افتتاحية نشرة يكيتي *
احتفلت الأحزاب الكردية في كردستان سوريا في 14/6/2004 بذكرى مرور /50/ عاماً على تأسيس أول تنظيم سياسي كردي في سوريا.
ولعل وقفة هادئة على واقع الحركة السياسية في سوريا بعد هذا التاريخ أضحت ضرورة قومية، خاصة إذا علمنا أن جميع الأحزاب الكردية اليوم، وبمختلف أطرها، وليدة هذا الحزب.
احتفلت الأحزاب الكردية في كردستان سوريا في 14/6/2004 بذكرى مرور /50/ عاماً على تأسيس أول تنظيم سياسي كردي في سوريا.
ولعل وقفة هادئة على واقع الحركة السياسية في سوريا بعد هذا التاريخ أضحت ضرورة قومية، خاصة إذا علمنا أن جميع الأحزاب الكردية اليوم، وبمختلف أطرها، وليدة هذا الحزب.
لذا يُطرح سؤال بديهي: لم كل هذا التشرذم؟ هل هناك خطأ ما في ولادة هذا التنظيم؟ أم أن واقعاً آخر فرض عليه وأفرز هذه الحالة المشؤومة؟ أين أخفق؟ وفيمَ وُفّق؟
إن استعراضاً سريعاً لبدايات النشوء قد يضعنا في الصورة الواقعية لما نحن عليه اليوم.
فمن المعلوم أن التنظيم تشكل من خليط مجتمعي غير متجانس فكرياً واجتماعياً (رجال دين، زعماء عشائر، بكوات، عمال، وفلاحين..)، تجمعهم العاطفة القومية لا أكثر دون القدرة على تحديد الأهداف والمطالب، فالقسم الرئيس من المؤسسين الأوائل كانوا من أولئك الذين لجؤوا إلى كردستان سوريا من كردستان تركيا بعد انهيار ثورة الشيخ سعيد /1925/ (أوصمان صبري، نور الدين زازا، بكوات..الخ)، وكان يحدوهم أمل تحرير شعبهم.
لذا كانوا بحاجة إلى كل طاقات شعبهم في سوريا، واستثمارها في خدمة أهدافهم الرئيسة.
ولم تكن مسألة الحدود تدخل ضمن رؤيتهم السياسية في بناء الحزب، لهذا كان شعار (تحرير وتوحيد كردستان) منسجماً مع آمالهم وتوجهاتهم، إلى أن جاءت الاعتقالات مبكراً في عهد الوحدة، ثم في عهد الانفصال، واصطدموا بواقع الجغرافيا والحدود، ولم يتمكن السواد الأعظم منهم من الدفاع عن برنامج الحزب، أو بالأحرى لم يدرك القسم الأعظم منهم التبعات السياسية لمثل هذا الشعار، لذلك بدأت التراجعات والانهيارات تدخل في جسم الحزب، من القاعدة وحتى القيادة؛ فمن مدافع عن هذا الشعار، إلى طرح فكرة الجمعية، ومفهوم الأقلية والشعب، إلى أن حُسم الموقف نهائياً بين تيارين برزا داخل الحزب في آب /1965/ حيث انقسم الحزب إلى جناحين؛ جناح تزعمه حميد درويش ورشيد حمو (الجناح اليميني) حيث اعتبر القضية الكردية في سوريا قضية أقلية كردية وما ينسحب على هذا الطرح من تأمين الحقوق الثقافية أسوة بالأرمن والسريان.
وتيار أطلق على نفسه (التيار اليساري) وكان يتزعمه أوصمان صبري مؤسس الحزب الرئيس، ومجموعة من الكوادر المتقدمة في الحزب، ويتركز جوهر القضية لديهم على اعتبار القضية الكردية قضية شعب، وما يترتب على ذلك من حقوق سياسية وثقافية واجتماعية، إضافة إلى بروز بدايات مفهوم الطبقات داخل المجتمع الكردي متأثراً، بشكل ملحوظ، بالمفاهيم الاشتراكية التي طغت على الفكر السياسي في الشرق الأوسط في ستينات وسبعينات القرن الماضي.واختفى عند التيارين مفهوم كردستان الموحدة، حيث أدركوا أن هناك واقعاً وحدوداً، وانقساماً لابد من العمل ضمنه، وليس خارجه، لكن مجيء البعث إلى السلطة عام 1963 بعنفوانه الشبابي، وبفكره العنصري أجهض عملية التفاعل والتطور الطبيعي للمسيرة السياسية للحركة الكردية، حيث بدأ بحملة اعتقالات واسعة في صفوف الشعب الكردي 1966 شملت الكوادر الحزبية والفعاليات الاجتماعية، ورافقت ذلك سلسلة من المشاريع العنصرية حيث نشر في عام 1965 نتائج الإحصاء الاستثنائي الذي أجري في محافظة الحسكة حصراً عام 1962 ، ثم كان التطبيق المشوه لقوانين الإصلاح الزراعي حيث استغل هذا القانون بنزع الأراضي من الكرد بشكل تعسفي في الأعوام 1965، 1966، 1967 واعتبارها مزارع دولة تقوم السلطة باستثمارها لحسابها الخاص.
