بيان بارتي ديموقراطي كوردستاني – سوريا في الذكرى الخمسين للتأسيس 14/6/1957

يا جماهير شعبنا الكوردي المناضلة
أيتها القوى الوطنية والديموقراطية السورية

يوم 14/6 هو يوم وضع حجر الأساس لانطلاقة مسيرة الحزب الديموقراطي الكوردستاني – سوريا، الذي عقد اجتماعه التأسيسي الهام في دار المناضلة روشن بدرخان بحلب آنذاك، ليكون للبدرخانيين شرف في مجال بناء أول حركة سياسية جماهيرية في غرب كوردستان أيضا، مثلما كان لهم باع طويل في سائر نضالات أمتنا الممزقة، وبخاصة في مجالات الثقافة والاعلام الكوردي…
ولذا لا يسعنا إلا التوجه بالتقدير والاحترام لهذه العائلة التي يعتز بها كل كوردستاني، ولجميع الذين ساهموا من قريب أو بعيد في تأسيس هذا الحزب، وبخاصة الرعيل الأول الذي ضحى كثيرا في سبيل توضيح أبعاد القضية الكوردية في هذا الجزء من وطننا المجزأ نتيجة معاهدة سايكس– بيكو الاستعمارية لعام 1916، والمغتصب من قبل تركيا وايران والعراق وسوريا، ونخص بالذكر أؤلئك المؤسسين الذين شاركوا في الاجتماع التأسيسي ذاك دون استثناء، وبخاصة: 
السادة: عثمان صبري (آبو) الذي كان يحمل اسم ريزان – عبد الحميد حاج درويش – حمزة نويران (شيوعي سابق)- رشيد حمو – محمد علي خوجة – خليل محمد – شوكت حنان..



وقد كتب السياسي الكوردي المعروف الأستاذ صلاح بدرالدين في كانون الثاني 1979 عن نشوء بارتي ديموقراطي كوردستاني – سوريا مايلي: ” في بداية عام 1957 ظهر لأول مرة في سوريا حزب قومي كوردي وكان هذا الظهور نتيجة لمتطلبات موضوعية أبرزها تصاعد النضال الوطني العام في البلاد، والتقدم الذي أحرزته الحركة الكوردية في العراق، وتأثير ذلك الايجابي، بالاضافة إلى النمو المضطرد للمنظومة الاشتراكية والتطور الهائل على الأصعدة المختلفة للاتحاد السوفييتي….” إلا أنه يصب جام غضبه على قيادة الحزب رغم اعترافه بأن “كان انبثاق الحزب الديموقراطي الكردي في سوريا بمثابة استجابة موضوعية لرغبات وأهداف الشعب الكوردي آنذاك لملء الفراغ والتعبير عن مشاعر وطموحات الجماهير الواسعة… ” على الشكل التالي: “إلا أن تكون الحزب في بداية نشوئه قد استند إلى مختلف طبقات وفئات الشعب الكوردي وذلك بمنظار قومي صرف حيث جمع الحزب تحت لوائه الطالب والفلاح والعامل والبورجوازي وسائر أصناف الزعامات التقليدية (آغا – بك، اقطاعي) وكان واضحا أن قيادة الحزب ونهجه الفكري والسياسي تتبع لخط التحالف البرجوازي–الاقطاعي.” 
ويجدر بالذكر هنا أن الأستاذ صلاح بدر الدين قد استخدم في كلامه هذا إسم الحزب الديموقراطي الكوردي في سوريا، بدلا عن إسمه الحقيقي الذي كان يجب ذكره لاعتبارات تاريخية على الأقل…كما يجب أن لاننسى احتضان الشعب الكوردي بقوة لحزبه الذي تمكن في فترة وجيزة من أن يصبح ممثلا حقيقيا لشعبه المضطهد، رغم تعرضه لشتى صنوف الإرهاب الفكري والسياسي من قبل النظام الناصري الذي حكم البلاد بسبب الوحدة السورية – المصرية بين عامي 1958-1961، وتعتبر تلك المرحلة بحق مرحلة وضاءة في تاريخ هذه الحركة لايمكن لأحد القفز من فوقها أو التنكر لها، رغم قلة تجربة القيادة الكوردية آنذاك ورداءة الوضع السياسي السوري العام الذي افتقد الحرية والديموقراطية…
لقد مرت الحركة السياسية الكوردية في غرب كوردستان منذ الاعتقالات الرهيبة لقيادة الحزب في العهد الناصري الجائر وإلى حين اعادة احياء الحزب في عامي 1999-2000 بثلاث مراحل من مراحل النضال هي: 
أولا – مرحلة الانشقاق الكبير:

وبدأت بانشقاق 5 آب 1965 الذي ألبسه بعضهم رداء آيديولوجيا لايتلاءم مع واقع الشعب الكوردي أبدا، واعتبره اليساريون الكورد “انطلاقة تاريخية أنقذت الحزب من أيدي اليمين المتخاذل المتعامل مع النظام والرجعية العميلة للامبريالية والصهيونية على حد سواء...”، فانشغل المناضلون ببعضهم بعضا وحاربوا بعضهم بمختلف أنواع المهاترات الرخيصة والاتهامات الباطلة والسفسطات الآيديولوجية التي لم تكن سوى تقليد أعمى لليسار العربي وتأثرا به، بدليل أن ذات القوى والشخوص التي تقمصت دور “اليسار الكوردي” كانت تعتز في الوقت ذاته بعلاقاتها الحميمة مع أشد القوى الكوردستاني المحافظة آيديولوجيا وكانت تراكيبها الحزبية كذلك، في حين أن الذين فرض عليهم لعب دور “اليمين الكوردي” كانوا على علاقة حميمة بالطرف الأشد “يسارية!” من الأطراف الكوردستانية.

