تحيّة إلى علي العبد الله في سجنه

عهد الهندي *

لم أتشرّف بمعرفة الكاتب علي العبد الله يوماً، لقاءٌ قصير جمعني به في دمشق أمام محكمة أمن الدولة (أمن النظام) خلال محاكمة ابنه عمر مع رفاقه مجموعة الطلاب (سبعة من نخبة طلاب جامعة دمشق حكموا بالسجن لفترات تتراوح بين خمس سنوات وسبع سنوات).
أمام المحكمة، وقف علي العبد الله وعائلته ليروا ابنهم عمر، ووقفت مع آخرين لرؤية زملاء الجامعة خلال دخولهم إلى محكمة أمن الدولة وخروجهم منها، فالمحاكمة هناك سرية، ولا يسمح للمواطنين بالدخول إلى المحكمة، لكون المحكمة استثنائية.

بعد نهاية جلسة المحاكمة، توجهت إلى الأستاذ علي العبد الله وصافحته، داعياً بالخلاص لابنه المعتقل، وصافحت ابنه الأكبر محمد، وسألت محمد يومها عن الحرق الكبير على يد والده، هل هو نتيجة التعذيب في السجون السورية؟ (لكوني أعلم أن والده اعتقل غير مرة).

ضحك محمد ضحكة بسيطة وقال: لا، هذا قديم، من أيام المقاومة في بيروت.

يومها كانت علاقتي بمحمد بسيطة، ولا تسمح لي بالسؤال عن التفاصيل.
بعدها، وبعدما توطّدت العلاقة أكثر، سألت محمد عن أيام المقاومة تلك، فعلمت أن والده الكاتب علي العبد الله انخرط في وقت مبكر في صفوف المقاومة الفلسطينية في بيروت أيام الاجتياح الإسرائيلي لها، وأنه أصيب وكاد يفقد حياته هناك في النضال ضد المحتل الصهيوني.
منذ أيام تلقيت خبر إعادة اعتقال الكاتب علي العبد الله (مع سبعة من نخبة الوطنيين السوريين، بينهم الطبيبة فداء الحوراني كريمة الراحل أكرم الحوراني)، وهي المرة الرابعة أو الخامسة التي يعتقل فيها الرجل، لا أدري، إنها الثالثة على أيام وعيي وإدراكي.

راسلت محمد واستأذنته بكتابة المقال، وطلبت منه تفاصيل أكثر عن أيام المقاومة التي بقيت عالقة في ذهني، فعلمت أن الحرق الكبير في يد العبد الله الأب اليمنى ليس الوحيد في جسده، فعلى عنقه آثار قُطَب جراحية من الشظية التي قصّت أوتار وعروق عنقه وحباله الصوتية وكادت تودي بحياته، وفي فخذه اليسرى «جورة» حسب تعبير ولده محمد، هي مكان لإصابة سابقة.

وفي عام 1997 خضع علي العبد الله لعملية جراحية أخرج فيها قطعاً من الحديد من الجلد السطحي فوق منطقة القلب، أخبره الأطباء منذ 15 عاماً أنها قريبة من شغاف القلب وأن استخراجها خطر، وأن الأيام كفيلة بإخراجها.
أمام تاريخ الرجل النضالي الطويل وقفت.

من يعرف الرجل ويسمع أنه معتقل يراوده للوهلة الأولى أنه معتقل في السجون الإسرائيلية، لكن الحقيقة أنه في سجن سوري، مع آخرين أمثاله ممّن لا يقلون عنه وقاراً (ميشيل كيلو وأنور البني و… و… والقائمة تطول) لا ذنب لهم سوى أنهم اعتادوا قول الحق، يرفضون الرضوخ لظالم كائناً من كان.
المضحك المبكي أن بعض «المثقّفين» تهجّموا على هؤلاء المناضلين المعتقلين، فاتهموهم في غير تعليق على بعض الفضائيات بالعمالة لأميركا والارتهان للخارج، وغيرها من التهم التافهة، تلك الإسطوانة المشروخة التي ما عادت تقنع أحداً (بمن فيهم من يروجونها)، التهمة السخيفة الممجوجة والقابلة للتفصيل على جسد أي معارض سياسي.
أن تعتقل السلطات السورية مناضلين شرفاء كعلي العبد الله وميشيل كيلو أمرٌ سهل عليها، لكن أن تقنع الناس بخيانتهم وعمالتهم، فهي المهمة المستحيلة، ولا سيما أنّ منهم من دفع دماً ضد العدو الصهيوني.

لذا، ما على السلطة إلا أن تعلن أنهم معتقلون دفاعاً عن رأيهم، إنهم اختلفوا مع السلطة بالرأي، فأخذتهم السلطة ـــــ أخذ عزيز مقتدر ـــــ لا لشيء، لتقنعهم برأيها فقط.
لكننا لن ننتهي، كل ليمونة ستنجب طفلاً، ومحالٌ أن ينتهي الليمون، سنحيا إلى ذلك اليوم، يوم نرى سوريا خالية من الاعتقال السياسي، حيث يُردّ على الرأي بالرأي، وعلى الفكرة بالفكرة، في أجمل ديموقراطية صُنعت على أيدي أشرف شخصيات وطنية عرفتها البلاد، شخصيات دفعت دمها يوماً ضد العدو الصهيوني وحريتها ضد عدو الحريات السوري.

سنحيا إلى ذلك اليوم، يرونه بعيداً ونراه قريباً.

* طالب جامعي سوري

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…