إلى الحزب وكل الحزب
إلى من هم داخل الأطر التنظيمية ومن هم خارجها
وإلى من لديه الحرص على مستقبل الموقف السياسي الكردي
أيها الرفاق أيتها الرفيقات
ليس بخاف عليكم أننا كشعوب المنطقة، نعيش أجواء دولية وإقليمية، بالغة الدقة والحساسية، فالتغييرات التي تعصف بالعالم، والتطورات التي تحاول أن تؤسس لفهم وذهنية جديدة، لمجمل القضايا والمشاكل العالقة على الصعيد الدولي، تطرح – وبقوة – ضرورة تصدي مجتمعاتنا – بأنظمتها وشعوبها – للحقائق التي تواجهها، والعراقيل التي تحد من تطورها، خاصةً وأن تيار التغيير والتطور، يستهدف – بالدرجة الأولى – البنى الأساسية في المنظومات السياسية والاقتصادية والفكرية المتداولة،
إلى من هم داخل الأطر التنظيمية ومن هم خارجها
وإلى من لديه الحرص على مستقبل الموقف السياسي الكردي
أيها الرفاق أيتها الرفيقات
ليس بخاف عليكم أننا كشعوب المنطقة، نعيش أجواء دولية وإقليمية، بالغة الدقة والحساسية، فالتغييرات التي تعصف بالعالم، والتطورات التي تحاول أن تؤسس لفهم وذهنية جديدة، لمجمل القضايا والمشاكل العالقة على الصعيد الدولي، تطرح – وبقوة – ضرورة تصدي مجتمعاتنا – بأنظمتها وشعوبها – للحقائق التي تواجهها، والعراقيل التي تحد من تطورها، خاصةً وأن تيار التغيير والتطور، يستهدف – بالدرجة الأولى – البنى الأساسية في المنظومات السياسية والاقتصادية والفكرية المتداولة،
وتحث على إنسانية الإنسان، المتحرر من قيود الغبن والتبعية، وتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، بمعزل عن القسر والإكراه.
والتي بدورها ستؤثر – دون شك – على موازين القوى، وما ستطرحها مستقبلاً من نتائج وتداعيات .
يبدو؛ وعبر هذا الفهم لقراءة الوقائع، تتسارع اليوم وتيرة التعامل الدولي مع القضايا التي تشكل عنصر اللا استقرار ونقاط تهديد للأمن والسلم الدوليين، ويحاول كل مركز التأسيس لنوى سياسية واقتصادية – تكتلات – أكثر فاعلية، من شأنها تفعيل وتقوية الدور المستقبلي الموكل إليها، وبالتالي الحفاظ على مصالحها وأمنها القومي والوطني والدولي .
كل ذلك – دون شك – سينسف – شئنا أم أبينا – جملة من المفاهيم والآليات، التي نعتبرها حتى اللحظة – سواء بإرادتنا أو تحت الضغط – محاذير ومقدسات لا يجوز المساس بها، والتي هي من إفرازات التخلف الذي يسيطر على منهجية التفكير، وجملة من التراكمات والرواسب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والروحية التي تحكم وتتحكم في شكل وإدارة العديد من أنظمة الدول المتخلفة لقضاياها القومية والوطنية، ومن بينها غالبية أنظمة دول آسيا وأفريقيا.
تلك الأنظمة التي لا تمتلك الركائز المعرفية لمواكبة صيرورة التغيير ومفاهيم المرحلة، وليست لديها القدرة في الاستجابة لاستحقاقات قضاياها الوطنية، والتفاعل مع مكونها المجتمعي، وبالتالي الانفتاح على مفردات التغيير وروح العصر وسماته.
سوى قدرتها على إدارة أزماتها الداخلية بالاستناد إلى وسائل القمع والإرهاب، ودعمها للمنابع الأصولية والتيارات المتشددة التي لا تعرف من الآليات في التعامل سوى القتل والدمار، وكذلك احتضانها لقوى الإرهاب، المحارب أخلاقياً وسياسياً، سواء على صعيد الأفراد أو الشعوب، التواقة إلى السلام والوئام.
وذلك بغية درء ما تتطلبها الحرية من ركائز ومستلزمات، وإمكانية الاستمرار على وضعها في وجه ما يجري وما هي مطالبة به .
وبما أننا كحالة وطنية في سوريا، شأننا شأن غيرنا، نتأثر بمجمل ما يجري، ونحتل مرتبة لا بأس بها في التوازنات الدائرة بشأن التغيير، إضافةً إلى العديد من المسائل والقضايا الوطنية العالقة – سواء من حيث الحريات الديمقراطية أو التعددية السياسية والقومية – التي تفرض نفسها على بساط البحث والنقاش، وتبحث لنفسها عن حلول ومخارج .
نستطيع القول، بأن المنطق يستدعي منا التكاتف ودعم الجهود وإفساح المجال أمام الطاقات، من أجل تلافي أسباب مجمل التراكمات في الوضع الداخلي، بدءً بالحريات الديمقراطية وانتهاءً بالفرد – المواطن – التواق إلى العيش في بلد قوامه العدل والحرية، وضوابطه القانون ومؤسسات المجتمع المدني .
لأن منطق القوة لم يعد يجدِ نفعاً أمام بلورة مفاهيم العدل والحريات، وأن التستر على الحقائق وطمس معالمها، لا يواكبان الشفافية التي أصبحت السمة البارزة للعصر، والأهم من هذا وذاك، هي القراءة الصحيحة التي يجب أن تمتلكها التعبيرات السياسية نفسها لواقع الحال، وإلمامها بروافد التغيير الوطني الديمقراطي، والقوى المحركة له، بمعنى آخر، تفهم المعضلة الحقيقية في حالة الانكماش السياسي الذي يعانيه المواطن، وذلك بعيداً عن ضبابية الطرح والركون إلى لغة المراهنات، إلا أن ما يؤسف له حقيقةً هو تعاملنا كحالة سياسية / تنظيمية كردية مع القضايا المطروحة – وأعني هنا ظاهرة الحركة الحزبية الكردية – وفق آليات السوق التجاري، وعقلية التاجر في تفاعله مع البضاعة بحسب درجة العرض والطلب، والتي تخضع بدورها – البضاعة – سواء في مرحلة الكساد أو الازدهار إلى عوامل مختلفة، تعود في جزء منها إلى نموذج السياسة الاقتصادية المتبعة، وفي بعضها الآخر إلى الشكل الإداري الذي ينتهجه النظام السياسي ..
أيها الرفاق أيتها الرفيقات ..
أعتقد أن الغالبية منكم على قناعة تامة بأن ما تم إنجازه من خطوة وحدوية، لم تكن مجرد عمل تصادفي، وإنما جاءت كاستحقاق نضالي، فرضتها شروط المرحلة بشكل عام، وجسدتها استحقاقات انتفاضة آذار، وما أفرزتها من تداعيات بشكل خاص، بغض النظر عن وضع الأطر والانكسارات التي تلاحقها في معرض أدائها السياسي والعملي، والتي سنأتي على ذكرها لاحقاً، وعليه فإن التجربة التي هي أمامنا لا يمكن لها أن تعيد إنتاج ذاتها إذا ما تمت نسفها أو حاولنا إجهاضها من الداخل، لأنه لا يمكن لنا وسط الآليات المعمولة بها في الوسط الكردي، وضمن الثقافة التي تنتجنا كأدوات نضالية أن نأتي بتجربة تعبر عن الكل وفيها تجسيد للكل، بمعنى آخر لا يمكننا أن نصنع تجربة في مختبراتنا الذاتية، ونحن محكومون علينا بالتفاعل والتواصل مع الآخر، وكذلك لا يمكننا إنتاج حزب وفق مقاساتنا وقياساتنا، كوننا لم نزل ضمن مرحلة صراع بين مجمل روافد العمل السياسي، بما في ذلك صراع الذهنية والأجيال، تلك التي لم تتحدد بعد ملامحها بشكلها النهائي، خاصةً ونحن ككل نخوض صراعاً مع مشاريع تستهدف وجودنا وكينونتنا، ومن هنا أود أن أقول، إذا لم نكن نمتلك القدرة أن نغير في التاريخ، ولا نمتلك الأداة لأن نغير في الجغرافيا، وكذلك في معادلة التوازنات السياسية، لكننا – وحسب ما أعتقد – نمتلك الإرادة، إذا ما كنا جادين وصادقين مع ذواتنا، أن نغير في الواقع الذي نحن على تماس به، وأعني هنا واقعنا السياسي/الحزبي، وإن كان هذا الواقع نفسه يحمل في أحشائه بعض التشوهات، وذلك بحكم أن العمل السياسي/ التنظيمي قد يشكل لدى البعض مشروعاً تجارياً، وبالنسبة للبعض شكلاً من أشكال الديمومة، أو هروباً من عقد النقص، أو ما يمكن أن نسميه؛ تعويضاً عن النقص المجتمعي، كون هذه الحالات هي جد طبيعية ضمن أشكال التفاعل الاجتماعي، وأيضاً ضمن سياقات العمل النضالي، وهي قد لا تكون بعيدة عن إطارنا الذي نقف عليه، مع أنني لا أحاول هنا الإشارة إلى حالة بعينها، كوني احترم الجميع، ولا أملك شهادات حسن السلوك والسيرة كي أوزعها هنا أو هناك ..
