فالمعروف عن تلك المعارضات أنها تنشأ أساساً كنتيجة لمخاض انتخابي يفرز برلماناً (سلطة تشريعية) يضم قوى تشكل الأغلبية البرلمانية لتستلم السلطة التنفيذية، كما يضم قوى أخرى تشكل الأقلية البرلمانية المعارضة.
ومن هذا المنطلق تكتسب المعارضة في تلك الدول طابعاً ديموقراطياً لا غبار عليه، وتسلك سبلاً وأساليب تلائم الخيار الديموقراطي في الوصول إلى مبتغاها وهدفها الذي هو الوصول إلى السلطة في الانتخابات البرلمانية التالية.
ثم تقوم قوى أخرى – منشؤها المجتمع ونخبته بالدرجة الأولى – بالدعوة إلى إنهاء الاستبداد والتأسيس لنظام ديموقراطي..
وهنا تبدو صعوبة عمل هذه القوى الممنوعة بالقانون والمقموعة بالقوة..
وهذه الأخيرة هي ما تسمى بالمعارضة التي نتحدث عن إسقاطها السوري.
إن المعارضة في سوريا لها أكثر من مدلول:
– فهي – إن شئت – تلك القوى والمنظمات والشخصيات التي تتوزع بين ائتلافات متعددة، مثل «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي» و «جبهة الخلاص الوطني» ..الخ.
– أو هي تلك التي تحتويها صدور الملايين من أبناء سوريا الذين يئسوا من الوعود الإصلاحية لسلطة الأمر الواقع التي يجدونها غير معبرة عن طموحاتهم ويرغبون في تجاوز الحالة الراهنة من خلال عملية تغيير ديموقراطي،
– أو هي ذلك التخيل الذي يساور السوريين – وخاصة نخبهم السياسية والثقافية والاجتماعية..
– والذي يرفض الواقع الحالي لقوى المعارضة السورية ويدعو إلى إعادة إنتاج هذه المعارضة على أسس سياسية وتنظيمية لتكون أكثر قدرة على تحقيق الطموح الوطني السوري في التأسيس لنظام حكم ديموقراطي.
تتوزع القوى والمنظمات السـورية التي تعتبر نفسها معارضة، بين ائتلافات ثلاث: «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي»، «جبهة الخلاص الوطني»، «التجمع القومي الموحد»..
بالإضافة إلى قوى وتنظيمات أخرى – كردية وعربية – خارج هذه الأطر.
ومجمل تلك القوى والتنظيمات تدعو إلى العمل على تحقيق نظام ديموقراطي تحكم به سوريا.
إلا أنها تتفاوت في برامجها بين من يدعو إلى «تغيير ديمقراطي تدرجي» كما هو الحال لدى «إعلان دمشق»، وبين من يدعو إلى الإصلاح كما هو الحال لدى «التجمع القومي الموحد»، وبين من يدعو إلى التغيير الديموقراطي، كما هو الحال لدى «جبهة الخلاص الوطني»..
وهناك أحزاب كردية سورية معارضة – كحزب آزادي الكردي في سوريا – تدعو إلى التغيير الديموقراطي المتضمن حلاً ديموقراطياً لقضية الشعب الكردي في سوريا دون تأجيل.
كـما أن غالبية هذه «المعارضات» تتمسـك في برامجها بأدلجـة المعارضة وبرامجهـا بحيث تكـون الدولة المنشودة سورياً دولة ذات طابع إسلامي أو قومي عربي أو كليهـما.
ففي حـين يصرّ «إعلان دمـشـق» على التأكيد على الجانب الديني الإسلامي والجانب القومي العربي في الدولة السورية المنشودة، نجد كلاً من «جبهة الخلاص الوطـني» و «التجمع القومي الموحد» يصران على الخلفية القومية العربية فـــي ذلك.
وفي الحالتين نكون أمام عقلية إقصائية: في الحالة الأولى هناك إقصاء للأديان المسيحية واليزيدية..
والقوميات الكردية والسريانية..
وفي الحالة الثانية هناك إقصاء للقوميات غير العربية في الشراكة الوطنية المنشودة.
وحدها القوى الكردية المشار إليها تدعو إلى برنامج سياسي خالص للتأسيس لعقد وطني يضـمن نظاماً ديموقراطياً للحكم في سوريا ويحقق الشراكة الحقيقية بين جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية.
أمام هكـذا لوحة لواقع المعارضة / المعارضات السورية، تبقى السلطة هي المستفيد الأول، إن لم يكن الوحيد، لأنها مطمئنة إلى ضـعف المعارضة وعدم فاعليتها، وبالتالي عدم قدرتها على أن تطـرح نفسـها كبديل ديموقراطي..
فلا يمكن القول بوجود معارضة سورية واحدة أو موحدة متفقة أو متوافقة على برنامج سياسي أو ميثاق وطني يجمع كافة القوى السياسية السورية المعارضة في خندق واحد ويوجهها نحو أهدافها المنشودة.
كما أن السمة الديموقراطية في هذه المعارضة هي محل شك إذ أنها تفترض وجود البرنامج أو الميثاق الوطني الشامل المتضمن للرؤية الوطنية القائلة بوجوب دمقرطة سوريا من خلال العمل في سبيل إنشاء عقد وطني جديد من خلال التوافق على دستور للبلاد من قبل مجلس تأسيسي وعرضه على السوريين للتصويت عليه، ومن ثم إجراء انتخابات تشريعية حرة تنبثق عنها سلطة تنفيذية حسب الأصول المتبعة لدى مختلف الأنظمة الديموقراطية في العالم.
واسـتخلاصاً فإننا نستطيع اعـتبار السوريين بمجملهم معارضين، باستثناء السلطة بعناصرها وأدواتها وقلة من المتطفلين عليها، وما التنظيمات السياسية الحالية المتبلورة أو التي نطمح إلى تبلورها مستقبلاً سوى تعبيرات لهذه المعارضة.
وبالتالي فإن المطلوب هو العمل على المدلول الأول (القوى والمنظمات والشخصيات الموجودة) والبحـث لها عن مخارج لتتطابق مع/ تقترب من المدلولـين الآخرين المذكـورين أعلاه، وبذلك نصل إلى الواقع المطلوب للمعارضة السورية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