د.آزاد أحمد علي
كاتب وباحث كردي سوري– قامشلي
pesar@hotmail.com
في الأعوام الأخيرة ظهرت كتب عديدة تعنون لنهاية مرحلة أو ظاهرة، كما تعنون لبدء مرحلة أو بروز ظاهرة أخرى، وذلك تعبيراً عن مفصلية وحيوية بعض القضايا والظواهر الهامة موضوع الكتاب.
والكتاب الذي نستعرضه هنا، شارك في تأليفه عدد من كبار المختصين بشؤون النفط، وقد ظهر الكتاب * في هذا المناخ وجاء في السياق ذاته، سياق التنبه لتفجر وتفاقم مجموعة من القضايا الجوهرية في عالمنا المعاصر وفي مقدمتها مسألة النفط، وبالتالي مشكلة الطاقة على الصعيد العالمي.
كاتب وباحث كردي سوري– قامشلي
pesar@hotmail.com
في الأعوام الأخيرة ظهرت كتب عديدة تعنون لنهاية مرحلة أو ظاهرة، كما تعنون لبدء مرحلة أو بروز ظاهرة أخرى، وذلك تعبيراً عن مفصلية وحيوية بعض القضايا والظواهر الهامة موضوع الكتاب.
والكتاب الذي نستعرضه هنا، شارك في تأليفه عدد من كبار المختصين بشؤون النفط، وقد ظهر الكتاب * في هذا المناخ وجاء في السياق ذاته، سياق التنبه لتفجر وتفاقم مجموعة من القضايا الجوهرية في عالمنا المعاصر وفي مقدمتها مسألة النفط، وبالتالي مشكلة الطاقة على الصعيد العالمي.
وعلى الرغم من أن الكتاب متخصص في البترول ومستقبل تأمين بدائله فالعنوان الفرعي يشير بوضوح إلى “التدابير الضرورية لمواجهة المستقبل” وبذلك يستشرف الكتاب سياسات تأمين الطاقة، ويكشف عن علاقة البترول بالسياسة الدولية، وبالتالي مجمل الصراعات على الساحتين الدولية والشرق أوسطية منذ حوالي قرن.
تم تبويب الكتاب إلى أربع أقسام، الأول: الجيولوجيا، وهو يبحث في التصورات الجيولوجية والعلمية الحديثة لكيفية نشأة البترول.
وكذلك يتم التطرق في هذا القسم إلى كمية البترول المقدرة في جوف الأرض وحجم المخزون الحالي للبترول وكميته على الصعيد العالمي، المعروف اصطلاحاً: بالاحتياطي العالمي من النفط.
كما يضم هذا القسم أيضاً مجموعة من القضايا التخصصية التقنية حول كيفية استخراج النفط في البر والبحر والكلف والمردود لكل من هذه الحالات الاستثمارية.
أما القسم الثاني من الكتاب فيتطرق لعلاقة البترول الوطيدة بالسياسة بدءاً من المغامرة الأولى لاستخراج البترول في منطقة الشرق الأوسط، والتي توجت بنجاح عملية الحفر التي جرت في 26 أيار عام 1908 في منطقة مسجد سليمان في إيران وتدفق النفط حينئذ من فوهة البئر بغزارة، وما تبع عملية التدفق هذه من صراعات نفطية ذات البعد السياسي، مروراً برسم خارطة الشرق الأوسط لأسباب نفطية صرفة بعد الحرب العلمية الأولى، لدرجة أن الكتاب يحيل مسألة الصعود القومي العربي إلى وجود النفط وآفاق استثماره في منطقة الخليج: ((وهكذا، لم يكن هناك إحساس بوجود انتماء قومي عربي، من هنا، فقد كان هدف البريطانيين هو إذكاء المشاعر القومية عند العرب، وذلك لأن في الإذكاء يكمن تقويض الإمبراطورية العثمانية من الداخل من ناحية، ولأن تطوراً من هذا القبيل قد يساعد على خلق كيان عربي يخضع للرابطة التي تهيمن على مصائرها بريطانيا المسماة برابطة شعوب الكومنولث…))ص ـ150
ومن ثم يتم التأكيد لاحقاً على أن الممالك العربية في الخليج تأسست بجهود بريطانية لتسهيل عمليات استخراج واستثمار النفط من قبل الإنكليز والفرنسيين وحسن تدفقه على قارة أوربا عموماً.