وعليه، وبالترافق مع ما يتم تداوله بين بعض الأوساط، وحتى في الجسم الحزبي نفسه، من وجود ما يتم تسميته بحالات الاحتقان أو الخلاف وما شابه ذلك، أود القول؛ بأن الحالة الصحية لمعالجة أية موضوع يدخل ضمن دائرة التفكير السياسي الحزبي، يجب أن ينطلق من الأسس، بل من القاعدة، وذلك لأنها تعتبر الركيزة والمسند الأساس الذي يبنى عليه، بل هي الحامل – المحور – في ترسيخ وتوظيف ما يبتغيه الحزب، وفي سلامتها يكمن سلامة الحزب، وعليه، فإن عليها – القاعدة – تقع مستوى مسؤولية الحفاظ على التجربة التي انبثقت عنها آزادي، وعدم الانجرار خلف بعض التوازنات الحزبية الضيقة إن وجدت، لأن عليها أن تكون مدركة تمام الإدراك، بأن الوليد الجديد لم يتشكل من الفراغ ولم ينطلق من نقطة الصفر، وإنما استند في انبثاقه على تراكمات كانت سابقة على قيامه، فالطرفان اللذان توجا عملهما النضالي في الخطوة الوحدوية، لم ينطلقا في ذلك فقط من دوافع الوحدة وحدها، وإن كانت تسجل لها، وهذه حقيقة كما أرى، وإنما كانت هناك أسباب ذاتية شكلت الوحدة بالنسبة لهما بمثابة الخلاص، وكذلك فإن المجموعات التي انخرطت في التجربة نفسها، إنما أرادت بانخراطها التخلص من واقعها المأزوم، لكونها وجدت في التجربة ما تلامس مشاعرها وتمس قناعاتها، علاوةً على ذلك، علينا أن نكون على دراية كافية بأن الخطوة قد جاءت عبر توافقات معينة، وأن محاولة البعض إعادة النظر في هذه التوافقات، وتحت حجج وذرائع شتى، أو محاولة التحرش بالتجربة من خلال الحنين إلى جحور معينة، وهي سابقة على انطلاقة آزادي، هي هدم لثقافة الوحدة، وهي في الوقت نفسه طعن في مشاعر الشارع الذي وضع البعض من آماله على هذه التجربة من خلال الالتفاف حولها، منطلقة في ذلك من شعورها بوحدة الموقف ورص الصفوف، ناهيك عن أنها تشكل ضربة إلى الذين انخرطوا في آزادي بمعزل عن امتداداته، والذين يشكلون الآن حجماً لا يستهان به، وذلك حتى لا تشكل العملية عبئاً إضافياً قد تؤدي بالبعض – ورغماً عنه – إلى إعادة النظر في التجربة ككل، وفي ذلك تكمن الإشكالية، لأنها تشكل في جوهرها ما تشبه العودة إلى الوراء، كون التجربة لم تتجذر بعد، وثقافة الوحدة لم تأخذ طريقها إلى حيث نبتغيه، فالخطوة الهامة والجبارة، تكمن في إقلاع البعض الذين يتحصنون بماضيهم، عن موروثاتهم التي لم تجلب لنا سوى المزيد من الترهل والمزيد من الانكسار، وذلك لأن التجربة لم تبقى حكراً على الطرفان اللذان أقدما على إنجازها، بقدر أنها أصبحت من ملكية الكل الذي يعمل ضمن آلياتها..
من هنا، واستناداً لهذه الصورة، فنحن مطالبون بالوقوف على وضع الحزب سياسياً وتنظيمياً، منطلقين في ذلك من قناعاتنا بالعلاقة الجدلية بين التنظيم كأداة، والخط السياسي كحامل فكري معرفي، يهدف الارتقاء بالحالة التنظيمية بهدف تحقيق المشروع الذي جاء الحزب من أجله .
ونحن كبشر وأعضاء في هذا الجسم المؤطر، يأتي دورنا في بناء جسور التواصل بين التنظيم والخط السياسي، آخذين بعين الاعتبار الاستفادة من الدروس والتجارب، حتى لا يتحول الحزب إلى محطة من محطات المسافرين لقطارٍ مسافر، خاضع لإرادة الوصاية وتجريد الحزب من مكتسباته لصالح المواقع والامتيازات، ولتوزيع الأدوار وملئ الفراغات ببعض الوجوه، وبمزيد من الفراغات التي يتم إفراغها .
وبما أننا من متتبعي الخط البياني للحركة الكردية ( الحزبية ) في سوريا، سياسياً وتنظيمياً، والتي تحمل في أحشائها تراكمات الممارسة السياسية، المنتمية إلى الإيديولوجيا الشمولية، بآلياتها وهيكليتها، والتي بنيت في كثير منها – بحكم التشكيلة القائمة – على ركائز قبلية، متجسدة في شخص ( الزعيم ) أو ( القيادة ) أو ( التوازنات )، ومستندة في الغالب على نظرية المؤامرة، وهي تحمل إلى جانب ذلك، تقنيات خاصة بها في مجالات تحوير حركة الواقع والوقائع، والتفنن بصور ومخارج الحقائق، والتحايل على الذات والذوات، والمواربة في التعاطي مع المتلقي قفزاً على الإنهاك الذي يعانيه، بهدف تجميل القبح السياسي / التنظيمي الذي آل إليه الأطر بفعل الممارسة، وإضفاء رونق نضالي على الهزيمة الحزبية – الخط السياسي الحزبوي الارتجالي – وإخضاعه إلى مشيئة (قرارات) أولي الأمر في التنظيمات المتشظية، إن لم يكن – في بعض الأحيان – للقرارات التي تفبرك في الظلام وخلف الكواليس، وكذلك التفنن بماديات الأحداث والسيطرة على منابع صنع القرار، والإلمام بمكامن الأمور وخفاياه وتطوعيه، في معرض رسم آفاق الهجوم على الآخر – المختلف أو المخالف – من خلال السيطرة على كيانه وكاهله المنهكين ( بقوة ) الإقناع وسطوة ( الاقتناع )، ندرك كل الإدراك بأن عند كل كبوة أو هزيمة أو انكسار أو تشظٍ، هناك مشروع – مخرج – وقفزة في الهواء لإدارة الأزمة، وفي معظمها، نضالية وثوروية ..
تلاحمية وتوحيدية، حتى يبدو للمراقب أن ساعة التغيير في نمط التعاطي والتعامل – الكلاسيكيين الكرديين – في الجسم الحزبي قد أزف، وأن ( العقل السياسي ) الكردي بدأ يرنو إلى المستقبل من زاوية نظر جديدة، من انطلاقة راديكالية، ينسف البائد ويمهد للبناء على ما هو جديد ومواكب للمستجدات، حتى ما أن تصطدم مع وقائع ومستجدات، أو تتحول إلى مختبرات الفعل، سواء أكانت هذه – المختبرات – تابعة للطموح الكردي، أو لمخططات هي خارجة عن إرادتنا، تظهر على حقيقتها، على أنها كانت مجرد جلد أفعى لا أكثر، يتم الخروج منه دون أن يمس دعاة التغيير بمكاسبهم وامتيازاتهم ومصادرهم بسوء .
وهنا، نهيب بكم أيها الرفاق بكل إخلاص وتفان، الوقوف على حقيقة المشروع الوحدوي الذي يعقد عليه الآمال حتى لا يأخذ طريقه إلى النفق المظلم، أو إلى مثيلاته في الخيبة وانكسار الأحلام والآمال، لأننا لو تجردنا قليلاً من العاطفة، وحاولنا وضع اليد على الجرح، وتسمية الأشياء بمسمياتها، نستطيع القول، بأن الحركة الحزبية الكردية عموماً، فاقدة لمعطيات تعاملها مع طرحها بذات الشخوص والرموز والآليات، وواقعة في تخبطات سياسية لا تستطيع معها من ترجمة الطرح إلى فعل وممارسة، أي مسلوبة الإرادة والقرار، كونها واقعة بين فكي كماشة، السلطة بمشاريعها وسياساتها وممارساتها الشوفينية من جهة، والولاءات السياسية – المجانية – الموزعة لهذا الطرف الكردستاني أو ذاك، ولهذا المصدر أو تلك، من جهة أخرى .
وهذا ما يذكرنا بالأمس القريب، حين كانت الحركة الحزبية – وانسجاماً مع موجة المرحلة وسماتها – مشتتة – فكرياً – ومنقسمة على نفسها بين ما كان تسمى بالتيارات اليسارية أو اليمينية، وقد أفرزت تلك الحالة نتائجها على شكل بثور ودمامل متشظية ومتناثرة، وغير قابلة للالتئام في كاهل الجسم الكردي، وراحت تبحث – من جديد – عن ( قواسم ) جامعة لحالتها، فكانت المشاريع الاحتوائية والمبادرات الترقيعية .
