرتهم التجارية وتعلموا منهم الكثير ويعقدون الصفقات التجارية معهم حيث كانوا يبيعونهم منتجات الجزيرة الزراعية والحيوانية ويشترون منهم البضائع المستوردة وظلوا على هذا المنوال حتى حرب 1967 وبعد أن انتصرت إسرائيل على مصر وسوريا فبعد الحرب تعرضوا إلى كثير من المضايقات والتنكيل والإهانات من النظام السوري و فرض عليهم ممنوع التجول بعد الساعة السادسة مساء مما جعل بعض الشباب منهم يفكر في الهجرة إلى إسرائيل عن طريق المهربين و فعلا استطاع بعضهم عن طريق التهريب أن يصل إلى نصيبين ومن ثم إلى السفارة الإسرائيلية في تركيا و منها إلى إسرائيل أما من بقي في قامشلو فقد خفت القيود عليهم و أصبحوا يمارسون تجارتهم و حياتهم بأريحية نوعاً ما و أفضل من السابق إلى أن سمح لهم النظام بالهجرة إلى أمريكا بعد ضغوط من الولايات المتحدة الأمريكية و كلهم أرادوا الهجرة إلى نيويورك لأن نيويورك هي مدينة المال و الأعمال في أمريكا هذا أولا و ثانياً لأنه يوجد في نيويورك جالية يهودية كبيرة و ثالثاً لأن أغنى أغنياء اليهود في أمريكا هم يقيمون في نيويورك، فمن قامشلو سافروا إلى اسطنبول ومن مطار اسطنبول إلى مطار نيويورك حتى في أثناء هجرتهم مارسوا التجارة فقد أخذت كل عائلة منهم ثماني عشرة حقيبة كبيرة مليئة بالبضائع بعد أن اتصلوا بمعارفهم في نيويورك عن أسعار الأشياء فأخذوا معهم ما خف وزنه و غلا ثمنه ولكن فضل الكثير منهم العودة إلى إسرائيل مع العلم بأن هناك الآن في إسرائيل قرابة ثلاثمئة يهودي أصولهم من عموم كوردستان و بعض المعمرين منهم يجيدون اللغة الكوردية ، أما الفئة الشابة فلا يجيدون الكوردية، و لكن بقيت عائلة واحدة لم تهاجر معهم و بقيت في قامشلو و هي عائلة ألبير حيث بقي يعمل في تعهدات البناء عدة سنوات بعد هجرة اليهود و لكن أعتقد الآن بأنه أيضا قد هاجر إلى أين لست أدري و بذلك تكون نهاية أحد مكونات مدينة قامشلو، أتمنى ألا يحل بنا نحن الكورد مثلما حل بهم، هذه مجرد تمنيات و لكنني غير مطمئن.