   
في تلك المرحلة غير المنتجة عمليا، رغم كل الانتصارات التي سجلها اليساريون على الورق، ورغم كل ما زعمه خصومهم من تسجيل نقاط من خلال حوار غير متكافىء مع “الأكثر تقدمية واستعدادا للتباحث مع الكورد في تركيبة النظام البعثي الشمولي” فإن النظام المخادع والعنصري قد حقق على الساحة العملية مجموعة من المخططات الشوفينية “الاستعمارية حقا” على ضوء الأفكار الهدامة التي وضعها المجرم الحاقد محمد طلب هلال كمشروع تصفوي للوجود القومي الكوردي في هذا الجزء من كوردستان ، وحارب بحزم كل ما يتعلق بهذا الشعب من ثقافة وطموح ومساع لتطوير الذات وتحسين ظروف الحياة، وعرقل كل الجهود لبناء مجتمع سوري ذي توجه ديموقراطي حر، إضافة إلى أن طرفي ما سمي ب “اليسار” و “اليمين” الكرديين قد قضيا معا على القيم الكوردستانية النبيلة في السياسة الكوردية، ولم تكن العلاقات مع الأطراف الكوردستانية سوى للتباهي والتغرير بعقول الشباب الكورد، إذ أن التخلي عن إسم الحزب الكوردستاني وتبديله بالكوردي، وحذف كل الجمل والفقرات التي كانت تؤكد على الهوية الكوردستانية له، انما جاءت تحت الضغط المتزايد للنظام الجائر والمعادي للكورد وكوردستان، وتحولت نظرة السير وفق الاملاءات البعثية في هذا المجال مع الأيام إلى أفكار يدافع عنها أساتذة اليسار واليمين بحرارة.

كما أن كلا الطرفين المتخاصمين في الحركة عجزا فعلا عن تحقيق أي تقدم ملحوظ على ساحة تنظيم وتفعيل قوى الشعب الكوردي في مواجهة تلك السياسة الحاقدة التي أخذت يوما بعد يوم بعدا اجراميا بحق شعبنا في مجال تنفيذ المشاريع العنصرية، ولولا بعض البيانات والكراسات والاجتماعات المناسباتية الضيقة والسرية لما كنت تشعر أبدا بوجود ما يمكن تسميته بالحركة السياسية الكوردية في تلك المرحلة، اللهم سوى بعض المنح الدراسية التي حصل عليها اليساريون للشباب الكورد في مرحلة متأخرة من الدول الاشتراكية وبعض العلاقات البسيطة مع الفصائل الفلسطينية التي كانت تجذب كل الحركات المعادية لاسرائيل والامبريالية في العالم آنذاك، حتى أن الملوك والأمراء وأشد الناس رجعية في العالم كانوا يؤيدونها ويدعمونها بالمال والسلاح، وكانوا هم يفتحون أذرعهم للشباب الكوردي وغير الكوردي بحرارة…وكان زعماء الفلسطينيين على علاقات حارة وجيدة مع أعداء الكورد وكوردستان  أيضا، وبخاصة نظام المجرم صدام حسين… ولكن لم تتشكل أي مؤسسة كوردية فعالة أو أي منظمة ديموقراطية مؤثرة وجذابة وقادرة على القيام بعمل ما بين صفوف الشعب، ولا ننكر هنا الضغط المتزايد من قبل النظام على المعارضة السورية بشكل عام وعلى الشعب الكوردي بشكل خاص، بهدف تحطيم أي قوة كوردية سياسية أو اجتماعية مناهضة لسياسة التعريب والامحاء القومي في كوردستان سوريا، إلا أن الحركة بشقيها المتناحرين لم تتمكن من توليد الطاقة الضرورية المعاكسة لهذه السياسة  البعثية التدميرية ، وانشغلت الحركة  بحربها الكلامية الداخلية حتى انعقاد المؤتمر الوطني الكوردي الأول في ناوبردان عام 1970 في ظل  البارزاني الخالد الذي عمل جاهدا على انهاء الانشقاق في البارتي في غرب كوردستان، ولكن الأيادي الخفية التي كانت تلعب في عباءة الطرفين دفعتا بهما إلأى التبرؤ من ذلك العمل النبيل ورفضه وإلى الانتكاس عما قاما به معا في ناوبردان، ليكون لشعبنا في غرب كوردستان ثلاثة أحزاب عوضا عن اثنين، ولتبدأ مرحلة جديدة من مسلسل الانشقاقات والتفتيت والتدمير الذاتي في تاريخ حركتنا الوطنية الكوردية السورية…     
في تلك الأثناء، كان موقف الأستاذ عثمان صبري (آبو) قبيل ذهاب قيادة الطرفين المنشقين إلى كوردستان العراق كالتالي: ” أحس وأشعر بأنني وقعت بين جماعة مشبوهة، بل ومرتبطة بعلاقاتها، ولهذا لايمكنني الاستمرار مع هؤلاء الرفاق في حزب واحد، كما أنني لن أذهب إلى كوردستان العراق لكوني لم أعد أمثل مسؤولية في الحزب من الآن وصاعدا...” وكان قد أقصي من قيادة الحزب اليساري الكوردي في سورية عام 1969، ولذلك لم يذهب إلى المؤتمر الوطني الكوردي الأول..