والتهيئة لإنشاء الحزام العربي على طول الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا لفصل الكرد في سوريا عن الكرد في تركيا من خلال حزام من المستوطنين العرب تقوم الدولة ببناء قرى نموذجية لهم (مستوطنات) وتوزيع أراضي الكرد عليهم.
وبالفعل تم التنفيذ العملي في 24/6/1974، وتم بناء /39/ مستوطنة.
وكان من المفترض أن تستمر عملية البناء أكثر ويتم تهجير الكرد إلى الداخل أيضاً، إلا أن ظروفاً سياسية استجدت (دخول الجيش السوري إلى لبنان 1976، الصراع مع الإخوان المسلمين 1979) حالت دون تنفيذ المشروع بالكامل.
أما عمليات تعريب المدن والقرى والبلدات الكردية فمازالت مستمرة حتى اليوم، وكذلك عمليات النقل التعسفي وفصل الموظفين والطلبة الكرد.
ولم تتمكن الحركة الكردية من القيام بواجبها كما يجب، أو يفترض.
صحيح أن التيار اليساري حاول في مواقف عدة مقاومة هذا المشروع بشكل عملي (حوادث علي فرو، وكركند،…،..) في الستينات والسبعينات، إلا أنه وقف عاجزاً أمام بناء المستوطنات، خاصة بعد قيام النظام باعتقال قيادة وكوادر البارتي (الحزب الذي ولد من محاولة توحيد الحزبين 1970 في المؤتمر الوطني في كردستان العراق)، وبعض الكوادر من الحزب اليساري عام 1973.
ثم بدأت سلسلة الانقسامات بين صفوف هذه الأحزاب، ودخلت فيها الإيديولوجيا والنزاعات الشخصية والضغوطات الأمنية بشكل لم تعد الرؤى السياسية واضحة ومتبلورة لدى الأطراف المنقسمة على نفسها(الأفكار نفسها، والشعارات نفسها) ونتيجة لذلك حصل انفصام بين الجماهير والحركة السياسية الكردية، ولم تعد الجماهير تكترث بما يدور خلف الجدران المغلقة بين قيادات الأحزاب الكردية، وحصل تقوقع كبير وانحسار لدورها.
لذلك لم يكن غريباً أن يتم استقطاب قسم من الشارع الكردي إلى جمعية المرتضى في أوائل الثمانينات، وهي جمعية ذات طابع سياسي تحت ستار ديني يشرف على إدارتها جميل الأسد شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد.
إن دل هذا على شيء إنما يدل على إفلاس الحركة الكردية وعدم قدرتها على التأثير على جماهيرها، وبذلك تركتهم عرضة للمساومات الرخيصة أمام رموز النظام من خلال التلويح لهم بمكاسب شخصية، وحل قضية الأجانب فقط.
إضافة إلى هذا الواقع المؤلم ترك فراغاً كبيراً للشباب الكرد استطاع PKK استثمارها بشكل جيد لصالحه واستخدامهم في كردستان تركيا، واستشهد الآلاف ولا يزال الآلاف موجودين على الجبال في كردستان تركيا للمهمة نفسها.
ولم يتمكن النشاط المميز الذي قام به ثلاثة أحزاب كردية عام 1992 /توزيع الملصق/ من القيام بما يجب القيام به من استقطاب الشارع إلى جانبه إلا جزئياً.
صحيح أن هذه الأحزاب توحدت ضمن إطار حزب واحد عام 1993 إلا أن الخلاف بينها كان مبكراً، ولم تستمر سوى أربع سنوات، وكان الانقسام مرة أخرى، وكان اليأس مرة أخرى.
