فوزي الاتروشي
كوردستان العراق جزء من العالم الثالث بتراكماته الفكرية والاجتماعية المأزومة التي تكوِّن شخصية الانسان و تخلق فيه حالة أشبه بالمرض المزمن ومن أعراضه التعلق الشديد بالماضي و التراث و مجمل أقوال الآباء و الأجداد و الأعراف و العادات دون تمحيص او اختيار، بل ان حرية الاختيار مقيدة الى اعلان عرف “العيب”!.
هذا في الحياة الاجتماعية اهم عائق امام التطوير و التجديد و التغيير في الافكار و آليات العمل وفي النظرة الى العلم و تطوراته الهائلة على كل الصعد.
ومنذ القدم قال الفيلسوف اليوناني سقراط “اني أعجب للانسان الذي يكنس بيته كل يوم من الفضلات و لا ينظف دماغه مرةً واحدة كل عام من الآراء العتيقة بادخال الجديد و الصالح من الافكار”.
لقد دفع سقراط حياته ثمناً لهذه الفضيلة الكبرى التي أراد زرعها في الانسان ومات مسموماً.
و لانجد الشاعر الكبير الجواهري بعيداً عن هذا الفكر التجديدي كشرط وجودي حين يقول:
لثورة الفكر تاريخ يحدِّثنا
بانَّ ألف مسيحِ دونه صُلبا
ان المرء لا يضع قدمه في نفس النهر مرتين فالحياة جارية و المياه دائمة الجريان من الينابيع ومن جوف الأرض الى الجداول و الروافد و الأنهار و المحيطات في دورة أبدية لا تقف عند حدود و لا حول و لا قوة للسدود إزاء هذا المدّ الهادر.
وكل منطقة او شعب او حكومة او تنظيم سياسي او اجتماعي يظن انه يمكن ان يعتاد على حالة الجماد و يعيش منطوياً على الذات منعزلاً عن الهواء النقي و اتجاهات الرياح و مسارات الغيوم و التغيرات المناخية و الظواهر الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التي تكتسح العالم، سيكون قد ارتكب الخطيئة الكبرى و ذهب بقدميه الى الانتحار الذاتي.
هذا هو قانون الكون وقانون الحياة والذي معه فائزون والذي ضده خاسرون راحلون ومنتزعون من صفحات التاريخ .
اننا في كوردستان العراق الآن امام اختبار صعب للخروج من الأزمات التي تحيق بنا لاننا منذ البدء لم نرتكن الى المنهج العلمي التجريبي في العمل والبناء وتكوين شخصية الانسان .
وحين أتحدث عن الأزمات أعني بها الجانب الداخلي لحياتنا الذي توفرت لنا فرصة ذهبية لانعاشه و تجذيره و تعميق بنائه الديمقراطي و ترسيخ تربية مدنية تهيء الانسان لمواجهة الأزمات الخارجية.
و جزء كبير من أزمتنا يعود الى طريقة تفكيرنا الآنفة الذكر، فمنذ البدء كان السلوكي و الاعلامي يرتكز على شرح الايجابيات باسهاب، و دفن السلبيات “حفاظاً على سمعة التجربة الديمقراطية” و لان التحديات الخارجية تشترط تقديم الاهم على المهم و تأجيل الحديث عن الصدأ و الاحتقان الحاصل في الداخل لان الاعداء الخارجيين لا يتركون لنا فرصة الانشراح و التفكير ببيتنا و أحوالنا الداخلية و مدى صحة جسدنا و تفاصيل الحياة اليومية للمواطن الكوردستاني.
هذا التفكير خاطئ و شمولي و يرتكز الى مبدأ حل المشاكل بمجرد دفنها و انكارها و غلق منافذ تسرّبها.
و كنا طوال الفترة نتناسى ان الاقليم الكوردستاني مكشوف على الهواء و غسيله معروض في عدد وافر من الفضائيات و الصحف و قنوات جمع و تحليل الاخبار و الاحداث و صفحات الانترنيت التي تجعل اي انسان في مجاهيل افريقيا يعرف على الفور ما يحدث في مدن الاقليم.