أما الأستاذ عبد الحميد حاج درويش فقد كتب عن تلك المرحلة :” كان رفاقنا، ورفاق حزب اليسار يتصرفان بسلبية وحذر واضح تجاه بعضهما البعض من جهة، وتجاه القيادة المرحلية من جهة أخرى، مما أصبح من العسير، بل ومن المستحيل تحقيق وحدة الحزب في مثل هذه الأجواء السلبية المشحونة بالشكوك، ولذلك وصلت الجهود المبذولة لانجاح عملية الوحدة إلى طريق مسدود.”   
ولم يذكر أحد من الذين تحدثوا عن تلك المرحلة عن دور النظام البعثي الجديد الذي استولى على الحكم في سوريا تحت إسم “الحركة التصحيحية” بقيادة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في تمزيق وحدة البارتي الكوردي وانهاء دور القيادة المرحلية للحزب، إلا أن الشخصية الكوردية كمال عبدي (من جبل الكورد) قد ذكر في ثمانينات القرن الماضي أثناء زيارة قصيرة له إلى ألمانيا أمام بعض الأصدقاء بأنه أرسل وقتذاك من قبل رئيس الدولة السورية الأستاذ أحمد الخطيب إلى بغداد لاقناع الأستاذين عبد الحميد حاج درويش ورشيد حمو للعودة إلى سوريا لأنه – حسب زعمه – سيحل القضية الكوردية في البلاد، وكان تفسير السيد كمال عبدي لذلك هو أن النظام البعثي الجديد كان يخاف من علاقة زعماء الكورد السوريين بقائد الثورة الكوردية الخالد الملا مصطفى البارزاني الذي تمكن من تحقيق الحكم الذاتي في العراق عام 1970 ومن علاقتهم بصدام حسين العدو الدود للبعث السوري…

ثانيا – مرحلة التدمير الذاتي:

خلال أكثر من عقد من الزمن، وبحكم الظروف السياسية القائمة التي خيمت على البلاد ، وسياسة الأسد العنكبوتية ، حيث تمكن النظام من تهميش الحركة السياسية الكوردية وتقزيمها بتشديد القبضة الاستخباراتية على البلاد والمعارضة بشكل عام، وشراء الذمم والولاءات وخداع الشعب بالشعارات التقدمية والاشتراكية والقضية المركزية للأمة العربية ذات الرسالة الخالدة، وبالتعتيم الشامل اعلاميا على السياسة الاستعمارية العنصرية التي تم تنفيذها حيال الشعب الكوردي في غرب كوردستان… وازداد في الطين بلة ذلك الصراع الدموي بين الاسلاميين والبعثيين على البلاد، حيث وصف كل طرف الآخر بالعمالة للأجنبي والخيانة للوطن وللقضية الفلسطينية، أضطررت الحركة السياسية الكوردية بفصائلها المنشقة عن بعضها إلى الميل خطوة خطوة صوب النظام الذي يضطهدها، خوفا من القادم الذي له أيضا موقف سلبي من القضية القومية الكوردية ولايقل اقصائية ورفضا للكورد كشعب متميز عن خصمه البعثي، بل له علاقات مع النظام البعثي العراقي الدموي، عدو الكورد وكوردستان، ولا يمكن تبرير اقتراب “اليسار!” الكوردي السوري من الذين عملوا آنذاك لبناء تحالف وطني لتحرير سوريا، من جماعة الإخوان المسلمين، حزب البعث العربي الاشتراكي (المقصود حسب ما ورد في الميثاق نفسه على العراق، والذي يمثله “القائد المؤسس والأمين العام للقيادة القومية للحزب ميشيل عفلق، وكان يمثله فيما مضى صلاح البيطار أيضا الذي أغتيل في باريس، ومن ممثليه أمين الحافظ الذي كان رئيسا للجمهورية ردحا من الزمن…) والجبهة الإسلامية بقيادة أبو النصر البيانوني، والاشتراكيون العرب الذي أسسه قبل اتحاده مع البعث أكرم الحوراني، والناصريون وشخصيات مستقلة… إلا من خلال علاقات هذا اليسار الكوردي الحميمة مع الفصائل الفلسطينية والبعث العراقي ولايمكن تبريره بأي شكل آخر، والمجال لايفسح هنا للدخول في نقاش جانبي حول تفاصيل ذلك التحالف وبرنامجه وشخوصه ومصادر تمويله…
ويكفي أن نذكر هنا أن هذا الميثاق قد شدد على ضرورة تقوية العلاقات مع النظام العراقي الذي مارس سياسة فاشية ، بل وأشنع، تجاه شعبنا الكوردي في جنوب كوردستان، حيث ورد في الميثاق مايلي:“ونظرا لما يشكله القطر العراقي من مركز قوة في أي مواجهة عربية، فقد خص حافظ أسد العراق الشقيق، بأكبر قدر ممكن من التآمر والغدر، فتحالف مع شاه إيران، ومع الصهيونية والامبريالية، لتمزيق العراق وشغله داخليا، ويتحالف اليوم مع النظام الفارسي، المدعوم من الكيان الصهيوني لاستنزاف طاقات العراق البشرية والمادية وابقاء العرب عاجزين عن وقف التدهور، والقدرة على النهوض لمواجهة الصهيونية، وأعداء الأمة العربية.”
في تلك الأوقات العصيبة، بدأ التفسخ والاحباط يسريان في جسد الحركة الوطنية الكوردية التي بدت وكأنها أخرجت لتوها من غرفة الانعاش كمريض لا أمل في شفائه، ولا تستطيع الوقوف على قدميها كقوة معارضة، مما أدى إلى حدوث فراغ سياسي في غرب كوردستان بكل معنى الكلمة ، فتمكن حزب العمال الكوردستاني بزعامة السيد عبد الله أوجلان الذي كان قد هرب تحت وطأة الانقلاب العسكري في عام 1980 من تركيا إلى سوريا مع ثلة من رفاقه بملء ذلك الفراغ رويدا رويدا، بطرحه أفكار حزبه عن الأممية واستقلال كوردستان والثورية والالتزام الحزبي الصارم، ورفض المعارضين له، بل وتصفيتهم، والضرب على وتر النضال من أجل العمال والفلاحين الذين كانت أوضاعهم الاجتماعية تزداد سوءا في ظل النظام البعثي المدمر… واستفاد حزب العمال الكوردستاني استفادة قصوى من تضحيات الرعيل الأول من شبابه في سجون الطورانية التركية وفي مقدمتهم مظلوم دوغان في تثوير الوضع الكوردي في غرب كوردستان، وبانطلاقة ثورته المسلحة عام 1984 كان قد فتح كل الأبواب الموصدة أمامه ليستولي على الساحة السياسية في غرب كوردستان، وأعانه على ذلك النظام البعثي الذي غض البصرعن حراك حزب العمال الكوردستاني ليضرب عصفورين بحجر:
–  إلهاء الشعب الكوردي المتذمر نتيجة تطبيق المشاريع العنصرية بحقه بقضية “تحرير شمال كوردستان من الطورانية التركية والاستعمار التركي” ، حيث كان هذا الهدف ولا يزال من صلب مطالب الأمة الكوردية في كل أجزاء كوردستان، ولا يمكن لمناضل سياسي الوقوف في وجهه.