وبعد أن تغيرت المعادلات والمفاهيم، وبرز في التعامل خطاب جديد على المستوى الكوني، أدارت الحركة الحزبية الكردية بوصلتها، محاولة منها مواكبة مفردات الخطاب الغازي، والظهور بمظهر الحامل للمشروع التغيري الكردي، والمعبر عن تطلعات مختلف الشرائح .
ولكن – وفي هذه المرة أيضاً – بنفس الشخوص ونفس الآليات والأدوات وتوزيع الأدوار، سوى بعض الترقيعات التي بدأت تظهر هنا وهناك، كل ذلك دون أن نبحث عن جذور المشكلة، والأسباب التي أدت بنا إلى المآل الذي نحن عليه، والإسقاطات السياسية والمعرفية لبعض المفاهيم والمصطلحات من حيث الطرح والممارسة ..
؟.
بمعنى آخر، واستناداً على ما ذكر، فإن أي مشروع سياسي يطرح من قبل القيادات الحزبية يصطدم مباشرة بالجهتين المشار إليهما – السلطة والولاءات – ويجري التعامل معه – المشروع – من قبلهما – سلباً أو إيجاباً – بقدر تجاوبه مع أهدافها وغاياتها ..
مع إننا – وانسجاماً مع هذا الفهم – لم نحاول النفخ في قِرب مقطوعة، أو مطالبة هذه القيادات بما لا طاقة لها به، بل نطالبها بالممكنات، ولكن شريطة الركون إلى الصدقية والمصداقية في التعبير عن حقيقتها – على الأقل في حدودها الدنيا، والابتعاد عن المناورة على عقول ومشاعر الشارع الكردي والاستخفاف به، كما يحصل دائماً، وقد حصلت أكثر فقاعةً في آذار / المقاومة، ونتوجس خيفةً من حصولها في معرض حالتنا الوحدوية، والتي تشكل بالنسبة لنا قضية مصير أكثر من أي شيء آخر .
حسب ما أعتقد، أن أية حركة كحالة حركتنا، مشتتة بين مجموعة من الأطر والأطر المتداخلة أو المختلفة والمخالفة، غالبيتها مغيبة عن الفعل والقرار منذ زمن، بحكم استنفاذها لعوامل وجودها، وتبحث لنفسها – كمجموع – عن قواسم مشتركة بغية التعبير عن ذاتها، سوف لن تكون لها إرادة الفعل، وإدارة الموقف إلا من خلال توازنات خاصةً بها، أو خاضعة لمشيئة إملاءات فوقية، مع أن الشارع الكردي، قد استغاث مطالباً نجدتها في آذار، تعبيراً عن حسه القومي، بأن الفعل يحتاج أدواته، وأن ما أصاب الكرد في الوضع الحرج، قد يخرج الأطر من سباتها.
إلا أن بوصلة المجوع – الذي تشكل حينها بقدرة قادر – كانت تدار وفق مشيئة بعض الاجتماعات البينية، حتى كادت تفقد زمام المبادرة، ولا تعي تماماً أبعاد مواقفها.
حيث بدأ – كتحصيل حاصل – علامات الانسجام بين المجموع من جهة، والتخبط المزمن يجتاح الموقف والقرار من جهة أخرى، وبرز إلى السطح – في معركة إعلامية دعائية مقننة، جلها في الزوايا المغلقة، وبعضها في العلن – العديد من المصطلحات التي تشرح صورة الوضع، من انتقاضة، أحداث دامية، وفتنة مفتعلة..إلخ.
حتى كادت التهدئة تصعيداً والتصعيد تهدئة .
كل ذلك دون الوقوف على المصطلح نفسه، وماذا يعني، وماذا يفرز، وماذا يتطلب من جراء تبنيه .
لأن ما تم حشره في نسق المجموع كإطار مرحلي، لا يمكن له أن يخرج بما يعبر لا عن رأي طرف بعينه، خاصةً الأطراف التي كانت تعبر عن نفسها بشيء من التمايز، ولا عن رأي الشارع .
أعتقد أن ما حصل، يجب أن يكون قد شكل درساً وتجربة للشارع الكردي، الذي يفتقد حقيقة إلى تجارب من النوع التي حدثت، وللحركة الحزبية، ولنا على وجه الخصوص، لنعيد النظر في حساباتنا، كي نقف على حقيقة ثقلنا التنظيمي والجماهيري، وخطابنا السياسي، ونبتعد بذلك عن المتناقضات، لأنه دون امتلاك خطاب متزن، وتفهم معادلة ربط الحالة الكردية بعموم الحالة الوطنية عبر مشروع سياسي واضح الملامح، لا يمكن إنجاز خطوة واحدة على طريق تحقيق أي إجماع سياسي كردي، ويمكن أن نقف في السياق ذاته على اللهجة المتصاعدة في الخطاب بين غالبية الرفاق إلى درجة الخروج عن الموضوعية، والتي تعود بمردها إلى عدم وجود آلية عمل سياسية يمكن الاستناد إليها في رسم الموقف السياسي في الحزب، وإنما يبقى في الكثير منها رهن المواقف الارتجالية والخطابات المواقفية .
والتي بدورها ستؤثر – دون شك – على موازين القوى، وما ستطرحها مستقبلاً من نتائج وتداعيات .
يبدو؛ وعبر هذا الفهم لقراءة الوقائع، تتسارع اليوم وتيرة التعامل الدولي مع القضايا التي تشكل عنصر اللا استقرار ونقاط تهديد للأمن والسلم الدوليين، ويحاول كل مركز التأسيس لنوى سياسية واقتصادية – تكتلات – أكثر فاعلية، من شأنها تفعيل وتقوية الدور المستقبلي الموكل إليها، وبالتالي الحفاظ على مصالحها وأمنها القومي والوطني والدولي .
كل ذلك – دون شك – سينسف – شئنا أم أبينا – جملة من المفاهيم والآليات، التي نعتبرها حتى اللحظة – سواء بإرادتنا أو تحت الضغط – محاذير ومقدسات لا يجوز المساس بها، والتي هي من إفرازات التخلف الذي يسيطر على منهجية التفكير، وجملة من التراكمات والرواسب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والروحية التي تحكم وتتحكم في شكل وإدارة العديد من أنظمة الدول المتخلفة لقضاياها القومية والوطنية، ومن بينها غالبية أنظمة دول آسيا وأفريقيا.
تلك الأنظمة التي لا تمتلك الركائز المعرفية لمواكبة صيرورة التغيير ومفاهيم المرحلة، وليست لديها القدرة في الاستجابة لاستحقاقات قضاياها الوطنية، والتفاعل مع مكونها المجتمعي، وبالتالي الانفتاح على مفردات التغيير وروح العصر وسماته.
سوى قدرتها على إدارة أزماتها الداخلية بالاستناد إلى وسائل القمع والإرهاب، ودعمها للمنابع الأصولية والتيارات المتشددة التي لا تعرف من الآليات في التعامل سوى القتل والدمار، وكذلك احتضانها لقوى الإرهاب، المحارب أخلاقياً وسياسياً، سواء على صعيد الأفراد أو الشعوب، التواقة إلى السلام والوئام.
وذلك بغية درء ما تتطلبها الحرية من ركائز ومستلزمات، وإمكانية الاستمرار على وضعها في وجه ما يجري وما هي مطالبة به .
وبما أننا كحالة وطنية في سوريا، شأننا شأن غيرنا، نتأثر بمجمل ما يجري، ونحتل مرتبة لا بأس بها في التوازنات الدائرة بشأن التغيير، إضافةً إلى العديد من المسائل والقضايا الوطنية العالقة – سواء من حيث الحريات الديمقراطية أو التعددية السياسية والقومية – التي تفرض نفسها على بساط البحث والنقاش، وتبحث لنفسها عن حلول ومخارج .
نستطيع القول، بأن المنطق يستدعي منا التكاتف ودعم الجهود وإفساح المجال أمام الطاقات، من أجل تلافي أسباب مجمل التراكمات في الوضع الداخلي، بدءً بالحريات الديمقراطية وانتهاءً بالفرد – المواطن – التواق إلى العيش في بلد قوامه العدل والحرية، وضوابطه القانون ومؤسسات المجتمع المدني .