لاشك في أننا نصادف في الكتاب استعراضاً للخطوط العامة للصراع السياسي على النفط في المنطقة والعالم، وكذلك آليات تشكل الشركات والاحتكارات النفطية ومنظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”. إضافة إلى استعراض للآراء الاقتصادية المتعلقة بالنمو الاقتصادي على الصعيد العالمي وعلاقة هذا النمو مع أسعار النفط وآليات إنتاجه وتسويقه بالتفصيل في القسم الثالث من الكتاب، الذي يشكك الكاتب فيه بمدى دقة وصدقية المعلومات التي يتم نشرها وتداولها سواء من حيث كميات الإنتاج النفطي أم الاحتياطي العالمي، وبالتالي الكلف الحقيقية وعلاقة كل ذلك بالتسويق والاتجار بالنفط، إذ يؤكد أن أغلب هذه المعلومات ترد وتتوزع عبر أقنية هي أساساً تحت تحكم شركات النفط مثل “مجلة النفط والغاز” و”النشرة الإحصائية للطاقة في العالم” و “التقرير الجيولوجي الصادر عن الولايات المتحدة الأمريكية” لأنها جميعا تروج معلومة محددة ضمن سياسة إعلامية ـ نفطية مدروسة بدقة تقترحها شركات النفط، وبالمحصلة تساهم هذه الدوريات في رسم مسار صعود وهبوط أسعار النفط.
لا شك أن المعلومات التي تصدر عن الأوساط النفطية لها تأثير كبير على سوق النفط، وبالتالي فإن جهات عديدة تتصارع وتتحاور لتثبيت وجهات نظرها كل من منظورة ومصلحة الجهة التي تموله لتدرس الاحتياط العالمي للنفط ونفقات الاستخراج وصولاً إلى الآفاق العملية لتأمين بدائل النفط من الطاقة، لأن إشكالية تأمين البديل العملي للبترول هي التي تؤثر بشكل مباشر على حجم إنتاجه واستثماره وبالتالي أسعاره.
وأخيراً تؤكد بعض الآراء الواردة في الكتاب على أن نهاية عصر البترول قد بدأ فعلاً، مما يدفع بالآخرين بالإعلان عن بداية عصر الطاقة البديلة، وهذا ما يعالجه الكتاب في القسم الرابع، الذي يتضمن أفكاراً جديدة حول فكرة النمو السكاني والاقتصادي وعلاقتهما باستهلاك الطاقة، اعتماداً على أمثلة ونماذج من دول مختلفة من العالم.
وفي هذا السياق الهام يعالج الكتاب معايير التزود المستديم بالطاقة ودرجة توافر الطاقات البديلة للبترول مستقبلاً.
والبدائل المقترحة هي: الطاقة النووية في المقام الأول، ومن ثم الطاقة المكتسبة من الحرارة الشمسية، وكذلك المتأتية من مصدر “كهربيوضوئي”، إضافة إلى تلك المكتسبة من قوة الرياح، وصولاً إلى الطاقة الناشئة من مصادر بيولوجية ومن حرارة أعماق الأرض.
وثمة آراء متفائلة في هذه المجالات جميعاً حيث أن بعض الأوساط العلمية تعتقد بأن الحرارة المخزونة في الثلاث كيلومترات العلوية من الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية تكفي لتزويد العالم بمجمل الطاقة التي سيحتاجها في المائة ألف سنة القادمة.
لكن يتوقف مدى نجاح الانتفاع بالطاقة البديلة للنفط بتكاتف جهود قوى كثيرة وعدم محاربة شركات النفط لها لتحقق نجاحات تطبيقية ملموسة.
وعلى الصعيد السياسي يختزن الكتاب التساؤل التالي: إلى أي درجة كان النفط سبباً مباشراً للاستعمار التقليدي نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين؟ وهل سيكون نهاية عصر البترول بالضرورة نهاية لعصر الكولونيالية الغربية في مطلع الألفية الجديدة؟
يبقى هذا التساؤل ـ الافتراض نظرياً ما دام البترول هو المورد الأساسي للطاقة في العالم اليوم، ويبدو أنه حتى آخر برميل نفط ستتصرف الدول الغربية بعقلية استعمارية وسيتحكم في سلوكياتها السياسية التطلع الدائم للحصول على النفط بثمن زهيد، ومن أجل هذا الهدف تتغاضى الدول الصناعية عن قضايا كثيرة لا تنسجم مع المبادئ التي تعلنها أو تعتنقها، وخاصة التغاضي عن الهياكل السياسية المعادية للعدالة الاجتماعية ولأسس الحياة الديمقراطية في هذا البلد أو ذاك.