 
– حشر الحركة الوطنية الكوردية السورية في زاوية ضيقة والتهجم عليها وتخويف كوادرها واغتيال بعضهم وممارسة القمع تجاه قياداتها واتهامها بالعمالة ل”الجلاليين!” ول”المسعوديين!” الذين وصفهم”الأوجلانيون” بأعداء التقدمية والأممية وبأصدقاء اسرائيل وأمريكا وبأعداء الأمة العربية وفلسطين….

   

ولاينكر أن حزب العمال الكوردستاني قد استفاد إلى حد أقصى من طاقات الشباب الكوردي السوري التي زجها في حرب الشمال ومن الأموال الكثيرة التي جمعها كتبرعات وكأتاوات مفروضة على الجميع بحكم تواجده المتنامي بقوة على الساحة السياسية في غرب كوردستان تحت غطاء هادف للنظام… ولكن أخطاء الحزب المتتالية وعدم فهمه الجيد لطبيعة المجتمع الكوردي السوري أو عدم تقديره لنضالات الحركة الوطنية الكوردية في هذا الجزء والاستهانة بدرجة الوعي المتزايد لعموم الشعب الكوردي وتعلق الحزب الأعمى بالآيديولوجيا الشيوعية التي باتت تفشل عالميا، وتنكر زعيمه لوجود جزء من كوردستان خاضع للدولة السورية…إضافة إلى تورطه في حرب ضد القوى الكوردستانية الأخرى في جنوب كوردستان، ومحاولته فرض نفسه كحزب أوحد في كل أجزاء كوردستان… كل هذا أدى إلى  أن تغير الحركة الوطنية الكوردية “السورية” من سلوكها وتراخيها وتحاربها وتفتتها وتدمير ذاتها، فهبت في تلك الحقبة السوداء من تاريخ العلاقات الكوردية – الكوردية كوادر مخلصة من الذين آلمهم الوضع السياسي القومي بشكل عام إلى البحث عن وسائل وبدائل يمكن بها تحقيق شيء من التقارب بين الأطراف والفصائل المتنازعة وتخفيف حدة التوتر واحباط مشروع النظام لادامة تعكير الأجواء الكوردية الداخلية، ومن ناحية أخرى لتجميع قوى الحركة المشتتة في مواجهة عرض العضلات التي يمارسها حزب العمال هذا حيالها باستمرار، فبدأت مرحلة جديدة من تاريخ الحركة…

ثالثا – مرحلة التجميع والتوحيد:

بدأت في هذه المرحلة خطوات جيدة وهامة لتوحيد فصائل معينة في الحركة تنظيميا وسياسيا، كما ظهرت مشاريع جدية لبناء تحالفات سياسية من القوى المتقاربة منهجا وممارسة وعلاقات، فكانت المحاولات القوية للتوحيد تحت إسم “يكيتي” وبناء “التحالف الديموقراطي الكوردي في سوريا” و“الجبهة الديموقراطية الكوردية في سوريا”، والقيادة المشتركة بين (الاتحاد الشعبي الكوردي والشغيلة الديموقراطي الكوردي والديموقراطي الكوردي الموحد في سوريا) التي تشكلت في تشرين الأول 1992… وهذا يدل على أن وضع التشاؤم قد انتهى وبدأ وضع جديد في مسار الحركة الوطنية الكوردية، ولا ينكر أن للموقف السلبي والعدائي الذي قام به حزب العمال الكوردستاني تجاه حركتنا في غرب كوردستان وللضغط المتزايد من القواعد الحزبية ومن قبل الجماهير الوطنية والانتصارات التي تحققت في أجزاء كوردستان الأخرى دور هام في تفعيل قوى الحركة وتقريبها من بعضها وتحقيق تلك الانجازات الهامة على طريق الوحدة الوطنية وحمل الأمانة القومية في هذا الجزء من كوردستان…
ولكن نظرة على البرنامج السياسي للتحالف الديموقراطي الكوردي في 21 آذار 1986 مثلا تظهر لنا بوضوح أن مسحة آيديولوجية يسارية مقلدة لليسار العربي تطغى على ما يمكن تسميته بالمصلحة القومية العليا للأمة الكوردية: “تقوم الامبريالية العالمية والصهيونية والرجعية في الوقت الراهن بشن هجوم شرس على سوريا وغيرها من الأنظمة والقوى الوطنية والتقدمية في منطقتنا بهدف تحقيق الهيمنة على هذه المنطقة الحساسة من العالم واسكات كل صوت وطني وتقدمي وثوري ومن أجل تمرير مشاريعها العدوانية وتصفية القضية الوطنية العادلة للشعب العربي الفلسطيني تقوم بتوجيه التهديدات تلو الأخرى لضرب سوريا من جهة واثارة الفتن الداخلية فيها وتشجيع ودعم القوى الرجعية بهدف انهاء مقاومة سوريا لمشاريعها وجرها إلى مخططات التسوية وحرفها عن خطها الوطني من جهة أخرى.