لكن التغييرات الكبرى التي حصلت في أوربا في التسعينات قد بدأت تطل برأسها في الشرق الأوسط في أوائل الألفية الجديدة، وحصل حراك سياسي كبير في سوريا تجسد في “ربيع دمشق” 2001، وقد استطاعت أحزاب كردية مجاراة هذا الحراك، ومنها حزب يكيتي الذي تمكن وفي فترة زمنية قصيرة من تحريك اللوحة السياسية الكردية بشكل إيجابي، والقيام بممارسات عملية جادة في هذا الصدد (اعتصام دمشق 2002، تظاهرة الأطفال 2003، مظاهرة قامشلي شباط 2004 أثناء استقبال الرفيقين حسن صالح ومروان عثمان، وكذلك نصب خيمة الاحتفال الجماهيري الكبير) ثم جاءت انتفاضة آذار 2004 لتضع حداً لحالة الركود السياسي، وبدأ الشارع الكردي بالغليان مطالباً الحركة الكردية بالتوحد والعمل معاً من أجل الدفاع عن حقوق الشعب الكردي وقضيته العادلة.
واليوم تجري محاولات جادة ومسؤولة من أجل توحيد الطاقات السياسية الكردية ولملمة صفوفها ووضعها في مسارها الصحيح، وذلك من خلال توحيد الرؤية السياسية الكردية، والعمل معاً من أجل مرجعية كردية تمثل بحق طموحات شعبنا، وتعبر بقوة عن إرادته.
وعلى الرغم من وجود صعوبات كبيرة أمام تحقيق هذا الهدف، نظراً لوجود قوى سياسية (تيار اليمين) تعمل بقوة من أجل إفشال هذا الجهد الكبير، إلا أن خطوات جادة قد قطعت في هذا المجال، ولم يعد ممكناً إيقافها رغم إلقاء العصي أمام مسيرتها ليل نهار.
من خلال ما تقدم نستطيع القول إن الحركة السياسية الكردية، ومن خلال مسيرتها الطويلة، استطاعت أن تنجح في إذكاء الروح القومية، وتنمية الوعي القومي، ونشر ثقافته ولغته بشكل مقبول بين الجماهير الكردية، كذلك وقفت في وجه السياسة العنصرية المتمثلة بالإلغاء والصهر القومي، وكذلك فضح هذه السياسة في الأوساط العربية والدولية، لكنها بالمقابل أخفقت في الإبقاء على طاقاتها موحدة، وكذلك في عدم قدرتها على القيام بممارسات نضالية عملية ترتقي إلى مستوى القضية، إضافة إلى الدخول في مهاترات جانبية وحتى شخصية، وتفشت في بعض مفاصلها ظاهرة المسايرة للنظام وحتى المساومة على القضية أحياناً.
وإذا كنا نعيش اليوم أجواء تبعث على التفاؤل، سواء من جهة نضوج الظروف السياسية الموضوعية التي تحيط بالشرق الأوسط، أو من جهة شعور الأطراف الكردية بضرورة بناء قدراتها الذاتية، وتوحيد طاقاتها في مواجهة استحقاقات المرحلة بكل تشعباتها وأجندتها.
فإن سؤالاً يدور في الخلد: هل ستنجح الحركة في مسعاها هذا؟ أم أن الإخفاق سوف يكون في انتظارها مرة أخرى؟!
إن استعراضاً سريعاً لبدايات النشوء قد يضعنا في الصورة الواقعية لما نحن عليه اليوم.
فمن المعلوم أن التنظيم تشكل من خليط مجتمعي غير متجانس فكرياً واجتماعياً (رجال دين، زعماء عشائر، بكوات، عمال، وفلاحين..)، تجمعهم العاطفة القومية لا أكثر دون القدرة على تحديد الأهداف والمطالب، فالقسم الرئيس من المؤسسين الأوائل كانوا من أولئك الذين لجؤوا إلى كردستان سوريا من كردستان تركيا بعد انهيار ثورة الشيخ سعيد /1925/ (أوصمان صبري، نور الدين زازا، بكوات..الخ)، وكان يحدوهم أمل تحرير شعبهم.
لذا كانوا بحاجة إلى كل طاقات شعبهم في سوريا، واستثمارها في خدمة أهدافهم الرئيسة.
ولم تكن مسألة الحدود تدخل ضمن رؤيتهم السياسية في بناء الحزب، لهذا كان شعار (تحرير وتوحيد كردستان) منسجماً مع آمالهم وتوجهاتهم، إلى أن جاءت الاعتقالات مبكراً في عهد الوحدة، ثم في عهد الانفصال، واصطدموا بواقع الجغرافيا والحدود، ولم يتمكن السواد الأعظم منهم من الدفاع عن برنامج الحزب، أو بالأحرى لم يدرك القسم الأعظم منهم التبعات السياسية لمثل هذا الشعار، لذلك بدأت التراجعات والانهيارات تدخل في جسم الحزب، من القاعدة وحتى القيادة؛ فمن مدافع عن هذا الشعار، إلى طرح فكرة الجمعية، ومفهوم الأقلية والشعب، إلى أن حُسم الموقف نهائياً بين تيارين برزا داخل الحزب في آب /1965/ حيث انقسم الحزب إلى جناحين؛ جناح تزعمه حميد درويش ورشيد حمو (الجناح اليميني) حيث اعتبر القضية الكردية في سوريا قضية أقلية كردية وما ينسحب على هذا الطرح من تأمين الحقوق الثقافية أسوة بالأرمن والسريان.