و طوال المدة المنصرمة لم نلتفت جرياً على العادة الى مفاصل عمل هي مفاتيح التقدم و التطور و نعني جهاز التخطيط و الاحصاء و تهيئة قاعدة بيانات غنية عن كل الظواهر تعيننا على الرؤية وعلى استنتاج القرار الصائب في المجالين الاجتماعي-الاقتصادي و الاداري بعد استقراء دقيق للحالات و الارقام و الوقائع.
ماذا لو اننا لجأنا بشكل تدريجي مرحلي الى مكافحة الفساد المالي و الاداري منذ البداية؟ و ماذا لو اننا اعترفنا قبل سنين اننا ككل مجتمعات العالم لسنا المدينة الافلاطونية الفاضلة وان ملفاتنا الساخنة سواء التي ورثناها من النظام السابق او التي برزت الى السطح عقب ذلك بحاجة الى الاعتراف بها اولاً و الاعتراف سيد الأدلة، ومن ثم تشخيصها بدقة لوضع وصفة الدواء الناجحة لها.
و هكذا فيما يخص مشاكل النساء و الشباب و الاطفال و جملة الأزمات التي تحيط بالانسان الكوردستاني لجهة معيشته و حقوقه و حرياته في اقليم خرج من عباءة أعتى دكتاتوريات العالم، لينفض عن نفسه غبار الحرب العنصرية، البغيضة التي كادت تلغيه من الوجود.
أنا على يقين ان الكثير تحقق و سيكون اجحافاً و ظلماً ان لا نعترف بذلك، و لكني و معي جمهور المثقفين و السياسيين في الاقليم نرى انه كان بالامكان انجاز أكثر لان الشرط الذاتي و الموضوعي توفر منذ عام 1991 في فرصة تاريخية نادرة.
لقد تحقق الكثير على مستوى العمران و البناء المادي و لكن مستوى بناء الانسان و قيم العمل و ضخ دم جديد في جيل الشباب و تنمية وعي وطني قائم على الجدية و الاخلاص تراجع.
ولو كانت لنا قاعدة بيانات قبل أعوام لكان ممكناً وقف الظواهر الاجتماعية، على الأقل في منتصف الطريق.
ان عدم اتباع التفكير العلمي المنهجي و التجريبي و اعتماد آليات عمل الاعلام الرسمي الذي يكره النقد و النقد الذاتي، و التمسك بقاعدة الخوف من تعرية المشاكل و فضحها، جعلنا في كثير من الأحوال مثل النعامة التي تدفن رأسها تحت التراب وهي تظن ان الشمس لا تكشف عريها.
ان الاعلان الحالي عن الشفافية و الطرق الحديثة في الادارة و استقدام خبراء بريطانيين لتدريب الكادر الاداري في الاقليم هي خطوة تبشر بالصحوة و بدء الاعتراف بالواقع و تعكس ارادة للخروج من جبل المشاكل و الأزمات بعد ان اصبحت جبلاً تنوء بثقله صدورنا.
و لكي تحفر هذه الخطوة آثاراها في الارض يجب ان تكون جدية و حقيقية و فعالّة و مستديمة و قائمة على تفكير علمي و عصري يفيد ان الخلل ليس في وجود الأزمات فهي لازمة من لوازم الحياة و من لا يعمل لا يخطأ، و لكن الخلل يكمن في انكار الأزمات ما يعني تقيَّحها و تورُّمها و تضخّمها و خروجها عن احتمالات الحلول.
ان الدول المتحضرة في العالم لديها مؤسسات و مراكز أبحاث و مختبرات و جماعات ضغط و قاعدة بيانات شاملة و احصاءات و استطلاعات و اعلام لا يتثاءب أبداً، لذلك تكتشف العيوب و النتوءات وهي صغيرة وفي نقطة البداية و تبتكر لها الحل الأمثل.
ومنذ القدم قال الفيلسوف اليوناني سقراط “اني أعجب للانسان الذي يكنس بيته كل يوم من الفضلات و لا ينظف دماغه مرةً واحدة كل عام من الآراء العتيقة بادخال الجديد و الصالح من الافكار”.