إن التصدي للمخططات الامبريالية هو بدون شك موقف وطني يستدعي الدعم والتجذير لكي يزداد فاعلية…”
(ص 4).


وكانت المطالب الوطنية محصورة باتجاه تحقيق“الديموقراطية الشعبية للانتقال إلى مجتمع اشتراكي علمي، وتوسيع وتطوير الجبهة الوطنية التقدمية في البلاد،.وتعزيز العلاقات مع المنظومة الاشتراكية وفي مقدمتها الاتحاد السوفييتي الصديق والارتقاء بها إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية وعلى كافة الأصعدة…”  (ص 4-5).


وكانت الأحزاب التالية مؤسسة لهذا التحالف:

– الحزب الديموقراطي الكوردي في سوريا (البارتي)
– حزب الاتحاد الشعبي الكوردي في سوريا
– الحزب اليساري الكوردي في سوريا

ويجدر بالذكر أن حزبي الاتحاد الشعبي واليساري كانا في الأصل حزبا واحدا

تميزت هذه المرحلة بصعود قيادات أكثر جرأة ومستعدة لتقديم مزيد من التضحيات في سبيل تحريك الشارع الكوردي السوري، إلا أن السمة الآيديولوجية طغت على معظم الحراك الكوردي ، وبخاصة بعد انهيار ثورة أيلول الكبرى في آذار 1975، وكاد الفكر اليساري يجرف كل الحركة الوطنية الكوردية..

ونعود لأخذ مثال على ذلك من كتابات الأستاذ صلاح بدر الدين:“لقد قامت البورجوازية الكوردية – بمختلف فئاتها – بأدوار كبرى في قيادة الحركة نتيجة لوزنها وتأثيرها في الانتاج وعلاقاته، ولكن البورجوازية الكوردية كغيرها من بورجوازيات البلدان المتخلفة كانت ضعيفة وتابعة لمراكز بورجوازية متخلفة أيضا، كما كانت سمتها العامة تجارية هذه الفئة التي تشتهر بالجبن والتردد في معظم تجارب الشعوب، لم تكن بحكم طبيعتها الطبقية مهيأة لقيادة الثورة الكوردية نحو التحرر…إن البورجوازية الكوردية التي قادت أحزاب وانتفاضات كوردية لم تتمكن من انجاز المهام المطروحة في مرحلة التحرر الوطني الديموقراطي، بل بدأت بالتلاعب بمصير الشعب الكوردي فتارة تساوم على حقوقه، وأخرى تتحالف مع البورجوازية العربية الشوفينية وحينا تتحالف مع الأنظمة الرجعية المعادية لقضايا الشعوب، وتعقد الصفقات مع الدوائر الامبريالية على حساب دماء ودموع الجماهير الكوردية الفقيرة…” ثم ينتقل  مباشرة  إلى  الثورة الكوردية التي أصيبت بنكسة قاسية قبل ذلك بأربع سنوات، فيقول: ” وبتقديرنا إن النكسة التي حصلت للحركة الكوردية في العراق عام 1975 وسقوط القيادة البورجوازية بزعامة الملا مصطفى البارزاني ، كانت نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة لتطور الحركة الوطنية الكوردية والتي من سماتها الرئيسية ظهور أحزاب وتنظيمات ماركسية – لينينية تشق طريقها…” (أنظر مقابلته مع صحيفة الانتفاض المصرية المنشورة على شكل كراس – وثائق 6- من منشورات البارتي الديموقراطي الكوردي اليساري في سوريا – كانون الثاني 1979- ص 15-16 )
هذا، ولم يكن موقف ما سمي ب”اليمين الكوردي” بأفضل من موقف هذا “اليسار الكوردي” تجاه الثورة الكوردية في جنوب كوردستان، وقد أجج الصراع الداخلي في غرب كوردستان ظهور الاتحاد الوطني الكوردستاني بقيادة المام جلال بعد انهيار الثورة على ساحة النضال التحرري الكوردستاني وانطلاقته من دمشق، وتهجمه المستمرعلى بارتي ديموقراطي كوردستاني وقيادته المؤقتة، ودفاع البارتي الديموقراطي الكوردستاني عن نهجه الكلاسيكي، مما أدى إلى نزاعات داخلية في كوردستانية، إلا أن الإرهاب المنظم لنظام البعث العراقي تجاه جميع القوى الوطنية الكوردستانية في جنوب كوردستان ساهم في تقصير مرحلة التحارب الكوردستاني، مما أثر إيجابيا في تحقيق شيء من التجميع والتوحيد ضمن صفوف الحركة السياسية الكوردية في غرب كوردستان، التي تتأثر بحساسية بالغة بمختلف الايجابيات والسلبيات التي تنجم عن الصراع السياسي الكوردستاني العام… 
إن انهيار المعسكر الشيوعي وما سمي بالمنظومة الاشتراكية، والانقلاب التاريخي الكبير في مجمل السياسة الدولية، وبروز ما سمي ب “النظام العالمي الجديد“، إضافة إلى التغييرات الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، دفعنا إلى اعادة النظر في مجمل حراكنا الكوردي السوري، وتقييم المرحلة والظروف الموضوعية والذاتية الجديدة، ووضع حساسيتنا ورغباتنا الشخصية وأحلامنا جانبا، وطرح أسئلة عديدة على أنفسنا وعلى العديد من كوادر الحركة، القدامى والجدد، بهدف تصحيح المسار الذي رأينا فيه الصوت المعارض للنظام يخفت، فالمعارضة هدفها في كل بلاد العالم، اسقاط الحاكم وأخذ مكانه، إلآ في سوريا التي لاتختلف فيها المعارضة مع النظام سوى في بعض النقاط السياسية دون غيرها، ولاتضع اسقاط النظام البعثي الشمولي الفاشل هدفا نصب عينيها، وانما تقوم بتأويلات وتفسيرات غير مرضية وغير مقنعة، حتى بالنسبة لمنتسبيها وبعض رؤوسها الكبار أيضا… 