وتيار أطلق على نفسه (التيار اليساري) وكان يتزعمه أوصمان صبري مؤسس الحزب الرئيس، ومجموعة من الكوادر المتقدمة في الحزب، ويتركز جوهر القضية لديهم على اعتبار القضية الكردية قضية شعب، وما يترتب على ذلك من حقوق سياسية وثقافية واجتماعية، إضافة إلى بروز بدايات مفهوم الطبقات داخل المجتمع الكردي متأثراً، بشكل ملحوظ، بالمفاهيم الاشتراكية التي طغت على الفكر السياسي في الشرق الأوسط في ستينات وسبعينات القرن الماضي.واختفى عند التيارين مفهوم كردستان الموحدة، حيث أدركوا أن هناك واقعاً وحدوداً، وانقساماً لابد من العمل ضمنه، وليس خارجه، لكن مجيء البعث إلى السلطة عام 1963 بعنفوانه الشبابي، وبفكره العنصري أجهض عملية التفاعل والتطور الطبيعي للمسيرة السياسية للحركة الكردية، حيث بدأ بحملة اعتقالات واسعة في صفوف الشعب الكردي 1966 شملت الكوادر الحزبية والفعاليات الاجتماعية، ورافقت ذلك سلسلة من المشاريع العنصرية حيث نشر في عام 1965 نتائج الإحصاء الاستثنائي الذي أجري في محافظة الحسكة حصراً عام 1962 ، ثم كان التطبيق المشوه لقوانين الإصلاح الزراعي حيث استغل هذا القانون بنزع الأراضي من الكرد بشكل تعسفي في الأعوام 1965، 1966، 1967 واعتبارها مزارع دولة تقوم السلطة باستثمارها لحسابها الخاص.
والتهيئة لإنشاء الحزام العربي على طول الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا لفصل الكرد في سوريا عن الكرد في تركيا من خلال حزام من المستوطنين العرب تقوم الدولة ببناء قرى نموذجية لهم (مستوطنات) وتوزيع أراضي الكرد عليهم.
وبالفعل تم التنفيذ العملي في 24/6/1974، وتم بناء /39/ مستوطنة.
وكان من المفترض أن تستمر عملية البناء أكثر ويتم تهجير الكرد إلى الداخل أيضاً، إلا أن ظروفاً سياسية استجدت (دخول الجيش السوري إلى لبنان 1976، الصراع مع الإخوان المسلمين 1979) حالت دون تنفيذ المشروع بالكامل.
أما عمليات تعريب المدن والقرى والبلدات الكردية فمازالت مستمرة حتى اليوم، وكذلك عمليات النقل التعسفي وفصل الموظفين والطلبة الكرد.
ولم تتمكن الحركة الكردية من القيام بواجبها كما يجب، أو يفترض.
صحيح أن التيار اليساري حاول في مواقف عدة مقاومة هذا المشروع بشكل عملي (حوادث علي فرو، وكركند،…،..) في الستينات والسبعينات، إلا أنه وقف عاجزاً أمام بناء المستوطنات، خاصة بعد قيام النظام باعتقال قيادة وكوادر البارتي (الحزب الذي ولد من محاولة توحيد الحزبين 1970 في المؤتمر الوطني في كردستان العراق)، وبعض الكوادر من الحزب اليساري عام 1973.
ثم بدأت سلسلة الانقسامات بين صفوف هذه الأحزاب، ودخلت فيها الإيديولوجيا والنزاعات الشخصية والضغوطات الأمنية بشكل لم تعد الرؤى السياسية واضحة ومتبلورة لدى الأطراف المنقسمة على نفسها(الأفكار نفسها، والشعارات نفسها) ونتيجة لذلك حصل انفصام بين الجماهير والحركة السياسية الكردية، ولم تعد الجماهير تكترث بما يدور خلف الجدران المغلقة بين قيادات الأحزاب الكردية، وحصل تقوقع كبير وانحسار لدورها.
لذلك لم يكن غريباً أن يتم استقطاب قسم من الشارع الكردي إلى جمعية المرتضى في أوائل الثمانينات، وهي جمعية ذات طابع سياسي تحت ستار ديني يشرف على إدارتها جميل الأسد شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد.