لأن منطق القوة لم يعد يجدِ نفعاً أمام بلورة مفاهيم العدل والحريات، وأن التستر على الحقائق وطمس معالمها، لا يواكبان الشفافية التي أصبحت السمة البارزة للعصر، والأهم من هذا وذاك، هي القراءة الصحيحة التي يجب أن تمتلكها التعبيرات السياسية نفسها لواقع الحال، وإلمامها بروافد التغيير الوطني الديمقراطي، والقوى المحركة له، بمعنى آخر، تفهم المعضلة الحقيقية في حالة الانكماش السياسي الذي يعانيه المواطن، وذلك بعيداً عن ضبابية الطرح والركون إلى لغة المراهنات، إلا أن ما يؤسف له حقيقةً هو تعاملنا كحالة سياسية / تنظيمية كردية مع القضايا المطروحة – وأعني هنا ظاهرة الحركة الحزبية الكردية – وفق آليات السوق التجاري، وعقلية التاجر في تفاعله مع البضاعة بحسب درجة العرض والطلب، والتي تخضع بدورها – البضاعة – سواء في مرحلة الكساد أو الازدهار إلى عوامل مختلفة، تعود في جزء منها إلى نموذج السياسة الاقتصادية المتبعة، وفي بعضها الآخر إلى الشكل الإداري الذي ينتهجه النظام السياسي ..
أيها الرفاق أيتها الرفيقات ..
أعتقد أن الغالبية منكم على قناعة تامة بأن ما تم إنجازه من خطوة وحدوية، لم تكن مجرد عمل تصادفي، وإنما جاءت كاستحقاق نضالي، فرضتها شروط المرحلة بشكل عام، وجسدتها استحقاقات انتفاضة آذار، وما أفرزتها من تداعيات بشكل خاص، بغض النظر عن وضع الأطر والانكسارات التي تلاحقها في معرض أدائها السياسي والعملي، والتي سنأتي على ذكرها لاحقاً، وعليه فإن التجربة التي هي أمامنا لا يمكن لها أن تعيد إنتاج ذاتها إذا ما تمت نسفها أو حاولنا إجهاضها من الداخل، لأنه لا يمكن لنا وسط الآليات المعمولة بها في الوسط الكردي، وضمن الثقافة التي تنتجنا كأدوات نضالية أن نأتي بتجربة تعبر عن الكل وفيها تجسيد للكل، بمعنى آخر لا يمكننا أن نصنع تجربة في مختبراتنا الذاتية، ونحن محكومون علينا بالتفاعل والتواصل مع الآخر، وكذلك لا يمكننا إنتاج حزب وفق مقاساتنا وقياساتنا، كوننا لم نزل ضمن مرحلة صراع بين مجمل روافد العمل السياسي، بما في ذلك صراع الذهنية والأجيال، تلك التي لم تتحدد بعد ملامحها بشكلها النهائي، خاصةً ونحن ككل نخوض صراعاً مع مشاريع تستهدف وجودنا وكينونتنا، ومن هنا أود أن أقول، إذا لم نكن نمتلك القدرة أن نغير في التاريخ، ولا نمتلك الأداة لأن نغير في الجغرافيا، وكذلك في معادلة التوازنات السياسية، لكننا – وحسب ما أعتقد – نمتلك الإرادة، إذا ما كنا جادين وصادقين مع ذواتنا، أن نغير في الواقع الذي نحن على تماس به، وأعني هنا واقعنا السياسي/الحزبي، وإن كان هذا الواقع نفسه يحمل في أحشائه بعض التشوهات، وذلك بحكم أن العمل السياسي/ التنظيمي قد يشكل لدى البعض مشروعاً تجارياً، وبالنسبة للبعض شكلاً من أشكال الديمومة، أو هروباً من عقد النقص، أو ما يمكن أن نسميه؛ تعويضاً عن النقص المجتمعي، كون هذه الحالات هي جد طبيعية ضمن أشكال التفاعل الاجتماعي، وأيضاً ضمن سياقات العمل النضالي، وهي قد لا تكون بعيدة عن إطارنا الذي نقف عليه، مع أنني لا أحاول هنا الإشارة إلى حالة بعينها، كوني احترم الجميع، ولا أملك شهادات حسن السلوك والسيرة كي أوزعها هنا أو هناك ..
وعليه، وبالترافق مع ما يتم تداوله بين بعض الأوساط، وحتى في الجسم الحزبي نفسه، من وجود ما يتم تسميته بحالات الاحتقان أو الخلاف وما شابه ذلك، أود القول؛ بأن الحالة الصحية لمعالجة أية موضوع يدخل ضمن دائرة التفكير السياسي الحزبي، يجب أن ينطلق من الأسس، بل من القاعدة، وذلك لأنها تعتبر الركيزة والمسند الأساس الذي يبنى عليه، بل هي الحامل – المحور – في ترسيخ وتوظيف ما يبتغيه الحزب، وفي سلامتها يكمن سلامة الحزب، وعليه، فإن عليها – القاعدة – تقع مستوى مسؤولية الحفاظ على التجربة التي انبثقت عنها آزادي، وعدم الانجرار خلف بعض التوازنات الحزبية الضيقة إن وجدت، لأن عليها أن تكون مدركة تمام الإدراك، بأن الوليد الجديد لم يتشكل من الفراغ ولم ينطلق من نقطة الصفر، وإنما استند في انبثاقه على تراكمات كانت سابقة على قيامه، فالطرفان اللذان توجا عملهما النضالي في الخطوة الوحدوية، لم ينطلقا في ذلك فقط من دوافع الوحدة وحدها، وإن كانت تسجل لها، وهذه حقيقة كما أرى، وإنما كانت هناك أسباب ذاتية شكلت الوحدة بالنسبة لهما بمثابة الخلاص، وكذلك فإن المجموعات التي انخرطت في التجربة نفسها، إنما أرادت بانخراطها التخلص من واقعها المأزوم، لكونها وجدت في التجربة ما تلامس مشاعرها وتمس قناعاتها، علاوةً على ذلك، علينا أن نكون على دراية كافية بأن الخطوة قد جاءت عبر توافقات معينة، وأن محاولة البعض إعادة النظر في هذه التوافقات، وتحت حجج وذرائع شتى، أو محاولة التحرش بالتجربة من خلال الحنين إلى جحور معينة، وهي سابقة على انطلاقة آزادي، هي هدم لثقافة الوحدة، وهي في الوقت نفسه طعن في مشاعر الشارع الذي وضع البعض من آماله على هذه التجربة من خلال الالتفاف حولها، منطلقة في ذلك من شعورها بوحدة الموقف ورص الصفوف، ناهيك عن أنها تشكل ضربة إلى الذين انخرطوا في آزادي بمعزل عن امتداداته، والذين يشكلون الآن حجماً لا يستهان به، وذلك حتى لا تشكل العملية عبئاً إضافياً قد تؤدي بالبعض – ورغماً عنه – إلى إعادة النظر في التجربة ككل، وفي ذلك تكمن الإشكالية، لأنها تشكل في جوهرها ما تشبه العودة إلى الوراء، كون التجربة لم تتجذر بعد، وثقافة الوحدة لم تأخذ طريقها إلى حيث نبتغيه، فالخطوة الهامة والجبارة، تكمن في إقلاع البعض الذين يتحصنون بماضيهم، عن موروثاتهم التي لم تجلب لنا سوى المزيد من الترهل والمزيد من الانكسار، وذلك لأن التجربة لم تبقى حكراً على الطرفان اللذان أقدما على إنجازها، بقدر أنها أصبحت من ملكية الكل الذي يعمل ضمن آلياتها..
من هنا، واستناداً لهذه الصورة، فنحن مطالبون بالوقوف على وضع الحزب سياسياً وتنظيمياً، منطلقين في ذلك من قناعاتنا بالعلاقة الجدلية بين التنظيم كأداة، والخط السياسي كحامل فكري معرفي، يهدف الارتقاء بالحالة التنظيمية بهدف تحقيق المشروع الذي جاء الحزب من أجله .
ونحن كبشر وأعضاء في هذا الجسم المؤطر، يأتي دورنا في بناء جسور التواصل بين التنظيم والخط السياسي، آخذين بعين الاعتبار الاستفادة من الدروس والتجارب، حتى لا يتحول الحزب إلى محطة من محطات المسافرين لقطارٍ مسافر، خاضع لإرادة الوصاية وتجريد الحزب من مكتسباته لصالح المواقع والامتيازات، ولتوزيع الأدوار وملئ الفراغات ببعض الوجوه، وبمزيد من الفراغات التي يتم إفراغها .
وبما أننا من متتبعي الخط البياني للحركة الكردية ( الحزبية ) في سوريا، سياسياً وتنظيمياً، والتي تحمل في أحشائها تراكمات الممارسة السياسية، المنتمية إلى الإيديولوجيا الشمولية، بآلياتها وهيكليتها، والتي بنيت في كثير منها – بحكم التشكيلة القائمة – على ركائز قبلية، متجسدة في شخص ( الزعيم ) أو ( القيادة ) أو ( التوازنات )، ومستندة في الغالب على نظرية المؤامرة، وهي تحمل إلى جانب ذلك، تقنيات خاصة بها في مجالات تحوير حركة الواقع والوقائع، والتفنن بصور ومخارج الحقائق، والتحايل على الذات والذوات، والمواربة في التعاطي مع المتلقي قفزاً على الإنهاك الذي يعانيه، بهدف تجميل القبح السياسي / التنظيمي الذي آل إليه الأطر بفعل الممارسة، وإضفاء رونق نضالي على الهزيمة الحزبية – الخط السياسي الحزبوي الارتجالي – وإخضاعه إلى مشيئة (قرارات) أولي الأمر في التنظيمات المتشظية، إن لم يكن – في بعض الأحيان – للقرارات التي تفبرك في الظلام وخلف الكواليس، وكذلك التفنن بماديات الأحداث والسيطرة على منابع صنع القرار، والإلمام بمكامن الأمور وخفاياه وتطوعيه، في معرض رسم آفاق الهجوم على الآخر – المختلف أو المخالف – من خلال السيطرة على كيانه وكاهله المنهكين ( بقوة ) الإقناع وسطوة ( الاقتناع )، ندرك كل الإدراك بأن عند كل كبوة أو هزيمة أو انكسار أو تشظٍ، هناك مشروع – مخرج – وقفزة في الهواء لإدارة الأزمة، وفي معظمها، نضالية وثوروية ..
