كوردي زيوكي
أن تخوض في معترك النضال السياسي، يعني أن تكون على قدر كبير من المسؤولية، أن تكون صاحب ضمير حي وقضية، أن تكون المبادئ هي الأولوية ومنارة الاهتداء لديك، وليس الخطابات الجياشة الرنانة والشعارات الكبيرة التي ليست إلا حقن تخدير كبيرة للشعوب لا تحرر وطناً أو تبني مستقبلاً، إنما التطبيق الواقعي هو الذي ينهض بالأمم، ويصلح أساسها، ويصدّ لكل من يهدد أمنها ومستقبلها.
لم أؤمن من علا في الحقل السياسي وهو في عمر متأخر، كنت أنظر إليهم نظرة من يتولون المناصب العليا المتقدمة لأجل مسميات وغايات فقط، وهم لا يفقهون في السياسة شيئاً، ولم يتجرّعوا قوانينها أو يتعلموا كيفية القيادة، لأنه وحسب ما هو متعارف أن كل صاحب منصب هو قيادي بالفطرة يستغل بذلك قوته وحنكته في مصلحة وطنه وشعبه قبل أي شيء آخر.
أما من يستلم المناصب بعمر متأخر فقد تعب نفسياً، وهرم جسدياً ولم تعد لديه تلك الطاقة الحيوية ليباطح ويصارع ميدان المنافسة السياسية، لكن الأهم من كل ذلك في السياسة تحتاج إلى النفس الطويل والصبر اللامحدود وقت الشدائد والأزمات المستعصية.
أهم ما ميّز الرئيس مسعود البارزاني عن باقي الحكام والقادة السياسيين في العراق وكوردستان أمانته في تأدية رسالته، أي خير مكان وضع فيه رجل مناسب يعرف كيف تؤدّى الحقوق والواجبات؟ واسع الاطلاع والمعرفة، ملتزم بعقيدته، وتربّى عليها، حديثه عذب لا يمل منه، فلا تشعر بمرور الوقت في حضرته، ولم أتيقن يوماً أن حب الإنسان وارتباطه بأرضه هو نابع ذاتي مصلحي بل تأكدت أن حب الوطن من الأمور الفطرية التي جبّل الإنسان عليها، وهو دليل على قوة الارتباط وصدق الانتماء، أن تعطي فتأخذ.
الأغلبية يطبقونه بطريقة غير إيجابية دون حلول واقعية تعالج مكامن الخلل ثم اللامبالاة عند العمل اليومي في إدارة الدولة بل تزيد لتنخر وتنتج فجوة أكبر من سابقتها، إلا أن ما رأيناه بأم أعيننا عن قائد محنك خاض معترك النضال الثوري والسياسي الذي يعد أكبر سياسي منتخب شرعي ليس في إقليم كوردستان والعراق بل وخارجها، ثم أقف عند اسمه كثيرًا، وأتأمل أحدّث نفسي أن أقرأ عن سيرته الذاتية وإنجازاته وقيادته الرشيدة، فلا أشبع منها بقدر ما أرتوي بها ظمئي.
حمل بندقيته البرنو وهو في ريعان شبابه، ظلت ملازمة له كأنها قطعة من جسده، ناقلاً تلك الحالة إلى أجيالنا، انتخب البارزاني رئيساً لإقليم كوردستان من قبل برلمان عام 2005، ثم انتخب مرة أخرى من قبل شعب كوردستان عام 2009، وجدد له البرلمان عامي 2013 – 2015، والبارزاني أول رئيس انتخب لرئاسة كوردستان بعد إعلان جمهورية مهاباد عام 1946 برئاسة القاضي محمد، وهو صاحب مشروع الاستفتاء التاريخي عام 2017، رجل ذكي، وأقل ما يقال بحقه أنه حكيم عصره، وهي مصلحة شعبه أولاً، ثم يأتي الباقي.
قاد الشعب الكوردستاني بحلوها ومرّها مدة 65 عاماً، نهض بكوردستان من العدم، أسس ركائز بنيتها التحتية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، حتى أصبح إقليم كوردستان من أكثر الدول تقدماً وتطوراً، كأن موقفه وما زال من أيّ تدخُّل خارجي، فلم يقبل أن تقاد كوردستان إلى المجهول وأن تحكمها أيدي خفية تعبث بأمنها ومستقبلها، حارب المفسدين من حوله كي لا يسمح بأي تقصير، بالإضافة إلى طيبة قلبه التي نما معه وهو في صفوف البيشمركة، وكانت سمته الأساسية العدالة ونصرة المستضعفين ومساعدة المحتاجين.
حمل الرسالة بجدارة، لم ينهكه كبر سنه، مثابراً في عمله دون كلل، متفانياً في خدمة قضيته دون ملل، أصبح الرئيس مسعود البارزاني المرجع القومي والوطني للأمة الكوردية.
هنا اذكر من أقواله المشهورة، «بمجرد كوني بيشمركة هو أكبر منصب لي وأعلى وأشرف مكسب في حياتي، حان الوقت لنحدد مصيرنا، ويجب ألاّ ننتظر أن يحدده الآخرون لنا». بالإضافة إلى إيمانه بأن الدين الإسلامي السمح هو المنهج القويم في نشر الأخلاق وبالقدوة الصالحة والحكمة والموعظة الحسنة، هذا ما تحلى به القائد مسعود البارزاني خلال مسيرته وتاريخه النضالي، وهو ما التزم به قلة من القادة المسلمين في زماننا، ولج في قلوب الناس، وتعاضد به أسمى معاني الإنسانية، رسم منهجاً تربّت عليه أجيالنا، هو ابن وريث الفكر وفلسفة نهج البارزاني الخالد.
الحديث عن هذه الشخصية الفذة المتفردة يطول ويطول، فهو الحكيم ببساطة خصاله وسمو أفعاله، ولا تستطيع أن تعطيه حقه أمام ما قدّمه، فالوطن مربوط بالشعوب والشعوب هي الوطن.
لذا علينا أن نؤمن أننا إن أردنا أن ننهض من جديد فعلينا أن ننهض بذواتنا، كما فعل الرئيس مسعود البارزاني الذي سطّر معنى الوطنية وسيبقى قائداً وملهماً للأمة كلها من أقصى عالمنا الكوردي إلى أقصاه.