إن دل هذا على شيء إنما يدل على إفلاس الحركة الكردية وعدم قدرتها على التأثير على جماهيرها، وبذلك تركتهم عرضة للمساومات الرخيصة أمام رموز النظام من خلال التلويح لهم بمكاسب شخصية، وحل قضية الأجانب فقط.
إضافة إلى هذا الواقع المؤلم ترك فراغاً كبيراً للشباب الكرد استطاع PKK استثمارها بشكل جيد لصالحه واستخدامهم في كردستان تركيا، واستشهد الآلاف ولا يزال الآلاف موجودين على الجبال في كردستان تركيا للمهمة نفسها.
ولم يتمكن النشاط المميز الذي قام به ثلاثة أحزاب كردية عام 1992 /توزيع الملصق/ من القيام بما يجب القيام به من استقطاب الشارع إلى جانبه إلا جزئياً.
صحيح أن هذه الأحزاب توحدت ضمن إطار حزب واحد عام 1993 إلا أن الخلاف بينها كان مبكراً، ولم تستمر سوى أربع سنوات، وكان الانقسام مرة أخرى، وكان اليأس مرة أخرى.
لكن التغييرات الكبرى التي حصلت في أوربا في التسعينات قد بدأت تطل برأسها في الشرق الأوسط في أوائل الألفية الجديدة، وحصل حراك سياسي كبير في سوريا تجسد في “ربيع دمشق” 2001، وقد استطاعت أحزاب كردية مجاراة هذا الحراك، ومنها حزب يكيتي الذي تمكن وفي فترة زمنية قصيرة من تحريك اللوحة السياسية الكردية بشكل إيجابي، والقيام بممارسات عملية جادة في هذا الصدد (اعتصام دمشق 2002، تظاهرة الأطفال 2003، مظاهرة قامشلي شباط 2004 أثناء استقبال الرفيقين حسن صالح ومروان عثمان، وكذلك نصب خيمة الاحتفال الجماهيري الكبير) ثم جاءت انتفاضة آذار 2004 لتضع حداً لحالة الركود السياسي، وبدأ الشارع الكردي بالغليان مطالباً الحركة الكردية بالتوحد والعمل معاً من أجل الدفاع عن حقوق الشعب الكردي وقضيته العادلة.
واليوم تجري محاولات جادة ومسؤولة من أجل توحيد الطاقات السياسية الكردية ولملمة صفوفها ووضعها في مسارها الصحيح، وذلك من خلال توحيد الرؤية السياسية الكردية، والعمل معاً من أجل مرجعية كردية تمثل بحق طموحات شعبنا، وتعبر بقوة عن إرادته.
وعلى الرغم من وجود صعوبات كبيرة أمام تحقيق هذا الهدف، نظراً لوجود قوى سياسية (تيار اليمين) تعمل بقوة من أجل إفشال هذا الجهد الكبير، إلا أن خطوات جادة قد قطعت في هذا المجال، ولم يعد ممكناً إيقافها رغم إلقاء العصي أمام مسيرتها ليل نهار.
من خلال ما تقدم نستطيع القول إن الحركة السياسية الكردية، ومن خلال مسيرتها الطويلة، استطاعت أن تنجح في إذكاء الروح القومية، وتنمية الوعي القومي، ونشر ثقافته ولغته بشكل مقبول بين الجماهير الكردية، كذلك وقفت في وجه السياسة العنصرية المتمثلة بالإلغاء والصهر القومي، وكذلك فضح هذه السياسة في الأوساط العربية والدولية، لكنها بالمقابل أخفقت في الإبقاء على طاقاتها موحدة، وكذلك في عدم قدرتها على القيام بممارسات نضالية عملية ترتقي إلى مستوى القضية، إضافة إلى الدخول في مهاترات جانبية وحتى شخصية، وتفشت في بعض مفاصلها ظاهرة المسايرة للنظام وحتى المساومة على القضية أحياناً.
وإذا كنا نعيش اليوم أجواء تبعث على التفاؤل، سواء من جهة نضوج الظروف السياسية الموضوعية التي تحيط بالشرق الأوسط، أو من جهة شعور الأطراف الكردية بضرورة بناء قدراتها الذاتية، وتوحيد طاقاتها في مواجهة استحقاقات المرحلة بكل تشعباتها وأجندتها.
فإن سؤالاً يدور في الخلد: هل ستنجح الحركة في مسعاها هذا؟ أم أن الإخفاق سوف يكون في انتظارها مرة أخرى؟!
—-
* نشرة شهرية تصدرها اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا / العدد 146/ حزيران 2007م