لقد دفع سقراط حياته ثمناً لهذه الفضيلة الكبرى التي أراد زرعها في الانسان ومات مسموماً.
و لانجد الشاعر الكبير الجواهري بعيداً عن هذا الفكر التجديدي كشرط وجودي حين يقول:
لثورة الفكر تاريخ يحدِّثنا
بانَّ ألف مسيحِ دونه صُلبا
ان المرء لا يضع قدمه في نفس النهر مرتين فالحياة جارية و المياه دائمة الجريان من الينابيع ومن جوف الأرض الى الجداول و الروافد و الأنهار و المحيطات في دورة أبدية لا تقف عند حدود و لا حول و لا قوة للسدود إزاء هذا المدّ الهادر.
وكل منطقة او شعب او حكومة او تنظيم سياسي او اجتماعي يظن انه يمكن ان يعتاد على حالة الجماد و يعيش منطوياً على الذات منعزلاً عن الهواء النقي و اتجاهات الرياح و مسارات الغيوم و التغيرات المناخية و الظواهر الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التي تكتسح العالم، سيكون قد ارتكب الخطيئة الكبرى و ذهب بقدميه الى الانتحار الذاتي.
هذا هو قانون الكون وقانون الحياة والذي معه فائزون والذي ضده خاسرون راحلون ومنتزعون من صفحات التاريخ .
اننا في كوردستان العراق الآن امام اختبار صعب للخروج من الأزمات التي تحيق بنا لاننا منذ البدء لم نرتكن الى المنهج العلمي التجريبي في العمل والبناء وتكوين شخصية الانسان .
وحين أتحدث عن الأزمات أعني بها الجانب الداخلي لحياتنا الذي توفرت لنا فرصة ذهبية لانعاشه و تجذيره و تعميق بنائه الديمقراطي و ترسيخ تربية مدنية تهيء الانسان لمواجهة الأزمات الخارجية.
و جزء كبير من أزمتنا يعود الى طريقة تفكيرنا الآنفة الذكر، فمنذ البدء كان السلوكي و الاعلامي يرتكز على شرح الايجابيات باسهاب، و دفن السلبيات “حفاظاً على سمعة التجربة الديمقراطية” و لان التحديات الخارجية تشترط تقديم الاهم على المهم و تأجيل الحديث عن الصدأ و الاحتقان الحاصل في الداخل لان الاعداء الخارجيين لا يتركون لنا فرصة الانشراح و التفكير ببيتنا و أحوالنا الداخلية و مدى صحة جسدنا و تفاصيل الحياة اليومية للمواطن الكوردستاني.
هذا التفكير خاطئ و شمولي و يرتكز الى مبدأ حل المشاكل بمجرد دفنها و انكارها و غلق منافذ تسرّبها.
و كنا طوال الفترة نتناسى ان الاقليم الكوردستاني مكشوف على الهواء و غسيله معروض في عدد وافر من الفضائيات و الصحف و قنوات جمع و تحليل الاخبار و الاحداث و صفحات الانترنيت التي تجعل اي انسان في مجاهيل افريقيا يعرف على الفور ما يحدث في مدن الاقليم.
و طوال المدة المنصرمة لم نلتفت جرياً على العادة الى مفاصل عمل هي مفاتيح التقدم و التطور و نعني جهاز التخطيط و الاحصاء و تهيئة قاعدة بيانات غنية عن كل الظواهر تعيننا على الرؤية وعلى استنتاج القرار الصائب في المجالين الاجتماعي-الاقتصادي و الاداري بعد استقراء دقيق للحالات و الارقام و الوقائع.
ماذا لو اننا لجأنا بشكل تدريجي مرحلي الى مكافحة الفساد المالي و الاداري منذ البداية؟ و ماذا لو اننا اعترفنا قبل سنين اننا ككل مجتمعات العالم لسنا المدينة الافلاطونية الفاضلة وان ملفاتنا الساخنة سواء التي ورثناها من النظام السابق او التي برزت الى السطح عقب ذلك بحاجة الى الاعتراف بها اولاً و الاعتراف سيد الأدلة، ومن ثم تشخيصها بدقة لوضع وصفة الدواء الناجحة لها.