الأسئلة التي طرحناها قبل انتهاء القرن المنصرم بسنوات قلائل على أنفسنا لعدة سنوات متتالية كانت متعلقة بعدة أصعدة، منها الحزبي ومنها القومي الكوردستاني، والوطني السوري، ومنها على صعيد العلاقات مع العالم الخارجي والسياسة الدولية:

فعلى الصعيد الدولي:

– هل العالم الاشتراكي المنهار قادر بعد الآن على تقديم أي مساعدة ممكنة لحركتنا الوطنية الكوردية؟
– هل الآيديولوجية ضرورية لحركتنا الوطنية الكوردية؟
– هل حقا كل ما في الغرب الحر الديموقراطي مضر وسيء لحركتنا الوطنية إلى هذه الدرجة التي تراها الحركة حتى يومنا هذا؟
– هل يمكن الاستفادة من النظام العالمي الجديد في تحريك الملف الكوردي السوري؟
– هل علينا تدويل القضية الكوردية السورية أم تركها موضوعا داخليا وشأنا سوريا بحتا؟

وعلى الصعيد الوطني السوري:

– هل حقا كانت سوريا على الدوام بلادا عربية كما يزعم القوميون العنصريون من العرب؟ وهل يمكن لنا تفنيد ذلك وكيف؟
– هل مطلب توسيع الجبهة الوطنية التقدمية الذي ترفعه الأحزاب الكوردية سيفيدنا في تغيير سياسة النظام الاستبدادي العنصري تجاه شعبنا الكوردي في غرب كوردستان؟
– هل تعني المعارضة – حقا – التخلي عن فكرة ازالة النظام الاستبدادي هذا تماما، كما نقرأ ذلك في منهاجي الجبهة الديموقراطية والتحالف الديموقراطي الكوردي؟ ( والحديث هنا طبعا عن أواخر الثمانينات وليس الوقت الحاضر)
– هل حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم منذ عام 1963 والفاشل على كافة الأصعدة السياسية والمالية والاقتصادية والذي أخفق في تحقيق أي هدف من أهدافه المعلنة وشعاراته الكبيرة قادر على إصلاح نفسه والتخلي من تلقاء ذاته عن سياسته العنصرية حيال شعبنا الكوردي وعن سياسته الاستبدادية تجاه الشعب السوري عامة؟
– ماهي الديموقراطية؟ وهل هناك حقا ديموقراطية شعبية أو وطنية أو عربية تختلف عن الديموقراطية الحقيقية؟

أما على الصعيد القومي الكوردستاني:

– هل يحق لنا كأبناء أمة ممزقة حمل علمنا القومي وعزف نشيدنا الوطني في كل مناسبة هامة؟
– كيف يجب أن تكون العلاقة مع المد الكوردستاني المتسارع في الأجزاء الأخرى؟
– هل علينا اقامة علاقات تبعية مع الأحزاب الكوردستانية التي لها مصالح معينة مع النظام السوري لا يحق لنا اهمالها أو تفسيرها بشكل خاطىء، أم نبني معها علاقاتنا على أساس الاستقلالية التنظيمية والتحالف الكوردستاني بما يخدم المصلحة القومية العليا للأمة الكوردية؟ وهل يحق لنا تأييد حزب كوردستاني، دون غيره، تتلاءم أفكاره وسياسته مع أفكارنا وسياستنا؟
– هل هناك جزء من كوردستان تحت أيدي الدولة السورية أم لا؟
– هل لكوردستان شمال وشرق وجنوب دون أن يكون له غرب؟
– هل قضيتنا الكوردية في سوريا هي حقا قضية أقلية قومية أو شعب بلا أرض أم أنها قضية أرض وشعب كقضية أي شعب آخر له حق تقرير المصير، حسب الشرائع الدولية المعترف بها عالميا؟
– هل للحركة حق في أن تطلق على نفسها صفة “الكوردستانية” أم لا، طالما لاتدع مناسبة قومية إلا وتشدد فيها على انتمائها الكوردستاني، وأدبياتها تكاد لاتخلو ليوم واحد من الأنفاس الكوردستانية القوية أحيانا، وطالما تشارك معظم فصائلها، دون تردد، في تحالفات كوردستانية خارج البلاد، مثل تحالف أحزاب كوردستان في ألمانيا (هفكاري) القائم منذ عام 1988 أو العمل المشترك في تنظيم واحد يشمل حزبين أحدهما من جنوب كوردستان والآخر من غرب كوردستان، لعقود طويلة من الزمن، على سبيل المثال؟
– هل كان قرار التخلي عن الاسم الكوردستاني للبارتي مجرد خطأ تاريخي ، وبعد مناقشات علمية وموضوعية أدت إلى تلك النتيجة المعروفة، أم أن ذلك القرار جاء نتيجة لتزايد سياسات البطش والارهاب التي مارستها الحكومات المتعاقبة، وبخاصة زبانية عبد الحميد سراج في عهد الوحدة، ضد الشعب الكوردي وطليعته البارتي كما يؤكد العديد من الباحثين الكورد؟
– هل يمكن احياء هذا الحزب من جديد؟
– هل هناك ثوابت للحركة الوطنية الكوردية، وما هي؟
– ما أسباب الانشقاقات المزمنة في صلب الحركة الكوردية السورية؟ هل تواجد القيادات الكوردية على مرمى حجر من قبضة النظام هو السبب، حيث يمارس ضدها سائر أنواع الإرهاب الحكومي؟ أم أن العلة تكمن في مبدأ المركزية الديموقراطية المنسوخ من الأحزاب الشيوعية ؟ أم أن التنظيم الهرمي السائد في الحركة هو السبب في كل ذلك؟ ( طبعا دون اهمال للأسباب الذاتية والموضوعية الأخرى ودرجة الوعي السياسي والاجتماعي والتطور الاقتصادي للمجتمع الكوردي السوري، ومسألة كبت الحريات السياية وانعدام الديموقراطية، ومختلف الأبعاد الوطنية والشرق أوسطية وانعكاساتها على الجو السياسي الكوردي العام)
– هل من الضروري أن تعيش القيادة دائما في الداخل السوري، ويتم بذلك تعريضها لسياسة التدجين المتبعة من قبل النظام الشمولي تجاه القوى السورية غير الكوردية، أم يمكن الانطلاق لها من خارج البلاد، كما يحدث لغيرها من حركات التحرر الوطني في سائر أنحاء العالم بسبب ظروف موضوعية وذاتية محددة؟
هذه الأسئلة وغيرها دفعتنا في عامي 1999-2000 إلى الاعلان عن اللجنة التحضيرية لاحياء بارتي ديموقراطي كوردستاني – سوريا كجواب على أسئلتنا المطروحة، بعد أن تأكد لنا عدم جدوى الانتظار ليقوم فصيل ما من الفصائل المتواجدة على الساحة بتبني الأفكار المستخلصة من هذه الأسئلة الهامة والجادة.