تلاحمية وتوحيدية، حتى يبدو للمراقب أن ساعة التغيير في نمط التعاطي والتعامل – الكلاسيكيين الكرديين – في الجسم الحزبي قد أزف، وأن ( العقل السياسي ) الكردي بدأ يرنو إلى المستقبل من زاوية نظر جديدة، من انطلاقة راديكالية، ينسف البائد ويمهد للبناء على ما هو جديد ومواكب للمستجدات، حتى ما أن تصطدم مع وقائع ومستجدات، أو تتحول إلى مختبرات الفعل، سواء أكانت هذه – المختبرات – تابعة للطموح الكردي، أو لمخططات هي خارجة عن إرادتنا، تظهر على حقيقتها، على أنها كانت مجرد جلد أفعى لا أكثر، يتم الخروج منه دون أن يمس دعاة التغيير بمكاسبهم وامتيازاتهم ومصادرهم بسوء .
وهنا، نهيب بكم أيها الرفاق بكل إخلاص وتفان، الوقوف على حقيقة المشروع الوحدوي الذي يعقد عليه الآمال حتى لا يأخذ طريقه إلى النفق المظلم، أو إلى مثيلاته في الخيبة وانكسار الأحلام والآمال، لأننا لو تجردنا قليلاً من العاطفة، وحاولنا وضع اليد على الجرح، وتسمية الأشياء بمسمياتها، نستطيع القول، بأن الحركة الحزبية الكردية عموماً، فاقدة لمعطيات تعاملها مع طرحها بذات الشخوص والرموز والآليات، وواقعة في تخبطات سياسية لا تستطيع معها من ترجمة الطرح إلى فعل وممارسة، أي مسلوبة الإرادة والقرار، كونها واقعة بين فكي كماشة، السلطة بمشاريعها وسياساتها وممارساتها الشوفينية من جهة، والولاءات السياسية – المجانية – الموزعة لهذا الطرف الكردستاني أو ذاك، ولهذا المصدر أو تلك، من جهة أخرى .
وهذا ما يذكرنا بالأمس القريب، حين كانت الحركة الحزبية – وانسجاماً مع موجة المرحلة وسماتها – مشتتة – فكرياً – ومنقسمة على نفسها بين ما كان تسمى بالتيارات اليسارية أو اليمينية، وقد أفرزت تلك الحالة نتائجها على شكل بثور ودمامل متشظية ومتناثرة، وغير قابلة للالتئام في كاهل الجسم الكردي، وراحت تبحث – من جديد – عن ( قواسم ) جامعة لحالتها، فكانت المشاريع الاحتوائية والمبادرات الترقيعية .
وبعد أن تغيرت المعادلات والمفاهيم، وبرز في التعامل خطاب جديد على المستوى الكوني، أدارت الحركة الحزبية الكردية بوصلتها، محاولة منها مواكبة مفردات الخطاب الغازي، والظهور بمظهر الحامل للمشروع التغيري الكردي، والمعبر عن تطلعات مختلف الشرائح .
ولكن – وفي هذه المرة أيضاً – بنفس الشخوص ونفس الآليات والأدوات وتوزيع الأدوار، سوى بعض الترقيعات التي بدأت تظهر هنا وهناك، كل ذلك دون أن نبحث عن جذور المشكلة، والأسباب التي أدت بنا إلى المآل الذي نحن عليه، والإسقاطات السياسية والمعرفية لبعض المفاهيم والمصطلحات من حيث الطرح والممارسة ..
؟.
بمعنى آخر، واستناداً على ما ذكر، فإن أي مشروع سياسي يطرح من قبل القيادات الحزبية يصطدم مباشرة بالجهتين المشار إليهما – السلطة والولاءات – ويجري التعامل معه – المشروع – من قبلهما – سلباً أو إيجاباً – بقدر تجاوبه مع أهدافها وغاياتها ..
مع إننا – وانسجاماً مع هذا الفهم – لم نحاول النفخ في قِرب مقطوعة، أو مطالبة هذه القيادات بما لا طاقة لها به، بل نطالبها بالممكنات، ولكن شريطة الركون إلى الصدقية والمصداقية في التعبير عن حقيقتها – على الأقل في حدودها الدنيا، والابتعاد عن المناورة على عقول ومشاعر الشارع الكردي والاستخفاف به، كما يحصل دائماً، وقد حصلت أكثر فقاعةً في آذار / المقاومة، ونتوجس خيفةً من حصولها في معرض حالتنا الوحدوية، والتي تشكل بالنسبة لنا قضية مصير أكثر من أي شيء آخر .
حسب ما أعتقد، أن أية حركة كحالة حركتنا، مشتتة بين مجموعة من الأطر والأطر المتداخلة أو المختلفة والمخالفة، غالبيتها مغيبة عن الفعل والقرار منذ زمن، بحكم استنفاذها لعوامل وجودها، وتبحث لنفسها – كمجموع – عن قواسم مشتركة بغية التعبير عن ذاتها، سوف لن تكون لها إرادة الفعل، وإدارة الموقف إلا من خلال توازنات خاصةً بها، أو خاضعة لمشيئة إملاءات فوقية، مع أن الشارع الكردي، قد استغاث مطالباً نجدتها في آذار، تعبيراً عن حسه القومي، بأن الفعل يحتاج أدواته، وأن ما أصاب الكرد في الوضع الحرج، قد يخرج الأطر من سباتها.
إلا أن بوصلة المجوع – الذي تشكل حينها بقدرة قادر – كانت تدار وفق مشيئة بعض الاجتماعات البينية، حتى كادت تفقد زمام المبادرة، ولا تعي تماماً أبعاد مواقفها.
حيث بدأ – كتحصيل حاصل – علامات الانسجام بين المجموع من جهة، والتخبط المزمن يجتاح الموقف والقرار من جهة أخرى، وبرز إلى السطح – في معركة إعلامية دعائية مقننة، جلها في الزوايا المغلقة، وبعضها في العلن – العديد من المصطلحات التي تشرح صورة الوضع، من انتقاضة، أحداث دامية، وفتنة مفتعلة..إلخ.
حتى كادت التهدئة تصعيداً والتصعيد تهدئة .
كل ذلك دون الوقوف على المصطلح نفسه، وماذا يعني، وماذا يفرز، وماذا يتطلب من جراء تبنيه .
لأن ما تم حشره في نسق المجموع كإطار مرحلي، لا يمكن له أن يخرج بما يعبر لا عن رأي طرف بعينه، خاصةً الأطراف التي كانت تعبر عن نفسها بشيء من التمايز، ولا عن رأي الشارع .
أعتقد أن ما حصل، يجب أن يكون قد شكل درساً وتجربة للشارع الكردي، الذي يفتقد حقيقة إلى تجارب من النوع التي حدثت، وللحركة الحزبية، ولنا على وجه الخصوص، لنعيد النظر في حساباتنا، كي نقف على حقيقة ثقلنا التنظيمي والجماهيري، وخطابنا السياسي، ونبتعد بذلك عن المتناقضات، لأنه دون امتلاك خطاب متزن، وتفهم معادلة ربط الحالة الكردية بعموم الحالة الوطنية عبر مشروع سياسي واضح الملامح، لا يمكن إنجاز خطوة واحدة على طريق تحقيق أي إجماع سياسي كردي، ويمكن أن نقف في السياق ذاته على اللهجة المتصاعدة في الخطاب بين غالبية الرفاق إلى درجة الخروج عن الموضوعية، والتي تعود بمردها إلى عدم وجود آلية عمل سياسية يمكن الاستناد إليها في رسم الموقف السياسي في الحزب، وإنما يبقى في الكثير منها رهن المواقف الارتجالية والخطابات المواقفية .
أيها الرفاق أيتها الرفيقات ..
حين يمارس أحدنا تكتيكاً معيناً أو لعبة سياسية، يعتقد في قرارة نفسه بأن ما يفكر به أو يخطط له خارج عن نطاق تفكير الآخرين، خاصةً إذا كان يتعامل مع هذا الآخر وفق نظرة فوقية، أو ينظر إليه على أنه معتوه ولا يمتلك مقومات التفكير، إلا أنه سرعان ما يكتشف بأن كل التكتيكات أضحت مكشوفة في زمن له مختصوه ومتخصصيه في فك الرموز والألغاز ..