وإذا كان اكتشاف البترول واتساع استخدامه في إنتاج الطاقة هي سمة رئيسية لأواخر الألفية الثانية، حيث طبع هذا الاكتشاف السياسة الدولية بطابعها وبضروراتها ومعادلاتها الداخلية وخاصة ضمن جغرافية الشرق الأوسط، فإن نضوب واضمحلال المخزون النفطي وتأمين بدائل جديدة للطاقة لابد له أن ينتج معادله السياسي على مستوى الشرق الأوسط والعلاقات الدولية في مطلع الألفية الجديدة.
حتى الآن لا تظهر بوادر التحول السياسي الذي يفترض أن يصطحب ويرافق هذا التبدل الكبير في استخدام بدائل النفط، فهل “نهاية عصر البترول” هي أيضاً صناعة إعلامية وسياسية جديدة يروج لها خبراء النفط؟!
ـــــــــــ
* نهاية عصر البترول، التدابير الضرورية لمواجهة المستقبل.
تأليف: كولن كامبيل، يورغ شيندلر، فراوكه ليزينبوركس، فيرنر تسيتيل.
ترجمة: د.
عدنان عباس علي.
سلسلة عالم المعرفة –العدد 307- الكويت ـ 2004
تم تبويب الكتاب إلى أربع أقسام، الأول: الجيولوجيا، وهو يبحث في التصورات الجيولوجية والعلمية الحديثة لكيفية نشأة البترول.
وكذلك يتم التطرق في هذا القسم إلى كمية البترول المقدرة في جوف الأرض وحجم المخزون الحالي للبترول وكميته على الصعيد العالمي، المعروف اصطلاحاً: بالاحتياطي العالمي من النفط.
كما يضم هذا القسم أيضاً مجموعة من القضايا التخصصية التقنية حول كيفية استخراج النفط في البر والبحر والكلف والمردود لكل من هذه الحالات الاستثمارية.
أما القسم الثاني من الكتاب فيتطرق لعلاقة البترول الوطيدة بالسياسة بدءاً من المغامرة الأولى لاستخراج البترول في منطقة الشرق الأوسط، والتي توجت بنجاح عملية الحفر التي جرت في 26 أيار عام 1908 في منطقة مسجد سليمان في إيران وتدفق النفط حينئذ من فوهة البئر بغزارة، وما تبع عملية التدفق هذه من صراعات نفطية ذات البعد السياسي، مروراً برسم خارطة الشرق الأوسط لأسباب نفطية صرفة بعد الحرب العلمية الأولى، لدرجة أن الكتاب يحيل مسألة الصعود القومي العربي إلى وجود النفط وآفاق استثماره في منطقة الخليج: ((وهكذا، لم يكن هناك إحساس بوجود انتماء قومي عربي، من هنا، فقد كان هدف البريطانيين هو إذكاء المشاعر القومية عند العرب، وذلك لأن في الإذكاء يكمن تقويض الإمبراطورية العثمانية من الداخل من ناحية، ولأن تطوراً من هذا القبيل قد يساعد على خلق كيان عربي يخضع للرابطة التي تهيمن على مصائرها بريطانيا المسماة برابطة شعوب الكومنولث…))ص ـ150
ومن ثم يتم التأكيد لاحقاً على أن الممالك العربية في الخليج تأسست بجهود بريطانية لتسهيل عمليات استخراج واستثمار النفط من قبل الإنكليز والفرنسيين وحسن تدفقه على قارة أوربا عموماً.
لاشك في أننا نصادف في الكتاب استعراضاً للخطوط العامة للصراع السياسي على النفط في المنطقة والعالم، وكذلك آليات تشكل الشركات والاحتكارات النفطية ومنظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”. إضافة إلى استعراض للآراء الاقتصادية المتعلقة بالنمو الاقتصادي على الصعيد العالمي وعلاقة هذا النمو مع أسعار النفط وآليات إنتاجه وتسويقه بالتفصيل في القسم الثالث من الكتاب، الذي يشكك الكاتب فيه بمدى دقة وصدقية المعلومات التي يتم نشرها وتداولها سواء من حيث كميات الإنتاج النفطي أم الاحتياطي العالمي، وبالتالي الكلف الحقيقية وعلاقة كل ذلك بالتسويق والاتجار بالنفط، إذ يؤكد أن أغلب هذه المعلومات ترد وتتوزع عبر أقنية هي أساساً تحت تحكم شركات النفط مثل “مجلة النفط والغاز” و”النشرة الإحصائية للطاقة في العالم” و “التقرير الجيولوجي الصادر عن الولايات المتحدة الأمريكية” لأنها جميعا تروج معلومة محددة ضمن سياسة إعلامية ـ نفطية مدروسة بدقة تقترحها شركات النفط، وبالمحصلة تساهم هذه الدوريات في رسم مسار صعود وهبوط أسعار النفط.