تم وضع منهج للجنة التحضير يقوم على أساس أن نظاما دكتاتوريا لايمكنه منح شعب من الشعوب حقه القومي العادل، وبعد أن خذلنا العالم الاشتراكي المنهار لعقود طويلة من الزمن، ولم يهتم يوما اهتماما جديا بطموحات أمتنا الكوردية في الحرية والحياة، ولم يمنح حركتنا السياسية أي مجال للتعبيرعن نفسها بصورة حقيقية ، بل لم يكترث بها وبقياداتها وبمطالبها المتواضعة، وبعد أن ظهر نظام عالمي جديد،، كان لابد من البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد، في الداخل السوري وفي العالم الحر الديموقراطي الواسع والكبير، وكنا واثقين بأن هذا العالم الحر الديموقراطي لن يساند حركة توجهاتها يسارية صارخة أو دينية أو عنصرية أو مذهبية أو طائفية، أو ارهابية…وانما يجب أن تكون في اتجاه الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والسلام والتآلف بين الشعوب، وتؤمن حقا بالحوار واحترام الرأي الآخر احتراما تاما… 
وهكذا انطلق مسيرة هذا الحزب، من بلاد الحرية والديموقراطية، ولكنه تعرض منذ اليوم الأول ولايزال يتعرض إلى هجوم كاسح ومريب للعديد من الأطراف التي حاولت بشتى الوسائل ايقاف مسيرته وتصفية أفكاره وشق وحدة كوادره وتطعيمه بمن لايؤمن بهذه الأفكار أصلا، بهدف انهائه… وحقيقة فإن نضالنا شاق وصعب وعلى طريق وعر، إلا أن الحزب ، رغم ضعفه التنظيمي بسبب كونه تجربة تنظيمية جديدة لا هرمية ولا شاقولية، انما هو تنظيم أفقي، لايعمل وفق المركزية الديموقراطية، ورغم اليأس الذي استولى على بعض رفاقه لما لاقوه من استهجان ومعاداة واقصاء من الوسط الحزبي الكوردي، ولتراكم الأخطاء التي سببها تقليد التنظيمات الأخرى في العمل والممارسة أحيانا، ومنها ما هو لأسباب عدم التكيف الشخصي مع الاطار الحزبي الجديد، أو أن بعضهم استغل الديموقراطية وعدم الهرمية للتهرب من المسؤولية والقائها على كاهل غيره….رغم ذلك كله فقد حقق العديد من الخطوات التي جعلته متميزا بخطه وأفكاره ومطالبه دون سائر الفصائل التنظيمية الأخرى، فكان المبادر إلى اقامة أول تحالف سياسي ، كوردي – عربي – سرياني، على أساس الاعتراف بالشعب الكوردي في سوريا كقومية أساسية في البلاد يتكافىء في حقوقه مع الشعب العربي، وكان من بين الأحزاب السورية التي أوصلت قضية المعارضة الديموقراطية السورية إلى الكونغرس الأمريكي، أحد أهم مراكز القرار الدولي في عصرنا الحالي، وشارك في العديد من المؤتمرات على الساحة الأوربية كفصيل كوردستاني سوري أساسي فيها، من قبل أن يظهر اعلان دمشق أو تنضم الأحزاب الكوردية السورية إلى تلك النشاطات على الصعيد الدولي… وعلى الرغم من أن امكانية الحزب المالية محدودة وليست هناك جهة واحدة في العالم تدعمه ماليا، لا دولية ولا اقليمية ولا كوردستانية، فقد تمكن من القيام بنشاطات اعلامية هامة ومستمرة وايصال الشعب الكوردي في غرب كوردستان إلى محافل دولية أساسية، وانضم إلى الحزب كوادر من مختلف الفصائل الكوردية، وقام بنشاطات في الشارع الأوربي كالمظاهرات والاحتجاجات وتقديم المذكرات (وأحيانا بمشاركات من أحزاب كوردية أخرى) وعقد اللقاءات وكسب الأصدقاء … ولانريد الاطالة في هذا المجال لأن النضال في سبيل شعب ليس منة أو مجال افتخار وانما هو واجب وطني يقع على عاتقنا… 
لقد أثبتت التطورات اللاحقة، على الأصعدة الدولية والوطنية والقومية، بعد اعادة احياء الحزب، وانفجار البركان الكوردستاني في جسد الحركة الوطنية الكوردية في غرب كوردستان، صحة أفكار حزبنا، فهاهي كوادر الحركة تطالب قياداتها بالانتقال إلى صف معارضة حقيقية مطالبة بانزال البعث عن عرشه المهترىء، ومقاطعة النظام الحاكم تماما، وتثبيت القيم الكوردستانية الصريحة في برامج ومناهج الأحزاب، وانهاء التنظيم الهرمي ونبذ المركزية – الديموقراطية، وتبني الحكم الذاتي أو الفيدرالية، والتشديد على دمقرطة التنظيم الكوردي، وبناء علاقات متينة في العالم الحر الديموقراطي يتجاوز منظمات حقوق الإنسان إلى الأحزاب السياسية والقوى المؤثرة في المجتمعات الغربية… وهاهم ناقدوا هذا الحزب وأنصاره، على حد سواء، يتنادون من مكان لاحياء ذكرى تأسيس الحزب أول مرة ، تحت شعارات كوردستانية، مما يفرح قلوبنا ويبعث في نفوسنا الأمل… فهل بقيت هناك أسباب لدى الذين مارسوا سياسة الاقصاء تجاه بارتي ديموقراطي كوردستاني – سوريا ولدى الكوادر التي عاشت فترة من الركود وفقدت في وقت ما أملها بحدوث التغيير في الحركة لأن ينظروا نظرات تعيسة لمسيرة الحزب ويقولوا: هذه الأفكار لن تنمو…!!
إننا ندعو الرفاق الكوردستانيين، وبخاصة الذين ساهموا ولو بيوم واحد من حياتهم في التيار الكوردستاني في غرب كوردستان، أن يمسحوا النعاس عن أجفانهم، ويرموا بلحاف الكسل عن أنفسهم، ويسألوا بعضهم بعضا: ” هل وضع الأحزاب الكوردية الأخرى بأفضل من وضع بارتي ديموقراطي كوردستاني – سوريا تنظيميا واعلاميا وسياسيا، وبخاصة بعد مسلسل الاستقالات والتداعيات التي تشهدها ساحة العمل الحزبي الكوردي السوري مؤخرا؟ أم أن بعض الجرأة والمثابرة في العمل سيجعل من هذا الحزب قوة كوردستانية حقيقة في صفوف حركتنا الوطنية الكوردية؟.”
الطريق أمامنا ليس محفوفا بالزهور، والنضال الحقيقي كان دائما صعبا متطلبا التضحيات الجسام، وبخاصة فإننا نرى حالة من التلاشي الكوردي في تحالفات مختلفة، وعلاقات اقليمية ودولية مختلفة أيضا، وعدم اتفاق على مطلب موحد لحركتنا الوطنية السياسية في غرب كوردستان، أم أننا نريد تحرير شعبنا من العبودية والتبعية ونحن متدثرون بالأحلام؟
كنا نعلم جيدا بأننا سنتعرض لانتكاسات وسنمر بظروف حرجة وسنلقى تحديات كبيرة، إلا أن هذا الحزب قد أعيد احياؤه، ومن العار أن يموت للمرة الثانية…ولنكن صريحين بأننا مستعدون للانضمام إلى أي فصيل قائم يتبنى في مؤتمره المنهج الصريح الواضح الذي يتميز به بارتي ديموقراطي كوردستاني – سوريا، ولكن علينا أن نعمل بقوة حتى يتحقق ذلك، لا أن ننتظر حدوث المعجزات…  
* عاشت الأيدي التي بدأت بهذه المسيرة في 14/6/1957
* الموت لأعداء الحرية والديموقراطية والنصر للكورد وقضيتهم الكوردستانية العادلة.
14/6/2007
لجنة الاعلام المركزي
بارتي ديموقراطي كوردستاني – سوريا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…