خاصةً وأن الهاجس الذي يلفنا – نحن الرفاق – في هذه المرحلة، هو هاجس الارتقاء بالحالة الحزبية كمشروع سياسي / تنظيمي، يمتلك القدرة على استيعاب المرحلة، ويلبي البعض من طموحاتنا، وهذا لا يمكن له أن يتحقق إلا إذا كنا نمتلك الدافع نحو الوقوف على مجمل التخبطات التي حصلت من جهة، ورصد مجمل المسائل والإشكاليات السياسية العالقة، سواء الوطنية منها أو القومية، وسواء التنظيمية منها أو السياسية، وهي مرهونة بمدى امتلاكنا بمبادئ الفكر والمعرفة، وقدرتنا على التحليل وربط العوامل الذاتية والموضوعية بما يجري في المنطقة من تغييرات جوهرية .
لأن عملية الهدم والبناء تحتاج إلى فكر نقدي، ووسائل عملية، وبرنامج سياسي واضح الصيغ والمعالم، بالإضافة إلى قيادة ميدانية ملمة بحيثيات الأمور، وكذلك ما يسمى بدستور وقوانين الضبط، والذي يتجسد في حالة الأطر بالنظام الداخلي .
فمن حيث النظام الداخلي، نعتقد أن المهمة الأساسية، أو المدخل الصحيح، نحو البناء يكمن في هدم الحلقة القوية والضعيفة في آن معاً في النظام الداخلي، والتي تتجسد في مفهوم المركزية الديمقراطية في البناء الحزبي .
تلك الحلقة القوية في تسلط القيادة على كل الحزب واحتكارها لكل الحزب، والضعيفة في تواصل الحزب مع الشارع والسياسة معاً.
كون أن الفكرة تجسد مبدأ التبعية وولاية الفقيه، لا المساهمة والإحساس بمسؤولية بناء الموقف ونشره وتعميمه، خاصةً إذا أدركنا بأن مجمل النظم الداخلية لأحزابنا هي نسخة كربونية من عصر الستالينية، وهي التي تمهد لاستفحال الأزمات داخل الكيان الحزبي كنتيجة لعدم استيعابه للعضو الحزبي كإنسان له من الحضور والرأي والمواقف، علاوةً على أن التغييرات التي تحصل في بعض النظم، ومنها النظام الداخلي لحزبنا، لم يجد تجسيداته على أرض الواقع، وذلك بحكم الموروثات والثقافة التي تنتج الأداء التنظيمي، بمعنى آخر فإن العلة تكمن في السلوكيات قبل القوانين، ولكوننا لا نمتلك أدوات الردع والزجر، فإن النظام الداخلي وبنوده يكونان بمنأى عما يجري داخل الجسم التنظيمي .
وتتصل هذه الحلقة مباشرةً بنقطة أهم وأشد وطأة على الحياة الحزبية، والتي تتلخص في شخصنة الحزب، من خلال ولاء الأدنى للأعلى .
هذه النقطة التي هي سبب مجمل السلبيات من اصطفافات وتوازنات وولاءات في الجسم الحزبي.
لذلك لا بد من الوقف عليها، وتسخيرها وفق مفردات العصر، ومفاهيم الديمقراطية .
بحيث يجب أن يكون هناك ضابط زمني للقيادة، تجنباً من اصطباغ الحزب بالشخوص، ومساهمة في فتح المجال أمام الطموحات والخبرات، وكل ذلك إضافةً إلى تمتع المنظمات الحزبية بنوع من اللامركزية في القرار، بهدف إخراج الحزب من دائرة الملكية الخاصة إلى ملكية كل الرفاق .
علاوةً على هذه النقاط، ينبغي التواصل مع الشارع من خلال مجالس مناطقية مهمتها البحث في الشؤون السياسية العامة، وما يتصل بهموم المنطقة ..
هذه النقاط – إذا ما تحققت – من شأنها فتح آفاق ضيئلة أمام تطور الجسم التنظمي، وتبقى رهن القيود على الصعيد السياسي، إذا لم تمتلك وتستند على ذهنية العمل السياسي الأفقي.
بمعنى إشراك مجمل الفعاليات الكردية الفاعلة في صنع القرار الحزبي.
وهذا يتطلب امتلاك ثقافة الانفتاح على الشارع، والتخلي عن المكتسبات الحزبية التنظيمية الوهمية.
بحيث نرتقي إلى إمكانية تشكيل لجان مهمتها التواصل مع الشرائح المستقلة، وإن أمكن تأطيرها بشكل ينسجم وطموحاتها، بغية إشراكها في رسم القرار .
باختصار، ردم الحواجز بين ما هو حزبي ومستقل .
هذه العملية بحد ذاتها، تعتبر بمثابة المحك وحقل اختبار لنجاح الفكرة، بحيث إذا ما تحققت، يمكن إنجاز قيادة ميدانية متخصصة، وذلك بمشاركة المستقل الذي لديه الاستعداد بالانخراط في العمل التنظيمي، سواء بشكله المباشر أو من خلال هيئات استشارية.
خلاصة القول بهذا الخصوص، أن نمتلك القدرة والرغبة على لفظ موروثات أشكال العمل النضالي العقيم.
أيها الرفاق أيتها الرفيقات ..
أود أن أعبر عن قناعتي، بأن الوضع الحزبي عامة، ووضع القيادة خاصةً في طريقه إلى ما يمكن أن نسميه بالتأزيم، وهذا ما يجب أن يدركه الرفاق .
وأن ما يجري داخل الحزب، هي ليست بالأزمة كما يحاول البعض تسميته أو الدخول من خلاله، وإنما هي عملية تازيم قد يكون الهدف من ورائها خلق حالة من التوازنات السياسية والتنظيمية الضيقة التي قد تخدم مراكز بعينها، وأن المخرج من هذه الحالة يكمن في اتجاهين بحسب النظر إليهما، فإما أن ننظر إلى الحزب كمشروع سياسي يحتاج إلى أدواته وآلياته، وبالتالي نفكر في تجسيدات الحالة الديمقراطية في الإطار الحزبي، وذلك عبر تداول السلطة، وفي كافة المستويات، وعدم إعطاء أية أولويات أو مكاسب لأحد على حساب الآخرين، وإما أن ننظر إليه على أنه حالة تنظيمية في مرحلة التأسيس لذاك المشروع، وبالتالي فالحاجة تكمن في بعض التوافقات إلى أن ننجز المشروع المنشود، وهنا لا بد من أخذ المعطيات السياسية والتنظيمية والجغرافية في الحزب بعين الاعتبار، وإلا فإن المشروع برمته سيكون أمام جدار مسدود، ولنا في بعض الإشكاليات التي تحصل في البعض من منظماتنا الحزبية خير مثال، سواء في الداخل أو في الخارج، مع إني أميل إلى الاعتقاد بأن هناك من ينفخ في الرماد لخدمة توازناته الشخصية في الحزب، وبالمنطق نفسه، ووفقاً للخيارات الآنفة الذكر، يمكن التعامل مع الجهازين الإعلامي والمالي في الحزب ..
إن فرص النجاح لهذه التجربة – كما أعتقد – لم تستنفذ بعد، وإن وسائل المعالجة ما زالت متاحة وهي في متناول اليد إذا ما كانت لدينا الإرادة نحو تصحيح المسار، والاتخاذ من هذه التجربة قضية نضالية ببعيدها القومي والوطني، وضمن سياقات الفعل النضالي، وهي كما يترائ لي تتلخص في أكثر من مجال :
فبالإمكان تحييد اللجنة السياسية عن العمل التنظيمي بشكل مطلق، بحيث يتم تعديل النظام الداخلي والإقرار فيه بأن لا يحق لأعضاء اللجنة السياسية التعامل مع الجسم التنظيمي، وتكون مهمتها محصورة في أدائها السياسي من تحليل ورسم المواقف وأيضاً القيام بنشاطات سياسية، أو دعوة ما كانت تسمى قبل المؤتمر بالأمانة العامة إلى التراجع نحو الخطوط الخلفية، وذلك ليس من باب الطعن أو التشكيك بمصداقيتهم، بقدر أنهم وبحكم ما تم في الجسم الحزبي من بعض التجاذبات والتناحرات قد شكلوا أطرافاً لتوازنات معينة، وأن مجرد محاسبة البعض منهم يوحي بأن هناك اصطفاف إلى جانب الآخر، وهذا ما فيه لجم لآليات المحاسبة وإقحام لسلوكيات لا تخدم العمل النضالي ..
ولا نغالي إن قلنا بأن هناك مشكلة تتصل بما أوردناه، وهي تتجسد في تبوأ عناصر غير كفوءة للمواقع القيادية، ومع كل التقدير والاحترام لمكانتهم وتاريخهم النضالي، أدعوهم – مخلصاً – إلى إعادة النظر في مواقعهم، لأن وجودهم في مثل هذه المواقع يشكل نقطة ضعف وعلامة ترهل في الجسم الحزبي، إضافةً إلى أنهم وبما هم عليه من آفاق وإمكانيات، يشكلون بالرغم عنهم، نقاط ضعف أو ارتكاز في بعض الاصطفافات والتوازنات، وإن الجرأة ومصلحة الحزب تتطلب منهم التراجع حتى لا يشكلوا حلقة إضافية في حالة التأزيم ..