لا شك أن المعلومات التي تصدر عن الأوساط النفطية لها تأثير كبير على سوق النفط، وبالتالي فإن جهات عديدة تتصارع وتتحاور لتثبيت وجهات نظرها كل من منظورة ومصلحة الجهة التي تموله لتدرس الاحتياط العالمي للنفط ونفقات الاستخراج وصولاً إلى الآفاق العملية لتأمين بدائل النفط من الطاقة، لأن إشكالية تأمين البديل العملي للبترول هي التي تؤثر بشكل مباشر على حجم إنتاجه واستثماره وبالتالي أسعاره.
وأخيراً تؤكد بعض الآراء الواردة في الكتاب على أن نهاية عصر البترول قد بدأ فعلاً، مما يدفع بالآخرين بالإعلان عن بداية عصر الطاقة البديلة، وهذا ما يعالجه الكتاب في القسم الرابع، الذي يتضمن أفكاراً جديدة حول فكرة النمو السكاني والاقتصادي وعلاقتهما باستهلاك الطاقة، اعتماداً على أمثلة ونماذج من دول مختلفة من العالم.
وفي هذا السياق الهام يعالج الكتاب معايير التزود المستديم بالطاقة ودرجة توافر الطاقات البديلة للبترول مستقبلاً.
والبدائل المقترحة هي: الطاقة النووية في المقام الأول، ومن ثم الطاقة المكتسبة من الحرارة الشمسية، وكذلك المتأتية من مصدر “كهربيوضوئي”، إضافة إلى تلك المكتسبة من قوة الرياح، وصولاً إلى الطاقة الناشئة من مصادر بيولوجية ومن حرارة أعماق الأرض.
وثمة آراء متفائلة في هذه المجالات جميعاً حيث أن بعض الأوساط العلمية تعتقد بأن الحرارة المخزونة في الثلاث كيلومترات العلوية من الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية تكفي لتزويد العالم بمجمل الطاقة التي سيحتاجها في المائة ألف سنة القادمة.
لكن يتوقف مدى نجاح الانتفاع بالطاقة البديلة للنفط بتكاتف جهود قوى كثيرة وعدم محاربة شركات النفط لها لتحقق نجاحات تطبيقية ملموسة.
وعلى الصعيد السياسي يختزن الكتاب التساؤل التالي: إلى أي درجة كان النفط سبباً مباشراً للاستعمار التقليدي نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين؟ وهل سيكون نهاية عصر البترول بالضرورة نهاية لعصر الكولونيالية الغربية في مطلع الألفية الجديدة؟
يبقى هذا التساؤل ـ الافتراض نظرياً ما دام البترول هو المورد الأساسي للطاقة في العالم اليوم، ويبدو أنه حتى آخر برميل نفط ستتصرف الدول الغربية بعقلية استعمارية وسيتحكم في سلوكياتها السياسية التطلع الدائم للحصول على النفط بثمن زهيد، ومن أجل هذا الهدف تتغاضى الدول الصناعية عن قضايا كثيرة لا تنسجم مع المبادئ التي تعلنها أو تعتنقها، وخاصة التغاضي عن الهياكل السياسية المعادية للعدالة الاجتماعية ولأسس الحياة الديمقراطية في هذا البلد أو ذاك.
وإذا كان اكتشاف البترول واتساع استخدامه في إنتاج الطاقة هي سمة رئيسية لأواخر الألفية الثانية، حيث طبع هذا الاكتشاف السياسة الدولية بطابعها وبضروراتها ومعادلاتها الداخلية وخاصة ضمن جغرافية الشرق الأوسط، فإن نضوب واضمحلال المخزون النفطي وتأمين بدائل جديدة للطاقة لابد له أن ينتج معادله السياسي على مستوى الشرق الأوسط والعلاقات الدولية في مطلع الألفية الجديدة.
حتى الآن لا تظهر بوادر التحول السياسي الذي يفترض أن يصطحب ويرافق هذا التبدل الكبير في استخدام بدائل النفط، فهل “نهاية عصر البترول” هي أيضاً صناعة إعلامية وسياسية جديدة يروج لها خبراء النفط؟!
ـــــــــــ
* نهاية عصر البترول، التدابير الضرورية لمواجهة المستقبل.
تأليف: كولن كامبيل، يورغ شيندلر، فراوكه ليزينبوركس، فيرنر تسيتيل.
ترجمة: د.
عدنان عباس علي.
سلسلة عالم المعرفة –العدد 307- الكويت ـ 2004
عدد الصفحات293