و هكذا فيما يخص مشاكل النساء و الشباب و الاطفال و جملة الأزمات التي تحيط بالانسان الكوردستاني لجهة معيشته و حقوقه و حرياته في اقليم خرج من عباءة أعتى دكتاتوريات العالم، لينفض عن نفسه غبار الحرب العنصرية، البغيضة التي كادت تلغيه من الوجود.
أنا على يقين ان الكثير تحقق و سيكون اجحافاً و ظلماً ان لا نعترف بذلك، و لكني و معي جمهور المثقفين و السياسيين في الاقليم نرى انه كان بالامكان انجاز أكثر لان الشرط الذاتي و الموضوعي توفر منذ عام 1991 في فرصة تاريخية نادرة.
لقد تحقق الكثير على مستوى العمران و البناء المادي و لكن مستوى بناء الانسان و قيم العمل و ضخ دم جديد في جيل الشباب و تنمية وعي وطني قائم على الجدية و الاخلاص تراجع.
ولو كانت لنا قاعدة بيانات قبل أعوام لكان ممكناً وقف الظواهر الاجتماعية، على الأقل في منتصف الطريق.
ان عدم اتباع التفكير العلمي المنهجي و التجريبي و اعتماد آليات عمل الاعلام الرسمي الذي يكره النقد و النقد الذاتي، و التمسك بقاعدة الخوف من تعرية المشاكل و فضحها، جعلنا في كثير من الأحوال مثل النعامة التي تدفن رأسها تحت التراب وهي تظن ان الشمس لا تكشف عريها.
ان الاعلان الحالي عن الشفافية و الطرق الحديثة في الادارة و استقدام خبراء بريطانيين لتدريب الكادر الاداري في الاقليم هي خطوة تبشر بالصحوة و بدء الاعتراف بالواقع و تعكس ارادة للخروج من جبل المشاكل و الأزمات بعد ان اصبحت جبلاً تنوء بثقله صدورنا.
و لكي تحفر هذه الخطوة آثاراها في الارض يجب ان تكون جدية و حقيقية و فعالّة و مستديمة و قائمة على تفكير علمي و عصري يفيد ان الخلل ليس في وجود الأزمات فهي لازمة من لوازم الحياة و من لا يعمل لا يخطأ، و لكن الخلل يكمن في انكار الأزمات ما يعني تقيَّحها و تورُّمها و تضخّمها و خروجها عن احتمالات الحلول.
ان الدول المتحضرة في العالم لديها مؤسسات و مراكز أبحاث و مختبرات و جماعات ضغط و قاعدة بيانات شاملة و احصاءات و استطلاعات و اعلام لا يتثاءب أبداً، لذلك تكتشف العيوب و النتوءات وهي صغيرة وفي نقطة البداية و تبتكر لها الحل الأمثل.
نحن بدأنا هذا النهج متأخراً وبعد ان أصبحت المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية غابة شائكة و مجموعة متداخلة من الأسلاك، و رغم ذلك نتطلع بثقة و أمل و نقول ان مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة.
و بما ان المقولة الشهيرة تفيد انه “في البدء كانت الكلمة” لذلك أدعو من موقع الحرص زملائي الكتاب المناضلين الى النقد البناء و الحيوي الموضوعي وهذا أعظم مديح يكال للتجربة الديمقراطية في كوردستان العراق، فالرأي قبل شجاعة الشجعان، و ختاماً أقول مرحباً من القلب بدورة الشفافية و الأداء النوعي.
و بما ان المقولة الشهيرة تفيد انه “في البدء كانت الكلمة” لذلك أدعو من موقع الحرص زملائي الكتاب المناضلين الى النقد البناء و الحيوي الموضوعي وهذا أعظم مديح يكال للتجربة الديمقراطية في كوردستان العراق، فالرأي قبل شجاعة الشجعان، و ختاماً أقول مرحباً من القلب بدورة الشفافية و الأداء النوعي.