وانطلاقاً من إيماني بهذه التجربة، وعلى علاتها، وانطلاقاً من قناعتي بأنه لا يمكن لنا إنجاز أكثر مما أنجزناه، وذلك بحكم الواقع وقوانينه، وتماشياً مع مصلحة قضيتنا العادلة وقدسية نضالنا المشروع، أناشد الجميع وأدعوهم مخلصاً، سواء من هم داخل الأطر التنظيمية، أو من هم خارجها، أو على تماس بالحزب، وحتى الذين أصدروا بعض البيانات والتصريحات والنداءات، العودة إلى نوع من مراجعة الذات، إذا كانوا صادقين في إخلاصهم للتجربة الوحدوية، إلا إذا كان هناك البعض الذي لا هدف له سوى التحرش بالتجربة، فلهذا موقفه ولنا موقف منه ..
عوداً على بدء أقول، إن التجربة التي نخوضها هي جزء من قناعاتنا ووجداننا، وإن كنت على يقين بأن قضية الشعب الكردي وتطوره ليست مرهونة على وجود هذا الحزب أو ذاك، وأننا كشركاء في هذه التجربة على عاتقنا تقع مسؤولية الحفاظ عليه عبر الركون إلى وسائل التواصل وعقلنة الحوار، بدلاً من الدخول في مواجهات لا تخدم الحزب في أي شكل من أشكاله، هذه المواجهات التي تقودنا إلى حيث المهاترات وكذلك الطعن في الرفاق، لأنه ينبغي علينا أن نكون على تلك القناعة بأن التجربة لم تجتاز بعد محكها العملي، وأن مجمل الفعاليات النضالية التي أقدم الحزب عليها، كانت بمثابة نقاط العبور إلى حيث تجسيد الخطوة، وبالترافق مع ذلك فإني على قناعة تامة بأن ليس كل من انخرط في الحزب يمتلك قدرة الاستمرار، وبالتالي فإذا كان هناك من ينفخ في مشاكل معينة بهدف خلق المبررات لحالة الرحيل لنفسه، أعتقد أنه من الأنسب له، واحتراماً لمشاعر الغير، أن يرحل دون الخدش في التجربة نفسها، كما أهيب بقيادة الحزب وأدعوها مخلصاً عدم الانجرار خلف بعض المظاهر السلبية التي تطفوا على السطح من جانب بعض الرفاق الذين يتحرشون في التجربة لأسباب قد لا ندركها، والتي يجب أن تكون موضع الدراسة والتمحيص من جانبها ..
فالوضع الحزبي لا يحتمل الانقلابات كما لا يحتمل التحرش أو سبل التهجم على هذا أو ذاك، وما نحن بأمس الحاجة إليه هو اجتياز هذه المرحلة من حياة الحزب وإن كانت مبينة على توافقات معينة حتى يغدو الحزب وفق طابعه ونمطه بعيداً عن مرتكزات نحاول هدمها واجتيازها، إضافةً إلى أن المستقبل سوف لن يرحمنا إذا ما سلكنا سبيل الطعن في التجربة انطلاقاً من امتيازات شخصية أو وفق حسابات ضيقة، لأن في ذلك هدم وثم تهديم، فينبغي ألا يفكر أحدنا بأنه يقود قطيعاً من البشر سوف يلتحق به أنما شاء وحيث أراد ..
مرةً أخرى ندعوكم إلى التفاعل مع المستجدات انطلاقاً من شعور الكردايتي الذي ينسف كل ما هو شخصي ومتصل بالتوازنات الحزبية الضيقة، كما أدعوكم إلى احترام المنطلقات التي أنتجت آزادي، والتي في مجملها مجبولة بعرق المناضلين ودماء الشهداء ..
ودمتم
التوقيع : رفيقكم المخلص للتجربة النضالية
ملاحظة : تحاشياً لسوء الفهم الذي قد يلف البعض من الرفاق، توخيت أن يكون النداء دون توقيع بالاسم ..
حين يمارس أحدنا تكتيكاً معيناً أو لعبة سياسية، يعتقد في قرارة نفسه بأن ما يفكر به أو يخطط له خارج عن نطاق تفكير الآخرين، خاصةً إذا كان يتعامل مع هذا الآخر وفق نظرة فوقية، أو ينظر إليه على أنه معتوه ولا يمتلك مقومات التفكير، إلا أنه سرعان ما يكتشف بأن كل التكتيكات أضحت مكشوفة في زمن له مختصوه ومتخصصيه في فك الرموز والألغاز ..
خاصةً وأن الهاجس الذي يلفنا – نحن الرفاق – في هذه المرحلة، هو هاجس الارتقاء بالحالة الحزبية كمشروع سياسي / تنظيمي، يمتلك القدرة على استيعاب المرحلة، ويلبي البعض من طموحاتنا، وهذا لا يمكن له أن يتحقق إلا إذا كنا نمتلك الدافع نحو الوقوف على مجمل التخبطات التي حصلت من جهة، ورصد مجمل المسائل والإشكاليات السياسية العالقة، سواء الوطنية منها أو القومية، وسواء التنظيمية منها أو السياسية، وهي مرهونة بمدى امتلاكنا بمبادئ الفكر والمعرفة، وقدرتنا على التحليل وربط العوامل الذاتية والموضوعية بما يجري في المنطقة من تغييرات جوهرية .
لأن عملية الهدم والبناء تحتاج إلى فكر نقدي، ووسائل عملية، وبرنامج سياسي واضح الصيغ والمعالم، بالإضافة إلى قيادة ميدانية ملمة بحيثيات الأمور، وكذلك ما يسمى بدستور وقوانين الضبط، والذي يتجسد في حالة الأطر بالنظام الداخلي .
فمن حيث النظام الداخلي، نعتقد أن المهمة الأساسية، أو المدخل الصحيح، نحو البناء يكمن في هدم الحلقة القوية والضعيفة في آن معاً في النظام الداخلي، والتي تتجسد في مفهوم المركزية الديمقراطية في البناء الحزبي .
تلك الحلقة القوية في تسلط القيادة على كل الحزب واحتكارها لكل الحزب، والضعيفة في تواصل الحزب مع الشارع والسياسة معاً.
كون أن الفكرة تجسد مبدأ التبعية وولاية الفقيه، لا المساهمة والإحساس بمسؤولية بناء الموقف ونشره وتعميمه، خاصةً إذا أدركنا بأن مجمل النظم الداخلية لأحزابنا هي نسخة كربونية من عصر الستالينية، وهي التي تمهد لاستفحال الأزمات داخل الكيان الحزبي كنتيجة لعدم استيعابه للعضو الحزبي كإنسان له من الحضور والرأي والمواقف، علاوةً على أن التغييرات التي تحصل في بعض النظم، ومنها النظام الداخلي لحزبنا، لم يجد تجسيداته على أرض الواقع، وذلك بحكم الموروثات والثقافة التي تنتج الأداء التنظيمي، بمعنى آخر فإن العلة تكمن في السلوكيات قبل القوانين، ولكوننا لا نمتلك أدوات الردع والزجر، فإن النظام الداخلي وبنوده يكونان بمنأى عما يجري داخل الجسم التنظيمي .
وتتصل هذه الحلقة مباشرةً بنقطة أهم وأشد وطأة على الحياة الحزبية، والتي تتلخص في شخصنة الحزب، من خلال ولاء الأدنى للأعلى .
هذه النقطة التي هي سبب مجمل السلبيات من اصطفافات وتوازنات وولاءات في الجسم الحزبي.
لذلك لا بد من الوقف عليها، وتسخيرها وفق مفردات العصر، ومفاهيم الديمقراطية .
بحيث يجب أن يكون هناك ضابط زمني للقيادة، تجنباً من اصطباغ الحزب بالشخوص، ومساهمة في فتح المجال أمام الطموحات والخبرات، وكل ذلك إضافةً إلى تمتع المنظمات الحزبية بنوع من اللامركزية في القرار، بهدف إخراج الحزب من دائرة الملكية الخاصة إلى ملكية كل الرفاق .
علاوةً على هذه النقاط، ينبغي التواصل مع الشارع من خلال مجالس مناطقية مهمتها البحث في الشؤون السياسية العامة، وما يتصل بهموم المنطقة ..
هذه النقاط – إذا ما تحققت – من شأنها فتح آفاق ضيئلة أمام تطور الجسم التنظمي، وتبقى رهن القيود على الصعيد السياسي، إذا لم تمتلك وتستند على ذهنية العمل السياسي الأفقي.
بمعنى إشراك مجمل الفعاليات الكردية الفاعلة في صنع القرار الحزبي.
وهذا يتطلب امتلاك ثقافة الانفتاح على الشارع، والتخلي عن المكتسبات الحزبية التنظيمية الوهمية.
بحيث نرتقي إلى إمكانية تشكيل لجان مهمتها التواصل مع الشرائح المستقلة، وإن أمكن تأطيرها بشكل ينسجم وطموحاتها، بغية إشراكها في رسم القرار .
باختصار، ردم الحواجز بين ما هو حزبي ومستقل .
هذه العملية بحد ذاتها، تعتبر بمثابة المحك وحقل اختبار لنجاح الفكرة، بحيث إذا ما تحققت، يمكن إنجاز قيادة ميدانية متخصصة، وذلك بمشاركة المستقل الذي لديه الاستعداد بالانخراط في العمل التنظيمي، سواء بشكله المباشر أو من خلال هيئات استشارية.
خلاصة القول بهذا الخصوص، أن نمتلك القدرة والرغبة على لفظ موروثات أشكال العمل النضالي العقيم.
أيها الرفاق أيتها الرفيقات ..
أود أن أعبر عن قناعتي، بأن الوضع الحزبي عامة، ووضع القيادة خاصةً في طريقه إلى ما يمكن أن نسميه بالتأزيم، وهذا ما يجب أن يدركه الرفاق .
وأن ما يجري داخل الحزب، هي ليست بالأزمة كما يحاول البعض تسميته أو الدخول من خلاله، وإنما هي عملية تازيم قد يكون الهدف من ورائها خلق حالة من التوازنات السياسية والتنظيمية الضيقة التي قد تخدم مراكز بعينها، وأن المخرج من هذه الحالة يكمن في اتجاهين بحسب النظر إليهما، فإما أن ننظر إلى الحزب كمشروع سياسي يحتاج إلى أدواته وآلياته، وبالتالي نفكر في تجسيدات الحالة الديمقراطية في الإطار الحزبي، وذلك عبر تداول السلطة، وفي كافة المستويات، وعدم إعطاء أية أولويات أو مكاسب لأحد على حساب الآخرين، وإما أن ننظر إليه على أنه حالة تنظيمية في مرحلة التأسيس لذاك المشروع، وبالتالي فالحاجة تكمن في بعض التوافقات إلى أن ننجز المشروع المنشود، وهنا لا بد من أخذ المعطيات السياسية والتنظيمية والجغرافية في الحزب بعين الاعتبار، وإلا فإن المشروع برمته سيكون أمام جدار مسدود، ولنا في بعض الإشكاليات التي تحصل في البعض من منظماتنا الحزبية خير مثال، سواء في الداخل أو في الخارج، مع إني أميل إلى الاعتقاد بأن هناك من ينفخ في الرماد لخدمة توازناته الشخصية في الحزب، وبالمنطق نفسه، ووفقاً للخيارات الآنفة الذكر، يمكن التعامل مع الجهازين الإعلامي والمالي في الحزب ..
إن فرص النجاح لهذه التجربة – كما أعتقد – لم تستنفذ بعد، وإن وسائل المعالجة ما زالت متاحة وهي في متناول اليد إذا ما كانت لدينا الإرادة نحو تصحيح المسار، والاتخاذ من هذه التجربة قضية نضالية ببعيدها القومي والوطني، وضمن سياقات الفعل النضالي، وهي كما يترائ لي تتلخص في أكثر من مجال :
فبالإمكان تحييد اللجنة السياسية عن العمل التنظيمي بشكل مطلق، بحيث يتم تعديل النظام الداخلي والإقرار فيه بأن لا يحق لأعضاء اللجنة السياسية التعامل مع الجسم التنظيمي، وتكون مهمتها محصورة في أدائها السياسي من تحليل ورسم المواقف وأيضاً القيام بنشاطات سياسية، أو دعوة ما كانت تسمى قبل المؤتمر بالأمانة العامة إلى التراجع نحو الخطوط الخلفية، وذلك ليس من باب الطعن أو التشكيك بمصداقيتهم، بقدر أنهم وبحكم ما تم في الجسم الحزبي من بعض التجاذبات والتناحرات قد شكلوا أطرافاً لتوازنات معينة، وأن مجرد محاسبة البعض منهم يوحي بأن هناك اصطفاف إلى جانب الآخر، وهذا ما فيه لجم لآليات المحاسبة وإقحام لسلوكيات لا تخدم العمل النضالي ..
ولا نغالي إن قلنا بأن هناك مشكلة تتصل بما أوردناه، وهي تتجسد في تبوأ عناصر غير كفوءة للمواقع القيادية، ومع كل التقدير والاحترام لمكانتهم وتاريخهم النضالي، أدعوهم – مخلصاً – إلى إعادة النظر في مواقعهم، لأن وجودهم في مثل هذه المواقع يشكل نقطة ضعف وعلامة ترهل في الجسم الحزبي، إضافةً إلى أنهم وبما هم عليه من آفاق وإمكانيات، يشكلون بالرغم عنهم، نقاط ضعف أو ارتكاز في بعض الاصطفافات والتوازنات، وإن الجرأة ومصلحة الحزب تتطلب منهم التراجع حتى لا يشكلوا حلقة إضافية في حالة التأزيم ..
وانطلاقاً من إيماني بهذه التجربة، وعلى علاتها، وانطلاقاً من قناعتي بأنه لا يمكن لنا إنجاز أكثر مما أنجزناه، وذلك بحكم الواقع وقوانينه، وتماشياً مع مصلحة قضيتنا العادلة وقدسية نضالنا المشروع، أناشد الجميع وأدعوهم مخلصاً، سواء من هم داخل الأطر التنظيمية، أو من هم خارجها، أو على تماس بالحزب، وحتى الذين أصدروا بعض البيانات والتصريحات والنداءات، العودة إلى نوع من مراجعة الذات، إذا كانوا صادقين في إخلاصهم للتجربة الوحدوية، إلا إذا كان هناك البعض الذي لا هدف له سوى التحرش بالتجربة، فلهذا موقفه ولنا موقف منه ..
عوداً على بدء أقول، إن التجربة التي نخوضها هي جزء من قناعاتنا ووجداننا، وإن كنت على يقين بأن قضية الشعب الكردي وتطوره ليست مرهونة على وجود هذا الحزب أو ذاك، وأننا كشركاء في هذه التجربة على عاتقنا تقع مسؤولية الحفاظ عليه عبر الركون إلى وسائل التواصل وعقلنة الحوار، بدلاً من الدخول في مواجهات لا تخدم الحزب في أي شكل من أشكاله، هذه المواجهات التي تقودنا إلى حيث المهاترات وكذلك الطعن في الرفاق، لأنه ينبغي علينا أن نكون على تلك القناعة بأن التجربة لم تجتاز بعد محكها العملي، وأن مجمل الفعاليات النضالية التي أقدم الحزب عليها، كانت بمثابة نقاط العبور إلى حيث تجسيد الخطوة، وبالترافق مع ذلك فإني على قناعة تامة بأن ليس كل من انخرط في الحزب يمتلك قدرة الاستمرار، وبالتالي فإذا كان هناك من ينفخ في مشاكل معينة بهدف خلق المبررات لحالة الرحيل لنفسه، أعتقد أنه من الأنسب له، واحتراماً لمشاعر الغير، أن يرحل دون الخدش في التجربة نفسها، كما أهيب بقيادة الحزب وأدعوها مخلصاً عدم الانجرار خلف بعض المظاهر السلبية التي تطفوا على السطح من جانب بعض الرفاق الذين يتحرشون في التجربة لأسباب قد لا ندركها، والتي يجب أن تكون موضع الدراسة والتمحيص من جانبها ..
فالوضع الحزبي لا يحتمل الانقلابات كما لا يحتمل التحرش أو سبل التهجم على هذا أو ذاك، وما نحن بأمس الحاجة إليه هو اجتياز هذه المرحلة من حياة الحزب وإن كانت مبينة على توافقات معينة حتى يغدو الحزب وفق طابعه ونمطه بعيداً عن مرتكزات نحاول هدمها واجتيازها، إضافةً إلى أن المستقبل سوف لن يرحمنا إذا ما سلكنا سبيل الطعن في التجربة انطلاقاً من امتيازات شخصية أو وفق حسابات ضيقة، لأن في ذلك هدم وثم تهديم، فينبغي ألا يفكر أحدنا بأنه يقود قطيعاً من البشر سوف يلتحق به أنما شاء وحيث أراد ..
مرةً أخرى ندعوكم إلى التفاعل مع المستجدات انطلاقاً من شعور الكردايتي الذي ينسف كل ما هو شخصي ومتصل بالتوازنات الحزبية الضيقة، كما أدعوكم إلى احترام المنطلقات التي أنتجت آزادي، والتي في مجملها مجبولة بعرق المناضلين ودماء الشهداء ..
ودمتم
التوقيع : رفيقكم المخلص للتجربة النضالية
ملاحظة : تحاشياً لسوء الفهم الذي قد يلف البعض من الرفاق، توخيت أن يكون النداء دون توقيع بالاسم ..